كيف نستفيد
من شهر رمضان ؟
تأليف
علي بن عبدالرحيم الغامدي
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
1442هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد
فقد سئل شيخنا – رحمه الله – السؤال التالي وأجاب عليه بجواب مطول تم إفراده في هذا السفر المبارك لينتفع به من قرأه واطلع عليه .
ونسأل الله تعالى أن يرفع درجه شيخنا وأن يعلي منزلته في المهديين
السؤال :
شيخنا الفاضل أحسن الله وزادك الله من فضله ونعيمه ، سائل يقول :
نرغب من فضيلتكم التكرم علينا :
١- كلمة حول كيفية الاستفادة من شهر رمضان المبارك ؟
٢- نصيحة لمن يصوم ولا يصلي ، لأني أعرف من يفعل ذلك .
٣- نصيحة لمن يقضي ليالي رمضان في السهر واللهو الذي لا فائدة فيه .
وجزاكم الله عنا خير الجزاء .
الجواب :
أسعدكم الله برضوانه وعافيته وتوفيقه ، وجعلكم الله جميعا مباركين أينما كنتم ، وبارك الله لنا ولكم في أعمارنا وأعمالنا وذرياتنا وازواجنا ، وجعلنا وإياكم وإياهم من الصالحين الطائعين لرب العالمين وأسأله عز وجل برحمته ورضوانه أن يبلغنا وإياكم شهر رمضان ونحن في عافية وأمن وإيمان وطاعة للرحمن كما يحب ربنا ويرضى لعباده الصالحين وأسأله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لصيام رمضان وقيامه إيمانا واحتسابا فإنه من يصوم رمضان إيمانا واحتسابا يغفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن يقومه إيمانا واحتسابا يغفر له ما تقدم من ذنبه فنسأل الله لنا ولكم من فضله ونسأله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من خيار عباده الصالحين في رمضان وفي غير رمضان .
شهر رمضان فرصة عظيمة ومنة من الله عظيمة افترض الله صيامه على عباده المؤمنين وجعل لنا أسوة في الأمم السابقة فقد كتب الله عليهم الصيام جميعا ، ولكنه خص هذه الأمة بهذه المكرمة وهي شهر رمصان يصام من أوله إلى آخره ركنا من أركان الإسلام وجعل ثوابه عنده عظيما وجعل أجره جزيلا فنسأل الله أن يقسم لنا ولكم بأوفر الحظ والنصيب من الأجر والثواب وأن يوفقنا وإياكم وأن يسددنا في أقوالنا وأعمالنا وأن يزكي أنفسنا ويطهر قلوبنا ، فإنه لابد من الاتيان إلى رمضان بقلب سليم كما أن الله يوم القيامة لا يقبل إلا القلب السليم فكذلك هذه المكرمات والمنازل الرفيعات لا ينتفع بها إلا ذوو القلوب السليمة نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل القلوب السليمة .
والقلوب السليمة التي سلمت من الدغل والغش والخداع والنفاق والرياء والسمعة وطلب المحمدة وطلب العلو في الأرض قال الله عز وجل : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا } .
فمن أتى الله بهذا القلب السليم فإنه بأكرم المنازل عند الله عز وجل وهو الذي يقبله الله يوم القيامة ويزكي نفسه ويزكي أعماله في هذه الدنيا .
أحبابي الكرام :
لابد من مصارحة النفس ومكاشفة القلب والتفتيش عن الدواغل التي يكيدنا بها الشيطان دواغل القلوب الدغل الذي يوجده الشيطان وحب الذات وطلب العلو في الأرض في النفوس ، وهو أمر خفي إذا لم يصدق المسلم مع نفسه ويفتش قلبه تفتيشا دقيقا أكثر مما يفتش في بيته عن ثعبان أو غيره من المؤذيات يفتش قلبه تفتيشا دقيقا لينظر في هذا القلب هل عمله متوجه إلى الله أو فيه شائبة من الرياء والسمعة وطلب المحمدة وطلب العلو في الأرض وطلب المدح من الناس فإن من كان كذلك فهذا أجره وهذا ثوابه وليس له عند الله ثواب .
فعلى المسلم أن يصدق مع الله وأن يصدق مع نفسه لأن هذه نفسك إما أن تنجو عند الله وإما والعياذ بالله أن تهلك .
والله أوجدنا من العدم ليس لأحد منة على الله بل المنة لله الواحد القهار أوجدنا من العدم وأسبغ علينا النعم نعم لا تعد ولا تحصى نعم في الباطن والظاهر ونعمه سبحانه الباطنة أكثر من الظاهرة أكثر مما يظهر لنا ومن أعظمها وأجلها بل هو أعظمها على الإطلاق أن هداك للإسلام في حين يتخبط مليارات البشر قديما وحديثا في الكفر والظلام والضلال نسأل الله العافية والسلامة .
