قوله تعالى : {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} ( الآيات 60-61) .
1- يذكر الله بني إسرائيل بعظيم نعمه عليهم ولم تكن مجرد نعم من جنس ما يعطي خلقه ويتفضل به عليهم بل هي آيات عظيمة ومعجزات باهرة تثبت اليقين وترفع الإيمان وتسمو بالنفوس وتطهر القلوب من لوثات الوثنية والتعلق بغير الله تعالى .
2- فموسى يستسقي لقومه أي يطلب من ربه السقيا وهذا فيه تجرد موسى عليه الصلاة والسلام من الحول والقوة والتجاؤه إلى الله خالقه ورازقه ليعلم قومه أن الله وحده الرزاق ذو القوة المتين .
3- فيأمره الله تعالى أن يضرب الحجر وهو قادر سبحانه على إخراج الماء من غير ضرب الحجر ولكن أراد أن يربي عباده على بذل الأسباب ويعلمهم سبحانه أنه قد ربط الأسباب بمسبباتها ولكنه سبحانه هو الفعال لما يريد فلا يغتر أحد ببذله الأسباب ولا يبقى خاملاً لا عمل له فموسى صلى الله على نبينا وعليه وعلى جميع الأنبياء أراهم بالدرس العملي أن يلجأ إلى الله ويدعوه ، وربه أمره بأن يـضرب بعضاه الحجر ، ثم ينفجر الحجر بإذن الله .
4- وما أكثر الأحجار في الأرض وهي يابسة صلبة ولكن أمر الله إذا أراد شيئاً أمضاه فيأمر سبحانه الحجر فينفجر ليس عيناً واحدة ولكن ثنتي عشرة عيناً .
5- آية معجزة فهم كثير وعددهم اثنا عشرة أمة أسباطاً أمما ولو حصروا في عين واحدة لحصلت المزاحمة والمدافعة وربما حصل بينهم شر ولكن لطف الله ورحمته وعنايته جعلت لكل أمة عينا لا يزاحمها فيها غيرهم .
6- وقوله تعالى : {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} هل هو حجر معين فتكون ( أل ) للعهد أم أنه غير معين فتكون ( أل ) للجنس الثاني أبلغ في الإعجاز ؛ لأنه لو كان معيناً لظنوا أن فيه خاصية ليست لغيره من الأحجار والله قادر على إخراج الماء من أي حجر فلم يبق للتعيين فائدة وخاصة أنه لا دليل صحيح على التعيين إلا أخبار إسرائيلية لا يعتمد عليها .
7- وقد من الله على نبينا بأعظم من تلك المعجزة ألا وهي تفجير الماء من بين أصابعه لما احتاج أصحابه إلى الماء وإذا كان تفجير الماء من الأحجار معهود في العموم فإن تفجير الماء من بين الأصابع أمر لا يحدث أبداً إلا تأييداً لنبي الله وخليله صلى الله عليه وسلم .
8- في قوله تعالى : {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} دليل على أن المعاصي وأعظمها الكفر والشرك إفساد في الأرض وخراب لها ودمار على أهلها وإهلاك للحرث والنسل والآيات في هذا كثيرة ، كما في قوله تعالى : {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} (1) .
ومن ذلك دعاء الدواب في جحورها على عصاة بني آدم إذا وقع القحط والجدب .
9- من سوء عمى بصيرة هؤلاء القوم وسوء اختيارهم لأنفسهم وقلة بصـرهم بالأغذية النافعة الملائمة أنهم كانوا في أفسح الأمكنة وأوسعها وأطيبها هواء وأبعدها عن الأذى ومجاورة الأنتان والأقذار سقفهم الذي يظلهم من الشمس الغمام وطعامهم السلوى وشرابهم المن وهذا من أنفع الأغذية والأشربة وأطيبها فاستبدلوه بالأغذية الضارة القليلة التغذية فذمهم الله بذلك ، فكيف بمن استبدل الضلال بالهدى والغيّ بالرشاد والشرك بالتوحيد والبدعة بالسنة وعبادة المخلوق وطاعته والتفاني في محبته بطاعة الله ومحبته وخدمته والعيش الند الفاني في هذه الدار بحظه من العيش الطيب في المساكن الطيبة في جوار الله تعالى .
10- في الآيات بيان جفاء بني إسرائيل مع ربهم تعالى ومع نبيهم موسى عليه الصلاة والسلام حيث قالوا : {فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ} فكأنهم والعياذ بالله يتبرؤون من ربوبيته لهم وهذا يشابه قولهم : { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} (1) .
11- كانت نتيجة العناد والمكابرة أن ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة وغضب عليهم فهم في الذلة أينما كانوا إلا بحبل من الله إذا تابوا وصلحوا ، وحبل من الناس أي مساعدة من جنس غير جنسهم كما هو الحاصل لهم في هذا الزمان فقد تعاونت معهم ملل الكفر كلها فمنهم من يمدهم بالرجال والمال ومنهم من يمدهم بالسلاح .
ولكن لم يحصل لهم هذا العلو إلا لما فقدت المعركة عاملها المؤثر والفعال وهو الاعتصام بالله والجهاد في سبيله وأصبحت المعركة تدار من مبدأ القومية والدفاع عن الأرض فعاد كل الطرفان إلى الأسباب المادية فتفوق اليهود وأعوانهم لأنهم أكثر استعداداً للمعركة وأصدق في مواجهتها .
12- تشتمل الآيات على إثبات صفات الله الذاتية الفعلية منها السمع والبصر والكلام والغضب .
13- ومنها أن الله ربط الأشياء بأسبابها ولكن لله التـصرف المطلق في الأسباب والمسببات سبحانه لا إله إلا هو .
14- ومنها أن أحكام الله القدرية والشرعية لحكم بالغة وإن خفيت على الخلق .
قول الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} ( الآيات 62 – 66) .
1- أثبت الله في هذا السياق أن الأمور عنده سبحانه ليست بالدعاوى ولا بالشعارات وإنما هي بالحقائق والبراهين وأن النجاة عنده سبحانه لها مسوغ واحد وإن اختلفت الأسماء وتعددت الملل واختلفت النحل وتفاوتت العصور والدهور هذا المسوغ لا يختلف في أمة عن أمة ألا وهو الإيمان بالله والعمل الصالح والإيمان بالله في ثناياه تحقيق العبودية الحقة لله وتجريد الإخلاص له سبحانه مع الإيمان برسله عليهم الصلاة والسلام وعدم التفريق بينهم ، فمن زعم أنه مؤمن وهو يفرق بين موسى وعيسى فليس بمؤمن عند الله ومن زعم أنه مؤمن وهو يفرق بين عيسى ومحمد فليس عند الله بمؤمن .
وهكذا يكون الدين الخالص لله تعالى الذي هو سبيل النجاة والسلامة في العاجل والآجل الإيمان بما أوجب الله به وعدم التفريق بين رسل الله صلى الله عليهم وسلم والعمل الصالح الذي لا يتم الإيمان إلا به ولا يتحقق الإيمان بالرسل إلا بالعمل الصالح الذي جاءوا به على حسب كل أمة رسول وما كلفت به حتى إذا وصل الأمر إلى زمان بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك عمل صالح يرضاه الله ويثيب عليه إلا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن زعم بعد بعثته أنه مؤمن بموسى أو بعيسى عليهما الصلاة والسلام ولم يتابع محمداً صلى الله عليه وسلم فهو عند الله كافر وهو من أصحاب النار قال صلى الله عليه وسلم : (( والذي نـفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي وبما جئت به إلا كان من أصحاب النار )) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
2- يستمر السياق القرآني في تعداد معاندات بني إسرائيل ومن ذلك أنهم كلفوا بالتوراة فلم يعملوا ولم يذعنوا فرفع الله عليهم الطور وهددهم بإسقاطه عليهم وعند ذلك أذعنوا وسجدوا ولما نحاه عنهم تولوا عن الالتزام وراغوا من الميثاق فسبحان اله ما أشد عنادهم وبغيهم وما أكثر صب الله عليهم وما أعظم نعمه عليهم .
3- وتكشف الآيات تحيلهم على ارتكاب المحارم واتباع الشهوات في قصة أصحاب السبت وكيف نكل الله بهم وأخزاهم بأن مسخ من فعل ذلك الفعل قردة وخنازير ليكون بذلك عبرة وموعظة لمن حولهم ومن يأتي بعدهم .
4- وهذا يدل على خطر التحايل على شرع الله وتحليل ما حرم الله وأن الناس إذا تتابعوا على فعل المحرمات يوشك أن ينزل بهم البلاء ولا ينجوا منه إلا من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر واعتزل أصحاب الفساد .
5- ويدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمنة لأهله من الهلاك والعذاب .
6- وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة سيحصل فيها المسخ والقذف والخسف إذا استحلت محارم الله وشربت الخمور وفشا الزنا واستحل الغناء .
7- ومعنى ذلك أن الضمان هو الإيمان والعمل الصالح فلا يغتر مفسد بأنه من أمة محمد وهو عاص لله مرتكب لمحارم الله وإلا فإنه سيكون متشبهاً بمن قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه واتكأوا على تلك الدعاوى مع العصيان وارتكاب المحرمات حتى مسخوا قردة وخنازير وحصل لهم ما قصه الله عنهم في كتابه ليكون عظة وعبرة لغيرهم ممن يريد أن يسلك مسلكهم ومع ذلك يظن أنه لا يصيبه ما أصابهم .
قال الله تعالى : {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (الآيات 67 – 74 ) .
1- أن الواجب على جميع الخلق الرجوع إلى الله وإلى الرسل عليهم الصلاة والسلام في حياتهم وإلى سنتهم وإلى العلماء الراسخين في الكتاب والسنة وذلك عند الاختلاف .
قال الله تعالى : {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } (1) .
وقال تعالى : {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }(2) وهذا الحكم كما هو بين في شريعتنا ودل عليه الكتاب والسنة فهو في شرائع الأنبياء السابقين وفي هذه القصة التي قصها الله علينا من أخبار بني إسرائيل ما يدل على ذلك فقد قتل القتيل واختلفوا فيه ولما ردوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ( موسى ) نزل حكم الله ليبين لهم ما اختلفوا فيه .
ولا يمكن أن يحصل للأمة أمر تحتاج فيه إلى بيان إلا وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بيانه ولكن فوق كل ذي علم عليم .
وما حصلت الكوارث للأمة إلا لما غفلت عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم تطلب حلول مشاكلها منها .
2- في الآيات بيان أن الأمر المطلق للوجوب وأنه يقتضي الفورية لأن الله عنف بني إسرائيل على تأخرهم عن تنفيذ أمره وشدد عليهم بسبب ذلك .
3- أن التنطع في الدين وكثرة الأسئلة خاصة في زمن الوحي محرمة شرعاً ومضرة لما تؤدي إليه من التشديد وزيادة التكاليف قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} (1) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم )) (2) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن أشد لناس جرماً في الناس من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته )) (3) .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال .
4- بيان ما كان عليه أولئك القوم من سوء أدب مع أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام فموسى كليم الله وهو أفضل أنبيائهم وهو من أعظم المرسلين عليهم الصلاة والسلام ومع ذلك ردوا عليه لما أخبرهم بأمر الله بقولهم الشنيع : {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} .
5- بيان الآيات أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبعد الناس عن الجهل والمتمثل في السخرية والاستهزاء بالغير ولذا رد عليهم بقوله : {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} لأن الاستهزاء والسخرية بالآخرين لا تصدر إلا من جاهل ومعتدي وقد عاذ بربه تعالى والجأ إليه أن يكون من ذلك الصنف من الناس .
