تفسير آيات من سورة البقرة - من 1 إلى 125
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير القرآن الكريم
تأليف
علي بن عبد الرحيم الغامدي
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد
فهذا درس في التفسير أقترحه بعض الإخوان جزاهم الله خيراً ، وأرادوا بذلك الانتفاع ونفع إخوانهم ، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما علمنا ، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح .
كلام الله عز وجل لابد من قراءة تفسيره ؛ لأن الإنسان إذا لم يطلع على أقوال أهل العلم في كلام الله عز وجل وتفسيره لا يصل إلى مراد الله عز وجل ، خاصة في هذا الزمان الذي تبدل فيه اللسان وكثر فيه الجهل ، وفقد الناس أساسيات في العلم لا يعرفونها ولا يحيطون بها ، فلا يمكن في مثل هذه الأجواء أن يقرأ الإنسان القرآن ويصل إلى مقاصده ومعانيه ، وحتى لا يتقول على الله بغير علم فان القول على الله تعالى بغير علم خطره عظيم والشرك مع شدة خطره ما هو إلا نتيجة من نتائج القول على الله بغير علم .
قال تعالى : {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} ]سورة لقمان الآية (13)[ ويقول سبحانه وتعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمونُ} ]سورة الأعراف الآية (33)[ .
فالإنسان لن يصل إلى القول على الله بعلم وعدل إلا بعد الإطلاع والتعلم وقراءة كلام أهل العلم ، لذلك كان المقترح أن يكون هذا الدرس في التفسير ، حتى نقرأ كلام أهل العلم في كتاب الله عز وجل .
وبعد النظر فان تفسير ابن كثير من أنفع ما يمكن أن يدرس في مثل هذا المكان وهو ولا شك كتاب حافل ولكنه واسع ، ومباحثه متعددة ومتشعبة وربما لا يستطيع الكثير المتابعة فلذلك وقع الاختيار على مخـتصر من المختصرات هو ( المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ) .
وقبل البدء لابد أن نعرف شيئا عن مؤلفه الإمام ابن كثير – رحمه الله .
الإمام ابن كثير
هو الإمام الحافظ ، الحجة ، المحدث ، المؤرخ ، المـفسر ، الفقيه ، ذو الفضائل ، عماد الدين أبو الفداء ، إسماعيل ابن عمر ابن كثير القيسي القرشي النسب ، الدمشقي النشأة والتربية والتعليم ، الشافعي المذهب ، السلفي المعتقد ، هذا وصف العلماء ، فكل كلمه لها قدرها ولها معناها ولا يطلقونها إلا على أهلها الذين يستحقونها ، قال صلى الله عليه وسلم : (( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ))[1] فأول خصائصهم أنهم يتكلمون بعدل ويعطون كل ذي حق حقه
ولد الإمام الحافظ ابن كثير في قرية مجدل من أعمال مدينة بـصرى من أعمال دمشق فالقطاع كله يسمى دمشق ومن مدن دمشق بصرى ومن أعمال بصرى مجدل .
وكان مولده في عام (700 هـ ) أو قبلها بقليل على التحقيق ، وقد نشأ في بيت علم فقد كان أبوه أبو حفص ابن كثير خطيبا ، فقيها ، عالما ، عني بالعربية ، واللغة ، لكنه مات وابنه إسماعيل صغير ، قال عن نفسه توفي والدي في جمادى الأول من سنة ( 703 هـ ) في قرية مجدل ، ودفن فيها بمقبرتها الشمالية عند الزيتون وكنت آنذاك صغيرا ابن ثلاث سنين أو نحوها لا أدركه إلا كالحلم ثم تحولنا من بعده في سنة ( 707 هـ ) إلى دمشق ، بصحبة كمـال الدين عبد الوهاب الكبير( أخوه الأكبر ) وقد كان لنا شقيقا ، وبنا رفيقا ، وقد تأخرت وفاة عبد الوهاب إلى سنة (750 هـ ) فاشتغلت على يديه بالعلم .
فالإمام ابن كثير – رحمه الله – عالم من أسرة علم ، أبوه كان عالما وكذلك أخوه عبدالوهاب ، وأخوه إسماعيل الكبير الــذي توفي قبل ولادته أيضا كان من العلمـاء يقول : اشتغلت على يده ( يدي أخيه ) بالعلم فيسر الله ما يسر وسهل من العلم ما تعسر وعندمـــا يريد الله بعبده الخير يقيض له أسبابه .
حياته العلمية
حياته العلمية تشمل جانبين :
أولا : تـشمل طلـب العلـم وطريقتـه في طلـب العلـم .
وثانيا : وتشــمـل مشـايـخه الـذين درس عليــهـم .
فأما طريقته في طلب العلم : فقد أشتغل بالعلم على يد أخيه /عبد الوهاب ، ثم أجـتهد في تحصيل العلوم على كبار علماء عصره ، وقد حفظ القرآن وعمره (11) سنة كما ذكر ذلك عن نفسه في كتاب ( البداية والنهاية ) لما ذكر أحد زملائه في الطلب وهو الشيخ نور الدين على ابن الهيجاء الكركي قال : ختمت أنا وهو في سنة إحدى عشرة وسبعمائة وإذا كان الحافظ ولد في سبعمائة وختم القرآن في إحدى عـشرة وسبعمائة فمعنى ذلك أنه ختم القرآن وعمره (11) سنة وقد منحه الله عز وجل حافظة قوية وفهما ثاقبا وعلما جما ، وإطلاعا واسعا ، شهد له بذلك شيوخه وتلاميذه ومن علامة حفظه ونبوغه ، أنه حفظ كتاب التنبيه في فقه الشافعية وهو لازال صغيرا وكذلك مختصر ابن الحاجب في الأصول ، ومما يدل على همته أنه سمع صحيح مسلم في تسعة مجالس بقراءة الشيخ محمد بن محمد بن سهل الأزدي الغرناطي سمعه على الشيخ / نجم الدين بن العسقلاني وغير ذلك كما سيأتي في ترجمة شيوخه .
شيوخه
شيوخه كثير ويصعب حصرهم ، لكن أ شهر هم وأكبرهم وأجلهم :
* – شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية – رحمه الله – الذي توفي عام ( 728هـ ) وقد لازمه ابن كثير وتخرج علـــى يديه وكان له خصوصية ومناضلة عنه وإتّباع له في كثير من أرائه ، وقد أمتحن بسبب ذلك ، وقد استفاد من شيخ الإسلام ابن تيمية كثيرا وتأثر به في جميع مؤلفاته ، وخصوصا في كتاب التفسير ، وفي مجال العقيدة ، وتقرير مذهب أهل السنة والجماعة في العقائد ، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في كتابه الدرر الكامنة في ترجمة ابن كثير ، قال : واخذ عن ابن تيمية ففتن بحبه وأمتحن بسببه .
* – ومن مشايخه الشيخ المفتي/إبراهيم بن الشيخ تاج الدين الغزالي ، وهو من فقهاء الشافعية الكبار ، وسمع عليه صحيح مسلم ، كما ذكر ذلك عن نفسه في كتاب (البداية والنهاية) .
* – ومن مشايخه أيضا الحافظ الكبير الإمام أبو الحجاج المزي ، الذي توفى عام (742 هـ ) وكان من كبار الحفاظ في ذلك الزمان وعلمائه ، وله خدمات جليلة في مجال الحديث منها تهذيب الكمال وهو في أسماء رجال الكتب الستة ، ومن ذلك كتابه تحفة الأشراف في أطراف الكتب الستة ، وهو من أجل الكتب في مجال خدمة الحديث والمحدثين وقد لازم ابن كثير شيخه المزي وتزوج بابنته زينب ، وقرأ عليه كتاب تهذيب الكمال وكتاب الأطراف .
* – ومن مشايخه أيضا الحافظ المؤرخ أبي عبد الله شمس الدين الذهبي ، وقرأ عليه واستفاد منه ونقل كثيرا من كلامه خاصة عن الرجال والعلل ( علل الحديث ) .
تلاميذه
أما تلاميذه فهم كثير لأنه قد تولى كثيرا من المدارس ، والذي يتولى المدارس الكبرى في ذلك الزمان يكثر تلاميذه لكن من أشهرهم :
* – الحافظ العراقي الذي هو شيخ الحافظ ابن حجر .
* – ابن الجزري المقري المشهور صاحب النشر في القراءات العشر ولها منظومة اسمها ( طيّبة النشر ) .
مذهب الحافظ ابن كثير في العقيدة
مذهب سلفي يظهر ذلك من خلال تمسكه بعقيدة السلف ، وتقريره لها في مؤلفاته وخاصة التفسير ، حيث نجد أن تفسيره لآيات العقائد والأسماء والصفات يقرر فيها أصول العقيدة على مذهب أهل السنة والجماعة ، كـما أنـه قـرر عقيدة أهل السنة والجماعة ، فهو يدافع عنها ويذب عنها ويبين ضلال من خالفها ، كالخوارج ، والشيعة والمعتزلة ، وأمثالهم من فرق الضلال ، وهو في ذلك يمشي على طريق شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله .
أما في الفقه فقد كان شافعيا ، ولكن يختار ما يرجحه الدليل ، وهو من المجتهدين الكبار الذين ينظرون في الأدلة ، ويقررون الأحكام على ضوء ما يدل عليه الدليل من الكتاب والسنة ، ولذلك نجده في باب الفقه يخالف الشافعي إذا اتضح الدليل . وسيأتي في تفسيره إن شاء الله شيئاً من هذه المسائل .
فضل العالم
يظهر فضل العالم :
أولاً : من مؤلفاته .
وثانيا : من ثناء العلماء عليه .
* – قال فيه المحدث الفاضل ابن حبيب ، إمام ذوي التسبيح والتهليل وزعيـم أرباب التأويل سمع ، وجمع ، وصنّف وأطرب الأسماع بالفتوى ، وحدّث وأفاد ، وطارت فتاواه في البلاد واشتهر بالضبط والتحرير ، وانتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير .
* – وقال شيخه الذهبي – رحمه الله – إمام الجرح والتعديل في العصور المتأخرة قال في تذكرة الحفاظ ، وتذكرة الحفاظ إنما يضع فيها كبار العلماء والحفاظ فكونه يضع تلميذه في تذكرة الحفاظ هذا في حد ذاته يعتبر شرف عظيم وتزكية كبرى لتلميذه الحافظ ابن كثير .
قال سمعت مع الفقيه المفتي المحدث ذي الفضائل عماد الدين إسماعيل ابن كثير البصروي الشافـــعي ، له عناية بالرجال والمتون والفقه ، خرّج وناضل وصنف وفسّر ، وقدم أي تقدم على غيره .
ويقول في المعجم المختص : الإمام المفتي ، المحدث ، البارع ، فقيه متفنن محدّث متقن مفسّر نقاد له تصانيف مفيدة .
* – قال تلميذه الحافظ أبو المحاسن الحسيني وهو أحد علماء الحديث والمؤلفين في الرجال ، أفتى ودرّس ، وناظر ، وبرع في الفقه والتفسير والنحو ، وأمعن النظر في الرجال والعلل .
* – قال تلميذه شهاب الدين ابن حجي ، كان أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث وأعرفهم بتخريجها ، ورجالها وصحيحها وسقيمها ، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك .
* – قال الإمام السيوطي : يقــول في طبقـات الحفاظ ، له التفسير الذي لم يؤلف على نمطه مثله .
وفاته
توفي في عام ( 774هـ ) بعد أن كف بصره ، أكرمه الله بعد هذا العلم وهذه المكانة وهذه المرتبة والتقدم بكف بصره حتى ينال ما بـشر به الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( يَقُولُ اللَّهُ : مَنْ أَذْهَبْتُ حَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ لَمْ أَرْضَ لَهُ بِثَوَابٍ دُونَ الْجَنَّةِ ))[2] .
* – قــال الإمام ابــن ناصـر الــدين : كــانت جنازته حافلة مشهورة ، ودفن بوصيه منه في تربة شيخ الإسلام ابن تيمية بمقبرة الصوفية ، فصاحب شيخه في حياته وأوصى بدفنه بجواره بعد موته خارج بيت النصر بدمشق .
ورثاه بعض طلبته بقوله :
لفقدك طلاب العلوم تأسفوا وجادوا بدمع لا يبيد غزير
ولوا مزجوا ماء المدامع بالدماء لكان قليل فيك يـا بن كثير
آثاره العلمية :
يـظـهـر فـضـل الـعـالم بثنــاء العـلمــاء عليه ، وبآثاره العلمية ومنها :
البداية والنهاية :
هي من أعظم المراجع التاريخية وتكلم فيها عن بدء الخلق ، بدء خلق السماوات والأرض وما فيها ، ثم تاريخ البشرية منذ خُلِقْ آدم إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يستدل في ذلك بما ورد في القرآن ، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتاريخ المسلمين إلى عام ( 700هـ ) تقريبا والجزئين الأخيرين تكلم فيهما عن الفتن وأشراط الساعة ثم القيامة ثم ما بعد القيامة من الحشر والنشر والجزاء والحساب والجنة والنار .
اختصار علوم الحديث :
علوم الحديث للإمام الحاكم صاحب المستدرك ، وابن الصلاح له على علوم الحاكم نوع من التلخيص والاستدراك والزيادة سماها مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث ثم جاء الحافظ ابن كثير فاختصر مقدمة ابن الصلاح في كتابه ، اختصار علوم الحديث وبعضهم يسميه الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث ، وهو كتاب مشهور ومتداول يدرسه الذين يدرسون مصطلح الحديث ويقرر في بعض الجامعات .
السيرة النبوية :
وهى مطولة في البداية والنهاية الطبعة القديمة أكثر من ستة مجلدات أو قريبا منها ويقال أنه أفرد سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في تأليف أطول ، و قد تكون هي التي في البداية والنهاية والبعض يقول إنه ألف السيرة المطولة ثم لّما ألف البداية والنهاية ضمها إليها ، وجاء عالم مصري اسمه مصطفى عبد الواحد – رحمه الله – فاستخلصها من البداية والنهاية وطبعها لوحدها .
الفصول في اختصار سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم :
ذكر فيـه نسب الرسول صلى الله عليه وسلم وذكـر فيـه أيامه ومغازيه وأشياء مختصرة .
جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن :
وقـد جمـع فيـه الكتـب الستة ومسنـد أحمد ومسند البزار وأبي يعلى والطبراني ، جمعها مع الكتب الستة ورتبها على أسماء الصحابة رضي الله عنهم لكنه مات قبل أن يُكمله .
التكميل :
في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل ، جمع فيه تهذيب الكمال للمزي ، وميزان الاعتدال للذهبي ، وزاد فيه زيادات كثيرة في الجرح والتعديل ، لكنه إلى الآن مفقود وللأسف فإن مما يغبن العلماء أن مثل هذا الكتاب لازال مفقوداً .
شرح صحيح البخاري : لكنه لم يُكمله .
الأحكام الكبير :
دائما يذكره في التفسير ، ويقول : وقد استوفينا الكلام على هذه المسألة في الأحكام الكبير ، لكنه وصل إلى الحج ولم يكمله .
التفسير :
قال الإمام الزرقاني : وتفسيره هذا من أصح التفاسير بالمأثور إن لم يكن أصحها جميعا وقال الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – تفسير الحافظ ابن كثير ، أحسن التفاسير التي رأينا وأجودها وأدقها بعد تفسير إمام المفسرين أبي جعفر الطبري ، ولسنا نوازن بينهما وبين أي تفسير آخر مما بين أيدينا رأينا مثلهما ولا يقاربهما .
وتفسير ابن كثير طبع عدة مرات ومن أجود هذه الطبعات الطبعة التي في أربع مجلدات لأنها طبعت على نسخ مخطوطة قديمه ، وطبع الآن في الآونة الأخيرة طبعات جيده محققه منها : طبعة سلامة ، في ثمان مجلدات ومنها طبعة إبراهيم البنا ، ومحمد عاشور وغيرهم في سبعه مجلدات .
وأما مختصراته فكثيرة منها :
– ( عمدة التفسير ) اختصار وتحقيق الشيخ / أحمد شاكر – رحمه الله .
– ( تيسير العلي القدير ) اختصار الشيخ / محمد نسيب الرفاعي .
– ( لباب التفسير ) للشيخ / عبد الله محمد آل الشيخ .
– ( المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ) لجماعة من العلماء بإشراف صفي الرحمن المباركفوري .
وأحسن هذه المختصرات مختصر الشيخ / أحمد شاكر – رحمه الله – وأقربها تناولا مختصر المصباح المنير .
وهناك مختصر نذكره من باب التحذير والتنبيه منه ، وهو ( مختصر الصابوني ) فقد أخل به وهو منتقد ، وسبب الانتقاد أنه أشعري ، وليس من أهل العلم بالحديث لذلك فهو يحذف حديثاً صحيحاً ويثبت حديثاً ضعيفاً .
والذي ينصح به العلماء الرجوع إلى الأصل وعدم الاعتماد على شيء من هذه الـمختصرات لأن الـمختصر لا يمكـن أن يبـقي المسائل والأقوال والمباحث كما أوردها المؤلف ، ولكن إذا كان الإنسان في البداية في طلب العلم يمكن أن يقرأ المختصرات حتى يتقوى ويدخل برفق .
مسألة
لماذا تميز تفسير ابن كثير على غيره ؟ وما هي الطريقة الصحيحة لتفسير القرآن ؟
لا شك أن ابن كثير سلك الطريقة الصحيحة أو أصح الطرق للتفسير ، لذلك تميز تفسيره وكثر الثناء عليه وأطبق عليه العلماء من قديم ، فسلك أفضل الطرق وأحسنها في تفسير القرآن وهو التفسير بالمأثور .
والتفسير بالمأثور معناه أن يفسر القرآن بالقرآن أو يفسر القرآن بالسنة أو يفسر القرآن بأقوال الصحابة والتابعين ، بالإضافة إلى الاعتناء باللغة ، فإذا سلك العالم هذه الطريقة في التفسير تميز تفسيره وحصـل له القبول عند العلماء ، وهذه هي الطريقة السلفية في التفسير من بعد الصحابة إلى زماننا .
– الطريقة الأولى : أن يُفسر القرآن بالقرآن
لأن القرآن كلام الله فالله أعلم بمراده فالآيات توجز في مكان وتبسط في مكان آخر ، وهذا كثير في القرآن مثاله : في سورة البقرة قول الله تعالى : {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}] سورة البقرة الآية (65) [هذا موجز .
وجاء البسط لهذا في سورة الأعراف ، قال الله عز وجل : {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون}] سورة الأعراف الآية (163) [هذا هو تفسيرها .
* – ومنهـا : أن في القـرآن في بعض المواضع إجمال وبيانه في موضع آخر ، كما في قوله تعـالى :{ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ }] سورة المائدة الآية (1) [ .
هذا معناه أن بهيمة الأنعام حلال واستثنـى الله عز وجل إلا ما يتلى علينا ، والذي تلاه علينا بينـه الله عز وجل في نفس السورة بعدها بآية فقال تعالى : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [3] فهذا مما حـــرمه الله علينا فبين سبحانه وتعالى ذلك الـذي أجــملـه في الآيـة الأولى .
* – ومنـهـا أن تكون الآية مطلقة في مكان ومقيدة في مكان آخر ، ومن ذلك قوله تعالى : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [4] هذه مطلقة ، وقد قيدها الله بمن مات على هذا ولم يتب ، ومن تمام هذه التوبة أن يسلم القاتل نفسه ليقتل أو يدفع الدّية ، فقال تعالى : {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَعفْ لهُ العَذابُ يَومَ القِيامةِ ويَخلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إلا مَن تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فأولئـك يُبَدِلُ اللهُ سَيِئاتِهِم حَسَناتٍ وكَانَ اللهُ غَفُوراً رحِيماً * ومَن تَابَ وعَمِلَ صالحًا فإنّهُ يتُوب إلى اللهِ مَتَاباً} [5] .
* – ومـــن ذلك تخصيص العام ، يكون اللفظ عام ويرد في مكان آخر مخصص كأن ُيخرج منه بعض أفراده ، كما في قوله تعالى :{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [6] فخص الله تعالى نساء أهل الكتاب فقال :{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}[7] .
* – ومن أوجه تفسير القرآن بالقرآن أن يكون اللفظ مبهم في مكان وموضح في مكان آخر كقوله تعالى :{يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ} [8] هذا مبهم والتوضيح في نفس الآية وهو قوله تعالى :{لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} .
* – ومن ذلك النسخ كأن ترد آية في مكان وتنسخ في مكان آخر قال تعالى :{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِين}[9] فهذه كانت واجبة في أول الأمر فلمّا نزلت آية المواريث نسخت هذا الحكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : (( إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث )) [10] .
* – تفسير القراءات بعضها ببعض ، يقول مجاهد لو قرأت قراءة ابن مسعود قبل أن أسأل ابن عباسرضي الله عنه لما سألته عن كثير من المسائل .
– الطريقة الثانية : تفسير القرآن بالسنة
فالسنة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير قال تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[11] فالسنة هي الذكر الذي أُنزل ليبين للنّاس ما نُزّل إليهم ، مثاله قول الله في مواطن كثيرة : { َأَقِيمُوا الصَّلاةَ} ولم يبين هيئة الصلاة وأركانها وواجباتها ، ولا عدد الركعات فجاء البيان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فصلى وقال : (( صلوا كما رأيتموني أصلي )) [12] .
* – وأيضا ما جاء توضيح لمشكل كما في قوله تعالى :{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [13] فبعض الصحابة أخذ عقال أبيض وعقال أسود ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( … إنما هو سواد الليل وبياض النهار ))[14] .
* – ومنها ما جاء مخصصا لبعض الآيات كما في قوله تعالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم} [15] فالنصاب الذي يُقطع فيه السارق لم يبينه الله فجاءت السنة فبينته كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال صلى الله عليه وسلم : (( تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا )) [16] .
* – ومنها ما جاء تقييدا لبعض الآيات كما في قوله تعالى : {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فهذا السارق تقطع يده ، ولكن الموضع الذي تقطع اليد منه جاء في السنة كما في حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال : أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بها الذين سرقتهم فقالوا : يا رسول الله إن هذه المرأة سرقتنا . قال قومها : فنحن نفديها – يعني أهلها – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اقطعوا يدها )) فقالوا : نحن نفديها بخمسمائة دينار . قال : (( اقطعوا يدها )) قال : فقطعت يدها اليمنى[17] .