فمن الله عليك بأن هداك لهذا الدين القويم الذي يرضاه لعباده فاحمد الله على هذه النعمة وتواضع لله عز وجل وخضع قلبك لهذا الإله العظيم الذي ليس له حاجة فينا ولا يحتاجنا في شيء وإنما هو فضله سبحانه وتعالى وإحسانه ، إيجادنا من العدم هذا نعمة لا تقدر بقدر .
وكذلك إسباغه علينا النعم ظاهرا وباطنا أصدق مع الله اصدق مع نفسك صارح نفسك بهذا كن مع الله عز وجل مخلصا صادقا وفيا فإن الله عز وجل قد أكرمنا وأعطانا ونحن لا نستحق ، ماذا قدمنا مقابل الصحة ماذا قدمنا مقابل العافية ماذا قدمنا مقابل ما اوجده الله فينا من الأعضاء التي تعمل ليلا نهارا ونحن لا نشعر ماذا قدمنا ؟ ما هي قيمة هذه الأعضاء والآلات التي نشتغل بها ونحيا بها ونتنفس بها ونأكل بها ونطعم بها ماذا قدمنا ، كم قيمتها لو أراد الإنسان أن يدفع قيمتها هل لها ثمن ؟
ليس لها ثمن .
الله سبحانه وتعالى ما طلبنا بثمنها وما طلبنا بأجرة عليها تفضل علينا بها سبحانه وأكرمنا وطلب منا أمرا يسيرا هو لنا والله ليس في حاجة إليه ألا وهو : أن نعبده وحده ونخلص له العبادة ونتوجه بها إليه سبحانه وتعالى ، ولا تكون عبادة لأنفسنا فبعض الناس يعبد الله ولكنه في الحقيقة يعبد نفسه ينظر إلى عمله وإلى نفسه وإلى ما يقوله الناس عنه وإذا اختفى وغاب عن الناس تغيرت أخلاقه وتغيرت طباعه هذه المراوغة لا تنفع فهي ضرر هذه بلاء : { قالت الأعراب أمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } .
أنت مسلم لكن الإيمان يحتاج إلى مكاشفة النفس والاطلاع على أسرار القلب والدخول على غوامضه وأسراره وكشفها حتى تكون صادقاً نقياً .
أسأل الله عز وجل أن يلهمنا وإياكم ما ينفعنا في الدنيا والآخرة .
رمضان يطهر الله به الذنوب والمعاصي لمن وفقه الله لصيامه وقيامه إيمانا واحتسابا فمن صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه .
فرمضان شهر البركات والخيرات تفتح فيه أبواب السماء وفي لفظ آخر : (( تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه مردة الشياطين وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر )) .
ولله فيه عتقاء في كل ليلة من النار فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من عتقائه في رمضان .
ولابد للتهيؤ لهذا الموسم العظيم وذلك :
أولا : بالتوبة النصوح والإقلاع عن الذنوب والمعاصي ، وابن آدم خطاء يقول الله عز وجل في الحديث القدسي : (( يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم )) .
ويقول الله تعالى : { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } .
وأمر الله بالتوبة والرجوع إليه في آيات كثيرة معلومة في كتاب الله .
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله ويتوب إليه في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة
وكان الصحابة رضي الله عنهم يعدون له في المجلس الواحد قبل أن يقوم أكثر من مائة مرة يقول : (( رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور )) هذا وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
فالتوبة من الذنوب مطلوبة في كل وقت ولكنها في استقبال هذا الموسم العظيم تكون آكد حتى يدخل المسلم إلى رمضان وهو مطهر من ذنوبه وخطاياه ، يتوب من الذنوب جميعا باطنها وظاهرها ما علم منها وما لم يعلم ؛ لأنه يخطئ بالليل والنهار وقد ينسى ذنبه أو يتغافل عنه أو لا يشعر أنه قد ارتكب ذنبا ، فعلى المسلم أن يتوب إلى الله من الذنوب جميعا ما علم منها وما لم يعلم وما ظهر له وما بطن .
يتوب إلى الله توبة نصوحا بشروطها التي ذكرناها في أكثر من مناسبة :
– بأن تكون خالصة لوجه الله الكريم .
– وأن يقلع عن الذنب فورا .
– وإن يعزم ألا يعود إليه .
– وأن يجدد التوبة والندم كلما ذكر ذنبه ويجدد التوبة آناء الليل وأطراف النهار .
