شروح الحديث

إسعاد الاخوان الكرام بفوائد عمدة الأحكام

 

 

الحديث السادس

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعاً))

وَلِمُسْلِمٍ : (( أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ ))

وَلَهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِناءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعاً وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ ))

 

 

1- ترجمة راوي الحديث :

2- ألفاظه : عند مسلم برقم (279) : (( طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ ))

وفي رواية عند أبي داود برقم (73) : (( السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ )) وهي رواية شاذة

وعند الترمذي برقم (91) : ((أُولاَهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ ))

وعند مسلم برقم (279) والنسائي برقم (66) : (( فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ )) قال النسائي : لا أعلم أحداً تابع علي بن مسهر على قوله : (( فَلْيُرِقْه ))  

وأما حديث عبدالله بن مغفل رضي الله عنهما فقد أخرجه مسلم برقم (280) بلفظ قال : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلاَبِ ثُمَّ قَالَ : (( مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلاَبِ ))  ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ وَقَالَ : (( إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ ))

 

 

الفوائد والأحكام

1- الكلب في عرف الشارع هو الكلب المعروف وما هو في معناه من السباع كالأسد والذئب والنمر ونحوها ولهذا في  قصة  حديث  عتبة  بن  أبي  لهب  قال :   (( اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلاَبِكَ  )) فسلط الله عليه الأسد فقتله  

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم (10346) طبعة مجلس دائرة المعارف

2- والكلب الذي يألف الناس وهو مضرب الأمثال في الوفاء لا سبع ولا بهيمة لأنه لو تم له طباع السبعية ما ألف الناس ولو تم له طباع البهيمة ما أكل اللحم

وقد ورد إطلاق البهيمة في قول الصحابة رضي الله عنهم ففي حديث المرأة التي سقت الكلب

قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْراً قَالَ : (( فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ )) أخرجه البخاري برقم (2363) ومسلم برقم (2244)

3- قوله : (( إذَا شَرِبَ )) يقال : شرب الكلب ، وولغ ، يعني شرب بلسانه وقيل : إن الشرب أعم

4- قوله : (( الْكَلْبُ )) هل [ ال ] في قوله : الكلب للعهد أم للجنس أم لغير ذلك ؟

الذين قالوا بأنها للعهد خصصوا الحكم بالكلب المنهي عن اتخاذه دون المأذون فيه وهم بعض المالكية ولكن يحتاج هذا إلى إثبات تقدم النهي عن اتخاذ الكلاب على هذا الأمر بالغسل من ولوغها وأيضاً يحتاج إلى قرينة تدل على أن المقصود بهذا الحكم المنهي عن اتخاذه

وجمهور العلماء على خلاف هذا القول وأن [ ال ] للجنس فتعم جميع الكلاب  

5- في حديث عبدالله بن مغفل رضي الله عنهما الأمر بقتل الكلاب وسببه كما في حديث أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدِ اسْتَنْكَرْتُ هَيْئَتَكَ مُنْذُ الْيَوْمِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِي اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَلْقَنِي أَمَ وَاللَّهِ مَا أَخْلَفَنِي )) قَالَ فَظَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَهُ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ مَكَانَهُ فَلَمَّا أَمْسَى لَقِيَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ : (( قَدْ كُنْتَ وَعَدْتَنِي أَنْ تَلْقَانِي الْبَارِحَةَ )) قَالَ : أَجَلْ وَلَكِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ . فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ حَتَّى إِنَّهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ كَلْبِ الْحَائِطِ الصَّغِيرِ وَيَتْرُكُ كَلْبَ الْحَائِطِ الْكَبِيرِ )) أخرجه مسلم برقم (2105)

وفي حديث ابن مغفل قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم قال : (( مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلاَبِ ))  [ وفي رواية في مستخرج أبي نُعيم على صحيح مسلم : (( مَا بَالِي وَبَالُ الْكِلاَبِ )) ] ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ وَقَالَ : (( إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ ))

وفي صحيح مسلم برقم (1572) أيضاً عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلاَبِ حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدَمُ مِنَ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِهَا وَقَالَ : (( عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ ))  

 

وفي قتل الكلب العقور وهو الذي يعدي على الناس وغيرهم قال صلى الله عليه وسلم : (( خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَارَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ )) رواه الجماعة إلا الترمذي ، فإذا جاز قتله للمحرم فغيره أولى

واقتناء الكلب لغير حاجة محرم مثل أن يقتنيه إعجاباً بصورته أو للمفاخرة أو تقليداً لغير المسلمين  

ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ ))  

وفي الصحيحين أيضاً عن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه   

وفيهما  أيضاً عن ابن عمر رضي الله  عنهما  قال : سمعت رسول  الله  صلى الله عليه وسلم  يقول : (( مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ زَرْعٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ صَيْدٍ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ )) وهذا لفظ مسلم برقم (1574)

وفي صحيح مسلم برقم (2113) عن أبي هـريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لاَ تَصْحَبُ الْمَلاَئِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلاَ جَرَسٌ )) 

قال النووي رحمه الله – : واختلف أصحابنا في اقتنائه لحراسة الدور والدروب وفي اقتناء الجرو ليعلم فمنهم من حرمه لأن الرخصة إنما وردت في الثلاثة المتقدمة ومنهم من أباحه وهو الأصح لأنه في معناه

6- قال بعض العلماء أن الأمر بالتسبيع مع التتريب كان لما أمر بقتل الكلاب فلما نهى عن قتلها نُسخ ذلك الحكم

والجواب : أن الأمر بقتل الكلاب كان متقدماً على الأمر بالتسبيع مع التتريب فقد روى الأمر بالغسل بالتسبيع أبو هريرة رضي الله عنه وإسلامه كان في عام خيبر وكذلك عبدالله بن مغفل رضي الله عنهما

 

7- حمل بعض العلماء الأمر بغسل ما ولغ فيه الكلب على التنجيس واستدلوا براوية مسلم الثانية : (( طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ … ))

ولفظة : (( طُهُورُ )) تستعمل إما عن حدث وإما عن خبث ولا حدث على الإناء فتعين الخبث

وحمل مالك – رحمه الله – هذا الأمر على التعبد لقوله بأن الماء لا ينجس إلا بالتغير بالنجاسة وأيضاً لذكر التسبيع في الغسل ، والنجاسة يكفيها أقل من السبع فهو غير معقول المعنى ، وقال بعض أصحابه : إنه معقول المعنى : فمنهم من قال : النجاسة ومنهم من قال لاستقذاره

8- يترتب على القول بالنجاسة : نجاسة الكلب وهو مذهب الجمهور رحمهم الله ومالك – رحمه الله – له ثلاثة أقوال :

أ- نجاسة الكلب

ب- طهارته ووافقه أهل الظاهر

ج- طهارة الماء دون غيره

9- وقـال ابن الماجشون رحـمه الله – : كلـب البـدوي غـير نـجـس وكلـب الحضري نجس

10- صح عن ابن عباس رضي الله عنهما التصريح بأن الغسل من ولوغ الكلب لأنه رجس ، رواه محمد بن نـصر الـمروزي بإسناد صحيح  ورواه ابن المنذر في الأوسط ، ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه

11- استدل من قال بطهارة الكلب وهو مالك والظاهرية بقوله تعالى : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة:4]  إذ لا يخلو الصيد عن التلوث بريق الكلب ولم نؤمر بالغسل

واستدلوا بما أخرجه أبو داود وعلقه البخاري برقم (174) عن شيخه أحمد بن شبيب عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : ( كَانَتِ الْكِلاَبُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ  فِي  زَمَانِ  رَسُولِ  اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم فَلَمْ  يَكُونُوا  يَرُشُّونَ  شَيْئًا  مِنْ ذَلِكَ )

وفي رواية : قال ابن عمر : (  كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكُنْتُ فَتًى شَابًّا عَزَبًا وَكَانَتِ الْكِلاَبُ … ) فذكره

أخرجه أبو داود برقم (382)

والجواب : أن هذا كان في أول الأمر بدلالة قول ابن عمر أنه لما هاجر كان يبيت في المسجد قبل أن يبتني بيتاً ثم أمر بتنظيف المساجد وتطهيرها بدلالة حديث بول الأعرابي في المسجد وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بصب الماء عليه .. وقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي : (( إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلاَ الْقَذَرِ … )) الحديث أخرجه مسلم برقم (285)

وأما الاستدلال بالآية فقد قيل : بأن إباحة الأكل مما أمسكن لا يتنافى في وجوب تطهير ما تنجس من الصيد ، وعدم الأمر للاكتفاء بما في أدلة تطهير النجس من العموم .  وقيل : إن الرخصة خاصة بالصيد

12- هل يلحق الخنزير بالكلب في هذا الحكم ؟ ( الغسل سبعاً والتتريب )

الشافعي – رحمه الله – يقول : الخنزير أسوأ حالاً من الكلب ويلحق به في ذلك واستدل على قوله بأن نجاسة الخنزير بالنص كما في قوله تعالى : {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ    رِجْسٌ} [الأنعام:145]

والثاني : أن تحريم الانتفاع بالخنزير عام والكلب خاص  

وأما مالك رحمه الله فيقول : إن الأمر بالغسل سبعاً للتعبد فلا يلحق بالكلب غيره

13- وقال أحمد رحمه الله – : الخنزير شر من الكلب لقوله تعالى : {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ    رِجْسٌ} والرجس النجس

قال الماوردي : الضمير في قوله : {فَإِنَّهُ  رِجْسٌ} عائد على الخنزير لكونه أقرب مذكور

ونازعه أبو حيان فقال : عائد على اللحم لأنه إذا كان في الكلام مضاف ومضاف إليه عاد الضمير إلى المضاف لأن المضاف هو المحدث عنه والمضاف إليه وقع ذكره بطريق العرض وهو تعريف المضاف أو تخصيصه

وما ذكره الماوردي أولى من حيث المعنى ؛ لأن تحريم اللحم قد استفيد من قوله : {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} فلو عاد الضمير عليه لزم خلو الكلام من فائدة التأسيس ، فوجه عوده إلى الخنزير ليفيد تحريم الشحم والكبد والطحال وسائر أجزائه .

14- إذا تولد من كلب وحيوان طاهر فهل هذا المتولد يلحق بالكلب أم بالحيوان الطاهر ؟

الذين قالوا بنجاسة الكلب قلوا يلحق بالكلب لتغليب المحرِّم على المبيح

والذين قالوا أن الأمر بالغسل للتعبد فلا يلحقوه بالكلب وسواء عندهم ألحقوه بالكلب أم بغيره فهو طاهر لقولهم بطهارة الكلب

 

15- هل النجاسة تعم الكلب كله أم هي خاصة بلعابه ؟ أم تشمل رطوباته ؟

للعلماء – رحمهم الله – في ذلك ثلاثة مذاهب :

– المذهب الأول : نجاسة لعاب الكلب وطهارة شعره وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية رجحها شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمهم الله جميعاً

واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم : (( طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ …… )) الحديث

قالوا وكلمة : (( طُهُورُ )) لا تستعمل في الحقيقة الشرعية إلا ويراد بها رفع حدث أو إزالة نجس ولا حدث هنا فتعين النجس ، وقد اعترض على هذا الاستدلال بقوله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة:103]

وبقوله صلى الله عليه وسلم : (( السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِ ))

وأجاب الحافظ ابن حجر رحمه الله على هذا الاعتراض فقال : والجواب أن ألفاظ الشرع إذا دارت بين الحقيقة اللغوية والشرعية حُملت على الشـرعية إلا إذا قام دليل

واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم : (( فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا )) فالأمر بغسله والتغليظ فيه يدل على نجاسة لعاب الكلب  

واستدلوا بزيادة : (( فَلْيُرِقْه )) ولولا أنه نجس لكان فيه إسرافاً وإضاعة للمال

واستدلوا بأثر ابن عباس السابق

 

– المذهب الثاني : نجاسة لعاب الكلب مع شعره وسائر أجزائه وهو مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه والأوزاعي وإسحاق وأبي عبيد ورواية عن مالك وعزاه الصنعاني والشوكاني لجمهور أهل العلم رحمهم الله جميعاً

واستدلوا بأدلة القول الأول وعمموا الحكم على جميع جسده وقالوا : إذا كان لعابه نجساً وهو عرق فمه ، ففمه نجس والعرق جزء متحلب من البدن فجميع عرقه نجس فجميع بدنه نجس لأن العرق جزء من البدن  

واستدلوا أيضاً بحديث ميمونة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج جرو كلب من بيته ثم نضح مكانه بالماء

 

 

– المذهب الثالث : طهارة لعابه وشعره وسائر جسده وهو مذهب مالك في المشهور عنه وداود والزهري وسفيان الثوري وابن المنذر وابن عبد البر والبخاري وهو رواية عن أحمد كما في الإنصاف  

واستدلوا بأدلة :

أ- حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً أن رجلاً ممن كان قبلنا سقى الكلب بخفه فغفر الله له ، وهو حديث متفق عليه

قال ابن حجر رحمه الله – : واستدل به المصنف [ يعني البخاري ] على طهارة سؤر الكلب لأن ظاهره سقي الكلب فيه – أي بخفه – ولم يؤمر بغسله سبعاً

والاستدلال به مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا وفيه اختلاف وعلى القول به فإن مكانه فيما لم ينسخ ومع التنزل أيضاً فلا يتم الاستدلال به لاحتمال أن يكون صبه في شيء فسقاه ، أو أنه بعد أن سقاه غسل خفه أو أنه لم يلبسه بعد ذلك ومع الاحتمال يسقط الاستدلال ، وأيضاً يقال : أن المأمور بغسله الإناء وليس النعل والخف

ب- حديث ابن عمر رضي الله عنهما في البخاري معلقاً وأخرجه أبو داود كما سبق قال : كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك

ج- حديث عدي بن حاتم في الصحيحين وفيه إباحة صيد الكلب المعلم وقبله الآية في قوله تعالى : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}

 

 

16- قال بعض أهل العلم الحديث يدل على تحريم بيع الكلب  

قلت : ورد في ذلك حديثان :

الأول : عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه : (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ  )) أخرجه البخاري برقم (2237)

الثاني : حديث عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ  رضي الله عنه قال : رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى حَجَّامًا ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ، قَالَ : (( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ  وَثَمَنِ الْكَلْبِ وَكَسْبِ الأَمَةِ وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ )) أخرجه البخاري برقم (2238)

قال ابن حجر رحمه الله – : وظاهر النهي تحريم بيعه وهو عام في كل كلب معلماً كان أو غيره مما يجوز اقتناؤه أو لا يجوز ومن لازم ذلك أن لا قيمة على متلفه وبذلك قال الجمهور

وقال مالك : لا يجوز بيعه وتجب القيمة على متلفه وفي رواية عنه وافق الجمهور .

وقال أبو حنيفة : يجوز بيعه وتجب القيمة وهو رواية عن مالك

وقال عطاء والنخعي : يجوز بيع كلب الصيد دون غيره

وروى أبو داود  برقم (3482)  من  حديث بن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً : (( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَإِنْ جَاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلأْ كَفَّهُ تُرَابًا )) وإسناده صحيح

 

وروى أيضاً بإسناد حسن  برقم (3484) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : (( لاَ يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ وَلاَ حُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَلاَ مَهْرُ الْبَغِيِّ )) والعلة في تحريم بيعه عند الشافعي نجاسته مطلقاً وهي قائمة في المعلم وغيره

وعلة المنع عند من لا يرى نجاسته النهي عن اتخاذه والأمر بقتله ولذلك خَصَّ منه ما أُذن في اتخاذه ، ويدل عليه حديث جابر رضي الله عنه قال : (( نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ )) أخرجه النسائي برقم (4668) بإسناد رجاله ثقات إلا أنه طعن في صحته

وقد وقع في حديث ابن عمر عند بن أبي حاتم بلفظ : (( نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ  وَإِنْ كَانَ ضَارِيًا )) يعني مما يصيد ، وسنده ضعيف ، قال أبو حاتم : هو منكر .

وفي رواية لأحمد : (( عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَقَالَ : طُعْمَةٌ جَاهِلِيَّةٌ )) ونحوه للطبراني من حديث ميمونة بنت سعد

وقال القرطبي : مشهور مذهب مالك جواز اتخاذ الكلب وكراهية بيعه ، ولا يُفسخ إن وقع ولكن الشرع نهى عن بيعه تنزيهاً ؛ لأنه ليس من مكارم الأخلاق

قال : وأما تسويته في النهي بينه وبين مهر البغي وحلوان الكاهن فمحمول على الكلب الذي لم يؤذن في اتخاذه ، وعلى تقدير العموم في كل كلب فالنهي في هذه الثلاثة في القدر المشترك من الكراهة أعم من التنزيه والتحريم ، إذ كل واحد منهما منهي عنه ثم تؤخذ خصوصية كل واحد منهما من دليل آخر ، فإنا عرفنا تحريم مهر البغي وحلوان الكاهن من الإجماع لا من مجرد النهي  

ولا يلزم من الاشتراك في العطف الاشتراك في جميع الوجوه ، إذ قد يعطف الأمر على النهي والإيجاب على النفي . أ . هـ من الفتح مع بعض التصرف

17- اختلف العلماء رحمهم الله في مسألة التتريب :

– فذهب جمهور العلماء إلى وجوب التتريب واستدلوا بحديث الباب

– وخالف في ذلك الحنفية والمالكية – رحمهم الله جميعاً – فأما الأحناف فلم يقولوا بالتتريب قياساً على بقية النجاسات

– وأما المالكية فلم يقولوا بالتتريب لأنه لم يقع في رواية مالك – رحمه الله – لهذا الحديث

قال القرطبي رحمه الله – : وهو من علماء المالكية : قد صحت فيه الأحاديث فالعجب منهم كيف لم يقولوا بذلك

وبعضهم أعلّ ذكر التتريب بالاضطراب والتفرد فقد تفرد بها ابن سيرين من بين الرواة

والجواب : أما الاضطراب فقد ترجحت رواية أولاهن من حيث الإسناد ومن حيث النظر

وأما التفرد فقد ورد لحديث أبي هريرة رضي الله عنه شاهد صحيح وهو حديث عبدالله بن مغفل وفيه ذكر التتريب

 

 

18- واختلفوا هل التتريب في مرة مستقلة أم أنه ضمن السبع ؟

فمنهم من قال بأن التتريب في مرة مستـقلة أخذاً بحـديث عبدالله بن مغـفل رضي الله عنهما وقال بها الحسن البصري وهي رواية عن الإمام أحمد – رحمه الله الجميع – قال ابن منده لما أخرجه : إسناده مجمع على صحته

ومذهب الجمهور أنها سبع واحدة منهن بالتراب ونقل عن الشافعي أنه قال عن حديث ابن مغفل : هو حديث لم أقف على صحته ، وقال بعضهم : الإجماع على خلافه ، وأجاب البيهقي عن عدم الأخذ بالزيادة بترجيح حديث أبي هريرة لأنه أحفظ من روى الحديث في دهره فروايته أولى  

وقال النووي رحمه الله في شرح مسلم : أن المراد : اغسلوه سبعاً واحدة منهن بالتراب مع الماء فكأن التراب قائم مقام غسله ، فسميت ثامنة  

وقد رد عليهم بأن عدم علم الشافعي – رحمه الله – بصحة الحديث لا يعتبر عذراً لمن وقف على صحته وقد ثبتت صحته فأخرجه مسلم في صحيحه وصححه غير واحد من أهل العلم

وأما دعوى الإجماع فقد تبين أنه مذهب الحسن ورواية عن أحمد فأين الإجماع ؟

وأما قول البيهقي رحمه الله – : فإنه لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع ، والجمع ممكن فإن رواية عبدالله بن مغفل رضي الله عنهما أولى لأن فيها زيادة والزيادة من الثقة مقبولة ، ولأن العمل بها يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس ، ولو سلكنا مسلك الترجيح في هذا الباب لم نقل بالتتريب أصلاً لأن رواية مالك بغير ذكر التتريب وهي أرجح من رواية من أثبته ومع ذلك قلنا به أخذاً بزيادة الثقة

وأما تأويل النووي ففيه تكلف وتعسف وعدول عن صريح الحديث الصحيح دون دليل . قال ابن دقيق العيد : ومن لم يقل به احتاج إلى تأويله بوجه فيه استكراه . انتهى

فالصحيح القول بأنها ثمان غسلات إحداها بالتراب ، والله أعلم

 

19- واختلفت الروايات في تحديد مكان التتريب :

ففي صحيح الإمام مسلم  : (( أُولاَهُنَّ ))

وفي رواية أبي داود في سننه بإسناد كل رجاله ثقات ولكنها شاذة قال : (( السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ ))

وفي رواية الترمذي وغيره قال : (( أُولاَهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ ))

وعند الدارقطني قال : (( إِحْدَاهُنَّ ))  

قلت : وتترجح رواية : (( أُولاَهُنَّ )) من حيث الإسناد فإنها أصح الروايات ومن حيث النظر فإنها إذا كانت أولاهن بالتراب فإنه يتبعه الماء فيزيل التراب وينظفه

 

20- وهل يقوم غير التراب مقامه كالصابون وغيره من المنظفات والمطهرات ؟

قال النووي رحمه الله – في شرح مسلم : ولا يقوم الصابون والأشنان مقام التراب على الأصح وكذلك ما أشبهها . انتهى

 

 

وقال ابن دقيق العيد رحمه الله – : قوله : (( بِالتُّرَابِ )) يقتضي تعيينه وفي مذهب الشافعي – رحمه الله – قول أو وجه أن الصابون والأشنان والغسلة الثامنة يقوم مقام التراب بناءً على أن المقصود بالتراب زيادة التنظيف وأن الصابون والأشنان يقومان مقامه في ذلك وهذا عندنا ضعيف ، لأن النص إذا ورد بشيء معين احتمل معنى يختص بذلك الشيء لم يجز إلغاء النص وإطراح خصوص المعين فيه

قلت : قد اكتشف حديثاً أن في لعاب الكلب جراثيم ومكروبات لا يقتلها إلا التراب فسبحان العليم الخبير

21- هل التتريب يكون بالتراب من غير ماء ؟

رواية : (( وَعَفِّرُوهُ )) تدل على خلط التراب بالماء لأن التعفير هو التمريغ ومعناه : مرغوه بالتراب أي اغسلوه بالتراب ، وهذا عند الشافعية  

ومنهم من جعل التراب محضاً لرواية : (( وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ )) فجعله محضاً من غير ماء واستظهره في الفروع وصوبه في الإنصاف

22- هل يتعين التسبيع أم يكفي أقل من سبع ؟

جمهور العلماء وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد أنه يجب غسل الإناء سبع مرات واستدلوا بحديث الباب وما ورد في معناه  

وذهب أبو حنيفة – رحم الله الجميع – إلى أنه لا يجب التسبيع واستدلوا : بحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : ((  فِي  الْكَلْبِ  يَلِغُ  فِي  الإِنَاءِ  أَنَّهُ  يَغْسِلُهُ  ثَلاَثًا  أَوْ  خَمْسًا  أَوْ سَبْعًا )) أخرجه الدارقطني

وأجيب : بأنه حديث ضعيف جداً ففي إسناده عبدالوهاب بن الضحاك وهو متروك

واستدلوا بفتوى أبي هريرة رضي الله عنه بالاكتفاء بغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثاً ، وقالوا : هو راوي الحديث فثبت أن السبع منسوخة والعبرة بما رأى الراوي لا بما رواه  

والجواب : أن الصحيح عند العلماء والأصوليين أن العبرة بما روى الراوي لا بما رآه

قال ابن حجر رحمه الله – : وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو أنه نسي ما رواه ومع الاحتمال لا يثبت النسخ

وقال أيضاً : فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعاً ، ورواية من روى موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر فأما النظر فظاهر وأما الإسناد فالموافقة وردت من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه وهذا من أصح الأسانيد

وأما المخالفة فمن رواية عبدالملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه ، وهو دون الأول في القوة بكثير . انتهى

واستدلوا أيضاً بأن العذرة أشد نجاسة من سؤر الكلب ولم يقيد بسبع فيكون الولوغ كذلك من باب أولى

قال ابن حجر رحمه الله – : بأنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم وأيضاً فهو قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار . انتهى

 

23- إذا ولغ كلب واحد في إناء مرتين فأكثر فهل يغسل لكل مرة سبعاً ويعفر أم تكفي غسلة واحدة مرتين ؟

فيه خلاف والأقرب أنه يكفيه أن يغسله سبعاً مع التتريب مرة واحدة

وإذا ولغ جماعة كلاب في إناء فهل يغسل عن الجميع مرة واحدة أم لكل واحد غسلة ؟

فيه اختلاف أيضاً والأصح أنها تكفيه غسلة واحدة سبعاً مع التتريب

 

24- ولو ولغ حيوان لم يتبين هل هو كلب أم لا فهل يغسل سبعاً ويعفر ؟

الصحيح أنه لا يجب إلا بيقين فأما مع الشك فلا يجب

 

25- مفهوم الشرط في قوله : (( إِذَا وَلَغَ )) يقتضي قصر الحكم على الولوغ ، لكن إذا قلنا بأن الغسل للتنجيس فيتعدى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلاً ويكون ذكر الولوغ للغالب

 

26- هل يغسل ويترب ما مسك الكلب بفمه كالصيد مثلاً ؟

أما الصيد فقد أباحه الله عز وجل ولم يأمر بغسله ولا تتريبه ، وخاصة أن التتريب يفسد اللحم  

وأما غير الصيد فهو مبني على الأصل فيقتصر الحكم على الإناء الذي يلغ فيه الكلب

27- اختلف القائلون بالتسبيع مع التتريب فيما إذا أصاب بوله أو روثه أو دمه أو عرقه أو شعره أو لعابه أو عضو من أعضائه شيئاً طاهراً في حال رطوبة أحدهما فهل يجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب ؟

عند الشافعية أن لا فرق بين ولوغ الكلب وغيره

وفي وجه عند الشافعية أنه يغسل مرة وهو مذهب الحنابلة كما في المغني

 

28- هل الغسل من الولوغ عند إرادة الاستعمال أم أن غسله على الفور وإن لم يستعمل ؟

قال المازري رحمه الله – : الجمهور على أن غسله عند إرادة الاستعمال

وذهب بعض المتأخرين إلى غسله وإن لم يرد استعماله بناءً على أن الأمر المطلق يقتضي الفورية

وقال   ابن  حجر  رحمه الله  –  في  الفتح  :  قوله  : ((  فَلْيَغْسِلْهُ  ))  يقتضي  الفور ، لكن  حمله  الجمهور  على  الندب  والاستحباب  إلا  لمن  أراد  أن  يستعمل  ذلك الإناء . انتهى

قلت : الأصل في الأوامر أنها على الفور ويدل على ذلك الكتاب والسنة واللغة والنظر إلا إذا دل دليل على خلاف هذا الأصل ، وليس في هذه المسألة ما يدل على صرف الأمر عن هذا الأصل

 

 

 

29- هل سائر النجاسات يلزم غسلها كغسل ولوغ الكلب ؟

في رواية لأحمد وهي مذهب الحنابلة أن النجاسات تغسل سبعاً قياساً على الكلب واستدلوا بقول ابن عمر : أُمرنا بغسل الأنجاس سبعاً

فأما حديث ابن عمر فليس له أصل ، وليس في الأمر بغسل النجاسة سبعاً حديثاً مرفوعاً صحيحاً إلا ما ورد في الإناء الذي يلغ فيه الكلب  

وأما قياسهم على لعاب الكلب فلا يصح ؛ لأن الأمر بالتسبيع والتتريب في ولوغ الكلب تعبدي ، لا يقاس عليه

وذهب الجمهور وهو رواية عن أحمد ووجه عند الحنابلة إلى عدم وجوب العدد في غسل النجاسات والاقتصار على إزالة النجاسة ومكاثرتها بالماء .

ويستدلون بحديث أنس رضي الله عنه في قصة بول الأعرابي في المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه ولم يأمر بعدد . وهو في الصحيحين

واستدلوا بحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ  وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّى فِيهِ )) أخرجه البخاري برقم (227) ومسلم برقم (291) ولم يأمر فيه بعدد  

30- في رواية مسلم والنسائي : (( فَلْيُرِقْه ))  وقد اختلف في هذه اللفظة فقال النسائي : لا أعلم أحداً تابع علي بن مسهر على قوله : (( فَلْيُرِقْه )) 

قلت : علي بن مسهر إمام حافظ متقن متفق على عدالته والاحتجاج به

وقال الدارقطني بعد أن رواها : إسناده حسن ورواتها ثقات ، ورواها إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة

وصحح ابن حجر : ورود الأمر بالإراقة عن أبي هريرة موقوفاً عليه أخرجها عنه ابن عدي والدارقطني قال : وكذا ذكر الإراقة حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة موقوفاً عليه وإسناده صحيح أخرجه الدارقطني وغيره

قلت : لفظة : (( فَلْيُرِقْه ))  صح إسنادها وليست بمخالفة للروايات الأخرى بل فيها زيادة حكم وهذا لا يضر . فالصحيح وجوب إراقة ما ولغ فيه الكلب وهو مذهب الشافعية . وقول في مذهب مالك

31- لفظ : (( الإِناءِ )) عام يشمل إناء الطعام وإناء الماء وقد فرق مالك – رحمه الله – بين الماء والطعام فقال في المدونة : إن كان يغسل سبعاً للحديث ففي الماء وحده . انتهى

ووجه قوله بأمرين :

الأول : مبني على تخصيص العام بالعرف والعرف أن الطعام محفوظ عن الكلاب مصون عنها لعزته عند العرب فلا يكاد الكلب يصل إلا إلى الماء فيقيد اللفظ بذلك

والثاني : أن في الحديث : (( فَلْيُرِقْه ، وليَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ )) والطعام لا يجوز إراقته لحرمته ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال . متفق عليه  

والجواب : أما الوجه الأول فإن تخصيص العموم بالعرف ممنوع في الأصول والراجح عند كثير من الأصوليين خلافه

وأما الثاني : فضعيف لأن عموم الأمر بالإراقة تقتضي إراقة الطعام

ونهيه صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال مخصوص بما ولغ فيه الكلب

فإن قيل : إن النهي عن إضاعة المال عام أيضاً ، قيل إنه عام مخصوص بما وقع فيه نجاسة أو سم ، والعام الذي لم يخصص يقدم على العام المخصص ويصبح من مخصصاته

وأيضاً يقال : إن المقصود بالنهي عن إضاعة المال : النهي عن التبذير وإضاعة المال من غير غرض صحيح وأما الأمر بإراقة ما ولغ فيه الكلب فالغرض منه إما الإبعاد أو التنزه عما لحق سؤر الكلب لنجاسته أو لقذره وإما لضرره كما ثبت حديثاً وهذا أخص من النهي عن إضاعة المال

 

 

 

الحديث السابع

عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي اللهُ عنهما :  أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ , فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إنَائِهِ , فَغَسَلَهُمَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ , ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً , وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثًا , ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ , ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلاثًا , ثُمَّ قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا وَقَالَ : (( مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا , ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ , لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))

 

 

– أخرجه البخاري برقم (159)

– ومسلم برقم (226)

– وفي رواية لهما : (( تمضمض واستنثر )) البخاري برقم (164)

ومسلم في الموضع السابق

وفي رواية للبخاري برقم (6433) : ((  مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ  ثُمَّ جَلَسَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) قَالَ : وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (( لاَ تَغْتَرُّوا ))

 

 

 

الفوائد والأحكام

1- ترجمة حمران مولى عثمان

1- ترجمة عثمان بن عفان رضي الله عنه

2- قوله : ( دَعَا بِوَضُوءٍ ) ( بِإِنَاءٍ ) فيه جواز الاستعانة في إحضار الماء وهو مجمع عليه من غير كراهة

قوله : ( بِإِنَاءٍ ) لم يذكر نوع الإناء ، والأواني مباحة إلا ما استثنى :

أ- جلود الميتة التي لم تدبغ

ب- جلود مالا تحله الذكاة من الحيوان

ج- آنية الكفار قبل غسلها

د- آنية الذهب والفضة

3- في الحديث شرعية التعليم بالفعل فإنه أبلغ وأضبط في حق المتعلم فعثمان رضي الله عنه دعاء بوضوء وتوضأ أمام الناس ليعلمهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل

 

فائدة : في الحديث الاستدلال بفعله صلى الله عليه وسلم على الأحكام الـشرعية ومتابعته وتحري مقارنة فعله وأن المرجع إليه عليه السلام في جميعها خاصة ما كان مبيناً فيه لمجمل القرآن إلا ما ورد فيه دليل أنه خاص به أو علم أنه فعله على سبيل العادة لا العبادة

 

 

4- في هذا الـحديث لم يـذكر النية ، قال ابن المنذر رحـمه الله في الأوسط (1/368-370) ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ )) قد اختلف أهل العلم فيمن توضأ وهو لا ينوي بوضوئه الطهارة ، فقالت طائفة : لا يجزئه ، كذلك قال الشافعي وربيعة بن أبي عبدالرحمن ومالك وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ، وليس بين الوضوء والتيمم عندهم في ذلك فرق

 

وفرقت طائفة بين الوضوء والتيمم فقالت : يجزئ الوضوء بغير نية ولا يجزئ التيمم إلا بنية هذا قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي

 

وفيه قول ثالث عن الأوزاعي واختلف عنه فحكى الوليد بن مسلم عنه مثل قول أصحاب الرأي وحكي عنه أنه يجزيه في الوضوء والتيمم

ثم قال : دل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ )) لما عم جميع الأعمال ولم يخص منها شيئاً أن ذلك في الفرائض والنوافل . انتهى

 

النية تجب مصاحبتها للمنوي إلى نهايته فلو نوى قطعه في أثنائه أعاد ولو رجع في نيته مثل من توضأ وفي أثناء وضوئه نوى قطعه لغرض كدخول الخلاء أو غير ذلك ثم رجع بنيته إلى وضوئه وجب عليه ابتدائه من أوله

 

 

5- سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عَنْ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهَلْ مَحَلُّ ذَلِكَ الْقَلْبُ أَمْ اللِّسَانُ ؟ وَهَلْ يَجِبُ أَنْ نَجْهَرَ بِالنِّيَّةِ أَوْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ؟ أَوْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ غَيْرُهَا ؟ أَوْ قَالَ : إنَّ صَلَاةَ الْجَاهِرِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْخَافِتِ إمَاماً كَانَ أَوْ مَأْمُوماً أَوْ مُنْفَرِداً ؟ وَهَلْ التَّلَفُّظُ بِهَا وَاجِبٌ أَمْ لَا ؟ أَوْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ : إنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالنِّيَّةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ؟

وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا ؟ وَمَا السُّنَّةُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ ؟ وَإِذَا أَصَرَّ عَلَى الْجَهْرِ بِهَا مُعْتَقِداً أَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ فَهَلْ هُـوَ مُبْتَدِعٌ مُخَالِـفٌ لِشـَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَـسْتَـحِقُّ التَّعْـزِيرَ عَلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَنـْتَهِ ؟

فأجاب : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، مَحَلُّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ دُونَ اللِّسَانِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالْعِتْقِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَلَوْ تَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ بِخِلَافِ مَا نَوَى فِي قَلْبِهِ كَانَ الِاعْتِبَارُ بِمَا نَوَى بِقَلْبِهِ لَا بِاللَّفْظِ ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ تَحْصُلْ النِّيَّةُ فِي قَلْبِهِ لَمْ يُجْزِئْ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ .

… وَالْجَهْرُ بِالنِّيَّةِ لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، بَلْ الْجَاهِرُ بِالنِّيَّةِ مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلشَّرِيعَةِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مُعْتَقِداً أَنَّهُ مِنْ الشَّرْعِ فَهُوَ جَاهِلٌ ضَالٌّ ، يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ وَإِلَّا الْعُقُوبَةَ عَلَى ذَلِكَ ، وإذَا أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ وَالْبَيَانِ لَهُ لَاسِيَّمَا إذَا آذَى مَنْ إلَى جَانِبِهِ بِرَفْعِ صَوْتِهِ أَوْ كَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ عَلَى ذَلِكَ

 

وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنَّ صَلَاةَ الْجَاهِرِ بِالنِّيَّةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْخَافِتِ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا

وَأَمَّا التَّلَفُّظُ بِهَا سِرّاً فَلَا يَجِبُ أَيْضاً عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ : إنَّ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ وَاجِبٌ لَا فِي طَهَارَةٍ وَلَا فِي صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ وَلَا حَجٍّ

وَكَذَلِكَ نِيَّةُ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ يَكْفِي فِيهِ نِيَّةُ الْقَلْبِ

وَالنِّيَّةُ تَتْبَعُ الْعِلْمَ ، فَمَنْ عَلِمَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ …

وَبَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ خَرَّجَ وَجْهاً فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِوُجُوبِ ذَلِكَ ، وَغَلَّطَهُ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَكَانَ غَلَطُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ : لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ فِي أَوَّلِهَا ، فَظَنَّ هَذَا الغالط أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ النُّطْقَ بِالنِّيَّةِ ، فَغَلَّطَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ جَمِيعُهُمْ وَقَالُوا : إنَّمَا أَرَادَ النُّطْقَ بِالتَّكْبِيرِ لَا بِالنِّيَّةِ

انتهى من مجموع الفتاوى (22/217-227) باختصار وبعض التصرف

 

6- لم يذكر في هذا الحديث التسمية وهي سنة عند الأئمة الأربعة ، وعن أحمد رواية بوجوبها ، وقال إسحاق : إن تركها عامداً أعاد  

 

 

 

 

قال ابن المنذر في الأوسط (1/367) : جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ )) ثم أسند حديث رباح بن عبدالله بن أبي سفيان بن حويطب قال : حدثتني جدتي أنها سمعت أباها يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((  لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ وَلاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ))

ثم قال : وقد اختلف أهل العلم في وجوب التسمية عند الوضوء ، فاستحب كثير من أهل العلم للمرء أن يسمي الله تعالى إذا أراد الوضوء كما استحبوا أن يسمي الله عند الأكل والشرب والنوم وغير ذلك استحباباً لا إيجاباً ، وقال أكثرهم لا شيء على من ترك التسمية في الوضوء عامداً أو ناسياً ، هذا قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد وأصحاب الرأي

واغتسل عمر بن الخطاب ويعلى بن أمية يستر عليه بثوب فقال : بسم الله . انتهى

 

قلت : ورد في التسمية على الوضوء خاصة وفي التسمية على الوضوء وغيره عامة جملة أحاديث فأما ما ورد في الوضوء خاصة فلا يخلو حديث منها من كلام ولكن بمجموعها تدل على أصل

قال أبو بكر بن أبي شيبة : ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله

وقال ابن حجر العسقلاني في التلخيص : والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلاً

 

 

7- قوله : (( بِوَضُوءٍ )) الوضوء بفتح الواو اسم للماء وبضمها اسم للفعل على الأكثر

قال النووي رحمه الله –  في شرح مسلم (2/94) : قال جمهور أهل اللغة : يقال : الوُضوء والطُهور – بضم أولهما – إذا أريد به الفعل الذي هو المصدر ، ويقال : الوَضوء والطَهور – بفتح أولهما – إذا أريد به الماء الذي يتطهر به ، هكذا نقله ابن الأنباري وجماعات من أهل اللغة وغيرهم عن أكثر أهل اللغة

وذهب الخليل والأصمعي وأبو حاتم السجستاني والأزهري وجماعة إلى أنه بالفتح فيهما قال صاحب المطالع : وحكي بالضم فيهما جميعاً

وأصل الوضوء من الوضاءة وهي الحسن والنظافة والتنزه . انتهى

 

قلت : الوضوء نظافة حسية ومعنوية قال تعالى بعد أن ذكر فرضه الطهارة من وضوء وغسل أو ما ينوب عنهما : { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:6]

فأما النظافة الحسية فظاهرة ، وأما المعنوية فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة أن المسلم إذا توضأ خرجت خطاياه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فلله الحمد والمنة

(( بِوَضُوءٍ )) ولم يذكر مقدار ما يتوضأ به وقد ورد  : (( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ )) أخرجه البخاري برقم (201) ومسلم برقم (325)

وأخرج مسلم نحوه من حديث سفينة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم  

ولم يـذكر النهـي عن الإسـراف في استعمـال الـوضـوء ، وبوب الإمـام البخاري – رحمه الله – في أول كتاب الوضوء باب : ما جاء في الوضوء … قال أبو عبدالله : وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن فرض الوضوء مرةً مرة ، وتوضأ مرتين وثلاثاً ، ولم يزد على ثلاث ، وكره أهل العلم الإسراف فيه ، وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم

 

قال الحافظ (1/405-406) : يشير بذلك إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق هلال بن يساف – أحد التابعين – قال : كان يقال : ( مِنَ الْوُضُوءِ إسْرَافٌ وَلَوْ كُنْتَ عَلَى شَاطِئِ نَهَرٍ )

 

وأخرج نحوه عن أبي الدرداء وابن مسعود ، وروي في معناه حديث مرفوع أخرجه أحمد وابن ماجة بإسناد لين من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص  

 

قلت : في مصنف ابن أبي شيبة (1/467) طبعة عوامة ] : من كان يكره الإسراف في الوضوء أورد فيه آثار عن الصحابة والتابعين

قلت : والإسراف في أمرين :

الأول : الزيادة على الثلاث وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى

والثاني : الإكثار من صب الماء وقد سبق ذكر كم كان يكفي النبي صلى الله عليه وسلم وأنه توضأ بالمد وورد أنه توضأ بثلثي مد

قال الترمذي – رحمه الله – بعد أن أورد حديث سفينة رضي الله عنه : (( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ )) برقم (56) : وهكذا رأى بعض أهل العلم الوضوء بالمدّ والغسل بالصاع ، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق : ليس معنى هذا الحديث على التوقيت أنه لا يجوز أكثرُ منه ولا أقلُّ منه وهو قدر ما يكفي  

قلت : لأن الإنسان قد يحتاج لأكثر من ذلك القدر إما لزيادة اتساخ أو لعارض آخر والله أعلم  

8- قوله : (( فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ )) فيه استحباب غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء في ابتداء الوضوء مطلقاً وأن هذا لا يختص بالقيام من النوم .

9- قوله : (( عَلَى يَدَيْهِ ))

في رواية : (( أَفْرَغَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ثُمّ غَسَلَهُما ))

قلت : في حديث علي رضي الله عنه في صفة تعليمه لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( فَأَفْرَغَ مِنَ الإِنَاءِ عَلَى يَمِينِهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ )) أخرجه أبو داود في باب : صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم برقم (111)

 

10- قوله : (( ثُمَّ تَمَضْمَضَ )) هذا التركيب يقتـضي الترتيب بين غسل اليدين والمضمضة ؛ لأن الأصل في كلمة : (( ثُمَّ )) أنها للترتيب

قلت : الذي يقتضيه لفظ المضمضة لا تحصل إلا بجعل الماء في الفم ثم تحريكه  

قال ابن دقيق العيد – رحمه الله – : قدمت المضمضة على الاستنشاق لشرف منافع الفم على منافع الأنف فإنه مدخل الطعام والشراب اللذين بهما قوام الحياة وهو محل الأذكار الواجبة والمندوبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . انتهى

قلت : ذكر بعضهم فائدة لطيفة وهو أن معرفة صلاحية الماء للاستعمال تكون بأحد الحواس إما البصر وإما اللمس وإما الشم وإما الذوق فتقدم البصـر ظاهر وغسل اليدين للإحساس بحال الماء من حرارة وبرودة وغير ذلك والمضمضة والاستنشاق لطعم الماء وشمه فسبحان من أحكم خلقه وشرعه

11- قوله : (( ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ )) فيه دليل على الترتيب بين غسل الوجه والمضمضة والاستنشاق وتأخره عنهما  

والوجه مشتق من المواجهة وقد اعتبر الفقهاء هذا الاشتقاق وبنوا عليه أحكاماً فالذي عليه الجمهور أنه ما بين منابت شعر الرأس من غالب المنابت – لا باعتبار الصلع ولا الغمم – ومنتهى اللحيين وهما مجتمع عظمي الحنك طولاً وفي العرض ما عدا وتدي الأذن

وقال الصنعاني في الحاشية على العمدة : اختلفوا بسبب ذلك [ يعني قوله : من المواجهة ] في موضعين : في غسل البياض الذي بين العذار والأذن ، وفي غسل ما انسدل من اللحية ، فالمشهور من مذهب مالك أن البياض الذي بين العذار والأذن ليس من الوجه ، وقد قيل بالفرق بين الأمرد والملتحي

وقال أبو حنيفة والشافعي : هو من الوجه

وأما ما انسدل من اللحية فذهب مالك إلى وجوب إمرار الـمـاء عليه ، ولم يوجبه أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وأوجبه أحمد في أحد الروايتين عنه والرواية الثانية كقول الشافعي في الجديد

وسبب اختلافهم في هاتين المسألتين هو خفاء تناول اسم الوجه لهذين الموضعين ، أعني هل يتناولهما أو لا يتناولهما ؟

فائدة : لم يذكر في هذا الحديث تخليل اللحية ، وللعلماء في وجوبه قولان وقد سبق الكلام على تخليل اللحية

 

12- قوله : (( وَيَدَيْهِ )) من رؤوس أنامله  (( إلى المرفقين )) اختلف الفقهاء في ذلك ، فنقل ابن هبيرة إجماع الأئمة الأربعة على وجوب غسل اليدين مع المرفقين وقال القاضي عبدالوهاب في شرح الرسالة : هذا قول الفقهاء كلهم إلا ما يحكى عن زفر وبعض المتأخرين

وسبب الخلاف في ( إِلَى ) في قوله : (( إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ )) هل ( إِلَى ) بمعنى انتهاء الغاية فلا يجب إدخالهما أو أنها بمعنى ( مع ) فيوجب دخولهما في الغسل

قلت : في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( أنه توضأ فَغَسَلَ يَدَهُ  حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ وَرِجْلَهُ حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ )  أخرجه مسلم برقم (246) وفعله صلى الله عليه وسلم بيان لمجمل واجب فهو واجب  

 

فائدة : إذا لبس خاتماً فهل يحركه ؟

إن كان ضيقاً لا يصل الماء إلى ما تحته فيجب أن يحركه وإن كان واسعاً سلساً فلا يجب تحريكه

13- قوله : (( ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ )) ظاهره استيعاب الرأس بالمسح لأن اسم الرأس حقيقة في العضو كله

واختلف العلماء في القدر الواجب من المسح فالمشهور عند المالكية وجوب استيعاب جميعه وهذا الذي نص عليه مالك وهو رواية عن أحمد

والرواية الثانية عند أحمد يجب مسح أكثره فإن ترك الثلث فما دون أجزأه

وأما الشافعي فقال : يجزئه أقل ما ينطلق عليه الاسم

وقال النووي في روضة الطالبين(1/56) : ولو مسح بعض شعره أجزأه وأما أبو حنيفة فعنه ثلاث روايات : قال في بدائع الصنائع(1/69) : واختلف في المقدار المفروض مسحه ذكره في الأصل وقدره بثلاث أصابع اليد ، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قدره بالربع ، وذكر الكرخي والطحاوي عن أصحابنا مقدار الناصية . انتهى

وسبب اختلافهم فأما الشافعي فقال : إن الباء في قوله : {بِرُؤُوسِكُمْ} للتبعيض فإذا مسح بعض رأسه أجزأ

ورُد على ذلك بأن أهل اللغة لا يعرفون استعمال الباء للتبعيض وأنها في الآية للإلصاق والمصاحبة

وأما الحنفية فقالوا : أن الأمر بالمسح يقتضي آلة المسح ، وآلة المسح هي أصابع اليد عادة وثلاث أصابع اليد أكثر الأصابع وللأكثر حكم الكل فصار كأنه نص على الثلاث وقال : {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} بثلاث أصابع أيديكم

وأما التقدير بالناصية فقد روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : (( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ )) أخرجه مسلم برقم (274) فصار فعله عليه الصلاة والسلام بياناً لمجمل الكتاب

ورُد على هذا بأن في الحديث أنه مسح على العمامة والناصية

وأما وجه التقدير بالربع فلأنه قد ظهر اعتبار الربع في كثير من الأحكام

قلت : وذكر لذلك الاعتبار أمثلة ليس عليها دليل من كتاب أو سنة ولا إجماع

والصحيح أنه يجب مسح جميع الرأس لدلالة الكتاب والسنة على ذلك

وقوله : (( ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ))  وليس في شيء من طرقه في الصحيحين ذكر عدد المسح كما في غسل الأعضاء

قلت : في سنن أبي داود في باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم برقم (107) … وقال فيه : (( … وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلاَثًا ))  قال أبو داود : أحاديث عثمان رضي الله عنه الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثاً ، وقالوا فيها : ومسح رأسه ، ولم يذكروا عدداً كما ذكروا في غيره . انتهى

 

 

 

قال ابن المنذر : اختلف أهل العلم في عدد مسح الرأس ، فقالت طائفة : يمسح برأسه مرة ، هذا قول ابن عمر وهو قول الجمهور ، وكان الشافعي يقول : يجزئ مسح مرة ، ويستحب أن يمسح ثلاثاً ، وقال أصحاب الرأي : يمسح برأسه مرة واحدة ، وأذنيه ، هكذا في المبسوط للسرخسي (1/7)

قال ابن المنذر(1/395-397) : والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح برأسه ، لم يذكر أكثر من مرة واحدة . انتهى بتصرف

قلت : سبب اختلافهم ما ورد عن عثمان رضي الله عنه أنه توضأ ومسح رأسه ثلاثاً وفي آخره قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا

فمن يصحح هذا الحديث ويجعل تثليث المسح زيادة ثقة يأخذ به فيقول بتثليث مسح الرأس ومن يرى أنها شاذة يمنع الأخذ بالتثليث ، وكذلك يقال بأن المسح مبني على التخفيف فلا يقاس على الغسل إذ حقيقة الغسل جريان الماء ، ولو اعتبر العدد في المسح لصار في صورة الغسل وبالله التوفيق

14- (( الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ )) صح عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم موقوفاً ، قال الترمذي : وهو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم

قال ابن المنذر من الأوسط (1/400) : جاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه توضأ فمسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما . انتهى

قلت : في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : (( أنه غَرَفَ غَرْفَةً فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ دَاخِلَهُمَا بِالسَّبَّابَتَيْنِ وَخَالَفَ إِبْهَامَيْهِ إِلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ فَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا )) أخرجه أبو داود برقم (135) وهو حديث صحيح

ومثله في حديث المقدام بن معدكرب الكندي أخرجه أبو داود برقم (121) ورقم (123)

قلت : فأما حديث : (( الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ )) فقد ورد عن عدد من الصحابة مرفوعاً ولا تخلوا من ضعف ولكن ترتقي بمجموعها لتعدد طرقها وتنوع مخارجها ويؤيده ما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم كما سبق وكذلك ما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم

قال في التحقيق مع التنقيح (1/203) : الأذنان من الرأس تمسحان بماء الرأس  قال الشافعي ليسا من الرأس ويسن لهما ماءٌ جديد واحتج الشافعي بأخذ النبي صلى الله عليه وسلم لهما ماءً جديداً

قلت : الوارد في أخذ ماء جديد للأذنين ضعيف

 

15- قال ابن المنذر رحمه الله في الأوسط (1/392) : اختلف أهل العلم فيمن ترك مسح الأذنين

فقالت طائفة : لا إعادة عليه ، كذلك قال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي

وقال إسحاق بن راهويه : إن مسحت رأسك ولم تمسح أذنيك عمداً لم يجزك

وقال أحمد : إذا تركه متعمداً أخشى أن يعيد

 

 

والصحيح مذهب من أوجب مسح الأذنين لحديث : (( الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ )) وما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم ويؤيد ذلك صحة الأحاديث الواردة في ذكر مسح النبي صلى الله عليه وسلم الأذنين ولم يرد أنه ترك مسح الأذنين مرة واحدة وفعله صلى الله عليه وسلم مبين لمجمل ما أوجبه الله في القرآن فله حكم المجمل  

16- قال ابن المسيب : ( الْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ تَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهَا ) رواه البخاري في صحيحه معلقاً ووصله ابن أبي شيبة

وفي رواية لأحمد يجزئ مسح بعضه للمرأة دون غيرها ، قال الخلال والموفق : هذه الرواية هي الظاهر عن أحمد . وقال الخلال : العمل في مذهب أبي عبدالله أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها . ذكره في الإنصاف

17- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله  (21/128) : لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح عنقه في الوضوء ، ولـهذا لم يستحب ذلك جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبهم  

قلت : واختلف أصحاب أبي حنيفة فمنهم من قال : إنه سنة ، ومنهم من قال : أنه من الآداب . بدائع (1/117)   

18- قوله : (( ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْه )) صريح في الرد على من قال إن واجب الرجلين المسح وهم الرافضة وقد سبق بيان حكم غسل الرجلين وسبب الخلاف

19- قوله : (( ثَلاَثًا )) يدل على استحباب التثليث في غسل الرجلين مثل بقية المغسولات . وقال مالك : لابد من الإنقاء ولا يجب التثليث

20- الزيادة على الثلاث غسلات في الوضوء لا تجوز لقوله صلى الله عليه وسلم : (( فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ )) أخرجه أحمد (2/180)  وأبو داود برقم (135)

واختلف أهل العلم في المتوضئ يزيد على ثلاث فقالت طائفة : لا يضره ، كذلك قال الشافعي رحمه الله في الأم (2/69) : ولا أحب للمتوضئ أن يزيد على ثلاث وإن زاد لم أكرهه إن شاء الله تعالى . انتهى

وسئل أحمد : يزيد الرجل في الوضوء على ذلك ؟ قال أحمد : لا والله إلا رجل مبتلى ، وقال إسحاق كما قال . مسائل إسحاق بن منصور

قلت : جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرةً مرة ، ومرتينِ مرتين ، وثلاثاً ثلاثا ، وبعض الأعضاء ثلاثاً وبعضها مرتين وبعضها مرة ، ولم يرد زيادة على الثلاث فدل على أن الثلاث هي الكمال وأن المرة والمرتين تجزئ

21- الـحديث يـدل على الترتيب في غـسل أعـضاء الـوضوء لأن الـراوي رتبه بـ (( ثُمَّ )) في معرض البيان وهي تفيد الترتيب ويدل له حديث أبي داود الصحيح : (( فَتَوَضْأ كَمَـا أَمَرَكَ الله )) برقم (861)

وللحديث الآخر الصحيح عند أبي داود برقم (858) وغيره : (( إِنَّهَا لاَ تَتِمُّ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ))

ولأن الله عز وجل في آية الوضوء أدخل مسح الرأس بين المغسولات وهذا يدل على الترتيب

وقد ورد ما يعارض هذا الترتيب : فأخرج أحمد برقم (17188) وأبو داود برقم (121) من حديث المقدام بن معد كرب قال : (( أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ))

وإسناده صحيح وحسنه النووي وابن حجر وصححه الألباني  وقيل : إنها شاذة لمخالفتها للأحاديث الصحيحة

وعن الربيع بنت معوذ مثل حديث المقدام : إلا أنها قالت : (( فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَمَضْمَضَ ))

 

قال النووي : إنهم يتأولون هذه الرواية على أن لفظة : (( ثُمَّ )) ليست هنا للترتيب بل لعطف جملة على جملة . انتهى المقصود

 

قال ابن المنذر (1/422) : اختلف أهل العلم في رجل توضأ ، فبدأ فغسل يديه أو رجليه قبل وجهه أو قدم عضواً على عضو . انتهى

قال مالك : يستحب تقديم المسنون وقال ابن حبيب من أصحابه : [ يعني تقديم المسنون على المفروض ] واختلف أصحاب مالك في الترتيب في الوضوء على ثلاثة أقوال : الوجوب والندب والاستحباب والمشهور عندهم أنه سنة انظر الذخيرة (1/278)

ومذهب الشافعي وجوبه وخالف المزني فقال : لا يجب . المجموع (1/471)

 

وقال في المغني (1/189-190) بعد قول الخرقي : ويأتي بالطهارة عضواً بعد عضو كما أمر الله تعالى : وجملة ذلك أن الترتيب في الوضوء على ما في الآية واجب عند أحمد لم أرَ عنه فيه اختلافاً وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد أنه غير واجب . انتهى

وقال في الفروع : ومن فروض الوضوء الترتيب . انتهى

قال في الـمبسوط (1/167-168) : وإن بدأ في وضوئه بذراعيه قبل وجهه ورجليه قبل رأسه أجزأه عندنا . انتهى

22- في الحديث ما يفيد باعتبار الموالاة وهي ألا يؤخر غسل عضو حتى يجف ما قبله في الزمن المعتدل والموالاة واجبة عند أحمد نص عليها في مواضع ، ونقل حنبل عن أحمد أنها غير واجبة . انظر المغني (1/191)

وعند مالك خمسة أقوال : الوجوب مع الذكر والوجوب مطلقاً وعدمه مطلقاً والفرق بين الممسوح فلا يجب وبين المغسول فيجب والفرق بين الممسوح البدلي كالجبيرة والخفين فيجب والممسوح الأصلي فلا يجب  وقالوا : التفريق اليسير لا يضر . انظر الذخيرة (1/270-271)

وعند الشافعية إذا كان التفريق بعذر فلا يضر وإن كان بغير عذر ولكنه يسير فلا يضر أيضاً وأما التفريق الكثير بغير عذر ففيها قولان ففي القديم : لا يجزيه ، وفي الجديد : يجزيه  . انظر المجموع (1/478)

وقال في المبسوط : وإن غسل بعض أعضائه وترك البعض حتى جف ما قد غسل أجزأه ؛ لأن الموالاة سنة عندنا . انتهى (1/170)

23- قال ابن الـمنذر في الأوسط(1/415-419) : اخـتلف أهل الـعلم في التمسح بالمنديل بعد الوضوء والاغتسال فممن روينا عنه أنه أخذ المنديل بعد الوضوء ، عثمان بن عفان والحسين بن علي وأنس وبشير بن أبي مسعود وكان مالك وسفيان الثوري وأحمد وأصحاب الرأي لا يرون به بأساً . انتهى

 

24- قوله : (( نَحْوَ وُضُوئِي )) قال النووي في شرح مسلم (2/104) :

وإنما لم يقل : (( مثل )) لأن حقيقة مماثلته لا يقدر عليها غيره . انتهى

ورد عليه الحافظ ابن حجر في الفتح بقوله : لكن ثبت التعبير بها في رواية المصنف [ يعني البخاري ] في الرقاق من طريق معاذ بن عبدالرحمن عن حمران عن عثمان ولفظه : (( مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ ))

وله في الصيام من رواية معمر : (( مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا )) ولمسلم من طريق زيد بن أسلم عن حمران : (( تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا )) وعلى هذا فالتعبير بنحو من تصرف الرواة . انتهى من الفتح (1/448) حديث رقم (159) وروايته في الرقاق (14/523) برقم (6433) وروايته في الصيام (5/299) برقم (1934) من طبعة طيبة

25- قوله : (( ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ )) فيه استحباب ركعتين بعد الوضوء ، وتفعل كل وقت حتى وقت النهي عند الشافعية ، خلافاً للمالكية ، قالوا : وليست هذه من السنن ، وقالوا : حديث بلال في البخاري أنه كان متى توضأ صلى وقال إنه أرجى عمل له . يجوز أن يخص بغير أو قات النهي

قلت : حديث بلال عام وأقره النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخصص ، وحديث النهي عن الصلاة أوقات النهي عام مخصص فيكون حديث بلال من ضمن مخصصاته

وأيضاً فإن صلاة ركعتين بعد الوضوء سنة لأن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره وصفاته الخُلقية والخِلقية وتركه ، وقد أقر بلالاً فهو سنة تقريرية ولا تعارض في الحقيقة لأن جميع السنن محبوبة عند الله

 

26- قوله : (( لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا  نَفْسَهُ )) إشارة إلى الخواطر والوساوس الواردة على النفس وهي على قسمين :

أحدهما : ما يهجم هجماً يتعذر دفعه عن النفس فيدافعه ولا يستقر

والثاني : ما تسترسل معه النفس ويمكن قطعه ودفعه ولكن لا يدافع بل تسترسل معه النفس فيمكن أن يحمل هذا الحديث على هذا النوع الثاني فيخرج عنه النوع الأول ، ويشهد لذلك لفظة : (( يُحَدِّثُ نَفْسَهُ )) فإنه يقتضي تكسباً منه وتفعلاً لهذا الحديث مع النفس

 

ويمكن أن يحمل على النوعين معاً ، لأن الحديث يقتضي ثواباً مخصوصاً على عمل مخصوص فمن حصل له ذلك العمل حصل له ذلك الثواب ومن لا فلا ، وليس ذلك من باب التكليف حتى يلزم دفع العسر عنه . وانظر شرح ابن دقيق العيد

 

 

27- حديث النفس : يعم الخواطر المتعلقة بالدنيا والخواطر المتعلقة بالآخرة والحديث محمول والله أعلم على ما يتعلق بالدنيا ، إذ لابد من حديث النفس فيما يتعلق بالآخرة كالفكر في معاني المتلوّ من القرآن العزيز والمذكور من الدعوات والأذكار

 

28- فائدة : في مجموع فتاوى ابن تيمية – رحمه الله – (22/611-613) سُئِلَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ : عَنْ وَسْوَاسِ الرَّجُلِ فِي صَلَاتِهِ وَمَا حَدُّ الْمُبْطِلِ لِلصَّلَاةِ ؟ وَمَا حَدُّ الْمَكْرُوهِ مِنْهُ ؟ وَهَلْ يُبَاحُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ ؟ وَهَلْ يُعَذَّبُ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ؟ وَمَا حَدُّ الْإِخْلَاصِ فِي الصَّلَاةِ ؟ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : (( لَيْسَ لِأَحَدِكُمْ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا )) ؟

 

فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ  

الْوَسْوَاسُ نَوْعَانِ :

أَحَدُهُمَا : لَا يَمْنَعُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي فِي الصَّلَاةِ بَلْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْخَوَاطِرِ فَهَذَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لَكِنْ مَنْ سَلِمَتْ صَلَاتُهُ مِنْهُ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ تَسْلَمْ مِنْهُ صَلَاتُهُ ، الْأَوَّلُ شِبْهُ حَالِ الْمُقَرَّبِينَ وَالثَّانِي شِبْهُ حَالِ الْمُقْتَصِدِينَ

 

 

وَأَمَّا الثَّانِي : فَهُوَ مَا مَنَعَ الْفَهْمَ وَشُهُودَ الْقَلْبِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الرَّجُلُ غَافِلًا فَهَذَا لَا رَيْبَ أَنَّهُ يَمْنَعُ الثَّوَابَ كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((  إنَّ  الرَّجُلَ  لَيَنْصَرِفُ  مِنْ  صَلَاتِهِ  وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ مِنْهَا إلَّا نِصْفُهَا إلَّا ثُلُثُهَا إلَّا رُبْعُهَا إلَّا خُمْسُهَا إلَّا سُدْسُهَا حَتَّى قَالَ : إلَّا عُشْرُهَا )) فَأَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدْ لَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إلَّا الْعُشْرُ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ( لَيْسَ لَك مِنْ صَلَاتِك إلَّا مَا عَقَلْت مِنْهَا )

 

وَلَكِنْ هَلْ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَيُوجِبُ الْإِعَادَةَ ؟

فِيهِ تَفْصِيلٌ :

– فَإِنَّهُ إنْ كَانَتْ الْغَفْلَةُ فِي الصَّلَاةِ أَقَلَّ مِنْ الْحُضُورِ وَالْغَالِبُ الْحُضُورُ لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَ الثَّوَابُ نَاقِصًا فَإِنَّ النُّصُوصَ قَدْ تَوَاتَرَتْ بِأَنَّ السَّهْوَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ بَعْضُهُ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ

 

– وَأَمَّا إنْ غَلَبْت الْغَفْلَةُ عَلَى الْحُضُورِ فَفِيهِ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ :

أَحَدُهُمَا : لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ صَحَّتْ فِي الظَّاهِرِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الصَّلَاةِ لَمْ يَحْصُلْ فَهُوَ شَبِيهُ صَلَاةِ الْمُرَائِي فَإِنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ لَا يَبْرَأُ بِهَا فِي الْبَاطِنِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ حَامِدٍ وَأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمَا

 

 

وَالثَّانِي : تَبْرَأُ الذِّمَّةُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَ لَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا وَلَا ثَوَابَ بِمَنْزِلَةِ صَوْمِ الَّذِي لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ

وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : (( إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ . فَإِذَا قُضِيَ التَّأْذِينُ أَقْبَلَ . فَإِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ ، يَقُولُ : اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى ، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ )) فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الشَّيْطَانَ يُذَكِّرُهُ بِأُمُورِ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى وَأَمَرَهُ بِسَجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ

وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ وَأَعْدَلُ فَإِنَّ النُّصُوصَ وَالْآثَارَ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ مَشْرُوطٌ بِالْحُضُورِ لَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِعَادَةِ لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . انتهى وانظر القبس (1/232-236)

 

29- قوله : (( غَفَرَ اللَّهُ لَهُ  مَا  تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) ظاهره العموم في جميع الذنوب

قال ابن دقيق العيد : وقد خصوا مثله بالصغائر ، وقالوا : إن الكبائر إنما تكفر بالتوبة ، وكأن المستند في ذلك أنه ورد مقيداً في مواضع كقوله صلى الله عليه وسلم : (( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ))

فجعلوا هذا القيد في هذه الأمور مقيداً للمطلق في غيرها

قال الصنعاني مستدركاً : لا يخفى عليك أن هذا كله مشيٌ معهم على ظاهر قولهم : إن هذه المطلقات مقيدات بما قيد به بعض الطاعات من قيد اجتناب الكبائر وعلم من الأصول أنه لا يلحق المطلق بالمقيد إلا إذا اتحد سببهما وحكمهما وهنا الاختلاف أوضح من الشمس ، ولا سبيل إلى القياس لما سمعته من عدم الجامع وتعينه

وفيه إشارة إلى أن للمناقشة مجالاً في هذا بأن يقال : مقادير الطاعات مختلفة لا يعلم قدر كل طاعة إلا الله ، فيجوز أن من الطاعات ما يكفر الكبائر كما ورد في الحج أنه يخرج منه كيوم ولدته أمه ، وغيره مما لم يقيد بذلك القيد كما ورد في المريض أنه لا يزال به البلاء حتى يتركه يمشي وليس عليه خطيئة ، فحمل هذه المطلقات على تلك المقيدات لا يتم إلا إذا عُلم تساويهما في قدر الجزاء عند الله ، وهو لا يعلم إلا بإعلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحينئذ فيجوز أن بعض الطاعات تكفر الكبائر فلا يتم اطراد القيد . انتهى باختصار

قلت : في حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً : (( مَنْ قَالَ : أسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُومُ وَأتُوبُ إلَيهِ ثلاثاً غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وإنْ كانَ فَارَّاً مِنَ الزَّحْفِ )) أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين وأقره المنذري وقال الذهبي : أبو سنان لم يخرج له البخاري [ يعني أنه من أفراد مسلم ]

قال الألباني في الصحيحة (6/1/507) برقم (2727)  : وهو كما قال وهو ثقة كسائر رجاله . انتهى

قلت : والفرار من الزحف من السبع الموبقات وقرن بالشـرك والسحر … الخ : فهذا الحديث يؤيد استدراك الصنعاني – رحمه الله – والله أعلم

30- هذا الثواب الموعود به يترتب على مجموع أمرين :

أحدهما : الوضوء على النحو المذكور .

والثاني : صلاة ركعتين بعده بالوصف المذكور بعده في الحديث ، والمرتب على أمرين لا يلزم ترتبه على أحدهما إلا بدليل خارج . وقد أدخل قوم هذا الحديث في فضل الوضوء ، وعليهم في ذلك هذا السؤال الذي ذكرناه  

ويجاب عنه : بأن يكون الشيء جزءاً مما يترتب عليه الثواب العظيم كاف في كونه ذا فضل . فالثواب المخصوص يترتب على مجموع الوضوء على النحو المذكور والصلاة الموصوفة بالوصف المذكور ، ومطلق الثواب قد يـحصل بمـا دون ذلك . انتهى من شرح ابن دقيق العيد

قلت : ورد في فضل الوضوء أحاديث كثيرة معلومة وفي الوضوء والصلاة بعده حديث بلال رضي الله عنه

وأما هذا الثواب المخصوص في هذا الحديث فلا يحصل إلا باجتماع الأمرين المذكورين فيه والله أعلم

 

تنبيه : وقع في رواية البخاري في الرقاق في آخر هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لاَ تَغْتَرُّوا )) قال العلماء – رحمهم الله – :

أي فتستكثروا من الأعمال السيئة بناءاً على أن الوضوء والصلاة تكفرها فإن الوضوء والصلاة التي تكفر بها الخطايا هي التي يقبلها الله تعالى وأنى للعبد إطلاع على ذلك

 

31- في رواية لهذا الحديث عند البخاري : ((  مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ  ثُمَّ جَلَسَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) قَالَ : وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (( لاَ تَغْتَرُّوا ))  وقد سبق ذكرها في روايات هذا الحديث

وقد ورد عن عثمان رضي الله عنه أحاديث في هذا الباب : منها ما أخرجه مسلم برقم (245) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ ))

 

ومنها ما أخرجه مسلم أيضاً برقم (229) : عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ : أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ نَاسًا يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثَ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ إِلاَّ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ : (( مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَكَانَتْ صَلاَتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً ))

ومنها عند مسلم أيضاً برقم (232) عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ : تَوَضَّأَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَوْمًا وُضُوءًا حَسَنًا ثُمَّ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ : (( مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ غُفِرَ لَهُ مَا خَلاَ مِنْ ذَنْبِهِ ))

وفي رواية : (( مَنْ تَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ فَصَلاَّهَا مَعَ النَّاسِ أَوْ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ ))

 

وفي صحيح الإمام مسلم برقم (231) عن عثمان رضي الله عنه قال : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ انْصـِرَافِنَا مِنْ صَلاَتِـنَا هَذِهِ – قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهَا الْعَصْرَ – فَـقَالَ : (  مَا أَدْرِي أُحَـدِّثُـكُمْ بِشَيْءٍ أَوْ أَسْكُتُ ) فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ خَيْرًا فَحَدِّثْنَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : (( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَطَهَّرُ فَيُتِمُّ الطُّهُورَ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيُصَلِّى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهَا ))

قلت : وقع في الحديث الذي أخرجه مسلم برقم (227) عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ عِنْدَ الْعَـصْرِ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَوْلاَ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (( لاَ يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ فَيُصَلِّي صَلاَةً إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ الَّتِي تَلِيهَا ))

قال عروة : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159]

 

 

الحديث الثامن

عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : (( شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؟ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ , فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكْفَأَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرِ , فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاثاً , ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ , فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاثاً بِثَلاثِ غَرْفَاتٍ , ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً , ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ , فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ , فَمَسَحَ رَأْسَهُ , فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ )) .

وَفِي رِوَايَةٍ : (( بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ , حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ , ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ))  

وَفِي رِوَايَةٍ : (( أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ ))

 

– أخرجه البخاري برقم (192)

– ومسلم برقم (235)

– وفي رواية للبخاري : (( مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً )) وهي عند مسلم  

وفي رواية : (( بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِى بَدَأَ مِنْهُ )) البخاري برقم (185) وهي عند مسلم

– وفي رواية : (( وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )) البخاري برقم (191)

– وفي رواية : (( فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَدْبَرَ بِهِ وَأَقْبَلَ )) البخاري برقم (199)

الفوائد والأحكام

1- قوله : ( شهدت عمرو بن الحسن سأل عبدالله بن زيد عن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ) فيه بيان ما كان عليه السلف الصالح من الاهتمام بأمر دينهم والتفقه فيه وأنهم لا يجدون غضاضة في السؤال والتثبت حتى وإن كانوا يعلمون ، وهم بذلك يعظمون ما عظم الله ويتتبعون محاب الله فنالوا السبق رحمهم الله ، وهم في ذلك يقتدون بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

أن العلم يؤخذ عن أهله وأنه يؤخذ كابراً عن كابر ولا يزال الخير في الناس ما كان علمهم عند أكابرهم والمقصود الأكابر في العلم والراسخين فيه وإن كانوا صغاراً في السن

2- قوله : (( فَدَعَا بِتَوْرٍ )) وفي رواية : (( تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ )) والتور هو الطست والصفر هو جيد النحاس ولذلك يقال له : الشَّبَه ، أي يشبه بالذهب في لونه وفي ثمنه

3- الحديث يدل على جواز استعمال آنية الصفر وإن كان غالياً وشبيهاً بالذهب وقد سبق بيان جواز استعمال جميع الأواني من أي مادة صنعت إلا ما استثنى

4- حديث : (( وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ الْعَبُوا بِهَا لِعْباً )) أخرجه أحمد برقم (8416) وأبو داود برقم (4236) وفيه ضعف وقد حسنه بعضهم

وقد قيل إنه منسوخ بحديث تحريم الذهب على الرجال وحله للنساء

وقيل إنه خاص بالنساء

5- قوله : ( فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلاَثاً بِثَلاَثِ غَرَفَاتٍ ) في كيفيتها خلاف  وظاهر الحديث أنه يأخذ غرفة فيتمضمض ويستنشق بها ثم يأخذ غرفة ثانية فيمضمض ويستنشق منها ثم الثالثة كذلك

 

6- قوله : ( وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ ) فيه دليل على جواز التكرار ثلاثاً في بعض الأعضاء ومرتين في بعضها

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء مرةً مرة وَمرتين مرتين وثلاثاً ثلاثا وبعضه ثلاثاً وبعضه مرتين ، فالأمـر فـيه سعة وكـل سـنـة والحمد لله

(( فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ ))

 

فأما لفظة : (( أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ )) في حديث عبدالله بن عمرو : أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثا ثم قال : ((  هَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ ))

فهي شاذة من حيث الإسناد فقد أثبتها أبو عوانة [ الوضاح ] ولم يذكرها سفيان الثوري

والقول قول سفيان فلا يعدل به أحد في زمانه فهي مخالفة للروايات الصحيحة في أنه توضأ مرةً مرة فكيف يقال : (( أَوْ نَقَصَ ))

 

 

قلت :  يعكر  على  ما  قيل  في  إسنادها  ما  ورد  في  مصنف  ابن أبي شيبة برقم (58) (1/257-258) تحقيق عوامة]  :  حدثنا أبو أسامة عن سفيان عن موسى ابن أبي عائشة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده … فذكره وفيه : (( أَوْ نَقَصَ ))

قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (1/229) لكن أبو أسامة وهو حماد بن أسامة وإن كان ثقة ثبتاً فقد قال الحافظ : ربما دلس وكان بآخرة يحدث من كتب غيره ولذا حكم عليها في المصدر السابق (1/230) بقوله : (( أَوْ نَقَصَ )) شاذ ووهم من أبي عوانة

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/405) شرح باب ما جاء في الوضوء في أول كتاب الوضوء : إن الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص فيه ، بل أكثرهم مقتصر على قوله : (( فَمَنْ زَادَ )) فقط

وقال أيضاً : إسناده جيد لكن عده مسلم في جملة ما أنكر على عمرو بن شعيب … وقيل : فيه حذف تقديره : من نقص من واحدة ، ويؤيده ما رواه نعيم بن حماد من طريق المطلب بن حنطب مرفوعاً : (( الْوُضُوءِ مَرَّة وَمَرَّتَيْنِ وثلاثاً فَإِنْ نَقَصَ مِنْ وَاحِدة أَوْ زَادَ عَلى ثَلاَثٍ فَقَدْ أخْطَأ )) وهو مرسل رجاله ثقات . انتهى

وقال السندي في حاشيته على ابن ماجه(1/164) : وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث : (( أَوْ نَقَصَ )) والمحققون على أنه وهم لجواز الوضوء مرةً مرة ومرتينِ مرتين . انتهى

 

7- وفي قوله : (( ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسِهِ )) دليل على أخذ ماء جديد لمسح الرأس وهو ثابت في صحيح مسلم برقم (236) قال : (( وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ )) من حديث عبدالله بن زيد بن عاصم

 

8- قوله : (( ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً ))

أما قوله : (( فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ )) فقد ورد معناه أيضاً في حديث علي رضي الله عنه كما في سنن أبي داود برقم (112) وهو حديث صحيح ولفظه : (( ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ مُقَدَّمَهُ وَمُؤَخَّرَهُ مَرَّةً ))

 

وفي حديث المقدام بن معدي كرب قال : (( رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ )) أخرجه أبو داود برقم (122) وهو صحيح أيضاً

 

وفي حديث معاوية رضي الله عنه عند أبي داود برقم (124) قال : (( فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ )) وهو حديث صحيح أيضاً

 

وهذه الصفة الثابتة بهذه الأحاديث الصحيحة تدل على وجوب مسح الرأس بهذه الكيفية وسواء كان عليه شعر أو لا

ولا يعكر عليها ما رواه أبو داود برقم (126) والترمذي برقم (33) من حديث الرُّبَيِّع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنهما : (( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ بَدَأَ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ مُقَدَّمِهِ … )) الحديث

وقال الترمذي : حسن وحديث عبدالله بن زيد أصح من هذا وأجود إسناداً

قلت : في إسناد حديث الربيع عبدالله بن محمد بن عقيل وفيه ضعف ومع مخالفته لمن هو أقوى منه فلا تقبل مخالفته

قلت : والأحاديث الواردة تدل على عدم تكرار مسح الرأس وفي حديث عبدالله ابن عمرو بن العاص حيث قال صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ : ((  فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ ))

 

قال الحافظ رحمه الله في الفتح (1/510) شرح الحديث (192)  : في رواية سعيد بن منصور التصـريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة ، فدل على أن الزيادة عليها في مسح الرأس غير مستحبة ، ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح إن صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس جمعاً بين هذه الأدلة . انتهى

 

9- قلت : الأحاديث الصحيحة المتكاثرة على أن مسح الرأس مرة واحدة وما خالف ذلك فيعتبر شاذ وألمح إلى ذلك أبو داود – رحمه الله

 

10- أفادت لفظة : (( بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِى بَدَأَ مِنْهُ )) أن المشروع أن يبدأ المتوضئ بمقدم رأسه حتى يذهب بيديه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه

وهذه الرواية تعتبر تفسيراً للرواية الأولى وهي قوله : (( فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ ))

فإن الواو لا تفيد الترتيب ويكون المعنى كما في رواية في البخاري : (( فَأدْبَرَ بِيَدَيْهِ وَأَقْبَلَ ))

 

 

 

الحديث التاسع

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ  وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ ))

 

– أخرجه البخاري في مواضع ومنها :

في كتاب : الوضوء باب : التيمن في الوضوء والغسل برقم (168) وهذا لفظه

– ومسلم في كتاب : الطهارة – باب : التيمن في الطهور وغيره برقم (268) ولفظه قالت : (( إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ إِذَا تَطَهَّرَ وَفِي تَرَجُّلِهِ إِذَا تَرَجَّلَ وَفِي انْتِعَالِهِ إِذَا انْتَعَلَ ))

 

 

الفوائد والأحكام

1- الياء والميم والنون على هذا الترتيب يرجع إليها : اليُمْنُ بمعنى البركة ، واليمين ضد اليسار واليَمن الإقليم المعروف ، ويقال تيمن إذا سار جهة اليمين وسمي اليمن يمناً لأنه على يمين الكعبة لمن وقف على بابها مستقبلاً المشرق

 

2- ورد في شرف اليمين قوله تعالى : {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة:27]

وقوله تعالى : {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ } [مريم:52]

ومنه إعطاء أهل السعادة كتبهم بأيمانهم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ … )) أخرجه مسلم برقم (1827) 

ومنه قوله تعالى : {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } [التحريم:8]

 

3- التنعل : لبس النعل ، والترجل : تسريح الشعر ودهنه

في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ )) أخرجه ابن عبدالبر في التمهيد (24/10) وأبو داود  برقم (4163)

 

عن عبدالله بن مغفل رضي الله عنهما قال : (( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّرَجُّلِ إِلاَّ غِبًّا )) أخرجه أبو داود برقم (4159) والترمذي برقم (1756) وقال : حسن صحيح وهو في سنن النسائي الكبرى برقم (9315)

وعند النسائي برقم (5055) بسند صحيح وأخرجه أبو داود من وجه آخر بسند صحيح أيضاً :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ : ( كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ  النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  عَامِلاً  بِمِصـْرَ  فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَإِذَا هُوَ شَعِثُ الرَّأْسِ مُشْعَانٌّ ، قَالَ : مَا لِي أَرَاكَ مُشْعَانًّا وَأَنْتَ أَمِيرٌ ؟ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْهَانَا عَنِ الإِرْفَاهِ . قُلْنَا : وَمَا الإِرْفَاهُ ؟ قَالَ : التَّرَجُّلُ كُلَّ يَوْمٍ )

وفي سنن النسائي برقم (238) عن حميد بن عبدالرحمن الحميري قال : لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة – أربع سنين – قال : ((  نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ )) وإسناده صحيح

 

4- الحديث فيه فضيلة البدء باليمين على اليسار في الوضوء ، وفي سنن أبي داود برقم (4141) بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا لَبِسْتُمْ وَإِذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِأَيَامِنِكُمْ ))

5- نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على استحباب التيمن وأن ذلك من باب الأفضلية لا الوجوب وممن نقل الإجماع ابن المنذر في الأوسط (1/387)  وابن عبدالبر في الاستذكار (2/21) وابن قدامة في المغني (1/153) والنووي في شرح مسلم (3/163)

وقد خالف الشيعة كما في شرح مسلم ولا يعتبر بخلافهم ، وخالف أيضاً ابن حزم كما في المحلى مسألة رقم (206)

قال ابن المنذر في الأوسط في الموضع السابق : وأجمعوا على أن لا إعادة على من بدأ بيساره في الوضوء قبل يمينه ، وروينا عن علي وابن مسعود أنهما قالا : ( لا تبالي بأي يد بدأت )

قلت : إن صحت دعوى الإجـمـاع وإلا فالأصل في الأوامر الوجوب كما هو معلوم

6- ذكر غير واحد في معنى هذا الحديث دخوله في باب التفاؤل بالألفاظ والأفعال الحسنة وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل

 

7- يؤخذ من هذا الحديث احترام اليمين وإكرامها فلا تستعمل في إزالة شيء من الأقذار ولا في شيء من خسيس الأعمال ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء باليمين وعن مس الذكر باليمين  

8- قاعدة الشرع أن ما كان من باب التكريم والتشريف فيستحب التيامن فيه وأما ما كان بضده فيستحب التياسر فيه

فقد ورد استعمال اليسار في الاستنثار في الوضوء في حديث علي في صفة الوضوء وترجم عليه النسائي وقد سبق وأنه نثر بيده اليسرى

وورد التيامن في الوضوء كما في هذا الحديث

واستحباب التيامن في الوضوء لا يختص به فإنه قد ثبت البداءة بالشق الأيمن على الشق الأيسر في الغسل كما في حديث أم عطية رضي الله عنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم لهن في غسل ابنته : (( ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا )) أخرجه البخاري في كتاب : الوضوء باب : التيمن في الوضوء والغسل برقم (167) ومسلم برقم (939)

وفي صحيح البخـاري في كتاب : اللـباس باب : ينزع نعله اليسـرى برقـم (5517) ومسلم في كتاب : اللباس والزينة باب : استحباب لبس النعل في اليمنى أولاً برقم (2097)  حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ ، لِتَكُنِ الْيُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ ))

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال :  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا أَكَلَ  أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ  فَلْيَشْرَبْ  بِيَمِينِهِ  فَإِنَّ  الشَّيْطَانَ  يَأْكُلُ  بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ  بِشِمَالِهِ )) أخرجه مسلم برقم (2020) والترمذي برقم (1800) وابن حبان برقم (5226)  

وفي حـديث أبي قـتادة رضي الله عنه : (( أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُعْـطِيَ الـرَّجُـلَ بِشِمَـالِهِ أَوْ يَأخُذَ بِهَا … )) الحديث أخرجه ابن حبان برقم (5228) وإسناده صحيح

 

 

ومن ذلك مناولة الشراب للأيمن فالأيمن ففي صحيح البخاري في كتاب : الأشربة باب : الأيمن فالأيمن في الشرب برقم (5619) ومسلم في كتاب : الأشربة باب : استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ برقم (2029) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ فَـشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِيَّ وَقَالَ : (( الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ ))

 

وفي حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أخرجه البخاري في مواطن أحدها الموطن السابق برقم (5620) ومسلم في الوضع السابق برقم (2030) :  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ : (( أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِىَ هَؤُلاَءِ )) فَقَالَ الْغُلاَمُ : لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا ، قَالَ : فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَدِهِ

 

9- اختلف في السواك هل يكون باليمين أم باليسار وسبب الخلاف هل هو من باب التكريم لقوله صلى الله عليه وسلم: (( السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِ )) أم هو من باب إزالة القذر ؟

فعند الشافعي كما في شرح مسلم للنووي (3/160-161) وكذلك شرح ابن الملقن وغيرها أن الاستياك باليمين هو الأفضل حتى قال بعضهم إن الاستياك باليسار فعل الشيطان

وعند الإمام أحمد كما في رواية الكوسج أن الاستياك باليسار هو السنة ونقله ابن تيمية في الفتاوى (21/108) وقال : وما علمنا أحداً من الأئمة خالف في ذلك

قلت : هذا عجيب وقد ذكرنا خلاف الشافعية عن النووي وغيره  

قلت : في حديث عائشة رضي الله عنها وهو حديث الباب في سنن أبي داود برقم (4140) قالت : ((  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَنَعْلِهِ وَسِوَاكِهِ ))

وقد انفرد بها مسلم بن إبراهيم وهو من الثقات الأثبات من بين من روى هذا الحديث وقد صححها بعضهم على أنها زيادة ثقة غير مخالفة ، وضعفها بعضهم لتفرده من بين جميع من روى هذا الحديث

قلت : فإن صحت فهي فاصلة للخلاف في أن السواك باليمين ، والله أعلم