* – ومنها ما جاء بيان لمعنى كلمه ، كما في قوله تعالى :{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } قال صلى الله عليه وسلم : (( ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي )) [18] .
وكذلك تفسيره صلى الله عليه وسلم أن المغضوب عليهم اليهود ، والضالين هم النصارى كما في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه .
– الطريقة الثالثة : تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنه والتابعين
لأن الصحابة هم أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بألفاظ القرآن ومعانيه ، وذلك لخصائص خصهم الله بها ، فهم أهل اللغة ، والقرآن نزل بلغتهم ، وعلى تمكنهم من البلاغة واللغة فهم خير من يـفسر هذا القرآن .
وهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم لهم خاصية الصحبة فهم أحرى أن يُسددوا إلى القول السديد .
ويأتي بعد تفسير الصحابة تفسير التابعين ولهم أيضاً خاصية عن غيرهم فهم تلاميذ الصحابة مباشرة وأخذوا عنهم مباشرة .
يقول مجاهد عرضت المصحف من أول آية إلى آخر آية على ابن عباس أوقفه عند كل آية اسأله عنها .
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته في أقوال الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين .
مـيـزات تـفسـير ابـن كثير
1- اختيار أحسن طرق التفسير .
2- اهتمامه باللغة .
3- تمسكه بعقيدة السلف أهل السنة والجماعة .
4- اهتمامه بذكر أسانيد الأحاديث ونقدها وبيان الصحيح منها والضعيف .
5- اهتمامه بذكر القراءات وأسباب النزول .
6- مناقشة أقوال المفسرين وأسانيدها ، وبيان الصحيح والضعيف والراجح من غيره
7- اهتمامه بالأحكام الأصولية والفقهية مع حسن العرض للخلاف وإيراد أدلة كل فريق مع ترجيح القول الذي تسانده الأدلة من غير تعصب مذهبي .
8- ذكر المعنى الإجمالي للآيات .
9- موفقه الواضح من الأخبار الإسرائيلية وتنبيهه على الكثير منها وبيان خطئها وخطرها .
10- أسلوبه في التفسير الذي يجمع بين القوه والجودة والسهولة واليسر فكان التفسير صالحاً للعلماء وطلاب العلم والعامة .
11- أمانته في النقل ونسبة كل قول إلى أهله .
12- وقوفه عند حد التفسير وعدم استطراده في كثير من المباحث وإن أخذ منها فبقدر الحاجة .
مــا يــؤخذ عــلى ابن كثير
1- ذكر بعض الإسرائيليات وفيها نكارة ، وفيه ما يدل على بطلانها .
2- ذكر بعض الأحاديث الضعيفة وعدم التنبيه عليها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسير سورة الفاتحة
أسماء الفاتحة
* – يقال لها الفاتحة ؛ لأنه يفتتح بها الكتابة في المصحف ، ويفتتح بها الصلاة ويقال لها أم الكتاب عند الجمهور ، وقد ثبت في الصحيح عند الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الحمد لله أُمُّ القُرْآنِ ، وأُمُّ الكِتَابِ ، والسَّبْعُ الـمَثانـِي )) [19] .
* – ويقال لها الحمد ، ويقال لها الصلاة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : (( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين … )) الحديث[20] .
* – ويقال لها الرقية ، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه حين رقى الرجل السليم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( وما يدريك أنها رقية ؟ )) [21] .
– وهـي مـكيــه بالاتفــاق لقول الله عز وجل : {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}[22] لأن هذه الآية مكيه بالاتفاق ، وورد في الحديث أن السبع المثاني هي الفـاتحة فـدل عـلى أنهــا نزلت بمكة .
– آياتها سبع آيات بلا خلاف .
*- وجوب قراءة الفاتحة في الصلوات :
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القران فهي خداجٌ )) – ثلاثا – غير تمام . فقيل لأبي هريرة رضي الله عنه إنا نكون خلف الإمام فقال : اقرأ بها في نفسك فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول : (( قال الله عز وجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} قال الله : حمدني عبدي وإذا قال :{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال الله : أثنى على عبدي وإذا قال :{مَالِكِ يَوْمِ الدِّين} قال الله : مجدني عبدي وقال مرة : فوض إلي عبدي فإذا قال : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين } قال الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ))[23] .
فدل هذا على أنه لابد من القراءة في الصلاة وهو اتفاق من العلماء .
* – وثبت في الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )) [24] .
* – وفي صحيحي ابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تجزيء صلاة لا يقرأ فيها بأم القران )) [25] .
والصلاة قسمين : [ أقوال وأعمال ] .
فأحد جزيء الصلاة الأقوال ، وأعظم الأقوال القرآن ، وأعظم القرآن سورة الفاتحة ، وبما أنه يجب عليه القراءة في الصلاة ، إذًا يتحتم أن يكون أوجب شي أعظم شي في القرآن وهو سورة الفاتحة ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عباده ابن الصامت رضي الله عنه : (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )) نفي والنفي في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا لشيء واجب .
* – روى ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وغيرهما من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فثقلت عليه القراءة فلما انصرف قال : (( إني لا أراكم تقرؤون وراء إمامكم ؟ )) قال : قلنا : أجل والله يا رسول الله هَذّاً . قال : (( فلا تفعلوا إلا بأم الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها )) [26] فهذا نص في المسألة .
* – أما الذين لا يرون وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة فدليلهم قوله تعالى : { فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ }[27] فهذه آية عامة خصصها قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )) فالمؤيد بالأدلة الكثيرة وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة على الإمام والمأموم ، والمنفرد .
الاستعاذة
الـجمهور علـى أن الاستعاذة مستـحبـه ليست بمتحتمة يأثم تاركها ، ودليلهم حديث المسيء في صلاته وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالاستعاذة .
والرد عليهم : أن هناك واجبات في الصلاة لم يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم غير الاستعـاذة .
وحكى الرازي عن عطاء ورجحه شيخنا – حفظه الله – أن الاستعاذة واجبه في الصلاة وغيرها لعدة أسباب منها :
1- ظــاهر الآيـة : { فَإِذَا قَــرَأْتَ الْقُـــرْآنَ فـَاسْتَعِــذْ بِاللَّهِ مِـنَ الشَّيْـطَانِ الرَّجِيـم } [28] وهـو أمـر ظـاهـره الـوجـوب .
2- مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، وهو بيان لمجمل القران ، ولو كان الأمر في الآية ليس للوجوب لتركه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأحيان حتى يفهم الناس أنه ليس للوجوب .
3- ولأنها تدرأ شر الشيطان .
المواطن التي تشرع فيها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم
1- عند قراءة القرآن ، قال تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } (1) .
2- عند دخول الخلاء ، فعن أنس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال : (( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )) (2) .
3- عند دخول المسجد ، فعن حَيْوَةَ ابن شريح قال : لقيت عقبة بن مسلم فقلت له : بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان إذا دخل المسجد قال : (( أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم )) قال : أقَطْ ؟ قُلت : نعم . قال : (( فإذا قال ذلك قال الشيطان : حفظ مني سائر اليوم )) (3) .
4- عند الخروج من المسجد ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل : اللهم أعصمني من الشيطان الرجيم )) (4) .
وعند النسائي بلفظ : (( اللهم أجرني من الشيطان الرجيم )) (5) .
وعند ابن حبان بلفظ : (( اللهم أجرني من الشيطان الرجيم )) (6) .
وهو عند الحاكم بلفظ : (( إذا دخل أحدكم المسجد فليصل على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل : اللهم أجرني من الشيطان الرجيم )) (1) .
وعند ابن خزيمة بلفظ : (( اللهم أجرني من الشيطان الرجيم )) (2) .
5- عند إتيان الرجل أهله ، فعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فَـقُضِيَ بينهما ولد لم يضره )) (3) .
6- ودبر الصلوات المكتوبة ، فعن عقبه ابن عامر رضي الله عنه قال : (( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة )) (4) .
وهو عند أبو داود (5) وابن حبان (6) بلفظ : (( اقرؤوا المعوذات في دبر كل صلاة )) .
وهو حديث صحيح ففي سورة الناس قوله تعالى : {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ }وهو الشيطان ، وسورة الفلق فيها قوله تعالى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ } فيشمل الشيطان وغيره .
7- عند الاضطجاع ، فعن عائشة رضي الله عنه قالت : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما : قل هو الله أحد ، وقل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات )) (1) .
وحديث أبي الأزهر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال : (( بسم الله وضعت جنبي اللهم اغفر ذنبي واخسأ شيطاني وفك رهاني وثقل ميزاني واجعلني في الندي الأعلى )) (2) .
8- عند الفزع في النوم ، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا فزع أحدكم في النوم فليقل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنها لن تضره )) (3) .
9- عند الصبا ح والمساء ، فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : يا رسول الله علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت ؟ قال : (( يا أبا بكر قل : اللهم فاطر السموات والأرض عـالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شي ومليكه أعـوذ بك من شر نـفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم )) وهو حديث صحيح (4) .
10- عند الوسوسة في الصلاة ، فعن أبي العلاء أن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها عليّ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا )) قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني (1) .
11- عند الغضب ، فعن سليمان بن صُرَدْ رضي الله عنه قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد أحمر وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )) فقالوا للرجل : ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إني لست بمجنون (2) .
12- عند سماع نهيق الحمار ونباح الكلاب في الليل ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا سمعتم صياح الديكة فسألوا الله من فضله ، فإنها رأت ملكا ، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان ، فإنه رأى شيطانا )) (3) .
ولأبي داود عن جابر رضي الله عنه : (( إذا سمعتم نِبَاحَ الكِلاَبِ وَنَهِيقَ الحُمْرِ بالليلِ فتعوذوا بالله فإنهن يرين مالا ترون )) (4) .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
أي أستجير بجناب الله من الشيــطان الرجيــم أن يـضرني في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنـه .
الشيطان
مشتق من شطن إذا بعد ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر، وبعيد بفسقه عن كل خير وقيل مشتق من شاط ؛ لأنه مخلوق من نار ، والأول أصــح .
الرجيم
فعيل بمعنى مفعول ، أي مـرجــوم مـطرود عـن الخـير كـله . وقيـل : رجيم بـمـعنى راجـم ؛ لأنـه يـرجم النـاس بالوسـاوس والأول أصــــح .
بسم الله الرحمن الرحيم
أختلف العلماء هل البسملة آية مستقلة في أول كل سورة أو من أول كل سورة كتبت في أولها ، أو أنها بعض آية من كل سورة ؟
الصحيح : أن البسملة آية مـن كـل سـورة مـن القـران إلا سورة براءة ، وذلك لأدلة كثيرة منها :
* – عن قتادة رضي الله عنه قال : سئل أنس بن مالك رضي الله عنه : كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : (( كانت مداً ، ثم قرأ : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يَمُدُّ ببسم الله ، وَيَمُدُّ الرحمن ، وَيَمُدُّ الرحيم )) (1) .
* – عن نعيم المجمر قال : صليت وراء أبي هريرة رضي الله عنه : (( فقرأ : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ : { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } فقال : آمين فقال الناس : آمين . ويقول كلما سجد : الله أكبر ، وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال : الله أكبر ، وإذا سلّم قال : والذي نـفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم )) (2) .
* – عن عبد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة رضي الله عنها : أنها ذكرت – أو كلمة غيرها – قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } يُقطعُ قِراءَتَهُ آيةً آية )) (3) .
* – ما ثبت عن عمر رضي الله عنه فقد أخرج أبو داود وغيره عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أن عمر يعني ابن الخطاب رضي الله عنه خطب فقال : (( إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا من بعده وإني خشيت إن طال بالناس الزمان أن يقول قائلٌ ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، فالرجم حق على من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصنا إذا قامت البينة أو كان حملٌ أو اعترافٌ ، وأيمُ الله لولا أن يقولَ الناسُ زاد عمرُ في كتاب الله لكتبتها )) (1) .
فهذا يبين على أن لم يكتب في المصحف إلا مـا أتُـفق عـلى أنه قرآن .
أما أدلة المخالفون فهي إما أدلة نافية أو أدلة مجملة ، منها :
– حديث عائشة رضي الله عنها : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة ، بالتكبير والقراءة ، بالحمدُ لله رب العالمين … )) (2) .
فهذا مجمل لأنه كما مر معنا أن من أسماء الفاتحة الحمد لله رب العالمين ، فقد يحتمل أن يكون هذا مرادها ، وأيضا الغالب في صلاة النبيصلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يجهر بالبسملة ، والمثبت مقدم على النافي ؛ لأن المثبت فيه زيادة علم .
المواطن التي يشرع فيها البدء بالبسملة
1- عند قراءة القران في أول كل سوره إلا براءة ، فالقراءة الواجبة تجب فيها البسملة كالفاتحة ، والقراءة المستحبة تستحب فيها البسملة .
2- عند تناول الطعام والشراب ، فعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه … )) (1) .
وعن عمر بن أبي سلمه قال : كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي : (( يا غلام : سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك )) (2) .
3- عند الصيد والذبائح ، قال تعالى : {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} (3) وعنـد الـذبـح قـــال صلى الله عليه وسلم : (( من لم يذبح فليذبح بسم الله )) (4) .
وفي رواية لمسلم : (( فليذبح على اسم الله )) .
4- عنـد الـوضـوء ، فعن أبي هريرة وسعيد ابن زيد وأبي سعيد رضي الله عنهم مرفوعاً : (( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه )) (5) .
5- وكذلك في الرسائل ، فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم في كتبه ورسائله أنه يبدأ فيها بالبسملة كما في صلح الحديبية قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : (( اكتب الـشرط بيننا : بسم الله الرحمن الرحيم ، وهذا ما قاضى عليه محمد رسول الله )) (6) .
6- عند الخروج من المنزل ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال : (( إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال : يقال حينئذ : هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين فيقول شيطان آخر : كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي )) (1) .
7- عند الدخول إلى المنزل ، فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا ولج الرجل بيته فليقل : اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج ، بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى ربنا توكلنا ، ثم ليسلم على أهله )) (2) .
8- عند الدخول إلى الخلاء ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( ستروا مابين أعين الجن وعورات بني آدم ، إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول : بسم الله )) (3) .
وهو عند ابن ماجه بلفظ : (( ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول : بسم الله )) (4) .
9- عند الاضطجاع ، فعن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلفه عليه ، ثم يقول : باسمك رب وضعت جنبي وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فأرحمها وإن أرسلتها فا حفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين )) (5) .
10- عند تعثر الدابة ، فعن أسامه بن عمير قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فعثرت دابته فقلت : تعس الشيطان . فقال صلى الله عليه وسلم : (( لا تقل : تعس الشيطان ، فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول بقوتي ، ولكن قل : بسم الله ، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب )) (1) .
11- عند ركوب الدابة ، فعن علي بن ربيعة رضي الله عنه قال : (( شهدت علياً وأتي بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال : بسم الله فلما استوى على ظهرها قال : الحمد لله ثم قال : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون .. )) (2) .
12- عند تغسيل الميت ، يقول : بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
13- عند وضع الميت في قبره ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أدخل الميت القبر قال : (( بسم الله وعلى ملة رسول الله )) (3) .
وفي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال : (( بسم الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم )) (4) .
14- عند الرقية من المرض ، فعن أبي سعيد رضي الله عنه : أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد اشتكيت ؟ فقال : (( نعم )) قال : بسم الله أرقيك . من كل شي يؤذيك من شر كل نفسٍ أو عين حاسدٍ الله يشفيك . بسم الله أرقيك )) (5) .
15- عند إتيان الرجل أهله ، وقد تقدم دليله في المواطن التي تشرع فيها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم .
لماذا البدء بالبسملة
البدء بالبسملة أدب كريم من الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام ولأمته .
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
{الله}
علم على الرب تبارك وتعالى : يقال إنه الاسم الأعظم لأنه يوصف بجميع الصفات كما قال تعالى : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (1) .
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيم}
اسمان ووصفان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة والرحمن أشد مبالغه من رحيم .
{الْحَمْدُ لِلَّهِ}
الشكر لله خالصا دون سائر ما يعبد من دونه ، فعن انس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله ، إلا كان الذي أعطاهُ أفضلَ مما أَخَذَ )) (2) .
ومن ذلك ما أخرجه ابن ماجة وحسنه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( … وإذا قال : لا إله إلا الله له الملك وله الحمد . قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد … )) (3) .
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمدهُ عليها ، ويشرب الشربةَ فيحمدهُ عليها )) (1) .
( والحمد لله ) أبلغ من ( سبحان الله ) أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله ، والحمد لله ، تملآن أو تملأ مابين السماوات والأرض )) (2) .
فدل هذا على أن الحمد أبلغ من التسبيح ، وأيضا التسبيح تنزيه لله عن النقائص أما الحمد فهي إثبات الكمالات لله عز وجل ، وهى أول كلمه نطق بها آدم عندما عطس فقال : ( الحمد لله ) وآخر كلمه يقولها أهل الجنة ، قال تعالى :{ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (3) .
ومن حيث الزمان فالحمد له في الأولى والآخرة ، كما قال تعالى :{ وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } (4) .
وكذلك شمل الحمد المكان : { وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ } (5) .
فشمل الزمان كله والمكان كله وهذا يدل على استغراق الحمد الذي دل عليه الألف واللام .
{رَبِّ الْعَالَمِينَ}
الرب هو المالك المتصرف ، يعني أنه المربي للعالمين جميعا .
{الْعــَالَمِين}
يشمل من في السماء والأرض وما بينها ، قال موسى عليه السلام إجابة لفرعون حين سأله :{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِين * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}(1) .
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
يوم الدين يوم الحساب للخلائق ، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر والدين الجزاء والحساب :{ومَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ } (2) وخص الله الملك بيوم الدين لأنه لا أحد يدعي شي في ذلك اليوم .
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعينِ}
أي لا نعبد إلا إياك ، ولا نتوكل إلا عليك وهذا هو كمال الطاعة ، والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين ، وهذا كما قال بعض السلف : الفاتحة سر القرآن وسرها : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعينِ } .
وأول أمر في سورة البقرة قول الله تعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} (3) وهو معنى :{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} .
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ المستقيم }
أي ألهمنا أو وفقنا أو ارزقنا أو أعطنا الصـراط المستقيم ، والـصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه .
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}
أي أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير صراط المغضوب عليهم وهم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه ، ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم فهم لا يهتدون إلى الحق .
والهداية : هدايتان :
1- هداية توفيـق 2- وهــداية إرشـاد .
وقـد وردت في القـرآن ، هــداية التـوفيـق في قـوله تعالى :{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم} وهذه لا يملكها إلا الله عز وجل قال تعـالى لـرسولهصلى الله عليه وسلم وهـو خـيرته مـن خـلقه :{إنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} (1) وهي لا تطلب إلا من الله عز وجل ، وهداية إرشاد وبيان وتعليم ، فهذه يملك الرسل وأهل الله من الدعاة والمصلحين وهذه الهداية هي التي قال الله تعالى عنها :{وإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .
{ آمين }
أي اللهم استجب ، والدليل على استحباب التأمين ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال : (( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ :{غيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين} فقال :{ آمين } مد بها صوته )) (2) .
وعند أبي داود بلفظ : (( رفع بها صوته )) .
تفسير سورة البقرة
اللهم أعنا يا كريم
بسم الله الرحمن الرحيم
{ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} .
أولاً : اختلف العلماء في هذه الحروف المقطعة هل لها معنى في ذاتها أم لا ؟
والصحيح أن لها معنى وإن خفي على الناس ؛ لأنه لا يتصور أن ينزل كلام من الله الحكيم العليم الذي هو هداية للناس ولا يكون له معنى في نفسه ؛ لأن هذا عبث والله تعالى منزه عن العبث جل جلاله .
– وقد اختلف العلماء من الصحابة ومن بعدهم في المعاني التي يمكن أن تدل عليها هذه الحروف المقطعة :
1- فمنهم من قال : أنها أسماء لله تعالى .
2- ومنهم من قال : أنها أسماء السور التي نزلت بها .
3- ومنهم من قال : أنه يتركب منها جمل أو كلمات تدل على معاني ومنها :
اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب ولكن لا يعرف كيف تركيبه ..الخ .
4- ومنهم من قال : أنها على حساب الجُمّل فيها بيان مدة هذه الأمة كم تستمر وهو اضعف الأقوال التي ذكرت في كتب التفسير . وقد قال به اليهود ولكن الله أخلف قولهم .
ثم كان كلام الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في النهاية : أن مع اختلاف الناس وعدم إجماعهم على معنى واحد أن هذا يجعل الإنسان يتوقف حتى يظهر له دليل يرجح معنى من هذه المعاني على غيره فإذا ظهر الدليل وإلا توقف سواءً في هذه المسألة أو غيرها من مسائل الدين ؛ لأن الإقدام بغير علم خطر فقد يوقع الإنسان في القول على الله بغير علم .
ثانياً : ما الحكمة من إنزالها في أوائل السور ؟
– اختلف العلماء في ذلك :
1- فمنهم من قال : أنها للتنبيه .
2- ومنهم من يقول : أن المقصود هو الإعجاز ، أي أنتم الذين كذبتم بالقرآن وكذبتم الرسول وأعرضتم عن دين الله وتقولون أنه كلام بشر ، فهذه الحروف التي نزل بها القرآن هي حروفكم التي تتكلمون بها ، فلماذا لا تأتون بمثله وأنتم تقولون أنه كلام بشر ، فتحداهم الله تعالى بأن يأتوا بمثله كما في قوله تعالى : { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (1) .
وقال سبحانه : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (2) .
وقال جل وعلا : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (1) .
ومع ذلك عجزوا وهم ملوك البلاغة والفصاحة والبيان وقت إنزال القرآن ، فلم تبلغ أمة ما بلغته العرب في البيان والفصاحة والتصرف في الكلام وأساليبه من شعر ونثر وخطابة وغيرها ، ومع ذلك عجزوا عجزاً تاماً عن أن يأتوا بسورة أو بعـشر سور أو مثله ، فدل هذا على أنه من عند الله فليس بمقدور البشر أن يأتوا بمثله ، فهم يقولون أن الذي يعلمه القرآن أعجمي كما ذكر الله ذلك عنهم فقال تعالى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ }(2)
وقوله تعالى : { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } التقوى : هي البر وهداية القرآن لأهل البر سواءً كانوا قبل الإسلام وأدركهم الإسلام أو كانوا بعد دخولهم الإسلام أي يشمل الأمرين كما ذكر الحافظ ابن كثير .
فالخير والشر كان معروفاً عند الناس قبل الإسلام وتعظيم الخير ومحبة الخير مجبولة عليه فطر كثير من الناس وبغض الشر كذلك ، فالذين كانوا يحبون الخير ويعظمونه ويبغضون الشر ويكرهونه كانوا أقرب إلى قبول الإسلام والاهتداء بالقرآن لما نزل لأنه يوافق ما عندهم من قبول الخير وكره الشر ؛ ولأن القرآن نزل بالترغيب في الخير والحث عليه والأمر به والتحذير من الشر والنهي عنه والزجر والمنع .
فالذين اتصفوا بالبر والتقوى وتعظيم الفضائل والدعوة إليها كانوا أكثر انتفاع واهتداء بالقرآن ؛ لأن الهداية منازل ومراتب ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } (1) .
وقال تعالى :{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً } (2) .
إذاً هناك زيادة في الهداية وترقي فهؤلاء الذين يعظمون الفضائل ويحبون المكرمات ويجلون الأخلاق الفاضلة هؤلاء يزدادون بالقرآن هداية بعد هداية ويتنقلون من هداية إلى هداية أعظم ويرتفعون درجات حتى يصلون إلى مراتب الإحسان التي هي مراتب الكمال البشري في العبودية لله عز وجل وتحقيق الهداية .
بينما الآخرون الذين هم أهل فجور يحبون الرذائل ويقبلون عليها وربما زهدوا في الفضائل وربما حاربوها هؤلاء يكون القرآن عمى عليهم – والعياذ بالله – بدركات متفاوتة : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } (3) يعني حرمهم الانتفاع بالقرآن والاهتداء بهديه وحرمهم التوفيق فيزدادون – والعياذ بالله – عمى على عمى حتى ربما يصل بهم الأمر إلى الهلاك الأبدي نسأل الله العافية والسلامة .
والهداية كما ذكر الحافظ هدايتان :
1- هداية الإرشاد والتعليم والتوجيه والتربية ، وهذه يملكها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهي دعوتهم : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (1) أي : تدل وتعلم وترشد .
2- وهداية التوفيق وهي تحريك القلوب إلى الانتفاع والقبول ، فهذه لا يملكها إلا رب العالمين : { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } (2) فالله عز وجل يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } وهناك يقول : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (3) فكيف نجمع بينهما ؟
معنى ذلك أن المسألة فيها نوعان من الهداية فهداية الإرشاد والتعليم يملكها النبي صلى الله عليه وسلم وأما هداية القلوب إلى قبول الحق والانتفاع به فلا يملكها إلا الله تعالى فمن علم الله أنه يستحق الهداية هداه أي وفقه وشرح قلبه وحركه إلى الخير وصرفه عن الشر .
قال الله تعالى : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (4) .
فأولئك القوم الذين هم ثمود هداهم الله تعالى هداية الإرشاد بإرساله نبيه صالح عليه الصلاة والسلام ولكنهم قابلو دعوته بالصد والاستكبار فحرمهم الله تعالى بعدله التوفيق فلم ينتفعوا ببعثة رسول الله صالح وهكذا كل من قابل هدى الله الذي أرسلت به الرسل عليهم الصلاة والسلام بالصد والاستكبار تكون عقوبته العاجلة أن يحرم التوفيق كما في الآية السابقة { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } (1) وما ربك بظلام للعبيد .
وقوله تعالى : { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } (2) .
الإيمان : كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل ، هذا هو الصحيح ، لا يوجد في لغة العرب أن الإيمان هو التصديق فقط، هذا قرره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وتكلم فيه كلام طويل في كتاب الإيمان وفند قول من يقول أن الإيمان في اللغة هو التصديق .
وأما اللفظ الشرعي للإيمان فلا يكفي فيه مجرد التصديق ، فلو كان الإيمان مجرد التصديق لكان أبو طالب مؤمنا لأنه كان مصدقا للنبي صلى الله عليه وسلم وأشعاره في ذلك معروفة فلما لم ينجه ذلك عند الله عُلم أن مجرد التصديق لا ينجي عند الله ، فلابد في الإيمان من الإقرار والقبول والإذعان ولابد من العمل سواءً عمل القلب أو عمل الجوارح ؛ لأن الإيمان في الشرع كلمة مركبة من أجزاء تشمل : معرفة القلب وعلمه وإقراره وتصديقه مع عمل القلب كالخشية والإخلاص والنية والرجاء والخوف من الله والتوكل على الله ثم عمل الجوارح ولابد ، فلا يوجد إيمان من غير عمل ظاهر وباطن .
وقوله تعالى :{وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ } قال ابن عباس رضي الله عنهما : أي يقيمون الصلاة بفروضها . وقال الضحاك عن ابن عباس : إقامة الصلاة إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها . وقال قتادة : إقامة الصلاة والمحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها . وقال مقاتل بن حيان : إقامتها المحافظة على مواقيتها وإسباغ الوضوء لها وتمام ركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهذا إقامتها .
قلت : هذا كله مراد ؛ لأن الاختلاف اختلاف تنوع وليس تضاد فكل الكلام الذي ذكره المؤلف – رحمه الله – عن السلف مقصود في الصلاة أي لا تقام الصلاة إلا بهذا كله الذي ذكر .
وقوله تعالى :{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} قال علي ابن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس : زكاة أموالهم . وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} قال نفقة الرجل على أهله وهذا قبل أن تنزل الزكاة . وقال جويبر عن الضحاك : كانت النفقات قربان يتقربون بها إلى الله على قدر ميسرتهم وجهدهم حتى نزلت فرائض الصدقات سبع آيات في سورة براءة مما يذكر فيهن الصدقات هن الناسخات الُمثبتات .
قلت : وهذا الكلام فيه نظر ؛ لأن نفقة الرجل على أهله واجبة كالزوجة والأولاد والوالدين والمماليك .
فائدة : كثيراً ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والأنفاق من الأموال فإن الصلاة حق الله على عباده وهي مشتملة على توحيده والثناء عليه وتمجيده والابتهال إليه ودعاءه والتوكل عليه .
والإنفاق : هو الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم وأولى الناس بذلك القرابات والأهلون والمماليك ثم الأجانب ، فكل من النفقات الواجبة والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى : {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} ولهذا ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( بني الإسلام على خمس : شهادةِ أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله ، وإقامِ الصلاةِ ، وإيتاءِ الزكاةِ ، والحجِّ ، وصومِ رمضانَ )) (1) .
وأصل الصلاة في كلام العرب الدعاء ، ثم استعملت الصلاة في الشرع في ذات الركوع والسجود والأفعال المخصوصة في الأوقات المخصوصة بشروطها المعروفة وصفاتها وأنواعها المشهورة .
قلت : هذا رد على من يقول أن الصلاة هي الدعاء فقط ، وهذا ليس بصحيح فالصلاة في أصل اللغة الدعاء ولكن الشرع نقل اللفظ اللغوي واستعمله استعمالا مخصوصا فلا تسمى صلاة في الاصطلاح الشرعي : إلا بأفعال مخصوصة وهيئات مخصوصة وكلام مخصوص في وقت مخصوص بطريقة مخصوصة .
هذا هو القسم الأول من أقسام البشر ؛ لأن الله تعالى بين في أول سورة البقرة أقسام البشر بالنسبة لهداية الله عز وجل ودينه الذي رضيه لخلقه :
– فمنهم من قبل هذا الدين وهذه الهداية باطناً وظاهراً وهم أهل الإيمان .
– ومنهم من رفضها باطناً وظاهراً وهم الكفار .
– ومنهم فريق لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء قبلوها ظاهراً ورفضوها باطناً وهم المنافقون .
فبين الله تعالى أحوال هؤلاء الطوائف ثم مآلهم ، فكانت هذه الأربع الآيات في وصف الذين قبلوا الإيمان أو قبلوا الإسلام باطناً وظاهراً وهم المؤمنون ووصفهم وأعمالهم التي يتحقق بها أنهم قبلوا الإسلام باطناً وظاهراً فشمل ذلك أعمال الباطن من الإيمان بالغيب بمعناه الأعم الأشمل فيدخل في ذلك الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وما يتعلق بالله عز وجل فيثبتون لله ما أثبته لنفسه وينفون عن الله ما نفاه عن نفسه وما أثبته له رسوله يثبتونه وما نفاه عنه رسوله ينفونه ويُخضّعون قلوبهم وجوارحهم لله عز وجل الواحد القهار هذه صفتهم ، ويؤمنون بعد ذلك بالغيب المتعلق باليوم الآخر وبالأنبياء السابقين والكتب المنزلة والملائكة وأمور الغيب الأخرى ، وأيضاً ينفذون أعمال الإسلام الظاهرة إقامة الصلاة والإنفاق مما رزقهم الله عز وجل سواءً كانت نفقات واجبة أو نفقات مستحبة ، فمن علامة صدقهم في الإيمان أنهم يتقربون إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة حتى وإن لم تكن مفروضة عليهم فيطعمون الطعام ويبذلون المعروف ويغيثون الملهوف تقرباً إلى الله فهذا من علامة قبولهم للإسلام باطناً وظاهراً ومن علامة إذعانهم لله جل وعلا ومن علامة تصديقهم باليوم الآخر ؛ لأنهم يعلمون أن اليوم الآخر فيه الأجور العظيمة لمن تقرب إلى الله بهذا .
فبين عز وجل أن هؤلاء هم المهتدون الذين ينتفعون بالقرآن : {أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} وأنهم هم أهل الفلاح : والفلاح كلمة عامة جامعة شاملة تشمل حصول المطلوب الذي طلبوه وهو رضوان الله والفوز بجناته ونعيمه ، والنجاة من المرهوب وهي النجاة من عذاب الله وسخطه ، وهم أمة الإجابة التي استجابت لله وللرسول .
قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) } .
الكفر في لغة العرب : الستر فيقال للزارع كافر ؛ لأنه يغطي الحب بالتراب حتى ينبت وسمي الكافر كافرا ؛ لأنه يستر الحق ويغطيه كأنه غيّب عقله وقلبه عن قبول الحق .
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي غطوا الحق وستروه ، وقد كتب الله تعالى عليهم ذلك ؛ لأن الشقاء والسعادة والهداية والضلال إنما هي بيد الله تعالى وحده فهم لما رفضوا الحق عاقبهم الله عز وجل بأن صرفهم عنه { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ }(1) فهم وإن كان لهم مشيئة واختيار ولكن فوق ذلك مشيئة الله تعالى وتدبيره لهؤلاء الذين رفضوا الحق بعد أن سمعوه بآذانهم ولكنه سمع غير سمع الاستجابة ولذلك يقول الله تعالى في آية أخرى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ} (2) لأنه سمع غير سمع الاستجابة والإذعان والقبول ، بل هو سمع حسي ولذلك قال الله تعالى : {لا يَعْقِلُونَ } لأن المقصود تعقل هذا الكلام وتدبره والانتفاع به .
قال تعالى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ * إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (1) فهذا ليس ظلم من الله تعالى ولكن هذا اختيارهم لأنفسهم ، فالله جل وعلا لما علم دسائس أنفسهم وفساد طوياتهم وفساد قلوبهم وإعراضهم عن الحق صرف الله قلوبهم وختم عليها .
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول ولا يضل إلا من سبق له الشقاوة في الذكر الأول .
قلت : لأن الله سبحانه وتعالى خلق الجنة وكتب لها أهل قبل أن يخلقهم وقال : هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي ، وخلق النار وكتب لها أهل قبل أن يخلقهم وقال : هؤلاء إلى النار ولا أبالي ففي مسند الإمام أحمد قال ثنا هيثم وسمعته أنا منه قال ثنا أبو الربيع عن يونس عن أبي إدريس عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى فاخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر وضرب كتفه اليسرى فاخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم فقال للذي في يمينه : إلى الجنة ولا أبالي وقال للذي في كفه اليسرى : إلى النار ولا أبالي )) (2) .
فهو سبحانه وتعالى أعلم بمن يستحق السعادة وبمن يستحق الشقاوة ، ولذلك ورد في الحديث : (( … إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )) (1) .
بعلم الله السابق بدخائل القلوب ودسائسها ، ولذلك ينبغي للإنسان أن يجاهد قلبه أعظم مما يجاهد جوارحه ؛ لأن القلوب إنما سميت القلوب لكثرة تقلبها ، فعن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )) قال فقلنا : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا ؟ قال : فقال : (( نعم ، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله عز وجل يقلبها )) (2) .
هذا وهو رسول الله وخيرة الله من خلقه ومع ذلك كان في أعظم مظاهر العبودية لله عز وجل يدعوا بهذا الدعاء .
ولذلك ورد عن السلف كما في قول سفيان الثوري وغيره : أنه ما جاهد أحدهم شيئاً كجهاده لنيته . أي لقلبه ؛ لأن الله تعالى إنما ينظر إلى القلوب وحركاتها وأعمالها فكم من إنسان ظاهره أمام الناس شيء والله يعلم من دواخله شيءٌ آخر – نسأل الله الستر ونعوذ به من الفضيحة .
وقوله تعالى :{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} قال السدي : ختم الله أي طبع الله . وقال قتادة في هذه الآية : استحوذ عليهم الشيطان إذا أطاعوه فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون .
قال الله عز وجل : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (1) .
وقال ابن جريج : قال مجاهدا : {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} قال : الطبع ثبتت الذنوب على القلب فحفت به من كل نواحيه حتى تلتقي عليه فالتقاؤها عليه الطبع والطبع الختم . قال ابن جريج : الختم على القلب والسمع . قال ابن جريج وحدثني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول : الران أيسر من الطبع والطبع أيسر من الإقفال والإقفال أشد من ذلك كله .
أي ثلاث دركات : الران ثم الطبع ثم الإقفال : { أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } (2) نسأل الله العافية والسلامة .
قال القرطبي : وأجمعت الأمة – أي هذا مذهب أهل السنة والجماعة – على أن الله عز وجل قد وصف نفسه بالختم والطبع عل قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم كما قال : { بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } (3) .
وهذا ليس ظلم من الله تعالى لهم وليس جبراً لهم على الكفر بل إن الله تعالى بين لهم الهدى وأرسل لهم الرسول وأنزل لهم الكتاب فأبوا إلا الكفر فعاقبهم الله بجزاء أعمالهم والله علم أحوال الخلق قبل خلقهم وقدر أعمالهم قبل أن يعملوها ولكنه سبحانه لم يأمرهم بالكفر والمعاصي وإنما أمر بالإيمان والطاعة وبالتالي فهو سبحانه إنما يجازي الخلق بأعمالهم التي عملوها ، وذكر المؤلف الأدلة هنا وفي الأصل أدلة أخرى من الكتاب والسنة في أن هذا جزاء أعمالهم وأن الله ليس بظلام للعبيد :{إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (1) فهم تعاطوا شيئاً فعاقبهم الله بما عملوا ، فالله تعالى منزه عن الظلم فهو رب العالمين ولكنه جل وعلا يجازيهم بأعمالهم وهذا عدل منه سبحانه وتعالى أن يجازي الكافر بكفره والعاصي بمعصيته إلا أن يتجاوز عنه إن كانت دون الكفر ، والله تعالى يتفضل على المؤمنين بتوفيقه وهدايته ويسبغ عليهم رضوانه وإذا عاقب الكافر فإنما يعاقبه بعمله ( بكفره ) ولا يعاقبه بعلمه سبحانه وتعالى فقط ، بل إن الكافر يفعل الكفر فيعاقبه الله بالكفر من معاندته لله ومحاربته لله ولرسله ، وأما المعتزلة فيقولون : هذا لا ينسب إلى الله (2) ؛ لأنهم في تنزيههم كما يزعمون يدعون أن الله لم يقدر الأعمال وزعموا أنهم لو أثبتوا تقدير الله للأعمال لنسبوا إليه الظلم في حال معاقبة العامل بالكفر أو المعاصي .
قال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} .
البلاء بالمنافقين ليس محصوراً في زمان دون زمان ولكنه منذ أظهر الله دينه ونصر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وهزم الأحزاب إلى قيام الساعة والنفاق موجود في كل عصر ، والمنافقون خطرهم شديد وتلبيساتهم على المؤمنين كبيرة ، ولذلك ذكر الله عز وجل أوصافهم لأن الأعيان تختلف فيموت الأول ويأتي الآخر ، فلذلك ذكر الله الأوصاف فكل من اتصف بوصف من صفات المنافقين فإما أن يكون فيه شعبة من النفاق وإما أن يكون فيه أكثر من شعبة وقد يطبق النفاق على بعض الناس والعياذ بالله .
والنفاق إما أن يكون ظاهرا وإما أن يكون باطنا ، فالظاهر الكذب فإذا رأيت إنسان يعتاد الكذب ويتخذه – والعياذ بالله – منهجا ومسلكا فأعلم أن فيه خصلة من النفاق وكذلك خُلف الوعد ومنه خُلف العهد والميثاق ومنها الفجور في الخصومة : (( إذا خاصم فجر )) ومنها خيانة الأمانة فهذه خصال عملية أي ظاهرة ، فإن صاحَبَها اعتقاد في القلب فاسد فهو النفاق القاتل الأكبر الذي صاحبه مخلد في نار جهنم وهو في الدرك الأسفل من النار .
فمن وقع في مثل هذه الأمور العملية بغلبة الشهوة وغلبة الهوى فإنه على خطر عظيم لأنها إن تمكنت من قلبه تحولت إلى نفاق اعتقادي .
أما مجرد التلبس بهذه الصفات من صفات المنافقين فهو خطر وهي معاصي وكبائر وصاحبها على خطر عظيم أن يقع الزيغ في قلبه فيتحول إلى نفاق اعتقادي لا حيلة فيه الذي هو أغلظ أنواع الكفر- أعاذنا الله وإياكم .
فالمقصود أن النفاق موجود والمنافقين مع المسلمين ولذلك اشتد خطرهم وكثر البلاء بهم فهم مع المسلمين فقد يصلّون ويشاركونهم في البيع والـشراء والأسواق والتجمعات وهم في الحقيقة كفار ليسوا بمؤمنين ، فخطرهم عظيم ولذلك ذكر الله أوصافهم وجلاّها في كتابه حتى يُحذر من أهل هذه الصفات ويكون المؤمن على حذر حتى لا يفسدوا على الناس دينهم ودنياهم .
المنافق يخالف قوله فعله وسره علانيته ، فهو يقول : {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ } (1) وهو في الباطن – والعياذ بالله – كافر بالله وبرسوله ، ويخالف سره علانيته : ففي الـسر يكره الإسلام وأهله وفي العلانية يقول أنه يحب الإسلام وأهله وهكذا .
في مكة كان المسلمون مستضعفون يخفون إسلامهم فليس هناك حاجة أن يأتي إنسان فيقول أنا مسلم ؛ لأنه لو قال ذلك أوذي لذلك لم يكن في مكة نفاق بل كان عكسه فقد يكون مسلما فيقول للكفار أنا معكم حتى لا يؤذى مع أن قلبه مطمئن بالإيمان .
ولكن متى جاء النفاق ؟ جاء في المدينة لما أظهر الله دينه ورأى المنافقون واليهود أن دين الله قد انتصر وحمي الإسلام وقويت شوكته خافوا منه وكان بدء ذلك بعد غزوة بدر التي نصر الله فيها نبيه صلى الله عليه وسلم وأعز جنده وكسر شوكة الكفر فغص اليهود والكفار في المدينة بريقهم وعلموا أنه لا طاقة لهم بالإسلام وأهله فعند ذلك قرروا محاربته بالكيد له من الداخل وذلك بالدخول فيه علانية ومحاربته باطنا ولذلك عظم خطرهم .
المنافقين مضطربين غير ثابتين فهم يريدون سلامة أنفسهم وإحراز أموالهم من الاستئصال والهلاك وهم في الحقيقة بهذا الفعل الشنيع الذي أوقعوا أنفسهم فيه إنما يهلكون أنفسهم وهم لا يشعرون ؛ لأن الله تعالى لهم بالمرصاد عاجلاً وآجلاً ، فأما في الدنيا فيهتك أستارهم ويكشف أسرارهم ، وأما في الآخرة فالعذاب الشديد الذي ينتظرهم . وهذا منتهى خداع الله لهم ، فهم يظنون أنهم يخادعون الله والله عز وجل في الحقيقة هو الذي يخدعهم فيحصل لهم خلاف ما يريدون ، ولو أنهم كانوا على الجادة لحصلت لهم السلامة والنجاة وتحريز أنفسهم فعندما يؤمنون بالله ويعملون صالحاً فهذا هو الحرز والأمان عاجلاً وآجلاً .
وقوله تعالى : { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية : { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } قال : شك وكذلك قال مجاهد وعكرمة والحسن البصري وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قلوبهم مرض قال : هذا مرض في الدين وليس مرضا في الأجساد .
قال تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } (1) فأجسامهم في منتهى القوة والصلابة وقد يكونوا من أجمل الناس ، وقد رأينا هذا خاصةً في الرافضة – عليهم لعائن الله – هذا إذا رأيتهم من بعيد ، ولكن إذا اقتربت منهم فإذا على وجوههم الغبرة والظلمة ظلمة النفاق والزندقة ، وفي الحقيقة أنهم هالكون – أجارنا الله والمسلمين .
وقوله : { بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } وقرئ يكذبون وقد كانوا متصفين بهذا وهذا فإنهم كانوا كذبة ويكذبون بالغيب يجمعون بين هذا وهذا .
أي إذا حَدثوا كذبوا وإذا حُدثوا كَذّبوا ، يكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم وفي نفس الوقت يتعاطون الكذب .
تنبيه : قول من قال كان عليه الصلاة والسلام يعلم أعيان بعض المنافقين إنما مستنده حديث حذيفة بن اليمان في تسمية أولئك الأربعة عشر منافقا في غزوة تبوك الذين هموا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلماء الليل عند عقبة هناك عزموا على أن يُنّفروا به الناقة ليسقط عنها فأوحى الله إليه أمرهم ، فأطلع على ذلك حذيفة .
فأما غير هؤلاء فقد قال الله تعالى : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } (1) .
وقال تعالى : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً } (2) ففيها دليل على أنه لم يغر بهم ولم يدرك على أعيانهم وإنما كان تُذكر له صفاتهم فيتوسمها في بعضهم كما قال تعالى : { وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} (3) .
وقد كان من أشهرهم بالنفاق عبد الله بن أبي بن سلول وقد شهد عليه زيد بن أرقم وقد عاتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه فقال : (( دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه )) (1) ومع هذا لما مات صلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد دفنه كما يفعل ببقية المسلمين ، وفي رواية في الصحيح : (( إني خيرتُ فاخترتُ ، لو أعلمُ أني إن زدتُ على السبعينَ يُغْفَرُ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا )) (2) .
هذا من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم ومن رحمته بالناس ، مع أن عبد الله بن أبي بن سلول كان من أشد الناس في إيذائه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقد كان متولي كبر النفاق في المدينة ؛ لأنه كان سيداً فيهم فقبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أجمع الأوس والخزرج على أن يكون عبد الله بن أبي بن سلول ملك على القبيلتين – مع أن القبيلتين كان بينهما حرب – فهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعملون الخرز لتاج الملك ، فمن هنا دخل الحقد في قلبه على الإسلام وعلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو مسموع الكلمة في المدينة ولذلك اقتطب طائفة من الناس خلفه وأثر فيهم بالإضافة إلى أعوانه من اليهود – قاتلهم الله – وعندما أظهر الله دينه ونصر نبيه لم يستطع ابن سلول مقاومة الإسلام والمسلمين فمن هنا خاف على نفسه ورغِبَ في أن يبقى له مكانة محفوظة فدخل في الإسلام نفاق أظهر الإسلام وهو مبطن الكفر والحقد والكراهية للنبي صلى الله عليه وسلم ولذلك لقي النبي صلى الله عليه وسلم منه الأمرين ، ففي وقت السلم يؤلب على المسلمين ويسعى بالتحريش بينهم وينـشر الإشاعات ويروج الأخبار الكاذبة بمساعدة اليهود ، ومن ذلك قصة الإفك فهم الذين بثوها وروجوها وحصل بذلك شر عظيم في المسلمين ، وإذا جاء عدو أوهنوا عزائم المسلمين وخوّفوهم وساعدوا العدو الخارجي عليهم .
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يداري عبد الله بن أبي بن سلول وذلك لأمور :
الأمر الأول : حتى لا يُنفّر الناس من دعوته ، فإنه إن قتل أحد المنافقين سينـتشر بين الناس أن محمداً يقتل أصحابه ، ولذلك لما قام عمر رضي الله عنه فقال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق – يعني عبد الله بن أبي بن سلول – قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه )) .
الأمر الثاني : رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالناس ، فهو رحيم صلى الله عليه وسلم قال تعالى : { بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } (1) بل هو رحمة للعالمين قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } (2) .
حتى الكفار النبي صلى الله عليه وسلم بعثته رحمة لهم ؛ لأنهم أمنوا بذلك من الاستئصال ونزول العذاب في الدنيا ، أما في الآخرة فالعذاب والخلود في النار .
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان رحيماً بالناس فلما نهي عن الصلاة على المنافقين وخاطبة الله بقوله {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ } (3) قال صلى الله عليه وسلم : (( لو أعلمُ أني إن زدتُ على السبعينَ يُغْفَرُ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا )) .
ولكن إنما ذُكر العدد على مجرى كلام العرب في أنهم إذا أرادوا أن يكثروا قالوا : سبعين وقد يكون أكثر من ذلك بكثير وقد يكون أبدي ، وكذلك الاستغفار للمنافقين لو استغفر لهم إلى الأبد فلا يغفر لهم لأن الله حكم عليهم بالخلود في الدرك الأسفل من النار قال تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا} (4) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إني خيرت فاخترت )) ففهم النبي صلى الله عليه وسلم من قول الله تعالى :{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} فهم منه أنه تخيير في بداية الأمر ، وفي الحقيقة هو ليس بتخيير ، ولما نزلت الآية الأخرى في نهاية السورة وهي قول الله عز وجل : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } (1) فعُلم بذلك أنه لا يجوز الاستغفار لهم ، وكذلك قول الله تعالى : {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } (2) فعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أنه ممنوع من الاستغفار لهم والصلاة عليهم والدعاء لهم ، فلم يقم على قبر أحد منهم ولم يصل عليه .
فهذا حال المنافقين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وما بعده مثله وأشد ؛ لأنه في زمن الوحي كانت تنزل الآيات تكشف أعمالهم وتهتك أسرارهم ، وأحياناً يتبين أحوال بعضهم مثل الذين أرادوا أن ينفروا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة عندما كان راجعاً من تبوك ليسقط عنها فأرسل الله تعالى جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكيدهم ، وقد كان عددهم أربعة عشر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة رضي الله عنه بأسمائهم ، ولذلك كان عمر رضي الله عنه يأتي إلى حذيفة فيقول : أنشدك الله هل سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، فإذا كان عمر رضي الله عنه يخاف على نفسه النفاق فمن يأمن النفاق على نفسه ؟ ولذلك قال السلف : لا يأمن النفاق على نفسه إلا منافق ولا يخافه إلا مؤمن . فالنفاق داء خطير ومرض وبيل من وقع فيه هلك وليس له سبيل للنجاة إلا أن يتداركه الله برحمة قبل الموت يتوب إلى الله توبة صادقة فنسأل الله عز وجل أن ينجينا وإياكم من أسباب عذابه وسخطه وأن يرزقنا وإياكم الإيمان باطناً وظاهراً وأن يعيذنا وإياكم والمسلمين من خصال النفاق .
وقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) } . فهم تولوا الفساد من جهتين ( كذبوا من ناحيتين ) :
* – الناحية الأولى : إدعائهم الصلاح وحصره في أنفسهم ؛ لأن ( إنما ) تفيد الحـصر فكأنهم يحصرون ما بعدها فيهم ، وكذلك الضمير الذي بعدها ( نحن ) وهو ضمير الشأن فهذا التركيب يفيد الحصر التام للصلاح فيهم فلا يشركهم فيه أحد .
* – الناحية الثانية : إدعائهم الإصلاح ونفيه عن غيرهم ، فلم يقولوا : نحن صالحون ولكن بالغوا وزعموا أنهم مصلحون ، ولا يمكن أن يكون مصلح إلا إذا كان صالح وهذا يتضمن من ناحية أخرى نفي الصلاح والإصلاح عن المؤمنين الحقيقيين .
وهذا غاية ما يكون من الكذب والافتراء إذا علم أن هؤلاء خلاف ذلك ولذلك حصر الله الفساد فيهم بنفس الأسلوب والتركيب فقال عز وجل : {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} لأن هذه حقيقتهم فالدعاوى الكاذبة لا تنفع .
وقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ } الناس هنا يراد بهم : النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ؛ لأنه معلوم أن أكثر الناس كفار .
إذاً ما المقصود بقوله : {آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ} هل المقصود أناس مقيدين معلومين وإلا مطلق ؟
هو مطلق ، ويراد به فئة من الناس وهم في ذلك الوقت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم فهؤلاء المنافقين – عليهم لعنة الله – يتهمون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأنهم سفهاء . ويستدلون على ذلك : بأن هؤلاء يسعون في غير مصلحتهم فقد تركوا أوطانهم وأهلهم ومصالحهم المادية واستبدلوها بالفقر ومحاربة الناس لهم وأنهم غرباء في هذه الأرض .
فالمنافقين لضعف عقولهم يعتبرون أن الصلاح والرشد والعقل هو في محافظة الإنسان على المكتسبات المادية ومصالحة الدنيوية – كما نسمع الآن من اتهام المسلمين بشتى الاتهامات هي من هذا الباب – فهم إنما يؤمنون في الحقيقة بمظاهر الحياة الدنيا ويظنون أنه لا شيء بعدها ، فلضلال عقولهم ولسفههم يعتبرون أن كل من فرّط في هذه المظاهر الدنيوية – ولو كان تركه لها من أجل ما هو أسمى وأعلى – أنه سفيه .
فأي القوم سفهاء ؟ إنهم هم السفهاء كما حكم الله تعالى عليهم بقوله تعالى : {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} . لأنهم في الحقيقة لا يعرفون من الأمر إلا مظهر بسيط فتمسكوا بشيء من حطام الدنيا زائل وقالوا : هذا منتهى السعادة ولم يعلموا أنه البلاء الناقع عليهم عاجلاً وآجلاً :
* – فأولاً : تسبب في إضاعتهم الهدى وتركهم الدين الحق الذي به تمكينهم في الأرض واستمتاعهم بها على الوجه الكامل ، فإن الصحابة رضوان الله عليهم وإن أصابهم في أول الأمر جهد وفقر إلا أن العاقبة كانت فأطبق حكمهم على الأرض قاطبة في خلال سنوات ، ففي الحقيقة أن المؤمنين هم الذين كانوا على الرشد وهم أهل العقول الناضجة لأنهم ثبتوا على دينهم فمكن الله لهم فتمتعوا بالدنيا التي كانت سبباً في تفويت هذا الخير العظيم على المنافقين ، إذاً المنافقين هم أهل السفه والضلال والمؤمنون هم أهل الرشد وأهل البصائر طبعاً : { وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } (1) .
فالمؤمنون مؤيدهم الله عز وجل أنار بصائرهم وهدى قلوبهم وأصلح أعمالهم فهم على نور من ربهم ، أما المنافقين في ظلماتهم وجهلهم يتخبطون فمن أين لهم بصيرة ونور ؟ ومع ذلك يتهمون المؤمنون بالسفه ؛ لأن الموازين عندهم مقلوبة – نعوذ بالله من شرهم .
* – وثانياً : أنهم ضيعوا الآخرة التي إليها يرتحل العالم كله البر والفاجر الصالح والطالح فقد فرطوا في المآل والمصير والمنقلب الذي هو الحياة الباقية سواءً في النعيم أو كانت – والعياذ بالله – في الجحيم .
وقوله تعالى : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) }.
فهؤلاء القوم يخادعون الله وهو خادعهم وهم يستهزئون بالمؤمنين ويستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم – في نظرهم – فيأتون إليه ويقولون : نحن معكم ونحن مؤمنون فإذا انفردوا بشياطين الإنس والجن قالوا : إنا معكم إنما نحن مستهزئون ، وذلك من أجل تحقيق مصالح دنيوية ، منها الأمن على أنفسهم وعلى أموالهم وأن ينالوا من مكتسبات المؤمنين كالغنائم وغيرها .
واستهزاء الله بهم عاجلاً وآجلاً :
– فأما في العاجل : فإنه يمدهم في طغيانهم حيث يظنون أنه قد انطلت ألاعيبهم وأنهم قد فازوا ، وفي الحقيقة هم إنما يغررون بأنفسهم فلا يزدادون من الله إلا مقتاً ولا يزدادون من الله إلا بعدا ولا يزدادون بإمداد الله لهم في هذا الغي إلا سبباً في هلاكهم حتى إذا أخذهم الله أخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } (1) .
– وأما في الآجل : فيوم يجمع الله الأولين والآخرين ويقسم الله الأنوار فيعطي المؤمنين أنواراً حقيقية ويعطي المنافقين أنواراً وهمية – غير حقيقية – فإذا مشوا تقدم المؤمنين على أنوارهم إلى الجنة انطفأ نور المنافقين فهذا الاستهزاء الأكبر والسخرية الكبرى فيظنون أنهم على شيء وإذا بهم على لا شيء ففي الحقيقة أنهم تسببوا في هلاك أنفسهم الهلاك الذي لا نجاة لهم بعده والكسر الذي لا يجبر والندامة والحسرة – نعوذ بالله من ذلك – فيصيحون على المؤمنين : { انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ } فقد انتهى لعب المنافقين وعبثهم وأكاذيبهم ولم يعد لها مكان فليس هنا إلا الحقائق والجزاء ، فيرد عليهم المؤمنين : { قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ } أي في الدنيا ، فهل يستطيعون الرجوع إلى الدنيا ؟
لا ، إذاً هذه هي قمة السخرية والاستهزاء بهم ، فالذي يستهزئ فعلاً بهم هو رب العالمين ويسخر منهم .
وقوله تعالى جواباً ومقابلة على صنيعهم : { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) } وقال ابن جرير : أخبر تعالى أنه فاعل بهم ذلك يوم القيامة في قوله تعالى :{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} (1) .
وقوله تعالى : { وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } (2) قال : فهذا وما أشبهه من استهزاء الله تعالى ذكره وسخريته ومكره وخديعته للمنافقين وأهل الشرك به .
وهذا إخبار من الله تعالى أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء ومعاقبهم عقوبة الخداع فأخرج خبره عن جزائه إياهم وعقابه لهم مخرج خبره عن فعلهم الذي عليه استحقوا العقاب في اللفظ وإن اختلف المعنيان كما قال تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (3) وقوله تعالى : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} (4) :
– فالأول : ظلم .
– والثاني : عدل .
فهما وإن اتفق لفظهما فقد اختلف معناهما ، قال : وإلى هذا المعنى وجهوا كل ما في القرآن من نظائر ذلك ؛ لأن المكر والخداع والسخرية على وجه اللعب والعبث منتف عن الله عز وجل بالإجماع ، وأما على وجه الانتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة فلا يمتنع ذلك .
هذا متعلق بما ورد من أوصاف أفعال لله تعالى كقوله تعالى : { وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } (1) وقوله تعالى : {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً } (2) .
وردت على صفة المقابلة لمن يفعل هذا من أعدائه الكفرة والمنافقين .
فائدة :
أسما الله وصفاته فيها قواعد مهمة ينبغي لطالب العلم أن يُلِم بها ومنها :
* – أن الوصف إذا كان يحتمل معناً كاملاً ويحتمل معناً ناقصاً فإنما يثبت لله الكمال وينفى عنه النقص ، فهذا المكر والاستهزاء والسخرية والكيد إذا كان على سيبل العبث والخداع والغدر والخيانة كأفعال المنافقين والكافرين فهذا ذم ومذموم ويتنزه الله عز وجل عن ذلك ، وأما إذا كان على سبيل مقابلة المجرمين بما يستحقونه من العقوبات الرادعة لهم وأن يجازيهم من جنس أفعالهم فهذا غاية الكمال وغاية المدح ؛ لأنه يدل على علم الله المحيط بهم وقدرة الله عليهم وأن أمرهم لا يلتبس على الله .
هذا إذا كان اللفظ ورد في القرآن أو ورد على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أما إذا لم يرد فلا نصف الله به إطلاقاً ، بل نتوقف فلا نتكلم في صفات الله بمجرد الاندفاع أو الغيرة أو الحماس إلا بشيء واضح بيّن ، ويكون الكلام على وفق القواعد التي قررها أهل السنة والجماعة وتحذر من كلام أهل البدع والضلال الذين تكلموا في الله وفي أسمائه وفي صفاته على خلاف ما ورد في كتابه ولسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأيضاً خالفوا منهج أهل السنة والجماعة .
وقوله تعالى : {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} . روى السدي عن ابن عباس وعن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : { وَيَمُدُّهُمْ } يملي لهم .
وقال مجاهد : يزيدهم .
وقال تعالى : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ} (1) هذا سؤال إنكاري من الله تعالى ينكر عليهم حسبانهم الخاطئ ، فالله يمكر بهم ويملي لهم حتى تضيق عليهم السبل فلا يبقى لهم مجال فيأخذهم أخذ عزيز مقتدر : {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1/344) . وقال الألباني في المشكاة (1/53) : صحيح .
ورواه البيهقي في السنن الكبرى (1/209) بلفظ : (( يرث هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغالين )) .
1- رواه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
2- سورة الفرقان الآيات (68-71) .
5- سورة آل عمران الآية (154) .
2- الترمذي (2121) البيهقي في سننه الكبرى (1/256) ابن ماجة (2712) النسائي (3642) .
4- أخرجه البخاري (631) والدارمي (1255) والدارقطني برقم (1053) .
6- أخرجه مسلم برقم (1090) والبخاري برقم (1916) .
2- أخرجه البخاري في كتاب : الحدود برقم (6790) .
3- أخرجه الإمام أحمد (2/177 – الطبعة القديمة ) .
4- أخرجه الإمام مسلم برقم (1917) .
1- انظر سنن الترمذي برقم (3124) طبعة مكتبة المعارف .
2- أخرجه مسلم برقم (395) وأخرجه غيره .
3- أخرجه الترمذي برقم (2064) .
2- أخرجه مسلم برقم (394) والبخاري برقم (756) .
3- ابن خزيمة (1/248) وابن حبان (5/91) .
1- ابن خزيمة (3/36) وابن حبان (5/86) .
1- سورة النحل الآيات (98) .
2- أخرجه البخاري برقم (142) ومسلم برقم (375) .
3- رواه أبو داود (466) بإسناد صحيح .
3- أخـرجه البخاري (141) ومسلم (1434) والإمام أحمد (1/216-الطبعة القديمة) .
4- أخرجه الإمام أحمد (4/201-الطبعة القديمة) .
2- أخرجه أبو داود (5054) والحاكم (1/724) وهو حديث صحيح صححه الألباني – رحمه الله .
3- أخرجه الترمذي (3528) وأبو داود (3893) وقال الترمذي : حسن غريب . وحسنه الألباني – رحمه الله .
4- أخرجه الترمذي (3529) وأبو داود (5067) والإمام أحمد (1/14- الطبعة القديمة) .
1- أخرجه الإمام مسلم برقم (2203) والإمام أحمد (4/216-الطبعة القديمة) .
2- أخرجه البخاري برقم (6115) ومسلم برقم (2610) .
3- رواه البخاري برقم (3303) ومسلم برقم (2729) .
1- أخرجه البخاري برقم (5046) .
2- أخرجه النسائي برقم (905) وابن خزيمة (1/251) وابن حبان (5/100) .
3- أخرجه أبو داود برقم (4001) .
1- أخرجه أبو داود برقم (4418) .
2- أخرجه مسلم برقم (498) وأخرجه غيره .
1- أخرجه مسلم (2017) .
2- أخرجه مسلم (2022) والبخاري (5376) .
3- سورة المائدة الآية (4) .
4- أخرجه البخاري (985) ومسلم (1960) .
5- أخرجه الإمام أحمد (2/814-الطبعة القديمة) وابن ماجة (399) والترمذي (25) وهو بمجموع هذه الأحاديث يرتقي ، وإلا فقد قال الإمام أحمد : ليس فيه شيء أي أن كل حديث على حدة فيه ضعف .
6- أخرجه مسلم (1783) .
1- أخرجه أبو داود برقم (5095) والترمذي برقم (3426) .
2- أخرجه أبو داود برقم (5096) .
3- أخرجه الترمذي برقم (606) .
4- برقم (297) .
5- أخرجه البخاري برقم (6320) ومسلم برقم (22714) وأبو داود برقم (5050) والترمذي برقم (3401) وابن ماجة برقم (3874) والإمام أحمد (2/246- الطبعة القديمة ) .
1- أخرجه أبو داود برقم (4982) .
2- أخرجه أبو داود برقم (2602) والترمذي برقم (3446) .
3- أخرجه ابن ماجة برقم (1550) والحاكم (1/520) وابن حبان (7/375) .
4- أخرجه أبو داود برقم (3213) وأخرجه الترمذي برقم (1046) وصححه الحاكم .
5- أخرجه مسلم برقم (2186) .
2- أخرجه ابن ماجه برقم (3805) .
3– أخرجه ابن ماجة برقم (3794) .
1– برقم (2734) .
2– برقم ( 223 ) .
3– سورة يونس الآية (10) .
4– سورة القصص الآية (70) .
5– سورة الروم الآية (18) .
1– سورة الشعراء الآيات (23 – 24) .
2– سورة المرسلات الآية (14) .
3– سورة البقرة الآية (21) .
1– سورة القصص الآية (56) .
2– أخرجه أحمد (4/316 – الطبعة القديمة ) وأبو داود (932) والترمذي(248) وقال : هذا حديث حسن .
1- سورة البقرة الآية (23) .
2- سورة يونس الآية (38) .
1– سورة هود الآية (13) .
2– سورة النحل الآية (103) .
1- سورة محمد الآية (17) .
2- سورة مريم الآية (76) .
3- سورة الصف الآية (5) .
1- سورة الشورى الآية (52) .
2- سورة القصص الآية (56) .
3- سورة الشورى الآية (52) .
4- سورة فصلت الآية (17) .
1- سورة الصف الآية (5) .
1- أخرجه البخاري برقم (8) ومسلم برقم (16) .
1- سورة الصف الآية (5) .
2- سورة يونس الآية (42) .
1- سورة يونس الآيات (43- 44 ) .
2- انظر المسند (6 /441-الطبعة القديمة ) وأخرجه أبو داود برقم (4703) والترمذي (3075) وغيرهم .
1- أخرجه البخاري برقم (3208) ومسلم برقم (2643) .
2- أخرجه الإمام أحمد (3 /112- الطبعة القديمة) والترمذي برقم (2140) وابن ماجة برقم (3834) .
1- سورة الأعراف الآية (179) .
2- سورة محمد الآية (24) .
3- سورة النساء الآية (155) .
1- سورة يونس الآية (44) .
2- هذا الكلام رد فيه ابن كثير – رحمه الله – على الزمخشري الذي ذكرنا لكم أن تفسيره مليء بالبدعة والضلال فلا يجوز لأحد أن يقرأه إلا أن يكون عالم بما فيه من ضلال .
1- سورة المنافقون الآية (1) .
1- سورة المنافقون الآية (4) .
1- سورة التوبة الآية (101) .
2- سورة الأحزاب الآية (60 – 61) .
3- سورة محمد الآية (30) .
1- أخرجه مسلم برقم (2584) والبخاري برقم (4905) .
2- أخرجه البخاري برقم (1366) .
1- سورة التوبة الآية (128) .
2- سورة الأنبياء الآية (107) .
3- سورة التوبة الآية (80) .
4- سورة النساء الآية (145) .
1- سورة التوبة الآية (113) .
2- سورة التوبة الآية (84) .
1- سورة النور الآية (40) .
1- سورة هود الآية (102) .
2- سورة آل عمران الآية (178) .
3– سورة الشورى الآية (40) .
4– سورة البقرة الآية (194) .
1– سورة النمل الآية (50) .
2– سورة الطارق الآيات (15-16) .
1- سورة المؤمنون الآيات ( 55 – 56) .
2- سورة الأنعام الآية (44) .