وعليه أن يكثر من الاستغفار بقلب حاضر يستغفر الله بقلبه ولسانه قال الله تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك } فقرن بين توحيده وبين الاستغفار قرن بين أعظم كلمة تقال وبين الاستغفار فُعلم بهذا أن الاستغفار يطهر العبد من الذنوب والمعاصي ويهيئه لأن يكون من أهل لا إله إلا الله حقا وحقيقة ؛ لأنه لابد من توافق الظاهر والباطن على القول والعمل
وإذا أراد العبد أن يجني الحسنات في رمضان فعليه أولا أن يتطهر ؛ لأن التخلية قبل التحلية فهو يتخلى من الذنوب والمعاصي سواء كانت بينه وبين الله أو كانت بينه وبين الخلق يتخلى منها بالتوبة إلى الله والرجوع إلى الله والاستغفار والندم ثم بعد ذلك يتحلى بالطاعة ، فيقدم على صيامه وقد تطهر من ذنوبه فيكون صيامه وقيامه نافلة أي محفوظ أجره لا ينقص .
ومن الذنوب التي يجب أن يتنبه لها العبد ما بينه وبين العباد سواء كانت بالقول أو الفعل أو غيرها فإن الإنسان يذنب في حق الآخرين بطرق مختلفة :
منهم من يعتدي عليه بيده .
ومنهم من يعتدي عليه بلسانه .
ومنهم من يعتدي عليه بنفسه كالحسد الحسد المدمر للحسنات حتى ورد في الأثر – وإن كان فيه ضعف إلا أن معناه صحيح – [ أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ] ولا يتصور أن يقبل عمل من ملئ قلبه حسدا لإخوانه المسلمين فإن الله سبحانه وتعالى لا يقبل إلا الطيب وهذا ليس بطيب هذا خبث هذا منتهى الخبث لأن الحاسد :
أولا : معترض على الله عز وجل يعترض على الله عز وجل في أنه أعطى أو منع ، فهذه مصيبة وطامة كبرى كيف يتخلص منها .
ثانيا : هو اعتداء على أخيه المسلم يتسبب له في أضرار ليست حسية ولكنها أحيانا أشد من الأمراض الحسية قد يقتله قد يمرضه قد يتلف ماله قد يتلف ما أعطاه الله عز وجل بحسده وبغيه .
ومن الاعتداء على العباد : العين فإن العائن يضر بالخلق ولا يتصور أن يكون العائن محبوبا عند الله فإن الله سبحانه وتعالى لا يحب إلا الطيبين والطيبات ويكره الخبث والخبائث ، والعائن من أخبث الخبائث عند الله عز وجل حاقد متمرد على الله معترض على الله فلا يتصور أن يتقبل الله منه عمل ، فعلى المسلم أن يتنبه لهذه الخفايا والدسائس التي يكيده بها الشيطان وهو لا يدري يصلي ويصوم وقد يتصدق ولا يقبل منه عمل ، فهذه مصيبة وطامة عظمى وعند الله في الآخرة أشد وأبقى .
يا أحبابي :
لابد أن يصدق الإنسان مع نفسه ولابد أن يراجع نفسه لابد أن يفتش قلبه ، قلبا يحمل حقدا وغلا على إخوانه المسلمين لا يتصور أن يقبله الله عز وجل
تريد أن يكون صيامك مكفراً للذنوب الماضية وأنت تحمل هذا الحقد على إخوانك المسلمين لا يتصور هذا .
عامل إخوانك المسلمين بما تحب أن يعاملك الله به فأنت تحب من الله أن يرحمك وأن يعفو عنك وأن يكرمك وأن يحسن إليك وأن يسبغ نعمه عليك ، إذاً تعامل مع المسلمين بهذه الروح وهذا الرجاء الذي ترجوه من الله لنفسك .
فعلينا يا إخوان أن نتنبه لهذه الدسائس نحن الآن في استقبال شهر رمضان ونحن نرجو من الله الغفران نرجو الله أن يقبل أعمالنا لابد أن ننصح أنفسنا وأن نطهر قلوبنا وجوارحنا لا نعتدي على مسلم لا بقول ولا بعمل له في نفسه ولا في أهله ولا في ماله نتقي الله في أنفسنا وفي إخواننا المسلمين ، فكيف إذا كان هذا المسلم قريب كيف إذا كان ذا رحم سبحان الله العظيم ، ترجو السلامة ولم تسلك مسالكها ، سبحان الله .