6- وإذا كان موسى كليم الله عليه الصلاة والسلام يلتجئ إلى الله من الأخلاق السافلة ويحتمي بجنابه تعالى من أن يتصف بها فهذا يدل على أن لا أحد له غنى عن الله تعالى في حفظه وعصمته من كل ما يؤذي من الأخلاق الذميمة والأعمال الفاسدة والـشرور الظاهرة والباطنة .
فالذين يلتجئون إلى غير الله في دفع الشرور عنهم أو جلب النفع لهم يخالفون هدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ويتعلقون بأوهى من خيوط العنكبوت فلا يزدادون عن قضاء حاجتهم إلا بعداً ولا يزدادون بدعوة غير الله إلا حرماناً نسأل الله السلامة والعافية .
7- بركة رد الأمور إلى الله عز وجل فإن بني إسرائيل لما قالوا : {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} وفقوا لعمل ما طلب منهم وقد قال بعض المفسرين : أنهم لو لم يقولوها لم يوفقوا لذلك ، وقد أدب الله نبيه وخليله محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يقول إن سأفعل شيء إلا بربطه بمشيئة الله تعالى ، وقال سبحانه : {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (1) .
وقد أخرج البخاري (1) ومسلم (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( أن سليمان عليه الصلاة والسلام قال : لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ، فقال له صاحبه : قل إن شاء الله ، فلم يقل إن شاء الله ، فطاف عليهن جميعاً فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لو قال إن شاء الله لكان دَركاً لحاجته ولقاتلوا في سبيل الله )) .
وهذا فيه التبرؤ من الحول والقوة إلى الله تعالى وإلى مشيئته سبحانه وهذا من أعظم العون ….
إذا لم يكن عون من الله للفتى
فــأول مـا يـجــني عــلــيه اجـــتهــــاده
8- إظهار معجزة لموسى عليه الصلاة السلام وفيها إظهار قدرة الله تعالى على إحياء الموتى وأنه لا يعجزه شيء سبحانه وأنه كما بدأ الخلق يعيده .
9- في القرآن أربعة مواطن أحيا الله فيها الموتى :
أ – ما في هذه القصة .
ب – القوم الذين خرجوا من ديارهم خشية الموت فأماتهم الله ثم أحياهم في سورة البقرة .
ج – الرجل الذي مر على قرية وهو خاوية على عروشها .
د – طيور إبراهيم عليه الصلاة السلام .
هـ – وقصة خامسة سبقت وهي إحياء قوم موسى لما صعقوا بعد سؤالهم رؤية الله تعالى .
10- سوء أدب أولئك القوم مع نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام وكم لقي منهم من العنت حيث قالوا : {الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} فكأنهم هم الذين يحكمون على ما جاء به موسى من كونه حقاً أو باطلاً وهذا يدل على كبريائهم وغطرستهم نسأل الله العافية .
11- إحاطة الله التامة بخلقه وعلمه بما ظهر وما بطن ولا تخفى عليه سبحانه خافية : {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } وقال تعالى : {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} .
قال تعالى : {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً} (1) .
12- وهذا في ثناياه التحذير من أن يسر الإنسان سريرة سيئة لا يرضاها الله فإن الله محيط به وعالم بما أخفى وما أعلن .
13- في الآيات أن الجمادات تعرف الله وتخشاه وتلين وتهبط من خشيته فهي بهذا خير من قلوب المعاندين والمتكبرين الذي فاقت قسوة قلوبهم قسوة الحجارة : {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (2) .
ويليه تفسير الآيات من ( 87 – 125) من سورة البقرة
لعام 1418هــ
تأليف
علي بن عبدالرحيم الغامدي
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} (البقرة 87 – 88) .
قال القرطبي – رحمه الله : ثم بين أن السبب في نفورهم عن الإيمان إنما هو أنهم لعنوا بما تقدم من كفرهم واجترائهم وهذا هو الجزاء على الذنب بأعظم منه .
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله : {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} فهذا لذي تسميه النظار والفقهاء التشهي والتحكم فيقول أحدهم لصاحبه : لا حجة لك على ما ادعيت سوى التشهي والتحكم الباطل فإن جاءك مالا تشتهيه دفعته ورددته وإن كان القول موافقاً لما تهواه وتشتهيه إما من تقليد من تعظمه أو موافقة ما تريد قبلته وأجزته فترد ما خالف هواك وتقبل ما وافق هواك وهذا الاحتجاج والذي قبله مفحمان للخصم لا جواب له عليه البته فإن الأخذ ببعض الكتاب يوجب الأخذ بجميعه والتزام بعض شرائعه يوجب التزام جميعها ولا يجوز أن تكون الشرائع تابعة للشهوات إذ لو كان الشرع تابعاً للهوى والشهوة لكان في الطباع ما يغني عنه وكانت شهوة كل أحد وهواه شرعاً له .
{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ } (1) .
وفي قوله : {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} رجح الإمام ابن القيم أن المقصود هو ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة ومجاهد – رحمهما الله – : على قلوبنا غشاوة فهي أوعية فلا تعي ولا تفقه ما تقول .
ثم قال : فإن قيل فالإضراب ببل على هذا القول الذي قويتموه ما معناه ؟
قيل : وجه الإضراب في غاية الظهور وهو أنهم احتجوا بأن الله لم يفتح لهم الطريق إلى فهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ومعرفته بل جعل قلوبهم داخلة في غلف فلا تفقه فكيف تقوم به عليه الحجة ؟
وكأنهم ادعوا أن قلوبهم خلقت في غلف فهم معذورون في عدم الإيمان فأكذبهم الله وقال { بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } (1) وفي الآية الأخرى : {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } فأخبر سبحانه أن الطبع والإبعاد عن توفيقه وفضله إنما كان بكفرهم الذي اختاروه لأنفسهم وآثروه على الإيمان فعاقبهم عليه بالطبع واللعنة .
والمعنى لم نخلق قلوبهم غلفاً لا تعي ولا تفقه ثم نأمرهم بالإيمان وهم لا يفهمونه ولا يفقهونه بل اكتسبوا أعمالا عاقبناهم عليها بالطبع على القلوب والختم عليها . ا . هـ
قال الشيخ الدوسري : وقد كذبهم الله بذلك لأن دعواهم مخالفة للحس والنقل ذلك أن الكفر والجريمة لا يولدان مع الإنسان وإنما هما أمور عارضة ناشئة عن غلبة شهوة أو نزوة هوى أو وسوسة شيطان أو تأثير قرين سيئ وإلا فالله يقول في الحديث القدسي : (( إني خلقت عبادي حنفاء وإن الشياطين اجتالتهم فأخرجتهم عن دينهم )) .
ويـقول النـبي صلى الله عليه وسلم : (( كل مـولود يولد على الفطرة فأبـواه يهودانه أو ينـصرانه أو يمجسانه )) فاتضح بهذا أن القلوب جميعها ليس عليها غلاف في الأصل ولكن يطرأ عليها من رين الإصرار على المخالفات ما يقسيها ويطبع عليها حتى لا تنتفع بالخير ولا تتأثر بالمواعظ ولا تهزها العبر أو توقظها الأحداث فكأن الفسق أو الكفر طَبْعٌ لهم وسجية لما ران على قلوبهم من زيغ المخالفات . ا . هـ
قوله تعالى : {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} ( الآيات 89 – 92) .
قال ابن عباس : لم يكن كفرهم شكاً ولا اشتباهاً ولكن بغياً منهم حيث صارت النبوة في ولد إسماعيل . ا . هـ
قال الشيخ الدوسري : فكفرهم في غاية القبح والحماقة بل من أشد أنواع الكفر لأنه ليس ناشئاً عن جهل أو تقليد للآباء أو تأثراً بالبيئة وإنما هو ناشئ عن سوء سريرة وخبث طوية …. إلى أن قال : لأنهم كفروا بما جاء مصدقاً لما معهم ولأنه معروف لديهم غاية العرفان ولأنهم يستفتحون به قبل مجيئه على الكافرين المحاربين لهم فلو لم يكونوا يعرفوه ولم يستفتحوا به لهان الأمر ولو لم يكن مصدقاً لما معهم بل معاكساً لكان لهم مساغ طائفي أن تأخذهم العزة بالإثم ولكن الذي حصل خلاف ذلك ، كل الذي حصل يدينهم ويرغمهم على أنوفهم لو كانوا يقصدون الحق أو يلتفتون إليه ولكن موقفهم موقف العناد والاستكبار ، بل موقفهم موقف المضادة لله إنهم يطالبون الله أن يكون هذا النبي منهم ليس من العرب وأنهم ناقمون من الله أن يختار لرسالته ما يريده دون ما يريدون … إنه تطاول على الله واستدراك على الله وانتقاد لمشيئته وطعن في حكمته وحسد لمن اصطفاه من عباده .
قوله : {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} أي بئس ما باعوا به أنفسهم وهو اللعنة والغضب من الله ، وإذا كانوا لم يعرفوا ثمن أنفسهم فباعوها باللعنة والغضب فكيف سيرشدون غيرهم ؟!
قول الله تعالى : {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} ( الآية (99) .
1- أن القرآن لا يحتاج إلى آية تبينه وتشهد له فهو في نفسه يشهد لنفسه فآياته علامات واضحات مستغنية بنفسها عن غيرها .
2- إثبات علو الله على خلقه جميعاً ومباينته لهم كما أثبت الله ذلك لنفسه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
3- ليس من تنزيه الله رد كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم المتضافر والمتواتر على إثبات صفاته سبحانه على ما يليق بجلاله .
4- انخداع بعض الصالحين بظواهر الألفاظ الخداعة ككلمة التنزيه فبسببها انطلى على كثير من العلماء الصالحين باطل أهل التعطيل والتحريف لكلام الله ورسوله وردهم مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وكذلك مكر أولئك الشياطين بنبزهم من يثبت كلام الله ورسوله على ظاهره على الوجه اللائق بالله تعالى بأنه مجسم وحشوي وخارجي وغير ذلك لينفروا من مذهب الحق والهدى .
وقوله تعالى : {أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} ( الآية100) .
1- العهود التي نقضوها منها ما هو ضمني كإظهار الدلائل الواضحة الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فإن ظهور تلك الدلائل كعهد ضمني يوجب عليهم الإيمان به .
ومنها العهد القولي الذي كانوا يكررونه للمشركين من الاستفتاح بمحمد صلى الله عليه وسلم .
ومنها نقضهم للعهود كما كانوا ينقضونها مع النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ} (1) .
2- النبذ هو الطرح والإلقاء ، والمقصود أنهم لما كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم هو نبذ للتوراة .
قوله تعالى : {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} ( الآية 102) .
1- أن سليمان نبي كريم معصوم من الكفر .
2- أن السحر كفر تعلماً وعملاً وتعليماً ولكن يفرق بين السحر الحقيقي وغيره على ما في أمر السحر من تفصيل .
3- حد الساحر القتل ، قال الإمام أحمد – رحمه الله – : صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
4- أن الله أنزل الملكين فتنة وابتلاء واختبار للناس .
5- أن المخلوق متعبد بأمر الله وحق الله عليه الطاعة ولو كان العمل في نفسه باطلاً مثال ذلك : أمر الملائكة بالسجود لآدم وأمر إبراهيم بذبح ابنه .
فالملكان نزلا بأمر الله لتعليم الناس السحر فهما مطيعان لله ولو كان السحر في نفسه محرم وباطل وكفر ، والحجة في تحذيرهما فهما لا يعلمان أحد حتى يحذرانه ويخبرانه بحقيقة أمرهما ، وإنما هما فتنة وأن تعلم السحر كفر .
6- وهذا يقودنا إلى أمر آخر وهو أن الله عز وجل قد يـيسر للإنسان أمر المعصية وأسبابها ابتلاءً واختباراً .
7- أن السحر له حقيقة وأنه سبب من الأسباب التي خلقها الله وأوجدها في هذا الخلق ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (( … أما أنا فقد شفاني الله … )) (1) والشفاء لا يكون إلا برفع العلة وزوال المرض .
والسحر أيضاً أنواع وتقاسيم ومنه سحر قوم فرعون قال تعالى : { سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (2) وقال تعالى : { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (3) .
8- أنه كبقية الأسباب متعلق بمشيئة الله فإن شاء الله حصل أثره وإن لم يشاء الله لم يتحقق ، فالإيمان بالقضاء والقدر من أكبر قواعد العقيدة وقوته في القلوب سبب قوة المسلمين فبه هانت الصعاب ولم يبالوا بعدو .
9- أن المعيذ من الشرور هو الله فيجب على الخلق اللجوء إلى الله والاحتماء بجنابه سبحانه ، قال تعالى : { وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } .
وقال تعالى : {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (1) .
10- عظيم ضرر السحر على الساحر فكسب خبيث وخطر محيق به وغضب من رب العالمين وخسران الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين نسأل الله العافية .
فهو في الدنيا من أفقر الناس ومن أحقر الناس ولا يأنس إلا بالقاذورات والنجاسات ، ولو أن المغفلين الذين يأتون إلى الساحر لينفعهم نظروا إليه ببصيرة لعلموا أن فاقد الشيء لا يعطيه .
لكن كما قال تعالى : { وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}(2) .
11- أثر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إسناده جيد كما قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – فإذا صح عنها فهذا يستدل به من ذهب إلى أن الساحر له تمكن في قلب الأعيان لأن هذه المرأة بذرت واستغلت في الحال .
12- وأثر علي رضي الله عنه (1) فيه كراهية الصلاة بأرض بابل كما تكره بديار ثمود الذين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى منازلهم إلا أن يكونوا باكين . ولكن هل الدخول هنا اختيار أم اضطرار كالمسافر الذي ليس له طريق غيرها ولا منصرف عنها وفي هذا تنبيه إلى خطورة ما يفعل اليوم من تفقد الآثار وتنظيم الرحلات لذلك الغرض ولا حول ولا قوة إلا بالله .
قـوله تـعالى : {يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُـولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَـافِـرِينَ عَـذَابٌ أَلِيمٌ} ( الآية104) .
1- التحذير الشديد من مشابهة الكافرين سواء في الأقوال أو الأفعال ومن تشبه بقوم فهو منهم .
2- نداء المؤمنين بأخص أوصافهم لأنهم المنتفعون بخطاب الله تعالى والعاملون بأوامره .
3- جهالات اليهود وضلالاتهم ليس لها حدود من هذا تقصدهم للألفاظ المشتملة على المعاني السيئة أو المحتملة لذلك .
فكلمة راعنا تحتمل معنى الرعاية والحفظ وكذلك معنى الرعونة والطيش .
4- الواجب على المؤمنين الوقوف مع كتاب الله حيث أوقفهم فلا يجوز للمؤمنين استخدام الألفاظ التي تحتمل معاني سيئة لأن ذلك من التشبه باليهود .
5- في الآية دليل على قاعدة سد الذرائع وهذا أصل دل عليه الكتاب والسنة والذريعة هي الأمر المباح الذي يتوصل به إلى الأمر الممنوع .
6- عظيم حق النبي صلى الله عليه وسلم على المؤمنين في حياته وبعد مماته فأما في حياته فبالسمع والطاعة وعدم التقدم بين يديه وعدم رفع الصوت بحضرته وعدم الذهاب من حضرته إلا بعد الاستئذان إلى غير ذلك مما في كتاب الله تعالى .
وأما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فبإتباعه والسير على هديه وسنته وعدم تقديم قول أحد على قوله ولا هدي أحد على هديه وتدارس سنته ونشرها بين الناس .
وتعظيم حملة سنته من العلماء العاملين الداعين إلى هديه صلى الله عليه وسلم فهم ورثته نسأل الله بمنه وكرمه أن نكون منهم .
قوله تعالى : {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ( الآية (105) .
1- حرص الأعداء من أهل الكتاب خاصة والكفار عامة على حرمان المسلمين من كل خير وأن يكونوا كالسائمة لا تهتدي إلى خير ولا تصل إلى رشد وهذا ليس خاصاً بزمان دون زمان أو مكان دون مكان .
2- عظيم فضل الله وعنايته بالمؤمنين حيث شخص لهم أعداءهم وكشف مؤامراتهم وأهدافهم وهتك أستارهم حتى أصبح المؤمنون يعرفون جميع ألاعيبهم وما تكن صدورهم من الحقد والغل والحسد .
3- من كره الخير للمؤمنين عامة أو لطائفة منهم أو لفرد من المؤمنين فإن فيه شبه من اليهود نعوذ بالله من حالهم .
4- التفسير الصحيح للحسد كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ليس أن يتمنى الإنسان زوال نعمة الله على غيره ولكن هو أن يكره الإنسان ما أنزل الله على غيره من الخير سواء تمنى زواله أو لم يتمن .
5- في هذه الآية إثبات مشيئة الله قال تعالى : {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} وأفعال الله صادرة عن مشيئة منه عز وجل وكذلك أفعال العباد صادرة عن مشيئة الله وإذنه سبحانه .
ومن ذلك إعطاءه سبحانه من يشاء ومنعه من يشاء فهو سبحانه يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم نسأل الله العظيم من فضله .
قول الله تعالى : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} ( الآيات 106- 107) .
1- اعتراض اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم الدين على أحكام الله القدرية والشرعية .
2- حملة التشكيك للمسلمين بسبب تحويل القبلة وغيرها حسداً وبغياً .
3- ثبوت النسخ عقلاً وشرعاً سواء نسخ شريعة بشريعة أو نسخ في الشريعة الواحدة .
4- النسخ يكون بنسخ التلاوة وبقاء الحكم كآية الرجم كما أخرج البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ويكون بنسخ الحكم وبقاء التلاوة مثل قوله تعالى : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (1) .
ويكون بنسخهما جميعاً التلاوة والحكم كما في حديث عائشة رضي الله عنها : (( كان فيما أنزل من القرآن عـشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ )) أخرجه مسلم .
5- أن الخيرية في النسخ بما هو في مصلحة المكلفين فإما أن يخفف عنهم وإما أن يزدادوا أجراً وثواباً ورفعةً .
قوله : {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} الآيات ( 109 – 110) .
1- الحسد المذموم أن تكره ما أنزل الله من نعمة على أخيك سواء تمنيت زوالها أم لم تتمنى هذا القول الصواب كما قرره شيخ الإسلام بن تيمية – رحمه الله .
وخطره يتمثل في الاعتراض على الله في خلقه وتدبيره واتهامه في حكمته سبحانه وعلمه ثم إنه بغي واعتداء وظلم لأخيه .
والمحمود الغبطة في فعل الخيرات قال صلى الله عليه وسلم : (( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه الله على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها )) .
وهذا هو التنافس في الخير قال تعالى : {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (1) .
فائدة : واليهود إنما حسدوا المؤمنين لعلمهم أن الإسلام هو الحق وأن وراءه السعادة في الدارين ولكنهم شق عليهم أن يتبعوهم فتمنوا أن يحرموا هذه النعمة ويرجعوا كفاراً كما كانوا حتى لا يصلوا إلى خير في الدنيا أو في الآخرة .
ويزداد حقدهم وحسدهم لعلمهم أن نعمة الإسلام ستعز المؤمنين وستدخل جميع الأمم تحت سلطانهم وسيادتهم بمن فيهم اليهود .
2- إذا كان أوائل اليهود والنصارى يودون لو ارتد المسلمون وصاروا كفاراً فإن أواخرهم في هذا الزمان عملوا على تخطيط ردة جديدة وجاهلية جديدة مصطبغة بشتى الأسماء والألقاب أمثال : الاشتراكية والبعثية والقومية والعلمانية ، إلى آخر ما أنتجته تلك المخططات ولكل مذهب منها دعاة بتحضيض من اليهود والنصارى وتمويل سخي خفي وليتأمل المسلم هذه الأحزاب الكافرة الناشرة للكفر والدعم الرهيب لوسائلهم مع غرابة وجهالة المصادر .
ومن ذلك الحملات المسعورة لتنصير المسلمين واستغلال الفقر والكوارث والفتن والحروب في محاولة إخراج المسلمين من دينهم .
3- قوله تعالى : {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} نُسخ بالأمر بالقتال كما في قوله تعالى : {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (1) .
فائدة : في قوله تعالى : {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} تأصيل لمبدأ أن المؤمن لا يتقدم بين يدي الله ورسوله حتى لو ظلم ولو أوذي بل عليه أن يتعبد لله في كل موقف وفي كل وقت بما تعبده الله به من غير استعجال ولا تقدم على الله ورسوله .
4- إثبات عموم قدرة الله عز وجل ولا يستثنى من هذه القضية الكلية العامة شيء فالله قادر على كل شيء في السماء وفي الأرض وفي الدنيا وفي الآخرة وسواء كان موجوداً أو معدوماً وظاهراً أو خفياً فالله قادر عليه .
5- الأمر بإقامة الصلاة لا يتم إلا باستيفاء الشروط والأركان والواجبات والهيئات كما في كتاب الله وكما في سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله : (( صلوا كما رأيتموني أصلي )) .
6- وإيتاء الزكاة ، إعطاءها مستحقيها كما شرع الله لمن شرع الزكاة لهم وقد قرنت الزكاة بالصلاة في مواضع عديدة لأن الصلاة حق الله والزكاة إحسان إلى خلق الله ولا تستقيم حياة المسلمين أفراداً أو جماعات إلا بإيفاء هذين الحقين حتى تتحقق عبوديتهم لله وأخوتهم الدينية الشرعية بأن يكونوا كالجسد الواحد .
7- ختم الله هذه الآية بوعده الصادق أنه لن يضيع عمل العامل فما قدمه الإنسان من الخير سيجده عند الله أحوج ما يكون إليه موفراً ومدخراً بل ومضاعفاً .
8- وذكر بعض صفاته العظيمة وأنه بما يعمل عباده بصير سواء عملوا خيراً أو شراً وهذا فيه تحذير من مخالفة أوامره والوقوع في مناهيه والتقصير في حقه .
قوله تعالى : {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (البقرة 111 – 113).
1- بيان حالة جديدة من أحولهم المنبثة عن الغرور والتعالي والدعاوى الباطلة المبنية على الأماني الكاذبة والأوهام الخالية .
فهم كما ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه زعموا أنهم لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة وكما زعموا أنهم شعب الله المختار يزعمون هنا بأن الجنة خاصة بهم ولا يدخلها غيرهم فأكذبهم الله كما أكذبهم في سائر دعاواهم .
2- في قـوله تعالى : { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } تبكـيت لهم وإخزاء لوجوههم وفيه أن كل من ادعى دعوى من غير دليل فهو كاذب ؛ لأنه أسلوب متضمن للشرط ومعناه .
3- بين الله الأسباب الموجبة للجنة وهي التوجه إلى الله وقصده وحده بالأعمال المشروعة الموافقة لدينه وهدى نبيه صلى الله عليه وسلم .
4- هذه الآية دليل لأهل السنة أن الإيمان اعتقاد وعمل .
5- وهي دليل على القاعدة الدينية العامة وهي أن رحمة الله وجنته ليست موقوفة على شعب دون شعب أو أمة دون أمة وإنما هي مبذولة لكل من يطلبها ويعمل لها عملها .
6- إبطال وتكذيب الدعاوى الأممية الشعوبية التي تحـصر الخير في شعبها أو أمتها وتنفي أي خير وتسلب أي فضيلة عن غيرهم .
7- مع أن اليـهود والنصارى في الأصل ملة واحدة وأمة واحدة فالتوراة بـشرت بعيسى وعيسى جاء بدين أصله التوراة ومع ذلك افترى المحرفون من أتباع الدينين على التوراة والإنجيل الكذب والباطل حتى وصل بهم إلى جحود نبوة موسى من النصارى وجحود نبوة عيسى من اليهود .
فإذا حصل ذلك بينهم مع ما بين الدينين من الترابط فكيف بتعاملهم مع غيرهم .
8- في الآية الأخيرة إثبات الجزاء يوم القـيامة { فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } والإيمان باليوم الآخر وفي ضمنه الإيمان بالقيامة أحد أركان الإيمان الستة .
قال تعالى : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ( الآية114)
1- ذكر الله هذه الآية ضمن الآيات التي يتكلم بها عن بني إسرائيل لأن الاجتراء على حرمة المساجد والسعي في خرابها معنوياً ( وحسياً أيضاً ) هو من أعمال اليهود ( والنصارى ) المباشرة وغير المباشرة فإن تمكنوا خربوها حسيّاً كما فعل النصارى ببيت المقدس ( ومساعدتهم لبختنصر في فعله ) الشنيع بتخريب بيت المقدس وتدنيسه وكما فعل اليهود قبل ذلك وبعد من التخريب المعنوي .
تنبيه : حادثة بختنصر كانت قبل المسيح عليه السلام ولكن النصارى أغروا ملك الروم بنطس الوثني بالإغارة على اليهود فدخل بيت المقدس وخربها حتى أصبحت تلاً من التراب وهدم هيكل سليمان عليه السلام حتى لم يبق منه إلا بعض الجدر المدعثرة وأحرق ما كان عند اليهود من التوراة وكان ذلك بعد المسيح بسبعين سنة وذلك انتقاماً من أفعال اليهود بهم وسعيهم لقتل المسيح ولكن الله أنجاه منهم ورفعه إليه .
وربما قصد المؤرخون أيضاً ما حصل من أدرينال الروماني الذي جاء بعد المسيح بمئة وثلاثين سنة وبنى مدينة على أطلال أورشليم وزينها وبنى هيكلاً للمشتري على أطلال هيكل سليمان وحرم على اليهود دخول هذه المدينة وجعل جزاء من يدخلها القتل وكان اليهود يسمونه بختنصر الثاني لما لاقوه من شدة ظلمه وبطشه.
2- ويـتضح تكـريسهم لهذا التخريب لبيوت الله وتدنيسها بالنظر إلى فعل تلامذتهم من الشيوعيين والبعثيين والقوميين فكم فعلوا وكما يفعلون ولا يزالون لتخريب مساجد الله حسياً ومعنوياً لمنع ذكر الله في الأرض .
تنبيه : ولنتذكر أخص تلامذة اليهود بل أبناءهم الحقيقيون القرامطة الذين دخلوا المسجد الحرام فهدموا الكعبة المشرفة ونقلوا الحجر الأسود إلى ديارهم وقتلوا الحجاج وطمروهم في بئر زمزم ومنعوا الحج سنوات عديدة .
3- ومن ذلك فعلهم لمنع تعليم توحيد الله وإخلاص العبادة له مع سماحهم لمن يعلم ويدعو إلى الوثنية والقبورية وغيرها من الباطل الصاد عن ذكر الله .
4- ومن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، التشدد والتنطع والإرهاب الحقيقي من قول كلمة الحق والصدح بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجج تافهة من أجل تمرير المخططات اليهودية والنصرانية لتمييع قضايا الدين وإيهان الدين في نفوس أهله والتشكيك في أصول الإسلام وثوابته .
5- ومن منع المساجد أن يذكر فيها اسم الله منع المؤهلين من القيام عليها وتسليم أزمتها إلى الجهلة بل والفسقة .
6- وفي سبيل ذلك تقليص ما يتعاطاه الأئمة والمؤذنون وجعلهم يعيشون حياة الفاقة والحاجة وإسقاط قيمتهم أمام الناس ( أهل الموازين الدنيوية ) .
7- في قوله تعالى : {وَمَنْ أَظْلَمُ} أي : لا أحد أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خربها فالآية مشعرة بأن ظلمه من أعظم الظلم .
تنبيه : لا يدخل في الظلم هدم مسجد الضرار وما بني لتفريق المصلين وكذلك ما بني على القبور وما شيد من قباب فإن هذه معاكسة لذكر الله والتوجه إليه سبحانه فإنها إنما تقام لتعبيد خلق الله لغير الله .
8- الجزاء من جنس العمل فكما سعى أعداء الله إلى إخافة قاصدي مساجد الله لعمارتها بذكره فقد حكم الله فيهم بأن يُخافوا فلا يدخلوها إلا خائفين وهذا الخوف إما شرعي وهو للكافرين : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } (1) .
وقال تعالى : {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ } (2) وغيرها من القرآن .
وأما كوني وهو ما ضرب الله به أهل النفاق المعادين لبيوت الله وأهلها من الخوف والوجل من المساجد وما فيها من ذكر الله وشعائر دينه . ولله الحكمة البالغة .
9- قوله تعالى : {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} بأمور ، منها :
– العقوبات التي تنزل بهم من تسليط أوليائه ونـصرهم على الصادين عن المساجد وعمارتها .
– ومـنها : الجزية والذلة والصغار الذي يضرب عليهم كما حصل لليهود والنصارى ومشركي العرب والصليبيين وحزب القرامطة المجرمين .
– ومنها خذلان أولئك الحكام الساعين في منع المساجد أن يذكر فيها اسم الله في أحكامهم وسياستهم فتتفاقم المشاكل عليهم ويفسد نظامهم فإذا ماتوا لم يذكروا إلا باللعن والاحتقار حتى من أنصارهم في ظلمهم .
وإما بالعذاب العظيم فهو وعيد الله في الآخرة وذلك أشد وأنكى نسأل الله السلامة والعافية .
قوله تعالى : {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (الآية 115) .
1- عموم ملك الله سبحانه لكل مـخلوق وخص المشرق والمغرب إما للتشريف وإما للمناسبة حيث ذكر التوالي بعدهما وإما لأن العالم منحصر بين هاتين الجهتين وتقديم الخبر في قوله :{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} يفيد الاختصاص والحصر فليس لأحد غير الله الملك المطلق .
2- الوجه يأتي ويراد به صفة من صفات الله الذاتية وهي الوجه اللائق به سبحانه كما أخبر عن نفسه وأخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم .
والمعطلة يقول بعضهم : الوجه بمعنى الذات .
وبعضهم يقول : ثوابه وجزاءه فجعل هؤلاء مخلوقاً منفصلاً ، وأقوال المعطلة باطلة وهي تحريف لكلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم (1) .
3- اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية :
– فمنهم من قال : أنها نزلت رداً على اليهود عندما اعترضوا على تحويل القبلة إلى الكعبة بعد بيت المقدس .
– وقيل : أنها نزلت في صلاة التطوع إلى غير جهة القبلة حيت توجهت الراحلة .
– وقيل : أنها فيمن يجتهدون في القبلة فيخطئون فإن صلاتهم صحيحة إما لغيم أو ظلمة أو غير ذلك .
– وقيل : أنها نزلت قبل الأمر بتوجه إلى قبلة معينة .
والصحيح أنها محكمة وليست بمنسوخة وأن حكمها باق في التنفل وفي السفر وفي مسايفة العدو سواء في التطوع أو الفرض وكذلك المريض والمصلوب ومن خفيت عليه القبلة لسبب من الأسباب .
4- إثبات سعة علم الله وصفاته وعظمتها وكذلك سعة فضله وجوده وإثبات علمه سبحانه الكامل وهذا يتضمن التحذير من مخالفة الله بترك أوامره أو فعل نواهيه لأنه يعلم سبحانه بذلك وهذا يقتضي الحذر منه سبحانه لمن آمن بذلك وأيقن .
5- في هذه الآية من سماحة الإسلام ورفع الحرج عن الأمة ما ينبغي شكر الله عليه كما فيها رفع الآصار التي كانت على من كان قبلنا ومن ذلك أنهم كانوا لا يصلون إلى في هياكل ومعابد لا تصح لهم صلاة بدونها .
قوله تعالى : {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ( الآيات (116- 117) .
1- القائلون بالولد لله – سبحانه وتعالى عما يقول المفترون – طوائف :
أ- اليهود قالوا : عزير ابن الله .
ب- النصارى قالوا : المسيح ابن الله .
ج- مشركوا العرب قالوا : الملائكة بنات الله .
د-الفلاسفة قالوا : بالعقول المتولدة من العقل الفعال وهذه العقول هي مدبرة الكون .
هـ – البوذيون يقولون : بوذا ابن الله .
و- وقال أهل وحدة الوجود : أن الخلق هو الخالق ، تعالى الله عما يقول المبطلون علواً كبيراً .
وبهذا التشابه تسقط دعاوى اليهود والنصارى في أنهم هم المهتدون فهاهم يستوون مع المشركين في أفسد الاعتقادات على الإطلاق .
وهنا فائدة عظيمة : وهي اعتقاد أن الخلق غير الخالق وأن الخالق : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) وأنه لا يعلم الخلق من أمر الخالق إلا ما علمهم هو عن طريق رسله .
وأنه ليس للعقول البشرية ولا للمعارف الإنسانية أن تصل إلى قليل أو كثير مما حجب عنها علمه وأن القول في ذلك تخرص وظنون كاذبة تضحك العقلاء على أهلها ومنتحليها .
2- ذكر الله في رد دعواهم له اتخاذ الولد أربع حجج على استحالة اتخاذه الولد :
أ- كون ما في السماوات والأرض ملكا له وهذا ينافي أن يكون فيهما ولد له لأن الولد بعض الوالد وشريكه فلا يكون مخلوقا له مملوكاً له لأن المخلوق مملوك مربوب عبد من العبيد والابن نظير الأب فكيف يكون عبده تعالى ومخلوقه ومملوكه بعضه ونظيره فهذا من أبطل الباطل . وأكد هذه الحجة بقوله : { كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} وهذا تقرير لعبوديتهم له وأنه ليس فيهم شريك ولا نظير ولا ولد فإثبات الولد لله من أعظم الإشراك به .
ب- قوله تعالى : {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وهذا من أبلغ الحجج على استحالة نسبة الولد إليه ولهذا قال في سورة الأنعام : {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} (1) أي : من أين يكون لبديع السماوات والأرض ولد ؟
وتقرير ذلك أن من اخترع هذه السماوات والأرض مع عظمتها وآياتهما وفطرهما وابتدعهما فهو قادر على اختراع ما هو دونهما فكيف يخرجون هذا الشخص المعين عن قدرته وإبداعه ويجعلونه نظيراً وشريكاً وجزاءً مع أنه تعالى بديع العالم العلوي والسفلي وفاطره ومخترعه وبارئه فكيف يعجزه هذا الشخص أن يوجد من غير أب .
قال عمر رضي الله عنه في النصارى : (( أذلوهم ولا تظلموهم فقد سبوا الله مسبة ما سبه إياها أحد من البشر )) .
وأخبر سبحانه أن السماوات كادت تنفطر من قولهم هذا وتنشق الأرض منه وتـخر الجبال هدا .
وما ذاك إلا لما يتضمنه ذلك الكلام من التنقص لله تعالى علواً كبيراً .
ومع الأسف فإننا في هذه الأيام نسمع الكتابات المتتالية ممن ينتسب إلى الإسلام في الـذب عن اليهود والنصارى وزعم أنهم مـؤمنون وأنهم من أهل الجـنة وأنهم إخوان ؛ لأن أصـل الأديان واحد ويـوجد من يـدعـو بحمـاس إلى تقارب الأديان بل إلى وحدة الأديان اليهودية والنصرانية والإسلام مع أن السلف كان أحدهم يغمض عينيه إذا مر بنصراني لشناعة ما افتراه على الله ، نعوذ بالله من الافتراء على الله .
إن الولاء لله والبراء من أعدائه والحب لله سبحانه وبغض أعدائه هو أصل هذا الدين ولبابه فإذا فقد أو تـميع فقد هدم أساس الدين فلا تنفع الدعاوى والانتسابات بعد هدم الأساس والأصل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون
ج- قوله تعالى : {وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وتقرير ذلك أن من كانت قدرته تعالى كافية في إيجاد ما يريد إيجاده بمجرد أمره وقوله : { كُنْ} فأي حاجة إلى ولد وهو لا يتكثر به من قلة ولا يتعزز به ولا يستعين ولا يعجز عن شيء سبحانه .
3- القنوت في اللغة بمعنيين :
– أحدهما : القيام .
– والثاني : الطاعة .
والمشهور في اللغة والاستعمال أن القنوت الدعاء في القيام فالقانت القائم بأمر الله قال ابن عباس وابن جبير ومجاهد : القنوت الطاعة .
قال الحسن والربيع : القنوت القيام .
قال عكرمة والسدي : القنوت الإقرار بالعبادة .
والقنوت نوعان :
– قنوت عام : وهو قنوت الخلق كلهم تحت تدبير الخالق ليس لأحدهم أن يمتنع عما أراده به أو بغيره .
– وقنوت خاص : وهو قنوت العبادة .
والعام كما في هذه الآية ، والخاص كما في قوله تعالى : {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1) .
4- إثبات القول لله وأن الله يقول وأن قوله بحروف وأنها على ترتيبها في التركيب لقوله : { كُنْ} فإن الكاف قبل النون وهذا قول السلف وأئمة الخلف .
5- وأن أمر الخلق والإيجاد مرتبط بإرادته سبحانه وقضائه فإذا أراد شيئاً وقضاه فإنما يقول له كن فيكون في الحال بدون تأخر على حسب ما أراده أن يكون .
قوله : {وَإِذَا قَضَى أَمْراً} أي : قضاه قدراً وكوناً .
وأمره سبحانه :
– إما كوني قدري : وهو الذي يبدع ويخلق به سبحانه ما يشاء فلا يمتنع منه أحد وليس للمخلوق فيه اختيار .
– وأمر شرعي : وهو ما يكلف الله به عباده وهذا هو مناط الابتلاء وللعباد فيه اختيار ثم على الاختيار يكون الحساب والجزاء .
قول الله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} ( الآيات (118-119) .
1- أكثر المفسرين على أن قوله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ …….} الآية هو في مشركي العرب بدليل قوله تعالى : { كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} ولكن السياق كلها في أهل الكتاب وهم قد سألوا مثل ذلك كما في قوله تعالى : {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً ….} الآية (1) .
وأما وقوله : {الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} فيعني أنهم لا يعلمون التوحيد والنبوة كما ينبغي وهذا يستوي فيه أهل الكتاب وغيرهم من الكافرين .
ويمكن أن يقال أن الآية تعم الجميع لاستوائهم في المعاندة وتطلب المحال .
2- طلب الآيات من هؤلاء المعاندين إنما هو من باب التعنت واللجاج ، وإلا فالقرآن آية معجزة وبينة ظاهرة على أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله حقاً ثم إنهم في تعنتهم وطلبهم للآيات ليسوا بسبيل الإذعان إذا جاءت الآيات بل كما قال تعالى : {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} (2) .
وقال تعالى : {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} (3) .
وقال عز وجل : {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} (1) .
وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} (2) .
3- تشابه الكافرين باطنا وظاهراً قال عز وجل : {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} (3) ثم هم يتشابهون في مكابرة الحق ومعاندته ويختلفون في جزئيات ذلك .
إذا تشابهت القلوب تشابهت الأقوال والأعمال وهذا فيه إشارة إلى أن القلوب هي الموجهة للأقوال والأعمال وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )) .
ومن هذا اتفاق أهل الحق على قول الحق وإن اختلفت أمصارهم وتفاوتت أزمانهم قال الإمام البخاري – رحمه الله – : لقيت أكثر من ألف عالم في الحجاز والشام والعراق ومصر واليمن وخرسان كلهم يقولون : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص . أو كما قال – رحمه الله .
4- قوله : {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ} إرسال الرسول بالحق مشتمل على الآيات التي جاء بها وترجع إلى أمور :
أ- في نفس إرساله ، ورحمة الله للناس بإرساله وهذا يعلمه من علم ما كان عليه البشر قبل بعثته .
ب- في سيرته وهديه ودينه وما كان عليه من خصال الكمال ومكارم الأخلاق .
ج- معرفة ما جاء به من الشرع العظيم والقرآن الكريم وما اشتمل عليه من الأخبار الصادقة والأوامر الحسنة والنهي عن كل قبيح .
5- أن آيات الله لا ينتفع بها إلا الموقن بها وهو طالب الهدى والحق فأما الشاك والمعاند فلا ينتفع .
والموقنون الذين طلبوا الحق بدليله ولم يقيدوا عقولهم بربقة التقليد الأعمى الجامد وهذا قيد بأن على طالب الحق أن يستدل على الحق قبل أن يعتقد وإلا أصبح الاعتقاد خاضعاً للهوى ليس للدليل .
يتفرع عن قوله : {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أن من كان عنده شك فإن الآيات لا تتبين له ولا تظهر بل تزيده الآيات عمى وضلالاً كما قال عز وجل : {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ}(1) .
وأقبح من الشاك أهل العناد والإنكار فإن هذا لا ينتفع بالآيات من باب أولى .
ومثل هذا مثل من يسمع بنفع بعض الآيات كآية الكرسي في الحرز من الشيطان فإنه لا ينتفع بها ولا يحصل ما وعد به إلا لمن أيقن بذلك .
6- في قوله تعالى : {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا يؤاخذ ولا يسأل عمن كفر ، قال تعالى : {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} (2) .
وكذلك تسلية له عندما حزن على إصرارهم على الكفر قال تعالى : { فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } (1) .
وفيه تقرير للقاعدة القرآنية أن أحداً لا يسأل ولا يتحمل ذنب غيره : { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (2) .
والقراءة الثانية تتضمن النهي عن السؤال عنهم .
7- في قوله : {بَشِيراً وَنَذِيراً} تحديد لمهمة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو بشير للمؤمنين بسعادة الدارين ونذير للكافرين والمعاندين بالخزي والعذاب عاجلاً وآجلاً .
ثم فيها بيان أن ليس للنبي صلى الله عليه وسلم حق في الربوبية ولا الألوهية .
فائدة : في قوله تعالى : {قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ} ولم يقل أعطيناك الآيات للتفرقة والفصل بين آيات القرآن التي هي من علم الله وكلامه يظهر بها الحق بطريق لا يشتبه فيه الفهم ولا يحار فيه الذهن .
وبين الآيات الكونية التي هي من فعل الله تعالى فيخضع لها المشاهد لها لشعوره بأنها من قوة فوق قوته وأنه ليس بمقدوره مجاراتها ثم ينقسم الناس فيها قسمين فمنهم من يسندها إلى الله حتى وإن كانت من أعمال الخلق الخفيّة ، ومنهم من يجعلها من أعمال السحر والسحرة حتى وإن كانت مما يعجز عنه السحرة والشياطين وجميع المخلوقين ولذلك ضلت الأمم في آيات القرآن لأنها بينه لا يمكن أن تلتبس بغيره فليس لأحد مهما كان أن يأتي بسورة واحدة مهما كان قصرها ولله الحكمة البالغة .
قوله تعالى : {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} ( الآيات ( 120-123) .
1- هذه هي الحقيقة المروعة لكل من انخدع بأكاذيب اليهود والنصارى في شيء من دعاواهم الكاذبة سواء كانت دعاوى ذكرها القرآن عنهم كما في قولهم : { نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا } (1) وقولهم : {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ } (2) إلى آخر ما ذكر الله عنهم .
أو كانت دعاوى محدثة بعد ذلك من علمانية وقومية وعولمة ووطنية وعروبة فإن كافة تلك الدعاوى إنما هي للابتزاز وتنزيل المسلمين عن دينهم وثوابتهم وإلا فالحقيقة أنهم لن يرضوا إلا بأن يكون المؤمن تبعاً لهم وعلى ملتهم .
2- أفرد الله كلمة الملة لأن الكفر ملة واحدة في مقابلة هدى الله مع أنك تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى فمع أنهم يلعن بعضهم بعضاً ويكفر بعضهم بعضاً ويكيد بعضهم ويتجسس بعضهم على بعض إلا أنهم أمام هدى الله كتلة واحدة هدفهم واحد هو تقويض دعائم الإسلام ومحق أهله ، وتذكر قوله تعالى : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (1) .
3- أن الدعاوى والأماني لا تغني من الحق شيئاً وليس الهدى والحق لمجرد الدعوى ولكن الهدى هدى الله الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن اتبعه فقد اتبع الحق وسلك سبيل الهدى وقد وردت الآية بصيغة الحصر والقصر فالهدى محصور ومقصور في هدى الله الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما عداه ضلال وزيغ وهوى .
4- أن الذي مع اليهود والنصارى وغيرهم إنما هو الأهواء وليس الهدى ولذلك ورد التحذير من إتباع أهوائهم .
5- إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم المعصوم من الزيغ والضلال توعده الله بهذا الوعيد لو حصل منه إتباع أهوائهم وأن الله سيتخلى عنه لو فعل حاشاه ذلك فغيره ممن لن يعصم عليه أن يحذر والوعيد في حقه آكد وهذا كقوله تعالى : {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (2) .
6- قال الإمام محمد عبده : من تدبر هذا الإنذار الشديد الموجه من الله تعالى إلى نبي الرحمة المؤيد منه بالكرامة والعصمة علم أن المراد به الوعيد والتشديد على الأمة على حد ( إياك أعني واسمعي يا جارة ) فإن الله تعالى يخاطب الناس كافة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم . ا . هـ
7- في هذه الآية وأمثالها بيان أن العقوبات إنما تقع على العبد بعد العلم وأما الجاهل فلا عقوبة عليه وهذا في العموم والمسألة فيها مباحث في حد الجهل الذي يعذر المرء به والأمور التي لا يعذر بالجهل فيها .
8- {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} في تفسيرها وجهان :
– أحدها : أنهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة الإجابة فهم الذين ينتفعون بهذا الوحي المبارك لأنهم يتلونه حق تلاوته يعني أنهم يعملون به حق العمل فيحلون حلاله ويحرمون حرامه .
– وثانيها : أنهم من آمن من أهل الكتاب .
9- والتلاوة يراد بها ثلاثة أمور :
أ- التلاوة الحرفية اللفظية وهو أن يقيم حروفه ويتلو ألفاظه .
ب- التلاوة المعنوية وهي أن يفسره بما أراد الله عز وجل لا بهوى نفسه فلا يحرف الكلم عن مواضعه .
ج- التلاوة الحكمية العملية بأن يؤمن بأخباره ويقوم بأوامره ويجتنب نواهيه .
10- والمقصود الأعظم هو التدبر والتفهم والإيمان والعمل فقد ذم الله طائفة من أهل الكتاب بأنهم لا يعلمون الكتاب إلا أماني .
وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخوارج وأنهم يقيمونه إقامة القداح ولا يجاوز تراقيهم وأخبر عن مروقهم من الدين والعياذ بالله .
11- ذكر بعض العلماء من موانع فهم القرآن عند التلاوة :
أ- أن يكون الهم منصرفاً إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام الله عز وجل .
ب- أن يكون مقلداً لمذهب سمعه بالتقليد وجمد عليه وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الإتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة فهذا شخص قيده معتقده عن أن يجاوزه فلا يمكن أن يخطر بباله غير معتقده فصار نظره موقوفاً على مسموعه .
فإن لمع على بعد وبداله معنى من المعاني التي تخالف مسموعه حمل عليه شيطان التقليد حملة وقال : كيف يخطر ببالك وهو خلاف معتقد آبائك ؟ فيرى أن ذلك غرور من الشيطان فيتباعد منه ويحترز من مثله ….الخ
12- فإن قال قائل : فإن العلماء يقولون : القرآن يتعبد بتلاوته !
فالجواب أن يقال : ولكنهم لم يقولوا أنه أنزل لذلك .
والله الذي أنزله يقول أنه أنزله : { لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (1) وقال تعالى : {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (2) .
13- خسارة الكفار بالقرآن خسارة عامة شاملة للدنيا والآخرة .
14- أعاد الله عز وجل التذكير بنعمه على بني إسرائيل بعد أن أوضح أن الإعراض عن تدبر وحي الله والتفقه فيه هو كفر به أعاد تذكيرهم بأنه لا يليق بمن كرمه الله وفضله على غيره من الشعوب بإيتائه الكتاب أن يكون حظه من ذلك الكتاب الكفر وأن يكون شبيهاً بالحمار الذي يحمل أسفاراً .
15- وهذه النعم توجب على من يعطاها شكر الله عليها فبشكرها تبقى وتزيد وبكفرها ترتفع قال تعالى : {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (1) .
16- وختم الله هذا السياق بالتحذير من اليوم الموعود الذي لا يملك أحد لأحد فيه شيئاً ولا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً ولا تزر وازرة وزر أخرى إلى آخر ما بين الله في أمره ، قال صلى الله عليه وسلم : (( يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً ….. )) (2) .
17- وإذا كانت الشفاعة تنفع في الدنيا ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يـشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه )) (3) فإن الآخرة لا تنفع الشفاعة إلا بشروطها .
قال بعض المفسرين في قوله تعالى : {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} .
فتلك هي العلة الأصيلة ليس الذي ينقصهم هو البرهان وليس الذي ينقصهم هو الاقتناع بأنك على الحق ، وأن الذي جاءك من ربك الحق . ولو قدمت إليهم ما قدمت ولو توددت إليهم ما توددت لن يرضيهم من هذا كله شيء ، إلا أن تتبع ملتهم وتترك ما معك من الحق … إنها العقدة الدائمة التي نرى مصداقها في كل زمان ومكان … إنها هي العقيدة هذه حقيقة المعركة التي يشنها اليهود والنصارى في كل أرض وفي كل وقت ضد الجماعة المسلمة … وهذين المعسكرين اللذين قد يتخاصمان فيما بينهما وقد تتخاصم شيع الملة الواحدة فيما بينها ، ولكنها تلتقي دائما في المعركة ضد الإسلام والمسلمين !
إنها معركة العقيدة في صميمها وحقيقتها ولكن المعسكرين العريقين في العداوة للإسلام والمسلمين يلونانها بألوان شتى ، ويرفعان عليها أعلاماً شتى في خبث ومكر وتورية إنهم قد جربوا حماسة المسلمين لدينهم وعقيدتهم حين واجهوهم تحت راية العقيدة ومن ثم استدار الأعداء العريقون فغيروا أعلام المعركة .
لم يعلنوها حربا باسم العقيدة على حقيقتها خوفا من حماسة العقيدة وجيشانها إنما أعلنوها باسم الأرض ، والاقتصاد ، والسياسة ، والمراكز العسكرية ………. وألقوا في روع المخدوعين الغافلين منا أن حكاية العقيدة قد صارت حكاية قديمة لا معنى لها ولا يجوز رفع رايتها وخوض المعركة باسمها .
فهذه سمة المتخلفين المتعصبين ! ذلك ليأمنوا جيشان العقيدة وحماستها بينما هم في قرارة نفوسهم : الصهيونية العالمية والصليبية العالمية والبوذية والهندوسية جميعاً يخوضون المعركة من منطلق عقائدي ولغرض واحد هو تحطيم هذه الصخرة العاتية التي نطحوها طويلاً فأدمتهم جميعاً .
إنهم يزيفون علينا ليخدعونا عن حقيقة المعركة وطبيعتها فالصرب أرثذكس متعصبون لعقيدتهم وقد أعلنوها صريحة أنها حرب مقدسة امتداد للحروب الصليبية .
واليهود أمرهم أشهر من أن يذكر والهندوس والبوذيون . أ. هـ بتصرف واختصار
قوله تعالى : {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} ( الآية 124) .
1- بما أن بني إسرائيل يقرون بفضل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ويتـشرفون بأنهم من ذريته وكذلك العرب يقرون بفضله ويتشرفون بانتسابهم لهم وأنهم من ذريته .
بدأ الله هذه الآية وما بعدها في ذكر أمور عن إبراهيم عليه السلام توجب على بني إسرائيل وعلى العرب قبول قول محمد صلى الله عليه وسلم والاعتراف بدينه والانقياد لشـرعه وذلك من وجوه :
أ- أنه لما وفى بما كلف به نال النبوة والإمامة وهذا فيه تنبيه أن الإمامة والخير لا يحصل في الدنيا والآخرة إلا بالانقياد لحكم الله وتكاليفه وترك التمرد والعناد .
ب- أنه طلب الإمامة لأولاده وذريته فقال تعالى : {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} فهؤلاء متى أرادوا وجدان ذلك المنصب وجب عليهم ترك اللجاج والتعصب للباطل .
ج- أن الحج إلى البيت العتيق الذي بناه إبراهيم من خصائص دين محمد صلى الله عليه وسلم فحكى الله ذلك عن إبراهيم ليكون ذلك حجة على اليهود والنصارى في وجوب الانقياد لمحمد صلى الله عليه وسلم .
د- أنه لما حولت القبلة إلى البيت الحرام حصل الطعن من اليهود والنصارى وشق عليهم فبين الله أن هذا البيت قبلة إبراهيم الذي يعظمونه ويتشرفون بالانتساب إليه فكان ذلك مما يوجب زوال الغضب والتعصب عن قلوبهم لقبلتهم التي حول عنها محمد صلى الله عليه وسلم .
2- أن المستقر عند ذرية إبراهيم أنه عليه الصلاة السلام داعية التوحيد ومكسـر الأصنام فذكره هنا احتجاج على ذريته سواء كانوا مـشركي العرب أو مـشركي أهل الكـتاب الذي رجعوا إلى الوثنية وعبدوا غير الله فتعظيمهم لإبراهيم وتـشرفهم بالانتساب إليه وباعتقادهم أن دينه هو التوحيد يـجب عليهم إتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله ليتبع ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، قال عز وجل : {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1) .
3- حصل الخلاف بين المفسرين في الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم عليه الصلاة والسلام والأولى في ذلك التزام طريقة القرآن في عدم التعيين إلا بنص ثابت أو إجماع فلما لم يوجد كان الأولى التوقف عن التعيين وهذا اختيار ابن جرير – رحمه الله
4- في قوله تعالى : {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} فالإمام هو من يؤتم به والمراد هنا بالإمامة النبوة والرسالة .
وفي حذف الفاء هنا فلم يقل : ( فقال إني جاعلك للناس إماماً ) بل حذف الفاء للإشعار بأن هذه الأمة هي فضل من الله تعالى وليست مكتسبة .
5- تحققت إمامة إبراهيم للناس بدعوته إياهم إلى التوحيد الخالص وكانت الوثنية قد عمتهم وأحاطت بهم فقام على عهده بالحنيفية وهي الإيمان بتوحيد الله والبراءة من الشرك وإثبات الرسالة وقد تسلسل ذلك في ذريته خاصة فلم ينقطع منها دين التوحيد حتى جاء دور استجابة الله لدعوته ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فاستمرت وستستمر إلى يوم القيامة ولذا وصف الله الإسلام بأنه ملة إبراهيم .
6- قوله تعالى : {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} دعاء من إبراهيم ، أي : واجعل من ذريتي أئمة للناس ، وفي هذا الدعاء كمال إبراهيم في العلم وفي الأدب مع الله :
– فأما العلم فإن الذرية إذا كثرت وامتدت أزمنتها وتعاقبت لم يكونوا كلهم على مستوى واحد من الصلاح والاستقامة ، فكيف يتصور أن يكونوا جميعاً أئمة يُقتدى بهم في الخير ؟
– وأما الأدب فلأنه طلب أن يجعل من ذريته أي من بعض ذريته ليوافق السنة الربانية في الخلق .
7- وفي سؤال إبراهيم ربه الإمامة لذريته جرى على سنة الفطرة فإن الإنسان بقاء ولده بقاء له ، ولذا يجب أن تكون ذريته على أحسن الأحوال كما في دعائه الآخر : {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } (1) فـيكمل اللاحق ما بدأه السـابـق من الإصلاح وحمل الدين القويم ، وهذا الشعور الفطري تريد المذاهب والمبادئ الهدامة تحطيمه وإزالته من القلوب بل من الوجود وليتأمل في هذا المقام تلك المؤتمرات المشبوهة عن الأسرة ونظامها والذي تنظمه وتدفعه هيئة الأمم مخلب المنظومات المشبوهة .
8- من أعظم الاعتداء في الدعاء أن يسأل العبد ربه تغيير سنة كونية ربانية أو سنة شرعية إلهية فالأولى كأن يسأل العبد ربه أن لا يموت أبد الدهر ، وأما الآخر فكأن يسأل ربه أن يسقط عنه عبادة مما افترض الله على عباده .
9- لقد بذل إبراهيم نفسه وماله وأهله وولده لله تعالى فاتخذه الله خليلاً ، كما قيل : بذل نفسه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان .
10- لقد أجاب الله إبراهيم في دعائه بما يناسب القضاء الرباني الكوني وهو :
أ- أن الذرية فيهم محسن لنفسه وظالم .
ب- وأن الإمامة في الدين لا ينالها الظالمون .
وهذا فيه التنفير من الظلم وتبغيضه إلى ذرية إبراهيم ليتحاموه وينشئوا أولادهم على كراهيته ويربوهم على التباعد عنه حتى لا يحرموا من هذا المنصب العظيم الذي هو أعلى المناصب وأشرفها .
وفيه أيضاً تنفير بقية الناس من الظالمين وترغيبهم عن الإقتداء بهم فإن الناس قد اعتادوا الاقتداء بالرؤساء والملوك وأهل الوجاهة الظالمين لأنفسهم ولغيرهم بالخروج عن شريعة الله إلى ما يوافق أهواءهم ويحرفون أو يؤلون الأحكام لتطابق شهواتهم وقد درجوا على ذلك في كل عصر ما عدا عصر النبوة والخلافة الراشدة خلافة النبوة .
11- قال بعض المفسرين بأن الظلم هنا هو الظلم الأعظم وهو الشرك والكفر لقوله تعالى : {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (1) وقوله : {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (2) ولكن لا دليل هنا في الآية على الحصر أو القصر .
وإن قال الفقهاء بأن الإمام لا ينبذ عهده إلا بالكفر الصريح دون الظلم والفسق فإنما يقولون ذلك خوفاً من وقوع الفتنة لا لأن الظالم أهل للإمامة ، ومن القواعد أنه يغتفر في البقاء والاستمرار مالا يغتفر في الابتداء مع أن هذا أيضاً ليس على إطلاقه .
12- هذه الآية نص قاطع في تنحية اليهود عن القيادة والإمامة لشدة ظلمهم سواء الظلم الأكبر وهو العتو عن أمر الله والوقوع في أغلظ أنواع الكفر والشرك والانحراف عن عقيدة جدهم إبراهيم عليه السلام ومن اقتدى بهم واتخذهم أئمة فإنه يوالي أعداء الله لمجرد مصلحته دون النظر في مصالح رعيته وينجر بالطبع إلى مجانبة أهل الله ومعاداة أوليائه وازدرائهم وإقصائهم فيختل النظام بتوسيد الأمور إلى غير أهلها وتفسد الأوضاع ويحصل الهلاك في الحرث والنسل .
13- وهذه الآية صريحة في قطع جميع الوشائج والصلات التي لا تقوم على أساس العقيدة والإيمان فهي تقطع جميع وسائل القربى إذا انقطعت وشيجة العقيدة وتسقط جميع الروابط والاعتبارات المادية الأرضية فالعقيدة تفصل بين الوالد وولده والزوج وزوجه فالأمة مجموعة من المؤمنين مهما اختلفت أجناسهم وألوانهم وأوطانهم وأزمنتهم كما قال صلى الله عليه وسلم : (( وددت أنا رأينا إخواننا )) قالوا : أولسنا إخوانك ؟ قال : (( أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد )) .
14- الإمامة في الدين والأسوة الحسنة هي فيما تكون عليه النفوس من الصفات الفاضلة والملكات العلمية التي تملك على صاحبها طرق العمل فتسوقه إلى خيرها وتزعه عن شرها ولا حظ للظالمين في شيء منها وإنما هو أصحاب الرسم وأهل الخداع والانخداع بالظاهر وقد جعل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام إماما للناس وذكر لنا في كتابه كثيراً من صفاته الجليلة فقال تعالى : {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1) وقال سبحانه :{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} (2) ولم يذكر لنا شيئاً من زيه ولا صفة ثيابه ولا أنواع طاعمه وشرابه ولا كثرة ماله بل أرشدنا إلى أن دعوته الصالحة لذريته لا يدخل فيها ولا ينتفع بها أحد من هذه الذرية إلا من اجتنب الظلم لنفسه وللناس .
15- أن الناس لم يرعووا عن الاقتداء بالظالمين حتى بعد هذا التحذير الذي أوحاه الله إلى إبراهيم ثم أعلم به محمداً عليهما الصلاة والسلام .
والناس اليوم يدّعون الاقتداء بالأئمة الأربعة وهم كاذبون في ذلك فإنهم ليسوا على شيء من سيرتهم في التخلق بأخلاق القرآن وتحري إتباع السنة في جميع الأعمال باطنة وظاهرة .
16- قال الشيخ محمد رشيد رضا – رحمه الله : قد غلبت على الناس أهواء السلاطين والحكام الظالمين ، حتى إن هؤلاء الأئمة الأربعة لم يسلموا من أولئك الظالمين ، فقد سجن أبو حنيفة وحاولوا إكراهه على قبول القضاء ، لما رأوا من إقبال الناس على الأخذ عنه فلم يقبل ، فضربوه وحبسوه ولم يقبل كما هو مشهور .
وضرب الإمام مالك سبعين سوطا لأجل فتوى لم توافق غرض السلطان ، ونقل عن الواقدي : أنه لم يكن في آخر عهده يشهد الصلوات في المسجد ولا الجمعة وكان يقول : ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره .
وسعي به إلى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – وهو عم المنصور وقالوا له : إنه لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء ، فغضب جعفر ودعا به وجرده وضربه بالسياط ، ومدت يده حتى انخلعت كتفه ، وارتكب منه أمرا عظيما . وخبر طلب هارون الرشيد الشافعي للقضاء وإبائه واختفائه ثم هربه مشهور .
وأشهر منه محنة الإمام أحمد بن حنبل وحبسه وضربه الضـرب المبرح ؛ ليقول بخلق القرآن . فهكذا عامل الملوك الظالمون هؤلاء الأئمة وبلغوا منهم ومن الناس بظلمهم ما أرادوا من إفساد الدين والدنيا .
وكلنا يعلم أن أولئك الذين ظلموا الأئمة الذين يدعي الأمراء والحكام اليوم إتباعهم كانوا أقل توغلا وإسرافا في الظلم من أكثر الملوك والأمراء المتأخرين وإنك لترى أكثر الناس تبعا لأهواء هؤلاء الرؤساء إلا من وفقه الله وهداه – وقليل ما هم – بل هم اليوم الغرباء في الأرض .
والعبرة في مثل ما أشرنا إليه من الأحداث أن الظالمين من حكام هذه الأمة بدءوا بتحكيم أهوائهم السياسية في الدين وأهله من القرن الأول ، وكانوا إذا رأوا الناس قد أقبلوا على رجل من رجال الدين استمالوه ، فإن لم يمل إليهم آذوه وأهانوه ، ولكن كان الدين وطلب الحق غالبا على أمر المسلمين ، فقد نقل المؤرخون أن الإمام مالكا لم يزل بعد ذلك الضرب في علو ورفعة ، وكأنما كانت تلك السياط حليا حلي به . ( أقول : وكذلك شأن الإمام أحمد بعد المحنة والحبس والضرب حتى أصبح علم السنة وإمام القدوة ) ولو أمر أحد السلاطين المتأخرين بضرب عالم من أعلم أهل العصر ؛ لأنه لا يرى عهد بيعته صحيحا أو لأنه أفتى بما لا يوافق غرضه ( كما نقل عن الإمام مالك ) لما رأيت له رفعة ولا احتراما عند الناس ، ولأعرض عنه الجميع .
فأما العقلاء العارفون بفضله ، فيعرضون عنه بوجوههم ، وأما الغوغاء من العامة ومن في حكمهم ، فيعرضون عنه بقلوبهم ووجوههم ، ويعتقدون كفره أو فسقه وابتداعه .
ذلك أن الظالمين من الأمراء قد استعانوا بالظالمين من الفقهاء على إقناع العامة بأنهم أئمة الدين الذين يجب إتباعهم حتى في الأمور الدينية ، وحالوا بينهم وبين كتاب الله الذي ينطق بأن عهد الله بالإمامة لا ينال الظالمين .
وغشوهم بأن الأئمة الأربعة يحكمون بذلك ، ولو عرف الناس سيرة الأئمة الأربعة مع خلفاء زمنهم لما تـيسر غشهم .
هذا وإن الحاكمين على عهد الأئمة الأربعة كانوا على علم بالكتاب والسنة وإتباع لهما في أكثر أعمالهم وأحكامهم ، وأما المتأخرون فلا يعرفون من ذلك أكثر مما يعرف السوقة ويعملون بخلاف ما يعلمون ، بل يشرعون للناس أحكاما جديدة يأخذونها من قوانين الأمم ( الوثنية ) تخالف الشريعة ولا توافق مصلحة الأمة ، ويلزمون عمالهم وقضاتهم الحكم بها باسمهم لا باسم الله : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (1) .
17- في قوله : {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} اعلم أنه سبحانه أعلم عباده أن له معهم عهد ولهم معه عهد وبين أن العبد متى يفي بعهده يفي له ربه بعهده فقال : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } (2) .
فما حقيقة هذه المعاهدة : العهد المأخوذ عليك هو عهد العبودية والخضوع والعهد الذي التزمه الله لعباده هو عهد الرحمة قال صلى الله عليه وسلم : (( حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ألا يعذبهم )) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
خصائص بيت إبراهيم عليه الصلاة والسلام نقلاً عن ابن القيم (1) :
1- جعل في هذا البيت النبوة والكتاب فلم يأت بعد إبراهيم نبي إلا من أهل بيته .
2- أنه سبحانه جعلهم أئمة يهدون بأمره إلى يوم القيامة فكل من دخل الجنة من أولياء الله بعد إبراهيم فإنما دخلها من طريقهم وبدعوتهم .
3- ومنها أنه اتخذ منهم الخليلين إبراهيم ومحمداً صلى الله عليهما وسلم .
4- أنه جعل صاحب هذا البيت إماما للعالمين : {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} .
5- أنه أجرى على يديه بناء بيته الذي جعله قياما للناس وقبله لهم وحجا فكان ظهور هذا البيت من أهل هذا البيت الأكرمين .
6- أنه أمر عباده بأن يصلوا على أهل هذا البيت كما صلى على أهل بيتهم وسلفهم وهم إبراهيم وآله وهذه خاصة لهم .
7- أنه أخرج منهم الأمتين المعظمتين التي لم تخرج من أهل بيت غيرهم وهم أمة موسى وأمة محمد صلى الله عليهما وسلم وأمة محمد صلى الله عليه وسلم تمام سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله .
8- أن الله سبحانه أبقى عليهم لسان صدق وثناء حسنا في العالم فلا يذكرون إلا بالثناء عليهم والصلاة والسلام عليهم قال تعالى : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (2) .
9- جعل أهل هذا البيت فرقانا بين الناس فالسعداء أبتاعهم ومحبوهم ومن تولاهم والأشقياء من أبغضهم وأعرض عنهم وعاداهم فالجنة لهم ولأتباعهم والنار لأعدائهم ومخالفيهم .
10- أنه سبحانه جعل ذكرهم مقرونا بذكره فيقال إبراهيم خليل الله ورسوله ونبيه ومحمد رسول الله وخليله ونبيه وموسى كليم الله ورسوله قال تعالى لنبيه يذكره بنعمته عليه : {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (1) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا ذُكرتُ ذُكرتَ معي فيقال : لا اله إلا الله محمد رسول الله في كلمة الإسلام وفي الأذان وفي الخطب وفي التشهدات وغير ذلك .
11- ومنها أنه سبحانه جعل خلاص خلقه من شقاء الدنيا والآخرة على أيدي أهل هذا البيت فلهم على الناس من النعم ما لا يمكن إحصاؤها ولا جزاؤها ولهم المنن الجسام في رقاب العالمين الأولين والآخرين من أهل السعادة والأيدي العظام عندهم التي يجازيهم الله عز وجل عليها .
12- أن كل ضر ونفع وعمل صالح وطاعة لله تعالى حصلت في العالم فلهم من الأجر مثل أجور عامليها فسبحان من يختص بفضله من يشاء من عباده .
13- أنه سبحانه وتعالى سد جميع الطرق بينه وبين العالمين وأغلق دونهم الأبواب فلم يفتح لأحد قط إلا من طريقهم وبابهم .
قال الجنيد رضي الله عنه : يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم : (( وعزتي وجلالي لو أتوني من كل طريق أو استفتحوا من كل باب لما فتحت لهم حتى يدخلوا خلفك )) .
14- أنه سبحانه خصهم من العلم بما لم يخص به أهل بيت سواهم من العالمين فلم يطرق العالم أهل بيت أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله وثوابه وعقابه وشرعه ومواقع رضاه وغضبه وملائكته ومخلوقاته منهم فسبحان من جمع لهم علم الأولين والآخرين .
15- أنه سبحانه مكن لهم في الأرض واستخلفهم فيها وأطاع لهم أهل الأرض ما لم يحصل لغيرهم .
16- أنه سبحانه أيدهم ونصرهم وأظفرهم بأعدائهم بما لم يؤيد غيرهم .
17- أنه سبحانه محا بهم آثار أهل الضلال والشرك ومن الآثار التي يبغضها ويمقتها ما لم يمحه بسواهم .
18- أنه سبحانه غرس لهم من المحبة والإجلال والتعظيم في قلوب العالمين ما لم يغرسه لغيرهم .
19- أنه سبحانه جعل آثارهم في الأرض سببا لبقاء العالم وحفظه فلا يزال العالم باقياً ما بقيت آثارهم فإذا ذهبت آثارهم من الأرض فذاك أوان خراب العالم قال الله تعالى : {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ} (1) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها : (( لو ترك الناس كلهم الحج لوقعت السماء على الأرض )) وقال : (( لو ترك الناس كلهم الحج لما نُظِروا )) .
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن في آخر الزمان يرفع الله بيته من الأرض وكلامه من المصاحف وصدور الرجال فلا يبقى له في الأرض بيت يُـحج ولا كلام يُتلى ، فحينئذ يقرب خراب العالم وهكذا الناس اليوم إنما قيامهم بقيام آثار نبيهم وشرائعه بينهم وقيام أمورهم حصول مصالحهم واندفاع البلاء والشر عنهم بحسب ظهورها بينهم وقيامها وهلاكهم وعنتهم وحلول البلاء والشر بهم عند تعطلها والإعراض عنها والتحاكم إلى غيرها واتخاذ سواها .
ومن تأمل تسليط الله سبحانه من سلطه على البلاد والعباد من الأعداء علم أن ذلك بسبب تعطيلهم لدين نبيهم وسننه وشرائعه فسلط الله عليهم من أهلكهم وانتقم منهم حتى أن البلاد التي لآثار الرسول وسننه وشرائعه فيها ظهور دفع عنها بحسب ظهور ذلك بينهم .
وهذه الخصائص وأضعاف أضعافها من آثار رحمة الله وبركاته على أهل هذا البيت فلهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نطلب له من الله تعالى أن بارك عليه وعلى آله كما بارك على هذا البيت المعظم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
20- ومن بركات أهل هذا البيت أنه سبحانه أظهر على أيديهم من بركات الدنيا والآخرة ما لم يظهره على يدي أهل بيت غيرهم .
21- ومن بركاتهم وخصائصهم أن الله سبحانه أعطاهم ما لم يعط غيرهم فمنهم من اتخذه خليلاًَ ومنهم الذبيح ومنهم من كلمه تكليما وقربه نجيا ومنهم من آتاه الله شطر الحسن وجعله من أكرم الناس عليه ومنهم من آتاه ملكاً لم يؤته أحداً غيره ومنهم من رفعه مكاناً علياً .
22- ولما ذكر سبحانه هذا البيت وذريته أخبر أن كلهم فضله على العالمين .
23- ومن خصائصهم وبركاتهم على أهل الأرض أن الله سبحانه رفع العذاب العام عن أهل الأرض بهم وببعثهم وكانت سنته سبحانه في أمم الأنبياء قبلهم أنهم إذا كذبوا أنبياءهم ورسلهم أهلكهم بعذاب يعمهم كما فعل بقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط فلما أنزل الله التوراة والإنجيل والقرآن رفع بها العذاب العام عن أهل الأرض وأمر بجهاد من كذبهم وخالفهم فكان بذلك نـصرة لهم بأيديهم وشفاءً لصدورهم واتخاذ الشهداء منهم وإهلاك عدوهم بأيديهم لتحصيل محابه سبحانه بأيديهم .
وحق بأهل بيت هذا بعض فضائلهم وخصائصهم أن لا تزال الألسن رطبة بالصلاة عليهم والسلام والثناء والتعظيم ، والقلوب ممتلئة من تعظيمهم ومحبتهم وإجلالهم وأن يعرف المصلي عليهم أنه لو أنفق أنفاسه كلها في الصلاة عليهم ما وفّى القليل من حقهم فجزاهم الله عن بريته أفضل الجزاء وزادهم في الملأ الأعلى تعظيماً وتـشريفاً وتكريماً وصلى عليهم صلاة دائمة لا انقطاع لها وسلم تسليماً كثراً إلى يوم الدين .
قوله سبحانه : {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} ( الآية 125) .
1- يُذّكر الله العرب عامة وقريش خاصة بهذه النعمة الكبرى وهي جعل البيت الحرام مرجعاً للناس يقصدونه ثم يتوبون إليه ، أي : يرجعون .
وجعله الله أمناً حتى في الجاهلية حيث يلقى الرجل قاتل أبيه في الحرم فلا يزعجه ولا يمسه بسوء رغم ما عُرف عنهم من حب الانتقام والافتخار بأخذ الثأر .
قال سبحانه : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} (1) .
وفي القصص يقول تعالى : {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} (2) .
2- مقام إبراهيم هو الحج الذي وقف عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام عند ارتفاع بناء الكعبة فغاصت فيه قدماه وكان يرتفع به كلما ارتفع والمصلى خلفه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، قال عمر رضي الله عنه : (( وافقت ربي في ثلاث : في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر )) (3) .
3- ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إن مكة حرمها الله ولم يحرمه الناس ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم والآخر أن يسفك بها دماً ولا يعضد بها شجر … )) (1) .
فائدة : وفي الآية تأكيد أمن البيت وذلك إما كوناً وإما شرعاً .
ومن الكوني قوله تعالى : {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (2) وكذلك ما وضعه في القلوب من التعظيم والإجلال والمحبة للبيت حتى يتحرج المؤمن من الإخلال بأمنه .
وأما الشرعي فبإقامة الحدود وتأمين السبل والأخذ على أيدي المفسدين وتشريد البطّالين والظلمة وإرجاع الحقوق إلى أهلها .
فائدة : اختلف العلماء فيمن أحدث حدثاً ثم لجأ إلى الحرم :
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : {وَأَمْناً} يريد أن من أحدث حدثاً في غيره ثم لجأ إليه فهو آمن ، ولكن ينبغي لأهل مكة أن لا يبايعوه ولا يطعموه ولا يسقوه ولا يؤوه ولا يُكَلّم حتى يخرج فإذا خرج أقيم عليه الحد وقال به الأحناف وبعض الحنابلة .
وقالت المالكة والشافعية : أنه يقام عليه الحد ولو كان في الحرم .
وأما من جنى في الحرم فإنه يقام عليه الحد وفاقاً لأنه لم يحترم البيت .
4- تثبيت إمامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام للناس بأمور :
– أحدها : أن الله وكل إليه بناء أول بيت في الأرض لعبادته .
– وثانيها : أمره له ولإسماعيل بتطهير البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود
– وثالثها : أمر الله بأن نتخذ من مقام إبراهيم مصلى .
5- التطهير للبيت إما حسي وإما معنوي :
فأما المعنوي فأن يطهر من الشرك والمعاصي ؛ لأن الشرك نجاسة كما قال تعالى : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } (1) وقال عز وجل : {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (2) .
والحسية أن يطهر من الأقذار من البول والغائط والدم وغيرها من الأشياء النجسة وهذا ثابت للمسجد الحرام ولغيره من المساجد كما قال صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي بال في المسجد : (( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذه الأقذار ثم أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه )) .
6- فضيلة الطواف ولهذا كان ركن من أركان الحج .
7- في الأمر بتطهير البيت للطائفين إشارة إلى أن المشروع للطائف أن يكون متطهراً بنفسه وتطهير ما لبسه من الثياب من باب أولى .
8- فضيلة الاعتكاف ومشروعيته في المسجد الحرام ، قال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، قال : (( فأوف بنذرك )) (1) .
9- فضيلة الركوع والسجود حيث عبر بهما عن الصلاة كاملة ، قال أهل العلم وإذا عبر الله عن العبادة ببعضها دل ذلك على وجوب هذا البعض فيها والسجود والركوع من أركان الصلاة قال صلى الله عليه وسلم : (( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة – وأشار بيده على أنفه – اليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفت الثياب والشعر )) (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة الإسراء الآية (16) .
1- سورة المائدة الآية (24) .
1- سورة النساء الآية (59) .
1- سورة المائدة الآيات (101- 102) .
2- أخرجه البخاري برقم (7288) ومسلم برقم (1337/412) .
3- أخرجه البخاري برقم (7289) ومسلم برقم (2358/132) والإمام أحمد (1/179) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه .
1- سورة الكهف الآية (24 – 25) .
1– برقم (6639) .
2– برقم (1654) .
2– سورة الإسراء الآية (44) .
1- سورة الأنفال الآية (56) .
1- أخرجه البخاري في كتاب : بدء الخلق – باب : صفة إبليس وجنوده برقم (3268) .
2- سورة الأعراف الآية (116) .
3- سورة طـه الآية (66) .
1– سورة النمل الآية (62) .
2– سورة النور الآية (40) .
1- قال ابن كثير – رحمه الله – : وهذا حسن عند أبي داود لأنه رواه وسكت عنه .
1- سورة الأنفال الآية ( 65 – 66) .
1- سورة المطففين الآية (26) .
1- سورة التوبة الآية (29) .
1- انظر رد الإمام عثمان بن سعيد الدارمي – رحمه الله – على بشر المريسي . وانظر مختصر الصواعق المرسلة .
1- سورة الأنعام الآية (101) .
1- سورة النساء الآية (153) .
3– سورة الأنعام الآية (7) .
1– سورة الأنفال الآية (23) .
2– سورة يونس الآيات (96 – 97) .
3– سورة الذاريات الآيات (52-53) .
1- سورة التوبة الآيات (124- 125) .
2– سورة الرعد الآية (40) .
1– سورة فاطر الآية (8) .
2– سورة الأنعام الآية (164) .
1- سورة إبراهيم الآية (7) .
1- سورة النحل الآية (120) .
2- سورة هود الآية (75) .
1- سورة المائدة الآية ( 45 ) .
2- سورة الصافات الآيات (108-110) .
1- سورة المائدة الآية (97) .
2- سورة القصص الآية (57) .
3- أخرجه مسلم في كتاب : فضائل الصحابة برقم (2399) .
1- أخرجه البخاري برقم (104) ومسلم برقم (1354) .
2– سورة الحج الآية (25) .
1– سورة التوبة الآية (28) .
2– سورة الحج الآية (26) .
1– أخرجه البخاري برقم (2042) ومسلم برقم (1656) .
2– أخرجه البخاري برقم (812) ومسلم برقم (490) .
تفسير آيات من سورة البقرة - من 1 إلى 125