تأملات في قول الله عز وجل :
{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)}
تأليف
علي بن عبدالرحيم الغامدي
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين : وبعد
فنتذاكر قول الله تعالى : {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)}
فهذا قسم من الله العظيم بالفجر وليال عشر والشفع والوتر والله سبحانه له الخلق والأمر فيخلق ما يشاء ويختار ويفضل بعض خلقه على بعض بحكمة بالغة وعلم كامل
فأقسم بالفجر :
قال بعض أئمة التفسير أن المقصود فجر يوم النحر ؛ لأن يوم النحر هو أفضل أيام الله قال صلى الله عليه وسلم : (( أفضل الأيام يوم النحر ثم يوم القر )) وهو يوم الحج الأكبر .
وفجره هو أفضل أوقات العام
وأقسم سبحانه بليال العشر :
وهي عشر ذي الحجة كما في قول ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغيرهم من أئمة التفسير رحمهم الله ، ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما العمل في أيام أفضل منه في هذه العشر )) قالوا : ولا الجهاد . قال : (( ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )) أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما
وفي عشر ذي الحجة يوم عرفة وهو اليوم الذي يقف حجاج بيت الله في صعيد عرفة ضاحين ضاجين بالتلبية
وهو اليوم الذي يدنو الله فيه من أهل الموقف ويباهي بهم الملائكة ويقول : (( ما أراد هؤلاء ؟ )) وفيها يوم النحر وهو أفضل أيام الله .
– وقيل إن المقصود العشر الأخيرة من رمضان وذلك ؛ لأن الله قال : {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} ولم يقل وأيام عشر ومعلوم أن العشر الأخيرة من رمضان فيها ليلة القدر وهي أفضل ليال العام بل هي خير من الف شهر
وقد تفضل الله على عباده بفتح مواسم الخيرات ليتزودوا من الصالحات
وليتنافسوا في الطاعات ويروا الله من أنفسهم صدق الرغبة في الباقيات الصالحات
وهذه العشر من أعظم هذه المواسم الصالحات وتتبين ميزتها وفضلها في أن الله جمع فيها أمهات العبادات من صلاة وصيام وصدقات وحج وذكر لله تعالى وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر ))
فإن أحب ما تقرب به العباد ما اصطفاه الله لنفسه وفرضه على عباده ففي الحديث الإلهي يقول الله تعالى : (( ….. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ……..)) الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه
فأعظم وأحب ما يتقرب به العباد إلى الله في هذه العشر أو في غيرها
هو أداء الفرائض التي رضيها الله وافترضها على عباده وأن يكون المحرك لها ابتغاء وجه الله وأن تكون على مراد الله وذلك بالمحافظة على شروطها وأركانها وواجباتها وهيئاتها ، على وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم
سلك الله بنا وبكم صراطه المستقيم وجنبنا سبل المغضوب عليهم والضالين .
فمن أراد العمل الصالح المحبوب لله فليعتن بالفرائض التي هي أحب ما
يتقرب به العباد إلى الله في هذه الأيام وفي غيرها
وأعظم ذلك تنقية القلب من لوثات الشك والشرك والنفاق والرياء والسمعة وطلب المحمدة عند الناس وطلب العلو في الأرض فإن هذه الدسائس الشيطانية تفسد الأعمال وتغضب الكبير المتعال فهو أغنى الشركاء عن الشرك ومن عمل عملا أشرك مع الله غيره تركه وشركه قال تعالى : {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص : 83]
ثم تطهير القلب من الغل والحقد والحسد فلا يمكن أن يزكو عمل والقلب يغلي بهذه المهلكات ولا يتم للعبد الخلاص من هذه الشبكات المدمرة إلا بتوحيد القصد والإرادة والإنطراح التام وتعفير الوجوه بين يدي من بيده مقاليد القلوب وأزمتها بصدق ولهج باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى مع مجالسة من تزيد مجالستهم القلوب نورا وصفاء ونقاء وطهارة وزكاة والبعد عن من مجالستهم وكلامهم قسوة في القلب وظلمة وطمس للبصائر
فإن نظر الله إنما هو إلى القلوب وما عمرت به فإما رضا وزكاة وقرب وإلا سخط وزيغ وإبعاد ففي الحديث : (( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ))
نسأل الله برحمته ولطفه أن يطهر قلوبنا ويزكي سرائرنا ويغفر ذنوبنا ويتقبل أعمالنا ويتجاوز عن تقصيرنا
طهارة القلوب هي أوجب الواجبات
وعليها مدار السعادة والنجاة عند لقاء الله فإنه يؤتى بعبد من عباد الله يوم القيامة حتى يوقف للحساب ووزن الأعمال فيؤتى بتسعة وتسعين سجلا من السيئات فيخف الميزان وتثقل السيئات ، فيقال : هل له من عمل صالح ؟ فيقال : ليس له عمل صالح . فيقول الله : بلى ، فيؤتى ببطاقة ، فيقول : وما عسى أن تنفع هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال : لا ظلم اليوم . فتوضع البطاقة فيثقل الميزان وتطيش تلك السجلات فينجوا وينظر إلى البطاقة فإذا فيها لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وإليكم لفظه :
قال صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ اللَّهَ سيُخَلِّصُ رجلًا من أمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ فينشُرُ علَيهِ تسعةً وتسعينَ سجلًّا كلُّ سجلٍّ مثلُ مدِّ البصرِ ثمَّ يقولُ : أتنكرُ من هذا شيئًا أظلمَكَ كتبتي الحافِظونَ ؟ يقولُ : لا يا ربِّ . فيقولُ : أفلَكَ عذرٌ ؟ فيقولُ : لا يا ربِّ . فيقولُ : بلَى إنَّ لَكَ عِندَنا حسنةً وإنَّهُ لا ظُلمَ عليكَ اليومَ فيخرجُ بطاقةً فيها أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، فيقولُ : احضُر وزنَكَ . فيقولُ : يا ربِّ ما هذِهِ البطاقةُ ما هذِهِ السِّجلَّاتِ . فقالَ : فإنَّكَ لا تُظلَمُ . قالَ : فتوضَعُ السِّجلَّاتُ في كفَّةٍ والبطاقةُ في كفَّةٍ فطاشتِ السِّجلَّاتُ وثقُلتِ البطاقةُ ولا يثقلُ معَ اسمِ اللَّهِ شيءٌ )) أخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو وصححه على شرط مسلم وأقره الذهبي وصححه جماعة من أهل الحديث
وهنا وقفة للاعتبار :
فكل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ولكن هذا الرجل قام بقلبه عند قوله لهذه الكلمة ما كان سببا في نجاته بعد أن خسف الميزان وتيقن الهلاك .
وهنا تذكرة بليغة لمن ألقى السمع وهو شهيد
أنه لا بد من زكاة القلوب وحياتها وطهارتها حتى ينتفع العبد بأقواله وأعماله الصالحة قال تعالى : {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء:88 – 89]
فاللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق ويا من بيده أزمة القلوب ومقاليدها نسألك برحمتك لنا ولجميع إخواننا وأولادنا وأهلنا وقراباتنا وأهل قريتنا وجميع المسلمين قلوبا سليمة حتى نلقاك وأنت راض عنا
فإذا وفق الله العبد للتأسيس القويم للقلب السليم فسار إلى الله على صراط مستقيم فقليل العمل يبلغ صاحبه رضا الرب الرحيم
فنسأل الله لنا ولكم وجميع أحبابنا سلوك صراط الله القويم
والأعمال الصالحة بفضل الله ورحمته إذا زكى القلب وصلحت السريرة كثيرة طيبة مباركة ، فمنها :
– نوافل الصلوات .
والصلاة هي كما في الحديث الصحيح : (( الصلاة خير موضوع فمن شاء أن يستكثر فليستكثر ما شاء الله فالله أكثر وأجل ))
– [ فمن سجد سجدة لله رفعه الله بها درجة ]
وهو حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث ثوبان رضي الله عنه ومن حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ومن حديث ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه
– [ وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاجتهدوا في الدعاء ]
وهذا حديث صحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه
– والتطهر للصلاة يغسل الخطايا من الجسد فتنحت بالوضوء ما جناه العبد من
السيئات كما ثبت في جملة من الأحاديث عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم وهي في الصحيحين والسنن
– [ وإذا وقف العبد بين يدي الله يصلي جيء بذنوبه وخطاياه وتوضع على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تحاتت خطاياه فيخرج من صلاته وقد تطهر من ذنوبه التي أثقلت ظهره ]
وهذا الحديث أخرجه محمد بن نصر في قيام الليل وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد صحيح
– [ وإذا خرج المسلم من بيته لا يخرجه إلا الصلاة فما يخطو خطوة إلا رفعت له درجة والأخرى تحط بها عنه خطيئة وتكون صلاته بعد ذلك نافلة ]
أي : أجرها مذخور له بالكامل لا ينقص منها
– [ ومن صلى في بيته النافلة كانت نورا للبيته ولذا قال صلى الله عليه وسلم : (( لا تجعلوا بيوتكم قبورا ))
وقال صلى الله عليه وسلم : (( صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن خير صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة )) وهذا قاله في قيام رمضان
فأكثروا من نوافل الصلاة تزدادوا بها رفعة في الدرجات وتكفيرا للسيئات ونورا لكم في الحياة وبعد الممات
نسأل الله برحمته أن يجعلنا وإياكم وجميع أهلنا وأحبابنا من القانتين المخبتين .
ومن أجل الأعمال وأفضلها صيام النافلة ففي حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( عليك بالصوم فإنه لا عدل له ))
فكان أبو أمامة رضي الله عنه لا يوقد في بيته نهارا نارا إلا أن ينزل به ضيف أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان بإسناد صحيح
وهذا الحديث فيه قصة عظيمة خلاصتها :
أن أبا أمامة رضي الله عنه قال : اكتتبت في غزوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا فادع الله أن يرزقني الشهادة ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( اللهم سلمهم وغنمهم )) قال : فغنمنا وسلمنا ، ثم إني اكتتبت في غزوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا فادع الله أن يرزقني الشهادة . فقال : (( اللهم سلمهم وغنمهم )) قال : فغنمنا وسلمنا . ثم إني اكتتبت في غزوة أخرى فأتيته فقلت : يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فادع الله أن يرزقني الشهادة . فقال : (( اللهم سلمهم وغنمهم )) قال : فغنمنا وسلمنا . قال أبو أمامة رضي الله عنه : فلما رأيت ذلك أتيته فقلت : يا رسول الله فدلني على عمل اعمله . فقال : (( عليك بالصوم فإنه لا عدل له )) فكان أبو أمامة لا يرى في بيته نهارا نارا إلا أن يطرقه ضيف
والصوم عبادة أختصها الله لنفسه من بين العبادات :
– ففي الحديث القدسي : (( كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها قال الله : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به )) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما
– وقال صلى الله عليه وسلم : (( من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا )) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه
وهذا الحديث اختلف أهل العلم في المقصود بقوله فيه : (( في سبيل الله )) :
– فمنهم من قال أن المقصود في الجهاد والرباط في سبيل الله لإعلاء كلمة الله وأن الفضل الوارد في هذا الحديث خاص بالمجاهدين المرابطين في سبيل الله لعظيم فضل الجهاد والرباط لإعلاء كلمة الله
– ومنهم من قال أنه عام في كل من صام لله
والصحيح أنه خاص بالمجاهدين المرابطين في سبيل الله لإعلاء كلمة الله
– وهل صام النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر أو لا ؟
ورد حديثان متعارضان في ذلك :
1- قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : (( ما رأيت رسول الله صائما في العشر قط )) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه
2- وجاء في سنن النسائي عن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم التسع من ذي الحجة ))
وقد اختلف أهل العلم في ذلك :
– فمنهم من أعل حديث حفصة بأنه مضطرب وحديث عائشة صحيح أخرجه مسلم في صحيحه
– ومنهم من جمع بين الحديثين
وعلى كل حال فلو لم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم صام هذه الأيام فقد يكون لعوارض عرضت له صلى الله عليه وسلم أو خشية أن يفرض صيامها على الأمة أو غير ذلك من الأسباب
ويبقى أن الصيام من أفضل الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العباد إلى الله وقد سبق الحديث الصحيح : (( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر ))
والحمد لله ونسأل الله لنا ولكم ولكل أحبابنا التوفيق للعمل الصالح الخالص في كل وقت وحين على مراد الله وعلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن أفضل ما يتقرب به العباد في هذه العشر وفي غيرها ذكر الله :
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب ]
وفي حديث ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم : (( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب العمل فيهن من هذه العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد ))
والحديث في الصحيحين وهذه الزيادة عند الطبراني في الكبير
وقد كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما إذا كانت العشر يخرجان إلى الطرقات فيكبران فيكبر الناس بتكبيرهما حتى ترتج المدينة بالتكبير
وهذه من السنن التي أميتت في هذه الأزمنة ولا حول ولا قوة إلا بالله
والتكبير من أول العشر إلى فجر يوم عرفة مطلق في كل الأوقات
ومن فجر عرفة يبدأ التكبير المقيد لغير الحاج
فأما الحاج فيبدأ التكبير المقيد مع بداية رمي جمرة العقبة يوم النحر
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظا خاصا بالتكبير في هذه الأيام ولكن صح عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم ، ومن ذلك :
– الصيغة الأولى : (( اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً ))
وهذه الصيغة من قول سلمان الفارسي رضي الله عنه أخرجها البيهقي في السنن الكبرى بإسناد صحيح
– الصيغة الثانية : (( اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً اللَّهُ أَكْبَرُ وأجَلُ اللَّهُ أَكْبَرُ وللَّهِ الحمدُ ))
وهذه الصيغة من قول ابن عباس رضي الله عنهما أخرجها ابن أبي شيبة بإسناد صحيح
– الصيغة الثالثة : (( اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ واللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وللَّهِ الحمدُ ))
وهذه الصيغة من قول ابن مسعود رضي الله عنه أخرجها ابن أبي شيبة بإسناد صحيح
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم وجميع أحبابنا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات
وأفضل ما في العشر التاسع والعاشر ثم أيام التشريق
فأما يوم التاسع فهو يوم عرفة حيث يجتمع حجاج بيت الله في صعيد عرفة ضاحين ضاجين بالتلبية يتفضل عليهم ربهم فيدنوا منهم ويباهي بهم الملائكة فقد روى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ))
وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل إلى السماء الدنيا فيقول : انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً ضاحين جاءوا من كل فج عميق ولم يروا رحمتي ولا عذابي فلم أر يوماً أكثر عتقاً
من النار من يوم عرفة )) رواه أبو يعلى
وفي حديث عمرو بن شعيب : (( خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله )) أخرجه مالك مرسلا وأخرجه الترمذي وضعفه والحديث لا يروى إلا مرسلا
فينبغي الإكثار من الدعاء في يوم عرفة والذكر
وغير الحاج يشرع له صيام يوم عرفة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج : (( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده )) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة رضي الله عنه
فأما الحاج فلا يشرع له صيام يوم عرفة ليتقوى على الذكر والدعاء
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم وجميع أحبابنا من صالحي عباده
وأما اليوم العاشر فهو يوم عيد الأضحى ويسمى يوم الحج الأكبر حيث يفيض الحجاج من مزدلفة إلى منى فيبدأون برمي جمرة العقبة ومع بداية الرمي يقطعون التلبية ويبدأون التكبير ثم ينحرون الهدي لمن عليه هدي ثم يحلقون أو يقصرون والحلق أفضل ثم يخلعون ملابس الإحرام ويلبسون ملابسهم المعتادة ويتطيبون ويحل لهم كل شيء حرم عليهم بالإحرام إلا إتيان النساء ويسمى التحلل الأصغر أو التحلل الأول
ثم يفيضون إلى بيت الله الحرام فيطوفون طواف الإفاضة وهو طواف الحج وهو ركن من أركان الحج ومن لم يسع مع طواف القدوم أو كان متمتعا فيسعون بين الصفا والمروة سعي الحج ثم يعودون إلى منى ويحل لهم كل شيء حرم عليهم بالإحرام ويسمى التحلل الأكبر فتحل لهم النساء وسمي هذا اليوم بيو الحج الأكبر لأن معظم أعمال الحج تؤدى في هذا اليوم وهو أعظم أيام الله وأفضلها
وغير الحاج يؤدون صلاة العيد ثم يذبحون الأضاحي وهي أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله في هذا اليوم
والأضحية واجبة على المستطيع وهذا القول هو أصح الأقوال في حكمها أنها واجبة على المستطيع ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا )) أخرجه أحمد وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن
ودلالته على الوجوب من حيث أنه منع من استطاع أن يضحي فلم يضح من قربان المصلى لأداء صلاة العيد
وصلاة العيد فريضة على كل مسلم ومسلمة كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –
وقد ورد في فضل الأضحية أحاديث كثيرة صحيحة وقد سبق أن ذكرنا بعضها ولله الحمد
ويوم العيد يحرم صومه ولا يقبل ممن صامه وهو مع أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله وهي أعيادنا أهل الإسلام فلا يجوز صيامها
لكن الحاج الذي وجب عليه الهدي فلم يستطع أن يذبح يصوم ثلاثة أيام في الحج فإن صامها قبل عرفة وإلا فيصوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر وهي أيام التشريق ثم يصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله
والذبح في يوم العيد وأيام التشريق في أي وقت في النهار أو في الليل
والمشروع أن يأكل ويهدي ويتصدق وإن أكلها كلها أو تصدق بها أو أهداها فلا بأس والأمر في ذلك واسع
نسأل الله أن يبلغنا وإياكم وكل مسلم ومسلمة ما يرضيه عنا ، وبهذا تنتهي هذه السلسلة المباركة .
فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
ونسأل الله دوام نعمة الهداية وشكرها ونسأله برحمته أن يجعله حجة لنا لا علينا وينفعنا بها وكل من قرأها واستفاد منها في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله
تأملات في قول الله عز وجل - والفجر وليال عشر