علينا أن نتنبه لهذه الأمور التي قد لا يلتفت إليها كثير من الناس ، أكثر الناس لا يظنها شيئاً مع أنها هي الهلاك وهي الدمار ، إذا كنا نسمع عن عقوبات الله عز وجل لمن يظلم الناس ويعتدي عليهم فإن هذه هي أشدها وأخطرها هذه الأمور النفسية والإضرار بالخلق سواء كان بالنفس أو بالعين الحسد العين البغي البهتان الغيبة النميمة قد جعل النبي صلى الله عليه وسلم النميمة من أنواع السحر .
فيا عباد الله :
تفقهوا وتفطنوا إن الفقه في الدين ليس الفقه الظاهر ولكن حقيقة الفقه فقه الباطن أن يعظم العبد ربه حق التعظيم وأن يقدر الله حق قدره وأن يخضع قلبه وجوارحه لله حقا وصدقا وأن يصدق مع الله .
لما جاء الأعرابي وقال : ما بايعتك على هذا . قال : (( فعلى ماذا بايعت ؟ )) قال : أن أضرب بسهم هاهنا – وأشار إلى نحره – وادخل الجنة قال : (( اصدق الله يصدقك )) .
يا أخوان لا يدخل الجنة إلا من صدق مع الله لابد أن يصدق الإنسان مع ربه وأن يكون وفيا مع الله .
فعلينا بتقدمة التوبة النصوح وتطهير القلوب وتطهير الجوارح واللسان هذه الآلة الخطيرة التي تفتك في أعراض الناس ليلا ونهارا فاكهة الناس في مجالسهم إلا من رحم الله يأتي الإنسان بحسنات يوم القيامة كالجبال ثم يؤخذ من حسناته في هذه المظالم حتى لا يبقى من حسناته التي هي كالجبال شيء ، ثم يؤخذ من سيئات من تعدى عليهم فتوضع عليه فيطرح في النار ، هذا وهو قد جاء بحسنات كالجبال .
ويأتي بعضهم بحسنات كجبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا .
يا أخوان الخطر شديد والأمر عظيم ولابد من الصدق مع الله واللجوء إلى الله وأن يطهر الله قلوبنا هذه تقدمة رمضان لابد أن تقدم هذا بين يدي رمضان حتى يكون صيامك إيمانا واحتسابا توفق وتسدد أن يكون الصيام والقيام إيمانا واحتسابا .
فأما إذا دخل العبد وهو ملوث بهذه القاذورات ولم يعزم ولم يتعب نفسه ويجهد نفسه في أن يتوب توبة صادقة صالحة يعلمها الله عز وجل من قلبه إنما يجوع ويعطش ولكن الأجر لا يؤجر وفي قلبه غل ولا يؤجر وهو يفتك في أعراض الناس لا يؤجر من يجلس وفاكهة حديثه في الناس النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )) .
(( الزور )) هو الباطل بأي شكل وأعظمه الوقوع في أعراض الناس : (( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )) يعني تصوم عن المباحات والحلال وتفطر على المحرمات فما الفائدة من هذا الصيام .
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الصدق مع الله والتوبة النصوح الصادقة الخالصة وأن يجعل ثوابنا وثوابكم الصيام والقيام إيمانا واحتسابا .
يا إخوان :
عندما نؤكد على حقوق العباد في أثناء الكلام عن التوبة إلى الله والتخلي من المعاصي ؛ فلأن حقوق العباد أمرها عند الله عظيم ولا يتجاوز الله عن شيء منها أبدا لو كانت ذنوبك التي بينك وبين الله كرمل البراري والصحاري أو كقطرات البحور فإن الله إذا شاء غفرها جميعا ولا يبالي بها ، وأما الحقوق التي للعباد فإن الله لا يتجاوز عن مثقال ذرة منها ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم برد الحقوق قالوا : ولو كان شيئا يسيرا ؟ قال : (( ولو كان قضيبا من أراك )) .
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو ذر رضي الله عنه فرأى شاتين تنتطحان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا أبا ذر أتدري فيما ينتطحان ؟ )) قال : لا . قال : (( ولكن الله يدري وسيقص بينهما يوم القيامة )) .
فإذا كان الله سبحانه وتعالى سيقص بين العجماوات التي لا تكليف عليها وليس لها جنة ولا نار ولكن بعد أن يقضي الله بينها فيما وقع بينها من المظالم يقول لها : (( كوني ترابا )) وعند ذلك يقول الكافر : { يا ليتني كنت ترابا } .
فإذا كان الله سيقص بين هذه العجماوات التي لا تكليف عليها فما بالكم بالمكلفين الذين أعد الله لهم الجنة والنار ، لابد أن يتدارك العبد نفسه ويؤدي الحقوق والمظالم التي وقع فيها قبل أن لا يكون درهم ولا دينار إنما هي الحسنات السيئات .
وهناك أمر آخر وهو اللسان الذي يفري يمينا وشمالا وشرقا وغربا لا يكاد يسلم منه أحد فإنه أكثر ما يدخل النار ، قال معاذ رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : (( ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم – أو قال : على مناخرهم – في جهنم إلا حصائد ألسنتهم )) .
فالكلمة لها ثمنها عند الله عز وجل وسيقص بها وعليها إن كانت خيرا فخير وإن كانت شرا فشر ، من أجل هذا شدد الله في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه على حقوق العباد والمظالم التي بين الناس ، فمن أراد أن يخلص له صيامه فعليه أن يتخلص من حقوق العباد ولو كانت قضيبا من أراك ولو كانت بمثقال الذر عليه أن يرجع إلى الله ويتوب ويتخلص من حقوق العباد .
فإذا جاء العبد بعد هذا إلى ما بينه وبين الله عز وجل فإن أعظم ما أوجب الله على عباده توحيده وألا يكون في قلبه ولا في وجدانه ولا في ضميره ولا في نفسه إله حق له الألوهية الحق إلا الله وحده لا شريك له .
فإذا أخلص قلبه لله وكان موحدا صادقا فإن أعظم ما أوجب الله عليه بعد ذلك إقامة الصلاة ، فالصلاة مقدمة على الصيام ومقدمة على الزكاة ومقدمة على الجهاد مقدمة على كل عمل يتقرب به العباد إلى الله ، بل لا يقبل الله من الأعمال شيئا إذا هدم أمر الصلاة .
فالصلاة هي عمود الدين هي عمود الإسلام قال صلى الله عليه وسلم : (( رأس الأمر الإسلام – يعني الاستسلام لله بالتوحيد – وعموده الصلاة )) فمن أقام الصلاة استقام له دينه ومن فرط في الصلاة أو ضيعها أو تلاعب بها أو صلى على هواه وعلى طريقته الخاصة فإنه قد هدم دينه ولا يقبل الله منه بعد ذلك صرفا ولا عدلا لا يقبل صياما ولا صدقة ولا غيرها .
فالصلاة هي عمود الإسلام وهي النجاة ، إذا وفق الله العبد لتوحيده فإن نجاته صلاته فإذا صلحت الصلاة صلح سائر العمل وإذا ردت الصلاة رد سائل العمل مهما كان ، والله لو أنفق ملء الأرض ذهبا وفضة أو لو قاتل في سبيل الله حتى يقطع إربا لا يقبل الله منه شيئا إذا هدمت الصلاة .
فلا يغالط المسلم نفسه ، فتجد بعض الناس حريص على شهر رمصان وعلى الصيام وهذا طيب ولله الحمد ولكن تجده مفرطا في أمر الصلاة يصليها على هواه يقوم متى شاء للصلاة وأحيانا لا يبالي أن تخرج عن وقتها أحيانا لا يصلي العصر إلا مع غروب الشمس وأحيانا لا يصلي العصر إلا بعد غروب الشمس ولا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس ، فما الفائدة من صيامه ؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق ينام عن الصلاة حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا )) وهذه صلاة المنافقين .
فعلى المسلم أن يحرص وأن يقدم ما قدمه الله ، فالاهتمام بالصيام طيب ولكن إذا استقامت الصلاة فحي هلا بمن يحرص على الصيام ويواظب عليه ويفرح به هذا يدل على الخير ويدل على الصلاح ، لكن إذا هدمت الصلاة فلا ينفعه الصيام ولا فائدة من هذا الصيام .
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم والمسلمين من صالحي عباده في رمضان وفي غير رمضان فإن هناك قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان قال : [ بئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان ] .
تجدهم في رمضان يجتهدون بل بعضهم في أول رمضان يجتهد ويواظب ويحضر وفي نهاية رمضان في الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيه أكثر هو يتهاون فيه أكثر وربما فرط في الواجبات والأركان والله لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة ولا يقبل فريضة حتى تؤدى الفريضة التي معها وأعظم الفرائض كما ذكرنا لكم هي الصلاة .
فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين يقيمون الصلاة وممن يطيعون الله وممن يتبعون هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن فقه دين الله حقا وممن استقام على أمره كما يحب الله ويرضى ، ونستودعكم الله في رمضان وفي غير رمضان ونستودع الله ديننا ونستودع الله أماناتنا وخواتيم أعمالنا ، ونسأله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن صامه إيمانا واحتسابا ، ونسأله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من عتقائه في رمضان .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .