شروح الحديث

إسعاد الاخوان الكرام بفوائد عمدة الأحكام

 

 

الحديث العاشر

عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : (( إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ )) فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ

 وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ : (( رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إلَى السَّاقَيْنِ ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرَّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ )) فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ فَلْيَفْعَلْ

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ : سَمِعْتُ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (( تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنْ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ ))

 

 

 

الفوائد والأحكام

1- الغُر بالضم بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم

2- التحجيل بياض في اليدين والرجلين من الفرس ، وأصله من الحجل وهو الخلخال والقيد ولابد أن يجاوز التحجيل الأرساغ ولا يجاوز الركبتين والعرقوبين

3- المراد بالأمة في هذا الحديث أمة محمد صلى الله عليه وسلم المؤمنون خاصة  

4- قال بعض من ألف في غريب القرآن : أمة على ثمانية أوجه :

1- أمة : جماعة كقوله تعالى : { أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} [القصص:23]

2- أمة : أتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما نقول : أمة محمد صلى الله عليه وسلم

3- أمّة : رجل جامع للخير يُقتدى به كقوله تعالى : {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً} [النحل:120]

4- أمّة : دين وملة كقوله تعالى : {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ } [الزخرف:22]

5- أمّة : حين وزمان كقوله تعالى : {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} [هود:8]

وقوله تعالى : { وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } [يوسف:45]  يعني : بعد حين

6- أمّة : قامة يقال فلان حسنُ الأمة أي القامة  

7- أمّة : رجل منفرد بدين لا يشركه فيه أحد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يُبْعَثُ زَيْدَ ابْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أُمَّةً وَاحِدَةً )) النسائي في الكبرى وغيره وروي عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم

8- أمّة : أمّ يقال أمّة زيد وهذا فيه رد على من زعم أن في اللغة مجاز

5- كون المؤمنين يأتون غراً محجلين يوم القيامة هو النور الذي يعلو أعضاء الوضوء

 

6- قال الله تعالى : {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [التحريم:8]

 

7- قوله صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ )) ظاهر في اختصاصهم بذلك دون سائر الأمم وقد ورد مصرحاً به في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إِنَّ حَوْضِي أَبْعَدُ مِنْ أَيْلَةَ مِنْ عَدَنٍ لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ بِاللَّبَنِ وَلآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النُّجُومِ وَإِنِّي لأَصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَصُدُّ الرَّجُلُ إِبِلَ النَّاسِ عَنْ حَوْضِهِ )) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنَا يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : (( نَعَمْ لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لأَحَدٍ مِنَ الأُمَمِ تَرِدُونَ عَلَىَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ )) أخرجه مسلم برقم (247) وأخرج البخاري بعضه

وفي رواية عند مسلم : (( لَيْسَتْ لأَحَدٍ غَيْرِكُمْ ))

وعند الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/40) :  ((  وَلا يَأتِي أَحَدٌ مِنْ الأُمَمِ كَذَلِكَ ))

 

8- استدل بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة ، والصحيح أن الوضوء كان في الأمم السابقة لحديث جريج الراهب ولقصة سارة امرأة إبراهيم عليه السلام مع الطاغية وهي في الصحيح

وأما حديث : (( هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي )) فهو حديث ضعيف

فالغرة والتحجيل من خصائص هذه الأمة وهذا الذي يدل عليه حديث الباب

 

9- يستدل بهذا الحديث على أن تارك الصلاة كافر لأنه لا صلاة إلا بوضوء ومن ليس له غرة ولا تحجيل فليس له وضوء والـمقصود من تركه عمـداً بعـد وجوبه عليه

 

10- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه الشيخان في صحيحيهما وهو ظاهر في أن قوله : (( فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ )) مرفوع من جملة الحديث

ومن الغريب أن بعض العلماء أدّعى كونه مدرجاً من كلام أبي هريرة واستدلوا بما رواه أحمد من طريق فُليح عن نعيم [ يعني المجمر ] وفي آخره قال نعيم : لا أدري قوله : (( مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ )) من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة رضي الله عنه

والغريب كيف يستدلون برواية فليح بن سليمان – وهو وإن أخرج له الشيخان إلا أن الأكثرين على تضعيفه – على رد رواية عمارة بن غزيّة وسعيد بن أبي هلال وهما أوثق منه بكثير وكلاهما روياه من دون تردد وشك في حين أن فليح لم يجزم بأنه من كلام أبي هريرة ، فروايتهما مقدمة من دون شك كما هو صنيع الشيخين

وأغرب من ذلك أن بعضهم ذكر تقوية لراوية فليح هذه : رواية ليث ابن أبي سليم عن كعب عن أبي هريرة عند أحمد [ برقم (8524) ] وفيه هذه الجملة ومعلوم أن ليثاً متروك الحديث لا يصلح في المتابعة ولا في الشواهد فكيف يرد رواية الثقات بمثله !!

والحاصل أن اتفاق صنيع الشيخين مقدم على كل من أعل الحديث ، فهو مرفوع كله . انتهى شرح الإثيوبي لمسلم بتصرف (6/316-317)

 

11- قد استعمل أبو هريرة رضي الله عنه الحديث على إطلاقه

 

12- وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف (1/424) برقم (609) حدثنا وكيع عن العمري عن نافع عن ابن عمر : ( أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا بَلَغَ بِالْوُضُوءِ إبِطَهُ فِي الصَّيْفِ )) 

والعمري هو عبدالله المكبر قال الترمذي في سننه : ليس بالقوي عند أهل الحديث وهو صدوق  

وقال ابن عدي : لا بأس به في رواياته وإنما قالوا : لا يلحق أخاه عبيدالله وإلا فهو في نفسه صدوق لا بأس به  

وقال الذهبي في الميزان (2/ برقم 4472) : صدوق في حفظه شيء

وسأل عثمان الدارمي شيخه ابن معين : عبدالله العمري ما حاله في نافع ؟ فقال : صالح . انتهى من حاشية المصنف بتصرف يسير

 

 

 

 

13- في مسند أحمد برقم (17693) (29/237) وسنن الترمذي برقم (607) بإسناد صحيح على شرط مسلم عَنْ عَبْدِاللَّهِ ابْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : (( مَا مِنْ أُمَّتِي مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَأَنَا أَعْرِفُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) قَالُوا : وَكَيْفَ تَعْرِفُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَثْرَةِ الْخَلاَئِقِ ؟ قَالَ : (( أَرَأَيْتَ لَوْ دَخَلْتَ صَبْرَةً فِيهَا  خَيْلٌ  دُهْمٌ  بُهْمٌ  وَفِيهَا  فَرَسٌ  أَغَرُّ  مُحَجَّلٌ  أَمَا  كُنْتَ  تَعْرِفُهُ مِنْهَا ؟ ))  قَالَ : بَلَى . قَالَ : (( فَإِنَّ أُمَّتِي يَوْمَئِذٍ غُرٌّ مِنَ السُّجُودِ مُحَجَّلُونَ مِنَ الْوُضُوءِ ))

وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة برقم (2836) ومحقق المسند

قلت : وهو يحتمل أن الغرة في الوجوه بسببين والتحجيل في الأرجل بسبب واحـد

 

14- اختلف العلماء في الزيادة في الوضوء في الوجه واليدين والرجلين :

فذهب مالك وأهل المدينة إلى عدم استحباب مجاوزة محل الفرض وهو رواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم

وذهب الأئمة أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأصحابهم إلى استحباب مجاوزة الفرض في الوضوء ، والراجح مذهب الجمهور لقوة دليلهم وعمل الصحابيين الجليلين رضي الله عنهم جميعاً

وإمكانية الرد على تعليلات المخالفين وعدم وجود دليل مخالف وبالله التوفيق

 

15- واختلف من قال بالزيادة في القدر المستحب من التطويل فقيل إلى المنكب والركبة وقد ثبت وقيل إلى نصف العضد والساق

قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في التعليق على الفتح (1/410) برقم (136) : الأصح في هذه المسألة مشروعية الإطالة في التحجيل خاصة وذلك بالشـروع في العضد والساق تكميلاً للمفروض من غسل اليدين والقدمين كما صرح أبو هريرة برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم . انتهى

 

 

 

 

 

الحديث الحادي عشر

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلاءَ قَالَ : (( اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ ))

 

البخاري في الوضوء باب : ما يقول عند الخلاء برقم (142)

– ومسلم في الحيض برقم (375)

– وفي رواية عند مسلم : (( أَعُوذُ بِاللَّهِ ))

– وفي بعض ألفاظ البخاري : ((إِذَا أَتَى ))

– وفي لفظ عند البخاري أيضاً : (( إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ )) وهما معلقان

 

 

الفوائد والأحكام

1- الاستطابة : طلب الطيب بإزالة الأذى عن المخرجين بالماء مع الحجارة وهذا أتم وأكمل وإلا بالماء وحده وإلا بالحجارة وما يقوم مقامها من المنقيات

 

2- قال ابن مفلح (1/125) قال في الخلاف وغيره : قال أهل اللغة : يقال : استطاب وأطاب إذا استنجى

من آداب قضاء الحاجة :

الابعاد عن أعين الناظرين بحيث لا يُر ولا يسمع صوت خارجه وفي الحديث : (( كَانَ إِذَا أَرَادَ الْمَذْهَبِ أَبْعَدَ ))

ومنها : الستر بحيث لا يكشف عورته حتى يدنو من الأرض

ومنها : اتقاء المواضع المنهي عنها :

طرق الناس وأفنيتهم وظل الأشجار التي يرتادها الناس والأنعام وتحت الأشجار المثمرة وموارد المياه والماء الراكد والجحرة  

ومنها : أن يستعيذ بالله قبل جلوسه

ومنها : أن يستعد بما يزيل النجاسة من ماء أو حجارة وألا تقل الحجارة عن ثلاثة أحجار

ومنها : عدم ذكر الله أثناء قضاء الحاجة

ومنها : أن لا يُكلم أحداً أثناء قضاء الحاجة إلا لما لابد منه

ومنها : أن لا يمس ذكره بيمينه وكذلك الدبر وفرج المرأة لأنه لا فرق

ومنها : أن لا يستنجي باليمين كما في حديث سلمان رضي الله عنه

ومنها : أن لا يستقبل القبلة أثناء قضاء الحاجة

ومنها : ألا يستنجي برجيع ولا عظم ولا ما فيه كلام محترم ولا بشيء من الطعام

 

3- قال أبو عبيد : يقال لموضع الغائط : الخلاء والمذهب والمرفق والمرحاض والكنيف ، وفي رواية لهذا الحديث عند مسلم : (( كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ )) وهو بمعنى الخلاء وسمي بذلك لأنه يكنف من دخله ويستره .

انتهى من غريب الحديث لابن الجوزي (1/367) وانظر كشف اللثام (1/177) ولم أجده في غريب الحديث لأبي عبيد

 

4- الخلاء بالمد : المكان الخالي كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة ، ثم كثر حتى عبر به عن الحاجة نفسها والكنيف كما سبق بيانه وعبر بلفظه عن قضاء الحاجة نفسها ، وكذلك الحش ، المرحاض

5- قوله : (( إِذَا دَخَلَ )) أي أراد الدخول كما ورد مصرحاً به في بعض روايات هذا الحديث وهو من باب قوله تعالى : {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98]

وقوله تعالى : {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا } [المائدة:6] ومعناهما إذا أردتم القراءة وإذا أردتم القيام إلى الصلاة

 

6- قوله : (( كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ )) قال مسلم : وفي حديث هشيم : (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ … ))

7- قال البخاري رحمه الله – عقب إيراد حديث الباب برقم (142) : وقال سعيد بن زيد  [قلت : هو أخو حماد بن زيد] قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ : (( إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ )) ووصله في الأدب المفرد برقم (692) فقال : حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قاَلَ : حَدَّثَنِي أَنَس قَالَ : (( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ قَالَ : (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ ))

وهو حديث صحيح وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله

8- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله – في الفتح (1/422) : وقد روى العمري هذا الحديث من طريق عبدالعزيز بن المختار عن عبدالعزيز بن صهيب بلفظ الأمر قال : (( إِذَا دَخَلْتُمْ الْخَلاَءَ فَقُولُوا : بِسْمِ اللهِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ)) وإسناده على شرط مسلم . انتهى

وزيادة التسمية ورد أيضاً في حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمُ الْخَلاَءَ أَنْ يَقُولَ : بِسْمِ اللَّهِ ))

وقال الترمذي : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده ليس بذاك القوي ، وقد روي عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أشياء في هذا ، وأخرجه ابن ماجة برقم (297)

قلت : وقد صححه الشيخ الألباني – رحمه الله – في الإرواء(1/89-90) برقم (50) بمجموع طرقه

وقال  في منتقى  الأخبار  (1/67)  برقم  (75)  :  ولسعيد  بن  منصور  في  سننه : (( كَانَ يَقُولُ : بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ ))

 

9- في حديث أنس رضي الله عنه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلاَءَ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ )) وإسناده صحيح وصححه العلامة الألباني – رحمه الله – في صحيح سنن أبي داود (1/26) برقم (4)

 

10- قوله : (( كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم )) كان هي التي تدل على الملازمة والمداومة

11- قوله : ((إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمُ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلاَءَ )) والمقصود مكان قضاء الحاجة لأن ذكر الله في الخلاء الذي هو بمعنى المكان الخالي يجوز بلا خلاف

وأما الذكر في مكان قضاء الحاجة أو حال قضاء الحاجة ففيه خلاف

12- أجمع أهل العلم على استحباب الاستعاذة عند إرادة الدخول في الخلاء لقضاء الحاجة عملاً بهذه الأحاديث الصحيحة

13- قوله : (( إِذَا دَخَلَ )) :

أ- هل يختص هذا الذكر بالأمكنة المعدة لذلك لكونها تحضرها الشياطين كما ورد في حديث زيد بن أرقم الذي سبق أو يشمل حتى لو بال في إناء مثلاً في جانب البيت ؟

الأصح الثاني لتعليل الأمر بحضور الشياطين والجن هذه الأماكن وحال كشف عورات بني آدم

ب- متى يقول ذلك ؟

جمهور العلماء الذين يكرهون ذكر الله حال قضاء الحاجة يقولون : أنه يقول الذكر في الأماكن المعدة لذلك قبل الدخول إليها ، وأما في الخلاء فيقوله في أول الشروع كتشمير الثياب مثلاً وقالوا فيمن نسي : يستعيذ بقلبه لا بلسانه

وأما من يجيز الذكر حال قضاء الحاجة فلا يحتاج إلى تفصيل المسألة

 

14- ظاهر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بهذه الاستعاذة حتى يسمعها من حوله لأنها لو لم تُسمع لم تنقل

 

15- استعاذته صلى الله عليه وسلم : تعبداً لله وتعليماً لأمته وأخذاً بالأسباب الدافعة للشرور

 

16- قوله : (( اللَّهُمَّ )) أي : يا الله ، فالميم عوض عن ياء النداء ، ولهذا لا يجمع بينهما في اختيار الكلام ، لأنه ورد في ضرورات الشعر

 

17- أعوذ عوذٌ وعياذٌ ومعاذ . ومعنى الاستعاذة : الاستجارة والاعتصام ، فمعنا أعوذ بالله : استجير بالله وأعتصم به  

 

18- قال ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد : اعلم أن لفظة عاذ وما تصرف منها تدل على التحرز والتحصن والالتجاء وحقيقة معناها الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه ولهذا سمي المستعاذ به : مَعاذاً كما يسمى ملجأ وفي الحديث لما دخل عليه الصلاة والسلام على ابنة الجون فوضع يده عليها قَالَتْ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ : (( لَقَدْ عُذْتِ بِمَعاذٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ )) أخرجه البخاري برقم (4956)

 

19- الخبْث ، الخبُث : كلا اللفظين صحيح وقد أنكر الخطابي التسكين فأُنكر عليه ذلك بثبوتها في الروايات الصحيحة عن الشيوخ الأثبات

 

20- الخبْث : بإسكان الباب قال أبو عبيد (2/192) : هو الشر

وقال ابن الأنباري : هو الكفر

الخبائث : الشياطين

وقال الداودي : الخبث الشيطان والخبائث المعاصي ، قال : وقد قيل : الخبائث : إناث الجن ، والخبُث بضم الباب ذكورهم جمع خبيث . انتهى النهاية في غريب الحديث (2/6) ولسان العرب مادة خبث

21- ومناسبة الاستعاذة بالله منهم في هذه الحالة أن سنة الله تعالى اقتضت أن للشيطان قدرة تسلط في الخلاء ما ليس له في الملأ فقد أخرج أحمد وأبو داود  والترمذي بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلاَثَةُ رَكْبٌ )) 

وأيضاً فإن هذه الأماكن مكان للنجاسة وهي أماكن مأوى للشياطين ومستهوى لهم

وأيضاً فإنها حال تكشف فيها العورات للضرورة وحال لعدم ذكر الله فناسب الاستعاذة بالله قبل الولوج إليها

22- قال الإمام أحمد رحمه الله – : ما دخلت المتوضأ ولم أقلها إلا أصابني ما أكره . ذكره في المغني (1/228) وانظر كشف اللثام

23- اختلف العلماء في جواز ذكر الله تعالى على الخلاء فروي عن ابن عباس أنه كره أن يذكر الله تعالى عند الخلاء وهو قول عطاء ومجاهد والشعبي

واستدلوا بما رواه مسلم برقم (370) وأبو داود برقم (16) عن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ : (( مَرَّ رَجُلٌ عَلَى  النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ))

 

 وأخرج أبو داود برقم (17) بسند صحيح عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ : (( إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ عَلَى طُهْرٍ )) أَوْ قَالَ : (( عَلَى طَهَارَةٍ ))

وأجاز ذلك جماعة ، روى ابن وهب : ( أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ  تَعَالى فِي الِمرْحَاضِ )

وقد أورد ابن أبي شيبة – رحمه الله – في مصنفه (2/67) بأسانيد صحيحة عن الشعبي وإبراهيم والحسن وابن سيرين وأبي إسحاق وابن أبي مليكة : في الرجل يعطس على الخلاء ؟ قالوا جمعياً : يحمد الله

وقال عكرمة : لا يذكر الله بلسانه بل بقلبه . ذكره العيني (2/254)

 

24- ذهب الشافعية والحنابلة إلى كراهة الكلام أثناء قضاء الحاجة لحديث جابر ابن عبدالله رضي الله عنهما وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا تَغَوَّطَ اَلرَّجُلَانِ فَلْيَتَوَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَتَحَدَّثَان فَإِنَّ اَللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ ))

قال ابن حجر في البلوغ : رواه ابن السكن وابن القطان وهو معلول

قلت : أعل بالإرسال والاضطراب ولكن له شاهد فهو حديث حسن على أقل أحواله

 

وهذه الكراهة إذا كان الكلام لغير حاجة ، فأما إذا كان لحاجة كأن يرشد أحداً أو كلمه أحد لابد أن يرد عليه أو كان له حاجة في شخص وخاف أن ينصرف أو طلب ماء ، فلا بأس بالكلام

قال النووي رحمه الله – في المجموع (2/89) : ثم هذه الكراهة التي ذكرها المصنف والأصحاب كراهة تنزيه لا تحريم بالاتفاق . انتهى

وقال ابن المنذر رحمه الله – في الأوسط (1/341-342)  : وترك الذكر أحبُّ إليّ ولا أوثم من ذكر ، والله أعلم . انتهى

25- يسن للمتخلي إذا خرج أن يقدم رجله اليمنى خروجاً ويقول : ( غُفْرَانَكَ ) لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها  قَالَتْ : كَانَ  النَّبِيُّ  صلى الله عليه وسلم  إِذَا  خَرَجَ  مِنَ  الْخَلاَءِ  قَالَ : (( غُفْرَانَكَ )) أخرجه أبو داود والترمذي وقال : حسن غريب وأخرجه ابن ماجه والإمام أحمد (6/155) 

وَعَنْ أَنَسِ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ قَالَ : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنِّي الأَذَى وَعَافَانِي )) أخرجه ابن ماجه برقم (301) وذكره ابن تيمية – رحمه الله – في شرح العمدة (1/139) عن أحمد وهو حديث ضعيف  

26- قوله : (( غُفْرَانَكَ )) أي : أطلب غفرانك ، قيل لتركه الذكر حال قضاء الحاجة لأنه صلى الله عليه وسلم : (( كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ )) فاعتبر تركه الذكر في تلك الحالة تقصيراً يستغفر الله منه وهذا ليس ذنباً ولكن أهل المناصب العالية في التقوى يفعلون هذا  

وقيل للتقصير في شكر نعمة الله عليه بإقداره على إخراج ذلك الأذى

الحديث الثاني عشر

عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (( إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ , فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ , وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا , وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا ))  قَالَ أَبُو أَيُّوبَ :  فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا  وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ   

– أخرجه البخاري برقم (144)

– ومسلم برقم (264)

 

 

الحديث الثالث عشر

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما قَالَ : (( رَقِيْتُ يَوْماً عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ , فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامَ , مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ ))

وَفِي رِوَايَةٍ (( مُسْتَقْبِلاً بَيْتَ الْمَقْدِسِ ))

 

– أخرجه البخاري برقم (145)

– ومسلم برقم (266)

 

الفوائد والأحكام

1- ورد في تعظيم الكعبة آيات وأحاديث فالآيات :

قوله تعالى : {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً …} [آل عمران:96-97]

وقوله تبارك وتعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[الحج:25-26]

وقال عز وجل : {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة:125-126]

وقال سبحانه : {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } [البقرة:144]

 

والأحاديث منها هذان الحديثان ومنها :

– حديث أبي ذر رضي الله عنه في البخاري برقم (3366) ومسلم برقم (520) قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ : (( الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ  )) … الحديث

– وحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (( نَزَلَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ )) أخرجه الترمذي برقم (877)  

وللنسائي قال : (( الْحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ ))

– ومنها  :  حديث  أَبِي  هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى )) أخرجه البخاري برقم (1189) ومسلم برقم (1397)  

– ومنها : أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ )) أخرجه البخاري برقم (1190) ومسلم برقم (1394)

– ومن ذلك : ما ورد في سنن أبي داود برقم (2875) من حديث عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ ؟  فَقَالَ  :  (( هُنَّ  تِسْعٌ ))  فَذَكَرَ  مَعْنَاهُ  [ يعني معنى حديث أبي هريرة : (( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ )) ] زَادَ : (( وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَاسْتِحْلاَلُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا )) وإسناده حسن

 

2- الغائط : المكان المطمئن وقد كانوا يرتادونه لقضاء الحاجة فعبر عنها به تنزيهاً عن ذكر الخارج بلفظه كالخلاء والكنيف والحش والمذهب ، وهذا على عادتهم في ترك ما يستقبح التلفظ به من الألفاظ

3- مَراحيض ، بفتح الميم جمع مِرحاض بكسر الميم وهو البيت المتخذ لقضاء حاجة الإنسان ، أي للتغوط

4- قوله : (( إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ )) في قضاء الحاجة كيف كان سواءً كان للخارج من الدبر أو من القبل لأن النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عام في جميع صور قضاء الحاجة ويوضح ذلك قوله : (( بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ )) وإن كان الغائط يطلق خاصة على الخارج من الدبر ، ولكن هنا يراد به العموم

5- قوله : (( إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ )) يتضمن أمرين :

أحدهما : خروج الخارج المستقذر

والثاني : كشف العورة

فمن الناس من قال المنع من أجل الخارج لمناسبته لتعظيم القبلة عنه ويستدلون بحديث سراقة وسيأتي

ومنهم من قال : المنع من أجل كشف العورة ويستدلون بأثر ضعيف فيه ذكر الملائكة والجن ولفظه : عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي عِيسَى [ قلت : وهو الحناط ] قَالَ قُلْتُ : لِلشَّعْبِيِّ  عَجِبْتُ  لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : وَمَا قَالاَ ؟ قُلْتُ : (( قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا ))  وَقَالَ  نَافِعٌ  عَنِ  ابْنِ  عُمَرَ : (( رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ مَذْهَبًا مُوَاجِهَ الْقِبْلَةِ )) فَقَالَ : ( أَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَفِي الصَّحْرَاءِ إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى خَلْقًا مِنْ عِبَادِهِ يُصَلُّونَ فِي الصَّحْرَاءِ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوهُمْ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهُمْ وَأَمَّا بُيُوتُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَتَّخِذُونَهَا لِلنَّتْنِ فَإِنَّهُ لاَ قِبْلَةَ لَهَا ) وعيسى الحناط ضعيف بل قيل إنه متروك

قلت : وهذا الأثر أخرجه الدارقطني برقم (171) (1/97- من طبعة الرسالة ] وقال صاحب القبس (1/358) : لم يتعبدنا الله إلا بما نرى . انتهى

6- اختلف أهل العلم في علة النهي عن استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة من حيث المعنى فقيل الظاهر أنه لإظهار الاحترام والتعظيم للقبلة وهذا التعليل يقتضي المنع في الصحراء والبنيان ، واستدل من قال ذلك بحديث سراقة ابن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْبَرَازَ فَلْيُكْرِمْ قِبْلَةَ اللَّهِ  عَزّ وَجَلّ ))

قلت : وقد أخرجه الخطابي في غريب الحديث (2/559) عن محمد ابن هاشم نا الدبري عن عبدالرزاق أنا معمر عن سماك بن الفضل عن أبي راشد عن سراقة أنه كان يُعلم قومه : (( إذا أتى أحدُكم الغَائِط فليكرم قِبْلَةَ الله ولا يَسْتدبرها  وليتَّق مجالِسَ اللَّعن : الطريق والظِّلَّ واسْتَمْخِروا الرِّيحَ واسْتَشِبُّوا على سْوُقِكم وأعِدُّوا النَّبَل ))  وأورده الزيلعي في نصب الراية (2/103) مرفوعاً ونسبه إلى أبي جعفر الطبري في تهذيب الآثار وفي علل ابن أبي حاتم (1/509- من طبعة الحميد والجريسي برقم (75) ] قال : وسألت أبي عن حديث رواه أحمد بن ثابت فرخويه عن عبدالرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل عن أبي رشدين الجَنَدِي عن سراقة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلاَ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ … )) الحديث

قال أبي : إنما يروونه موقوفاً وأسنده عبدالرزاق بأخرة . انتهى

قلت : ورواه موقوفاً الطبراني في الأوسط برقم (5198) من طريق رباح بن زيد عن معمر به ورواه البخاري في التاريخ الكبير (3/353) برقم (1159) من طريق معتمر [ هكذا وأظنه معمر كما في المصادر السابقة ] عن سماك به موقوفاً  

وأورده الهيثمي في المجمع (1/204) وقال : إسناده حسن وهو في مجمع البحرين (1/292) برقم (351)

وفيه أيضاً حديث طاووس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْبَرَازَ فَلْيُكْرِمْ قِبْلَةَ اللَّهِ فَلاَ يَسْتَقْبِلْهَا وَلاَ يَسْتَدْبِرْهَا ثُمَّ لْيَسْتَطِبْ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ ثَلاَثَةِ أَعْوَادٍ أَوْ ثَلاَثِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ لْيَقُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَخْرَجَ عَنِّى مَا يُؤْذِينِي وَأَمْسَكَ عَلَىَّ مَا يَنْفَعُنِي )) أخرجه الدارقطني (1/91) برقم (156) (157) (158) من طرق عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن طاووس به مرسلاً  ، وزمعة بن صالح روى له مسلم مقروناً وضعفه أحمد ، وسلمة بن وهرام صدوق وتابعه طاووس

وقد أخرجه من طريق سفيان الثوري عن سلمة بن وهرام أنه سمع طاووساً يقول نحوه ولم يرفعه

قال علي [ يعني ابن المديني ] : قلت لسفيان : أكان زمعة يرفعه ؟ قال : نعم . فسألت سلمة عنه فلم يعرفه ، يعني لم يرفعه برقم (159) . انتهى 

وهو في معرفة السنن (1/334-335) من طريق الدارقطني  

قلت : فالحاصل أنه لا يثبت مرفوعاً

إذا كان المنع لتعظيم القبلة واحترامها فهل يقاس عليه حال الجماع والجلوس حال مد الرجلين إلى جهة القبلة وكذلك الجلوس مستدبر القبلة ؟

قلت : ورد في التستر حال الجماع والنهي عن التجرد أحاديث وأجمعها قوله صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ )) أخرجه الإمام أحمد برقم (17970) (29/483-484) وبرقم (17968) قبله وأخرجه أبو داود برقم (4013) وبرقم (4012) والنسائي برقم (406) (407) عن ىعلى بن أميه ، وإسناده صحيح  

وعن معاوية بن حيدة قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟ قَالَ : (( احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ )) قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ ؟ قَالَ : (( إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلاَ يَرَيَنَّهَا )) قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا ؟ قَالَ : (( اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ )) أخرجه أبو داود برقم (4017) في باب : ما جاء في التعري والترمذي برقم (2769) وقال : حديث حسن . وابن ماجه برقم (1920) والإمام أحمد (5/3-4)

وعلقه البخاري وصححه الحاكم وأقره الذهبي وقواه ابن دقيق العيد في الإلمام (2/126) وترجم له النسائي في العشرة بــ : ( نظر المرأة إلى عورة زوجها ) وإسناده حسن لأنه من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وهذا إسناد حسن

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا أَتَى أَحَدُكم أَهْلَه فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنّه إِذَا لم يَسْتَتِر اسْتَحْيَتِ الملائكةُ وَخَرَجَتْ وَحَضَرَتْ الشَّيَاطِينِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ كَانَ للشّيَطانِ فِيْهِ شَرِيكٌ )) أخرجه الطبراني في الأوسط (1/63) برقم (176)  وقال : لم يرو هذا الحديث عن يحي بن أبي كثير إلا أبو المنيب الجُرشي ولا عن أبي المنيب إلا عبيدالله بن زحر تفرد به يحي ابن أيوب . انتهى

قلت : وهو في مجمع البحرين برقم (2295) وأخرجه البزار كما في الكشف (2/169-170) وقال : لا نعلمه مرفوعاً إلا بهذا الإسناد عن أبي هريرة فقط وإسناده ليس بالقوي

وقال  الهيثمي  في  المجمع  (4/293) : وإسناد البزار ضعفه وفي إسناد الطبراني أبو المنيب صاحب يحي بن أبي كثير ولم أجد من ترجمه وبقية رجال الطبراني ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر . انتهى

قلت : أما أبو المنيب فهو الدمشقي الأحدب ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال العجلي : شامي تابعي ثقة

قلت : وأخرج له أبو داود وقال الذهبي في الكاشف : ثقة ووثقه ابن حجر أيضاً في التقريب

وعبيدالله بن زحر قال الذهبي : فيه اختلاف وله مناكير ضعفه أحمد وقال النسائي : لا بأس به ، وقال ابن حجر : صدوق يخطئ

 

وعن عتبة بن عبد السلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ وَلاَ يَتَجَرَّدْ تَجَرُّدَ الْعَيْرَيْنِ )) أخرجه ابن ماجه برقم (1921) وفي إسناده الأحوص بن حكيم قال الذهبي في الكاشف : ضُعف ، وقال ابن حجر : ضعيف الحفظ وكان عابداً

 

 

وعن عبدالله بن سرجس رضي الله عنه مرفوعاً : (( إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ وَلاَ يَتَجَرَّدا تَجَرُّدَ الْعَيْرَيْنِ )) أخرجه النسائي في الكبرى [8/205-طبعة الرسالة] برقم (8980) قال : أخبرنا محمد بن عبدالله بن عبدالرحيم قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن صدقة بن عبدالله عن زهير بن محمد عن عاصم الأحول عن عبدالله ابن سرجس به

وقال النسائي عقبه : هذا حديث منكر وصدقة بن عبدالله ضعيف وإنما أخرجته لئلا يجعل عمرو عن زهير . انتهى

 

قُلت : صدقة بن عبدالله السمين قال الذهبي في الميزان (2/310-311) : ضعفه أحمد والبخاري وقال أبو زرعة كان قدرياً ليناً ، وقال ابن نمير : ضعيف ، وقال أبو حاتم : محله الصدق أنكر عليه القدر فقط ، وروى يحي بن سعيد عن يحي ضعيف ، وكذا ضعفه النسائي والدارقطني ، وقال دحيم : محله الصدق غير أنه كان يشوبه القدر ، ووثقه سعيد بن عبدالعزيز وقال للأوزاعي : حدثني الثقة عندي وعندك صدقة ابن عبدالله ولم يتعقبه الأوزاعي ، وقال ابن عدي : أكثر أحاديثه مما لا يتابع عليه وهو إلى الضعف أقرب

قلت : وأورد له الذهبي هذا الحديث ثم قال : وزهير أيضاً ذو مناكير . انتهى بتصرف وإضافة

 

 

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ وَلاَ يَتَجَرَّدانِ تَجَرُّدَ الْعَيْرَيْنِ )) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم (14211) (14/348- 349) وقال : تفرد به مندل بن علي وليس بالقوي ، وهو وإن لم يكن ثابتاً فمحمود في الأخلاق ، وقال الشافعي : وأكره أن يطأها والأخرى تنظر لأنه ليس من التستر ولا محمود الأخلاق ولا يشبه العشرة بالمعروف وقد أمر أن يعاشرها بالمعروف . انتهى وانظر المعرفة برقم (4215)

وأخرجه البزار (5/118) برقم (1701) والطبراني برقم (10443) من طريق أبي غسان حدثنا مندل

وقال البزار : هذا حديث لا نعلم رواه عن الأعمش عن أبي وائل عن عبدالله إلا مندل وأخطأ فيه ، وذكر شريك أنه كان هو ومندل عند الأعمش وعنده عاصم الأحول فحدث عاصم عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ … )) وذكر الحديث مرسلاً

قلت : وصوب المرسل الدارقطني في العلل (5/109-110) برقم (757) وقال الهيثمي (4/293) : رواه البزار والطبراني وفيه مندل بن علي وهو ضعيف وقد وثق . انتهى

 

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ –  قال – وَلاَ يَتَعَرَّيَانِ تَعَرِّيَ الْـحَمِيرِ )) أخرجه الطبراني (8/292) برقم (7683) عن أحمد بن عبدالوهاب بن نجدة ثنا أبو المغيرة ثنا عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة … به وقال الهيثمي (4/294) وفيه عفير بن معدان وهو ضعيف  

قلت : المعنى ثابت وإن ضعفت بعض الأسانيد ، فإن التستر وخاصة حال الجماع هو الموافق للفطر السليمة والعشرة بالمعروف كما قال الشافعي رضي الله عنه وهو من صالح الأخلاق التي بعث رسولنا صلى الله عليه وسلم ليتممها ، ثم إن هذه الأحاديث بمجموعها يحصل قوة تدل على هذا الأصل وبالله التوفيق

قال الصنعاني رحمه الله – : ويحتمل أن المنع للأمرين ( يعني : الخارج المستقذر ، وأيضاً كشف العورة ) ولكل واحد على انفراده ، فلا تواجه القبلة بكشف العورة ولو في غير قضاء الحاجة ، ولا تواجه بإلقاء العذرة ( البول ) إليها ولو في غير قضاء الحاجة . انتهى

قال في الإحكام : وينبني على هذا الخلاف ، خلافهم في جواز الوطء مستقبل القبلة مع كشف العورة فمن علل بالخارج أباحه إذ لا خارج ، ومن علل بالعورة منعه . انتهى

قلت : الأحاديث وردت بالنص على البول والغائط وما زاد على ذلك يحتاج إلى دليل والله أعلم

 

7- قوله : (( شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا ))  هذا لأهل المدينة وما في سمتها ممن تكون القبلة في غير المشرق أو المغرب

فأما من كانت قبلته في جهة المشرق أو المغرب فلا يقال لهم شرقوا أو غربوا

والمراد بالقبلة المنهي عن استقبالها واستدبارها حال قضاء الحاجة هي الكعبة وقد ورد في مسند أحمد (29/382) برقم (17838) وسنن أبي داود برقم (10) وابن ماجه برقم (319) عن معقل بن أبي معقل الأسدي رضي الله عنه النهي عن استقبال بيت المقدس

ولكن الحديث في إسناده زيد مولى ثعلبة وهـو مجهول ومدار الـحديث عـليه وقـد ضعفه ابن حجر في الفتح (1/426) وقد روي بلفظ : (( نَهَى أَنَّ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ )) على الإفراد فيكون موافقاً للأحاديث الواردة في الباب بالنهي عن استقبال الكعبة واستدبارها ، ثم لو صح فإنما يقصد به أهل المدينة لأن استقبالهم لبيت المقدس هو استدبار للكعبة وبالله بالتوفيق

8- حديث أبي أيوب دليل صريح في تحريم استقبال القبلة واستدبارها في حال قضاء الحاجة

9- حمل حديث أبي أيوب على الصحاري مخالف لما حمله عليه أبو أيوب من العموم فإنه قال : (( فَأتَيْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبلَ الْقِبْلَةَ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ )) فرأى أن النهي يعم المراحيض وهي في البنيان وراوي الحديث أعرف بالمراد منه خاصة مثل أبي أيوب رضي الله عنه في علمه وفقهه ، فيرجح تفسيره على غيره

قال بعض الأصوليين ( القرافي ) : إن صيغة العموم إذا وردت على الذوات مثلاً أو على الأفعال كانت عامة في ذلك مطلقة في الزمان والمكان والأحوال والمتعلقات ، ثم يقولون : المطلق يكفي في العمل به صورة واحدة فلا يكون حجة فيما عداها ، فمثلاً يقولون : قوله تعالى : {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا } [النور:2]

قد حصل الامتثال بجلده صلى الله عليه وسلم لمن أتى ذلك في عصره فلا حجة فيه على جلد من أتى هذه الفاحشة بعده ، وكذلك : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } [المائدة:38]

وفي حديث أبي أيوب رضي الله عنه هذا يقولون مثل ذلك

قال ابن دقيق العيد : وهذا عندنا باطل ، بل الواجب أن ما دل على العموم في الذوات مثلاً يكون دالاً على ثبوت الحكم في كل ذات تناولها اللفظ ولا تخرج عنها ذات إلا بدليل يخصه فمن أخرج شيئاً من تلك الذوات فقد خالف مقتضى العموم ، نعم المطلق يكفي العمل به مرة كما قالوه ونحن لا نقول بالعموم في هذه المواضع من حيث الإطلاق ، وإنما قلنا به من حيث المحافظة على ما تقتضيه صيغة العموم في كل ذات ، فإن كان المطلق مما لا يقتضي العملُ به مرة واحدة مخالفة لمقتضى صيغة العموم اكتفينا في العمل به مرة واحدة وإن كان العمل به مرة واحدة مما يخالف مقتضى صيغة العموم قلنا بالعموم محافظة على مقتضى صيغته لا من حيث أن المطلق يعم

مثال ذلك : إذا قال : من دخل داري فأعطه درهماً ، فمقتضى الصيغة العموم في كل ذات صدق عليها أنها داخلة  

فإن قال قائل : هو مطلق في الأزمان فأعمل به في الذوات الداخلة الدار في أول النهار مثلاً ولا أعمل به في غير ذلك الوقت لأنه مطلق في الزمان ، وقد عملت به مرة فلا يلزم أن أعمل به مرة أخرى لعدم عموم المطلق

قلنا له لما دلت الصيغة على العموم في كل ذات دخلت الدار ومن جملتها الذوات الداخلة في آخر النهار ، فإذا أخرجت تلك الذوات فقد أخرجت ما دلت الصيغة على دخوله وهي كل ذات وهذا الحديث أحد ما يُستدل به على ما قلناه ، فإن أبا أيوب من أهل اللسان والشرع وقد استعمل قوله رضي الله عنه : (( لاَ تَسْتَقْبِلُوا وَلاَ  تَسْتَدْبِرُوا )) عاماً في الأماكن وهو مطلق فيها ، وعلى ما قال هؤلاء المتأخرون لا يلزم منه العموم ، وعلى ما قلناه يعم لأنه إذا أخرج عنه بعض الأماكن خالف صيغة العموم في النهي عن الاستقبال والاستدبار . انتهى من إحكام الأحكام (1/240-246)

10- الشام ، ويقال : الشآم بالمد ، ويقال : الشأم بالهمز ، وسمي بذلك لأن سام ابن نوح سكنه وهو كذلك بالسيرانية فلما عرف قيل الشام ، وقيل : لكثرة قُراه فهي كالشامات ، وقيل : لأنه عن شمال باب الكعبة لمن وقف عليه مستقبلاً المشرق وما كان عن يمينه فهو يمن

11- قوله : (( وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ )) منهم من قال : لباني الكنف ، وهذا غير مسلّم لأنها مبنية من قبل دخول المسلمين فلا يمكن أن يستغفروا للمشركين . وقيل : استغفر لنفسه من السهو والتقصير

12- قوله في حديث ابن عمر : (( رَقِيْتُ )) بكسر القاف أي : صعدت

13- قوله : (( عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ )) وفي رواية : (( عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا ))  وفي رواية : (( عَلَى ظَهْرِ بَيْتِي ))

قلت : رواياته على التفصيل : في رواية لمسلم : (( رَقِيتُ عَلَى بَيْتِ أُخْتِي حَفْصَةَ )) وفي رواية للبخاري : (( عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا ))  وفيه أيضاً : (( عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا ))  

وفي رواية ابن خزيمة : (( دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرِ فَصَعَدْتُ ظَهْرِ الْبَيْتِ ))

وفي رواية أبي عوانة : (( عَلَى ظَهْرِ مَنْزِلِنَا )) .

وليس في هذه الروايات تعارض فإنه بيت حفصة بنت عمر الذي أسكنها رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقوله : (( بَيْتٍ لَنَا ))  لأن حفصة أخته من أبيه وأمه ، وقوله : (( بَيْتِي )) لأنه لا وارث لها إلا هو فآل إليه بالميراث

14- وقع في رواية : (( قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ ))

ولابن  خزيمة  : ((  فَأشْرَفت  عَلَى  رَسُولِ الله ِ صلى الله عليه وسلم  وَهو  عَلَى خَلاَئِهِ ))

وفي رواية له : ((فَرَأَيْتُهُ يَقْضِي حَاجَتَهُ مَحْجُوباً عَلَيْهِ بِلَبِنٍ ))

وللحكيم الترمذي بسند صحيح : (( فَرَأَيْتُهُ فِي كَنِيفٍ ))

وهذه الروايات رد على من استدل بحديث ابن عمر على جواز الاستقبال والاستدبار مطلقاً ويؤيد ذلك أن ابن عمر كان يرى المنع من الاستقبال في الفضاء إلا بساتر كما رواه أبو داود والحاكم بسند لا بأس به .  انتهى من الفتح

 

15- اطلاع ابن عمر كان اتفاقاً من غير قصد وبهذا وردت الروايات عنه ففي البخاري برقم (148) : (( ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي ))

ورواه البيهقي (1/282- طبعة التركي] : قال نافع عن ابن عمر : (( دَخَلْتُ بَيْتَ حَفْصَةَ فَحَانَتْ الْتِفَاتَةٌ فَرَأَيْتُ كَنِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ … )) وقال البيهقي عقبه : عيسى بن أبي عيسى الحناط هو عيسى بن ميسرة ضعيف

16- حديث ابن عمر يعارض حديث أبي أيوب من جهتين :

الأول : أن حديث أبي أيوب منطوق وحديث ابن عمر حكاية فعل واطلاعه عليه غير مقصود كما سبق في الروايات

والثاني : أن حديث أبي أيوب في الاستقبال والاستدبار وحديث ابن عمر في الاستقبال فقد استدبر الكعبة

17- اختلاف أهل العلم في هذه المسألة : وهي مسألة استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة :

القول الأول : لا يجوز ذلك لا في الصحاري ولا في البنيان وهو قول أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وذكره ابن حزم في المحلى (1/165) مسألة رقم (146) عن أبي هريرة وابن مسعود وسراقة بن مالك وعن السلف من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم جملة ، وعن عطاء وإبراهيم النخعي والثوري وزاد النووي في شرح مسلم (2/154)  : وأبي ثور وأحمد في رواية

قلت : ورجحه ابن العربي وابن حزم وابن تيمية وابن القيم وغيرهم

واستدلوا بحديث أبي أيوب هذا وبحديث سلمان رضي الله عنه قِيلَ لَهُ : قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ ؟ قَالَ : (( أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ …. )) أخرجه مسلم برقم (262) وانظر الأوسط (1/325) والتمهيد (1/309) وشرح السنة (1/358)

وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلاَ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلاَ يَسْتَدْبِرْهَا )) أخرجه مسلم برقم (265)

وَعَنْ عَبْدَاللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيَّ  وأخرجه ابن ماجة برقم (317) ولفظه : قَالَ : أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (( لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ )) وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَ النَّاسَ بِذَلِكَ 

قال البوصيري : إسناده صحيح برقم (125) مصباح الزجاجة وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (7) (1/33) وقال : وأخرجه ابن حبان برقم (133) بسند آخر صحيح

 

وبحديث معقل بن أبي معقل في سنن أبي داود برقم (10) ولفظه : قال : ((  نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ )) ولكـنه حديث ضعيف فـفيه أبـو زيد مولى ثعلبة مجهول الحال ولفظه منكر

 

وبحديث سهل بن حنيف أخرجه الدارمي في سننه (1/526) برقم (691) ولفظه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : (( أَنْتَ رَسُولِي إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَقُلْ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلاَمَ وَيَأْمُرُكُمْ إِذَا خَرَجْتُمْ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا )) وفي إسناده عبدالكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف ولكن الحديث صحيح بشواهده السابقة

وهذه أحاديث صحيحة صريحة وما خالفها حكاية أفعال يرد عليها احتمالات كثيرة فلا ترد الأحاديث الصحيحة الصريحة بالاحتمالات

 

القول الثاني : الجواز في الصحاري والبنيان وهو قول عروة بن الزبير وربيعة شيخ مالك وداود الظاهري كما في الأوسط (1/326) وابن عبدالبر في التمهيد (1/311) والحازمي في الاعتبار (38)

واستدلوا بحديث عراك بن مالك قالت عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده أن أناساً يكرهون استقبال القبلة بفروجهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((  قَدْ فَعَلُوهَا اسْتَقْبِلُوا بِمَقْعَدَي إِلَى الْقِبْلَةَ ))

أخرجه ابن ماجه برقم (324) وأحمد برقم (25511) (42/329) وبرقم (25063) (41/510) وانظر حاشية المسند في تتبع طرق هذا الحديث والاختلاف في إسناده وخلاصته : أنه روي عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك عن عائشة مرفوعاً وروي عن خالد الحذاء عن رجل عن عراك ابن مالك عن عائشة وروي عن خالد الحذاء عن عراك عن عائشة ليس فيه عن رجل

وروي عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك حدثتني عائشة به  

وروي عن خالد الحذاء عن عراك عن عائشة لم يذكر فيه خالد بن أبي الصلت

وروي عن خالد عن رجل عن عراك عن عروة عن عائشة مرفوعاً

وروي عن عراك عن عروة عن عائشة كانت تنكر قولهم : (( لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ )) يعني أنه من قولها وليس مرفوعاً قال البخاري في تاريـخه الكبير (3/156) وأبـو حاتم في العلل (1/29-الطبعة القديمة ) : وهذا أصح

قلت : فالحديث ضعيف جداً وفيه علل :

أولها : الاضطراب فيه

والثاني : خالد ابن أبي الصلت قال ابن حجر : مقبول [ يعني : عند المتابعة وإلا فهو مجول الحال ]

وقال ابن حزم : مجهول لا ندري من هو

وقال الذهبي في الميزان (1/632) برقم (2432) : إن حديث : (( حَوِّلُوا مَقْعَدِي )) منكر وقال النووي في شرح مسلم : إسناده حسن

وقال في الكاشف : ثقة

وعراك بن مالك لم يسمع من عائشة وقد أنكر أحمد والبخاري سماعه من عائشة رضي الله عنها ، وانظر بحث الشيخ الألباني – رحمه الله – لهذا الحديث وعلله في السلسلة الضعيفة برقم (947) (2/354- وما بعدها)

 

القول الثالث : أنه يحرم في الصحارى لا في العمران وهو مروي عن العباس بن عبدالمطلب وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم والشعبي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين ونسبه في الفتح إلى الجمهور

انظر شرح مسلم (2/152-153- طبعة دار ابن رجب ودار الفوائد ) وانظر الفتح (1/425- طبعة دار طيبة ) وانظر المدونة (1/7) وروضة الطالبين (1/65) وشرح السنة (1/359) والتمهيد (1/309)

واستدل أصحاب هذا القول بحديث ابن عمر رضي الله عنهما في هذا الباب كما سبق وبحديث جابر رضي اله عنه وقد أخرجه أحمد برقم (14872) (23/157) وأبو داود برقم (13) والترمذي برقم (9) وابن ماجة برقم (325) وابن خزيمة برقم (58) وابن حبان برقم (1420) من طريق ابن إسحاق عن أبان بن صالح  عَنْ مُجَاهِدِ ابْنِ جَبْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَانَا عَنْ أَنْ نَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ أَوْ نَسْتَقْبِلَهَا بِفُرُوجِنِا إِذَا أَهْرَقْنَا الْمَاءَ ، قَالَ : ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ )) وقال الترمذي : حسن غريب ونقل عن البخاري تصحيحه كما ذكره عنه البيهقي في خلافياته (2/68) برقم (349)

قلت : ابن إسحاق صرح بالتحديث فزالت شبهة التدليس وقد حسنه غير واحد وبعضهم صححه ولكن لا يمكن أن يكون ناسخاً لأحاديث أبي أيوب وسلمان وأبي هريرة وغيرها لأنها منطوق عام وهذا حكاية فعل يرد عليه أمور :

– أنه فعله لضرورة أو حاجة

– ومنها : الخصوصية

– ومنها : أن يكون لبيان الجواز

ولا يترجح أحد هذه الاحتمالات على غيره فانتفى الاستدلال به على النسخ والله أعلم

 

القول الرابع : أنه لا يجوز الاستقبال لا في الصحاري ولا في العمران ويجوز الاستدبار فيهما وهو أحدى الروايتين عن أبي حنيفة وأحمد ذكره النووي في شرح مسلم

واستدلوا بحديث سلمان رضي الله عنه الذي أخرجه مسلم وقد سبق لفظه قالوا إنه ليس فيه إلا النهي عن الاستقبال  

ورد عليهم بأن النهي عن الاستدبار ورد في أحاديث صحيحة كما سبق

 

القول الخامس : أن النهي للتنزيه فيكون مكروهاً لا حراماً وهو قول النخعي وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة وأحمد 

واحتجوا بحديث عائشة وجابر وابن عمر رضي الله عنهم وقالوا : إنها صارفه للنهي عن التحريم إلى الكراهة

قال الشوكاني (1/333) : ولا يتم قولهم في حديث ابن عمر وجابر لأنه ليس فيها إلا مجرد الفعل وهو لا يعارض القول الخاص بالأمة كما تقرر في الأصول ولا شك أن قوله : (( لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ )) خطاب للأمة  

 

القول السادس : جواز الاستدبار في البنيان فقط وهو قول أبي يوسف ذكره عنه في الفتح (1/426 – طبعة دار طيبة ) واحتج بحديث ابن عمر في الباب لأنه فيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مستدبر القبلة مستقبل الشام ، وفيه أن ذلك في البنيان

ورد عليهم بما سبق

 

القول السابع : التحريم مطلقاً حتى في القبلة المنسوخة وهي بيت المقدس وهو محكي عن إبراهيم النخعي وابن سيرين ذكره أيضاً في الفتح

واستدلوا بحديث معقل بن أبي معقل الأسدي قال : (( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ )) وقد سبق أن فيه راوياً مجهولاً وذكر بيت المقدس فيه منكر لمخالفته للأحاديث الصحيحة

 

القول الثامن : أن التحريم مختص بأهل المدينة ومن كان على سمتها فأما من كـانت قبلته في جهة المشرق أو المغرب فيجوز له الاستقبال والاستدبار مطلقاً قاله أبـو عوانة صاحب المزني كما ذكره في الفتح أيضاً

واستدل من قال ذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ((شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا )) وهو جزء من حديث أبي أيوب رضي الله عنه

قال الشوكاني (1/337-338) طبعة دار ابن الجوزي] رحمه الله – : وهو استدلال في غاية الركة والضعف . وانظر مناقشته لمذاهب العلماء في استقبال القبلة واستدبارها

 

الحديث الرابع عشر

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ الْخَلاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً  فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ ))

 

 

الفوائد والأحكام

1- أخرجه البخاري في باب : الاستنجاء بالماء برقم (150)

– وفي باب : من حمل معه الماء لطهوره برقم (151)

– وفي باب : حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء برقم (152)

– وفي باب : ما جاء في غسل البول برقم (217)

– وأخرجه مسلم برقم (271)

– والنسائي برقم (45)

– وابن حبان برقم (1439) ولفظه : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ مِنْ حَاجَتِهِ أَجِيء أَنَا وَغُلَامٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِإِدَاوَة مِنْ مَاءٍ فَيَسْتَنْجِي بِهِ )) وأخرجه أيضاً ابن خزيمة  

2- قوله : (( كَانَ )) هنا بمعنى المداومة والاستمرار

3- الخلاء يعبر به عن قضاء الحاجة سواءً كان في الفضاء كالصحاري وغيرها أو كان في البنيان كالكنيف وغيره

4- الغلام هو الصبي ، وقيل الغلام من الغُلْمَة وهي الحركة والاضطراب

5- قال : (( أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي )) أي : مقارب لي في السن والحرية ، وقد اختلف فيه فقيل : ابن مسعود ، وقيل : أبو هريرة ، وقيل : من الأنصار ، فأما ابن مسعود وأبو هريرة وإن كانا ممن يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهما ليسا بمقصودين في هذا الحديث لقوله في الرواية : (( وَهُوَ أَصْغَرُنَا وَهَمَا كَانَا كَبِيْرَيْنَ ))

6- الإداوة بكسر الهمز إناء صغير من الجلد كالركوة وغيرها  

7- العَنَزَة بفتح العين والنون والزاي : عصا طويلة أقصر من الرمح في أسفلها زُجٌّ وهو السنان وقيل هي الحربة

8- اختلفوا في الحكمة من حمل العنزة في حال قضاء الحاجة :

فقيل : من أجل أن يستتر بها بأن يضع عليها ثوباً

قلت : وهذا أقوى ما قيل فيها بالنسبة للفضاء الذي ليس فيه ما يستره  

وقيل : للصلاة إليها بعد الوضوء ، وهذا ليس بظاهر بل هو أضعف الأقوال

 وقيل : لينبش بها الأرض حتى لا يتطاير رشاش البول فيصيبه

وقيل : ليمتنع بها مما يمكن أن يعرض له من الهوام وغيرها

قلت : ويمكن أن يكون لجميع هذه الأسباب بحسب الأحوال وهذا أجود من قصره على سبب من غير دليل

9- الاستعداد بما يزيل النجاسة سواء بالماء أو بغيره كما في حديث ابن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهما في طلبه الحجارة ليتطهر بها . وكذلك في حديث المغيرة ابن شعبة وأنس فيما يتعلق بالماء

10- جواز الاستعانة بالغير في أمور الطهارة وأن ذلك لا يقدح في المعين ولا في المعَان إذ لو كان في ذلك غضاضة لكان النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن فعله

11- ذكر بعض العلماء أن الحديث يدل على خدمة الصالحين من العلماء وغيرهم وتفقد حاجاتهم

12- حرص الصحابة رضي الله عنهم على خدمة النبي صلى الله عليه وسلم والتفاني في ذلك بانشراح ورغبة كما في قصة المغيرة بن شعبة وابن مسعود وأبي هريرة وأنس وغيرهم

13- مشروعية الاستنجاء بالماء خلافاً لمن منعه لثبوت هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وجواز الاقتصار على الحجارة وما يقوم مقامها مع وجود الماء ، والأحسن الجمع بين الحجارة والماء

14- قول الإمام أحمد رحمه الله – : لم يصح في الاستنجاء حديث . غريب مع جلالة الإمام – رحمه الله – ففي حديث أنس رضي الله عنه : (( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ الْخَلاَءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلاَمٌ إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً فَيَسْتَنْجِى بِالْمَاءِ ))

وهو في البخاري كما سبق وفي رواية عنده أيضاً كان عليه السلام : (( إِذَا تَبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَيَغْسِلُ بِهِ ))

وفي رواية لمسلم : (( دَخَلَ حَائِطًا وَتَبِعَهُ غُلاَمٌ مَعَهُ مِيضَأَةٌ هُوَ أَصْغَرُنَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ سِدْرَةٍ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجَتَهُ فَخَرَجَ عَلَيْنَا وَقَدِ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ )) وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة

 

 

 

الحديث الخامس عشر

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْحَارِثِ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( لا  يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ  وَهُوَ  يَبُولُ  وَلا  يَتَمَسَّحْ  مِنْ  الْخَلاءِ  بِيَمِينِهِ  وَلا  يَتَنَفَّسْ  فِي الإِنَاءِ ))

 

 – أخرجه البخاري في كتاب : الوضوء باب : النهي عن الاستنجاء باليمين برقم (153)

– وفي باب : لا  يمسكُ ذكره بيمينه إذا بال برقم (154) .

– وفي كتاب : الأشربة باب التنفس في الإناء برقم (5630) .

– وأخرجه مسلم برقم (267) .

– وأخرجه أبو داود في : الطهارة باب : كراهة مس الذكر باليمين في الاستبراء برقم (31)

– والنسائي في : الطهارة باب : النهي عن مس الذكر باليمين عند الحاجة برقم (24) و (25)

– وفي باب : النهي عن الاستنجاء باليمين برقم (47) و (48)

– وأخرجه الترمذي في : الطهارة باب : ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين برقم (15)

– وفي كتاب : الأشربة – باب : ما جاء في كراهة التنفس في الإناء برقم (1889)

– وأخرجه ابن ماجه في : الطهارة باب : كراهة مس الذكر باليمين والاستنجاء باليمين برقم (310)

– في رواية عند مسلم : (( لاَ يُمْسِكَنَّ )) مؤكدة بنون التوكيد الثقيلة

1- الأصل في النواهي التحريم وفي هذا الحديث نهي وليس له صارف ، وقد حمله أهل الظاهر وبعض الحنابلة وبعض الشافعية على التحريم ، وحمله الجمهور على الكراهة التنزيهية وحجتهم أنه من باب الآداب

2- والقول بأن النهي للتحريم هو الصحيح لأنه الأصل حتى يأتي ما يدل على خلافه وقد ورد مؤكداً بنون التوكيد الثقيلة عند مسلم بلفظ : (( لاَ يُمْسِكَنَّ ))

3- جاء النهي عن مس الذكر باليمين في هذا الحديث مقيداً بحال البول وجاءت رواية عند مسلم والنسائي والترمذي مطلقة بلفظ : ((  نَهَى أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ )) وقد اختلف العلماء هل يختص النهي بحال البول والاستنجاء أم هو مطلق

والصحيح أن النهي مقيد بحال البول لحديث طلق بن علي رضي الله عنه حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مس ذكره فقال : (( إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ )) أخرجه أبو داود برقم (182) والنسائي برقم (165) وابن ماجه برقم (483) وهو حديث صحيح

 

4- وردت أحاديث كثيرة في أن اليمين للأمور الطيبة وأن الشمال لما يستكره ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها عند أبي داود برقم (33) قالت : (( كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلاَئِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى ))

قال علي رضي الله عنه : ( يَمِينِي لِوَجْهِي وَشِمَالِي لِـحَاجَتِي )

5- المرأة في هذا كالرجل فإن النساء شقائق الرجال إلا ما بين الشرع أنه يخص أحدهما وفي هذا الحديث المقصود إكرام اليمين وصيانتها عن الأقذار والنجاسات وهذا عام للرجال والنساء

6- في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الشُّرْبِ . فَقَالَ رَجُلٌ : الْقَذَاةُ أَرَاهَا فِي الإِنَاءِ ؟ قَالَ : (( أَهْرِقْهَا )) قَالَ : فَإِنِّي لاَ أَرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ قَالَ : (( فَأَبِنِ الْقَدَحَ إِذًا عَنْ فِيكَ )) أخرجه الترمذي برقم (1887) ومالك في الموطأ برقم (925)  وأحمد (3/26 ، 32) وقال الترمذي : حسن صحيح وصححه الحاكم (4/139) وأقره الذهبي

وعند الترمذي برقم (1888) أيضاً وغيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : (( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الإِنَاءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ )) وقال الترمذي : حسن صحيح ، وأخرجه أيضاً ابن ماجه برقم (3429)

 

ولا تعارض بين هذا وحديث أنس رضي الله عنه في البخاري برقم (5631) ومسلم برقم (2028) أنه u : (( كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاَثًا )) فمعناه خارج الإناء

وقد أخرج الطبراني في الأوسط (1/257) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : (( كَانَ يَشْربُ فِي ثَلاثَةِ أَنْفَاسٍ إِذَا أَدْنَى الإِنَاءَ إِلى فَمِهِ سَمّى الله تَعَالى وَإِذَا أَخّرَهُ حَمِدَ الله تَعَالى يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ )) وقال الطبراني : تفرد به عتيق ابن يعقوب الزبيري

قلت : وثقه الدارقطني وابن حبان وبقية رجاله ثقات فالحديث صحيح ويؤيده ما سبق في حديث الباب

7- الحكمة في النهي عن التنفس حتى لا يقع فيه ما يقذر النفوس ، وثبت في الطب الحديث أن النفخ في الطعام والشراب سبب لانتقال بعض الأمراض الخطيرة بمشيئة الله تعالى أعاذنا الله والمسلمين منها ومن كل مكروه

 

 

 

 

 

الحديث السادس عشر

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ : (( إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا : فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الآخَرُ : فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ فَأَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً  فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ  لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟  قَالَ : لَعَلَّهُ  يُخَفَّفُ  عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا ))

 

 

– أخرجه البخاري في مواضع من الصحيح وأولها برقم (216)

– ومسلم برقم (292)  

– وفي رواية : (( وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ ))

– وفي رواية : (( بَلَى إِنَّهُ كَبِيرٌ ))

– وفي رواية للبخاري : (( لاَ يَسْتَتِرَ مِنْ بَوْلِهِ )) مقيدة

– وفي رواية لمسلم وأبي داود : (( لاَ يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ ))

– وفي رواية للنسائي : (( لاَ يَسْتَبْرِئُ ))

– وفي رواية : (( كَانَ لاَ يَتَوَقَّى )) أخرجها أبو نعيم في المستخرج

 

 

الفوائد والأحكام

1- قوله : (( إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ )) فيه إثبات عذاب القبر وقد دل عليه الكتاب كما في قوله تعالى : {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]

وقد قرأها النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن سؤال القبر وانقسام الناس إلى مؤمن ومنافق أو فاجر ( أو كافر ) مستشهداً بها على ذلك وآيات أخرى كثيرة تدل على ثبوت عذاب القبر لمن يستحق ذلك أجارنا الله منه بمنه وكرمه ودلت عليه الأحاديث المتواترة الواردة في الصحيحين والسنن والمسانيد وغيرها كما في حديث الباب وغيره

ودل عليه إجماع أهل السنة والجماعة ، بل لم يخالف من الطوائف المنتسبة للإسلام إلا أفراد من أهل الضلال أعاذنا الله من شرهم

2- من الأسباب الواردة في الأحاديث الصحيحة لعذاب القبر :

1- البول وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ )) أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وغيره وكما في حديث الباب وأن أحدهما يعذب بسبب البول

2- النميمة كما في حديث الباب        

3- الربا        

4- الزنا

5- رفض القرآن وعدم العمل به       

6- الكذبة تبلغ الآفاق

7- عدم إكمال الوضوء ، وغيرها من الأسباب

3- ورد في الترغيب والترهيب لأبي موسى المديني من حديث ابن لهيعة عن أسامة بن زيد عن أبي الزبير عن جابر قال : (( مَرّ نَبِيِّ الله عَلَى قَبْرَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ هَلَكَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَسَمِعَهُمَا يُعَذّبَانِ فِي الْبَوْلِ والنَّمِيمَةِ ))

وضعفه ابن حجر في الفتح (1/548) ورواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم وليس فيه سبب التعذيب فهو من تخليط ابن لهيعة . وقد ذكر قبل ذلك أن أبا موسى قال : إسناده ليس بقوي . انتهى

وروى الطبراني : (( أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمِ مَرَّ عَلَى قُبُورَ نِساءٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ هَلَكْنَ فِي  الْجَاهِلِيَّةِ فَسَمِعَهُنَّ يُعَذّبْنَ فِي النَّمِيمَةِ )) قال الطبراني : لم يروه عن أسامة إلا ابن لهيعة

4- قال بعض العلماء : إن فتنة القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق من أهل القبلة ولا تكون للكفار وذلك أنهم يسألون عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والكافر لا يقر به أصلاً

وقال آخرون : بل هو عام للمؤمن والمنافق والكافر ويستدلون بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : (( وَأَمَّا الْمُنَافِقُ )) والنفاق أشد من الكفر ويستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث البراء رضي الله عنه : (( … وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا … )) الحديث

بإسناد صحيح في المسند برقم (18534)

قلت : القول الأخير هو الحق لتصريح هذه الرواية بلفظ الكافر وأيضاً لشمول النفاق للكفر أعاذنا الله منه

5- والعذاب في القبر أو النعيم فيه يقع على الروح والجسد وورد التصريح برد الروح إلى الجسد في القبر في الروايات الصحيحة ، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أن للروح مع الجسد ثلاثة أحوال :

– الحالة الأولى : في الدنيا ويكون النعيم أو العذاب على الجسد والروح تبع له

– والحالة الثانية : في القبر ويكون النعيم أو العذاب على الروح والجسد تبع له

– والحالة الثالثة : في الآخرة ويكون النعيم أو العذاب على الروح والجسد سواء وذلك ؛ لأن الآخرة هي الحياة الكاملة نسأل الله من فضله ونعوذ به من عذابه

 

6- في هذه الأحاديث وما في معناها رد على المرجئة الذين يقولون : لا يضر مع الإيمان ذنب

 

7- قوله : (( وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ )) بَلَى (( وَإِنَّهُ لكَبِيرٌ )) اختلف العلماء في قوله هذا فقال بعضهم إنه قال : وما يعذبان في كبير ثم أوحى الله إليه في الحال إنه كبير فاستدرك . وهذا يحتاج إلى دليل أنه أوحي إليه في ذلك الوقت  

وقيل : إنه كبير ولكنه ليس من كبائر الذنوب

وقيل : إنه في نظرهما ليس بكبير ولكنه عند الله كبير

وقيل : إنه ليس بكبير في الاحتراز منهما فلا يشق عليهما الاحتراز مع أن إثمه عند الله كبير

وقال بعضهم : إنه ليس بكبير أي أنه من الصغائر وليس من الكبائر

 

قلت : ولكن لفظ الحديث يأباه

وقد ضبط أهل العلم حد الكبيرة بأن ما فيه حدّ في الدنيا أو وعيد في الآخرة أو ترتب عليه لعنة أو غضب أو نفي إيمان أو وصف بالنفاق أو الكفر أو الفسوق

 

8- قوله : (( لاَ يَسْتَتِرَ )) وروايـة : (( لاَ يَسْتَبْرِئُ )) وروايـة : (( لاَ يَسْتَنْزِهُ )) وروايـة : (( لاَ يَتَوَقَّى )) كلها تدل على وجوب التحفظ من البول ووجوب التطهر منه والإنقاء وحفظ البدن والثياب من أن يصيبها شيء من البول لما يترتب على ذلك من فساد الطهارة والصلاة وذلك أمر عظيم عند الله أجارنا الله من غضبه

وفي روايـة : (( لاَ يَسْتَتِرَ )) نهي عن كشف العورات حال قضاء الحاجة وأن ذلك من الكبائر وذلك أمر مقرر ودلت عليه الأدلة الصحيحة التي سبق بعضها وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه : باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله  

9- قوله : (( مِنَ الْبَوْلِ )) في صحيح البخاري : (( مِنْ بَوْلِهِ )) وقد بوب الإمام البخاري : باب مَا جَاءَ فِي غَسْلِ الْبَوْلِ وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبِ الْقَبْرِ : (( كَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ )) وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ

قال ابن حجر في الفتح (1/549) : كأنه أراد الرد على الخطابي حيث قال : فيه دليل على نجاسة الأبوال كلها ، ومحصل الرد أن العموم في رواية : (( مِنَ الْبَوْلِ )) أريد به الخصوص لقوله : (( مِنْ بَوْلِهِ )) والألف واللام بدل من الضمير ، لكن يلحق ببوله بول من هو في معناه من الناس لعدم الفارق . انتهى

قلت : اختلف في نجاسة بول الحيوان : فمنهم من قال : إن سائر الأبوال نجسة ولم يفرقوا بين المأكول وغيره واستدلوا بعموم هذا الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم : (( مِنَ الْبَوْلِ )) واستثنى بعضهم ما يؤكل لحمه لأدلة كثيرة منها قصة العرنيين وهي في الصحيح والصلاة في مراح الغنم وغيرها من الأدلة

قلت : وهذا هو الحق وهو التفريق بين ما يؤكل لحمه فطاهر ومالا يؤكل لحمه فنجس

10- النَّمِيمَةِ : نما الحديث إذا ظهر ، قال ابن سيده في المخصص (3/90) : وهي التوريش والإغراء ورفع الحديث على وجه الإشاعة والإفساد . انتهى

ويقال : نم الرجل إذا أظهر ما عنده من الشر ، وفي مجمع الغرائب : هو الساعي بين الناس بالشر

وقال النووي في شرح مسلم : حقيقتها نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد . انتهى

 

11- والنميمة تكون بالأقوال والكتابة والرمز والإيماء ، وحقيقتها إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه ، فيجب على الإنسان أن يسكت عن كل ما يراه أو يسمعه من أحوال الناس إلا ما كان في حكايته فائدة لمسلم أو دفع مضرة عنه

 

12- قال بعض العلماء : يفسد النمام في ساعة مالا يفسده الساحر في شهر ولترغيب الشارع في الإصلاح بين الناس أباح الكذب ، ولزجره عن الإفساد حرم الصدق فيه [ أي في الإفساد ] 

 

13- والنميمة حرام بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى : {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}  [الهمزة:1] {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11]

وفي البخاري برقم (5709) ومسلم برقم (105) عن حذيفة  عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ )) وفي رواية : (( قَتَّاتٌ )) وهو النمام

وأجمع المسلمون على موجب ما دلت عليه آيات الكتاب وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم

 

14- ويلزم من حملت إليه النميمة ستة أمور :

1- أن لا يصدق النمام لأن النمام فاسق والفاسق مردود الخبر لقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا … } [الحجرات:6]

2- أن ينهاه  عن  ذلك  وينصحه ويقبح  فعله  لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : (( الدِّينُ النَّصِيحَةُ … )) الحديث في صحيح مسلم

ولقوله تعالى : { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ } [العصر:3]

 وقوله تعالى : {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإْثمِ وَالْعُدْوَانِ}  [المائدة:2] والنميمة من أعظم الإثم والعدوان

3- أن يبغضه في الله تعالى ، فإنه بغيض عند الله ، والبغض في الله من الإيمان

4- أن لا يظن بالمنقول عنه السوء ، لقوله تعالى : { اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } [الحجرات:12]

5- أن لا يحمله ما يحكي له على التجسس والبحث عن تحقيق ذلك لقوله تعالى : { وَلا تَجَسَّسُوا }

 

6- أن لا يرضى لنفسه ما نهى عنه النمام ، فلا يحكي نميمته . انتهى من إحياء علوم الدين (3/156)

 

قلت : ولا يكون ذلك إلا لمن رزقه الله قوة في دين وتجرد للحق وإخلاص وصدق في توجهه إلى الله ورغبته فيما عنده والوقوف عند أوامره ونواهيه وهذا حال السلف الصالح – رحمهم الله – وقد حكي أن رجلاً ذكـر لعـمر بن عبـدالعـزيـز – رحمه الله – رجلاً بشيء ، فقال عمر : إن شئت نظرنا في أمرك فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية : {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} وإن كنت صادقاً كنت من أهل هذه الآية : {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} وإن شئت عفونا عنك . قال : العفو يا أمير المؤمنين ، لا أعود إليه أبداً

 

وحكي أن إنساناً رفع إلى الصاحب بن عباد رقعة يحرضه فيها على أخذ مال يتيم وكان مالاً كثيراً ، فكتب على ظهرها : النميمة قبيحة وإن كانت نصيحة ، والميت يرحمه الله واليتيم جبره الله والمال ثمره الله والساعي لعنه الله

15- اختلفوا في سبب وضع النبي صلى الله عليه وسلم الجريدة على القبرين وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا ))

 

فقال بعضهم : إنه شفع لهما بأن يخفف عنهما مادامتا رطبتين

 

وقال بعضهم : إنه يخفف عنهما مادامتا رطبتين بتسبيحهما فإذا يبستا انقطع تسبيحهما

 

ورد بأن التسبيح ليس خاصاً بالرطب بل كل شيء يسبح قال تعالى : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [الإسراء:44]

 

وهذا عام في كل شيء حتى الحجارة تسبح لله تعالى وفي صحيح مسلم برقم (2277) قال صلى الله عليه وسلم : (( إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ )) من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه

والصحيح أنه يخفف عنهما بشفاعته صلى الله عليه وسلم مدة بقائهما رطبتين ، ويؤيد ذلك ما أخرجه مسلم برقم (3012) في حديث جابر رضي الله عنه الطويل وفيه قصة صاحب القبرين  قال صلى الله عليه وسلم : ((  …  فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ ))

 

قال بعض العلماء : يستحب تلاوة القرآن عند القبر وقالوا لأنه إذا كان الميت ينتفع بالتخفيف عنه بغرز الجريد الرطب بتسبيحه فتلاوة القرآن من الإنسان أولى

قلت : وهذا ممنوع لأن ذلك لو كان مشروعاً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم بدلاً من أن يضع الجريدة الرطبة ولم يؤثر عن أحد من الصحابة فعل ذلك ولو كان خيراً لسبقوا إليه فإنهم أحرص على الخير وأقوم به رضي الله عنهم

واستحب بعضهم وضع الجريد في القبر وغرس الأشجار واستدلوا بما أورده البخاري في صحيحه تعليقاً : أن بريدة بن الحصيب الصحابي رضي الله عنه أوصى أن يجعل في قبره جريدة . ووصله ابن سعد في الطبقات (7/28) 

 

ويمنع هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في قبور مخصوصة ولم يفعله مع كل من قبر ، وقد علل فعله صلى الله عليه وسلم بعلة لا يطلع عليها إلا رسول يوحى إليه وإخباره أنهم يعذبون وأنه يخفف عنهم بشفاعته صلى الله عليه وسلم مادام الجريد رطباً وليس هذا لغيره بيقين . ولم يفعله أحد من كبار الصحابة رضي الله عنهم كالخلفاء الأربعة

 

قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في تعلقه على الفتح (12/547)  : النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا في قبور مخصوصة اطلع على تعذيب أهلها ، ولو كان مشروعاً لفعله في كل القبور ، وكبار الصحابة كالخلفاء لم يفعلوه وهم أعلم بالسنة من بريدة رضي الله عن الجميع ، فتنبه . انتهى وهو كلام متين من راسخ في العلم موفق ولا نزكيه على الله

16- قول بعضهم : إن أحد المعذبين : ( سعد بن معاذ رضي الله عنه ) قول باطل ويدل على بطلانه أنه صلى الله عليه وسلم حضر دفن سعد بن معاذ كما ثبت في الصحيحين ، وأما هذان فإن عند أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال لهم : (( مَنْ دَفَنْتُمْ هَا هُنَا الْيَوْمَ )) فدل على أنه لم يحضر دفنهما وسعد بن معاذ رضي الله عنه شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وسماه شهيداً وأخبر أن عرش الرحمن اهتز لموته ، وأخبر أن حكمه وافق حكم الله فوق سبع سماواته رضي الله عنه وأرضاه

17- ما ينفع الميت بعد موته إما أن يكون من كسبه أو من كسب غيره ، فأما ما كان من كسبه فهو يصل إليه مثل علم ينتفع به أو صدقة جارية

وأما ما كان من كسب غيره فما نص عليه فهو يصل كالحج عنه والعمرة والصدقة والدعاء عامة سواء من ولده أو غيره من المسلمين ، فأما الولد فقد نص عليه في حديث : (( … أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) وورد ما يدل على عموم انتفاع الموتى بدعاء الأحياء من المسلمين

وما لم ينص عليه فالأصل فيه المنع حتى يرد دليل يدل على جوازه ، والله أعلم

 

 

 

 

 

 

باب : السواك

الحديث السابع عشر

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ))

 

 

السواك ورد فيه جملة من الأحاديث تدل على فضله

1- السواك من الفطرة والفطرة هي السنة :

ففي حديث عائشة  رضي الله عنها قالت : قال  رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ : قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ )) قَالَ مُصْعَبٌ ابن شَيْبَة : وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ . رواه مسلم برقم (261) وأبو داود برقم (55)

2- وصية جبريل عليه أفضل الصلاة والسلام نبينا صلى الله عليه وسلم باستدامة السواك :

فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى خَشِيتُ عَلَى أَضْرَاسِي )) أخرجه البيهقي (13/502) برقم (13457)

3- السواك واجب على ر سول الله صلى الله عليه وسلم  :

فعن عبدالله بن حنظلة بن أبي عامر [ ابن الغسيل ] : (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْمَر بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ فَلَمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمِرَ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَوُضِعَ عَنْهُ الْوُضُوءُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ ))

4- الصائم يتسوك في كل حين في أول النهار وفي آخره :

فعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال : (( رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَالَا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ )) أخرجه أحمد (3/445) والترمذي برقم (725) وقال الترمذي : حسن

قلت : ولكن في إسناده عاصم بن عبيدالله بن عاصم بن عمر بن الخطاب : ضعيف

 

5- في غسل السواك وتطييبه :

عن عائشة رضي الله عنها قالت : (( كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَاكُ فَيُعْطِينِي السِّوَاكَ لأَغْسِلَهُ فَأَبْدَأُ بِهِ فَأَسْتَاكُ ثُمَّ أَغْسِلُهُ وَأَدْفَعُهُ إِلَيْهِ )) أخرجه أبو داود برقم (53) بإسناد جيد

 

6- إعطاء السواك لغيره :

عَنْ  ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ فَجَذَبَنِي رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا فَقِيلَ لِي : كَبِّرْ فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ  ))  أخرجه مسلم برقم (2271) ورقم (3003) وأخرجه البخاري تعليقاً برقم (246)

في سنن أبي  داود  برقم (50)  بإسناد  صحيح  عن عائشة رضي الله عنها قالت : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَنُّ وَعِنْدَهُ رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ فَأُوحِىَ إِلَيْهِ فِي فَضْلِ السِّوَاكِ : أَنْ كَبِّرْ : أَعْطِ السِّوَاكَ أَكْبَرَهُمَا ))

 

7- السواك يوم الجمعة :

عن أبي سعيد الخدري  رضي  الله  عنه : أن  رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ )) أخرجه البخاري برقم (880)

ومسلم برقم (846) ولفظه : (( غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَسِوَاكٌ وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ))

وفي الموطأ برقم (169) (1/111) عَنْ عُبَيْدِ ابْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي جُمُعَةٍ مِنَ الْجُمَعِ : (( يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا فَاغْتَسِلُوا وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلاَ يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ )) وهو مرسل لأن ابن السباق من التابعين

وقد جاء مسنداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كلها ضعيفة والصحيح مرسل

8- السواك عند دخول الإنسان منزله :

عَنْ شُرَيْحٍ بْنِ هَانِئ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ قُلْتُ : بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ قَالَتْ : (( بِالسِّوَاكِ )) أخرجه مسلم برقم (253)

وفي رواية قالت : (( كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ يَبْدَأُ بِالسِّوَاكِ )) وأخرجها أيضاً ابن حبان برقم (1074)  

 

9- استحبابه مطلقاً في كل وقت وحال :

عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ )) أخرجه البخاري برقم (888)

 

10- الاستياك بالأصبع :

عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً : (( الإِصْبَعُ يُجْزِئُ مِنَ السِّوَاكِ )) أخرجه البيهقي (1/126) برقم (183)

قلت : في إسناده مقال فيه رجل مجهول

 

11- الاستياك بحضرة الناس :

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعِي رَجُلاَنِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِي وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِي فَكِلاَهُمَا سَأَلَ الْعَمَلَ .. الحديث أخرجه البخاري برقم (6923) ومسلم برقم (1824)

12– بم يستاك ؟

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : (( كُنْتُ أَجْتَنِيَ لِرَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِوَاكاً مِنْ أَرَاَكٍ )) أخرجه الطبراني في الكبير (9/78) برقم (8452 وأبو يعلى في مسنده برقم (5310) (9/209-210) وابن حبان في صحيحه (15/546) وقال الضياء في أحكامه (1/77)  : رجاله على شرط الصحيح

وأخرجه أحمد (1/420-421) (7/98-99) برقم (3991) موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه : (( أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكاً مِنَ الأَرَاكِ ))

قلت : لكن سياق الحديث يحتمل أنه يجتنيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فيه بعد هذا اللفظ السابق : وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :  (( مِمَّ تَضْحَكُونَ ؟ ))  قَالُوا : يَا  نَبِيَّ  اللَّهِ  مِنْ  دِقَّةِ  سَاقَيْهِ  قَالَ  :  ((  وَالَّذِى  نَفْسِى  بِيَدِهِ  لَهُمَا  أَثْقَلُ  فِي  الْمِيزَانِ  مِنْ أُحُدٍ ))

 

13- ومن فضائله عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِ )) أخرجه النسائي برقم (5) بإسناد صحيح وأحمد (6/62) وابن حبان برقم (1067) وعلقه البخاري في كتاب الصيام فقال : وقالت عائشة  رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِ ))  وقد روي عن عدد من الصحابة بأسانيد فيها ضعف

 

14- ومنها عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قَالَ الله عَزّ وَجَلّ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ )) أخرجه البخاري برقم (5927)  ومسلم برقم (1151/161)

وفي رواية : (( وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ )) أخرجه البخاري برقم (1904) ومسلم (1151/163)

 

وروي عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم جميعاً : عن أبي سعيد وعلي بن أبي طالب والحارث بن مالك الأشعري وابن مسعود وجابر بن عبدالله

 

وقـد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم السواك وهـو صائم في جميع الأوقات في أول النهار وآخـره

 

15- كيفية السواك  :

لم يرد في ذلك حديث صحيح والحديث : (( اسْتَاكُوا عَرْضَاً )) ورد عن عدد من الصحابة بأسانيد ضعيفة وبعضها أضعف من بعض

وكذلك هل يكون باليد اليمنى أو اليد اليسرى

 

16- حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ )) أخرجه البخاري برقم (6813) ومسلم برقم (252)

يدل على عظيم شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وحرصه على أن لا يعنتهم كما وصفه الله بقوله : {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]

 كيف لا وقد أرسله الله رحمة للعالمين فكيف بأمته قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]

ويدل على أن السواك ليس بواجب وإن ورد فيه ما ورد

ويدل على أن أوامر الله وأوامر رسوله واجبة إلا ما دل الدليل على خلاف الوجوب

والأدلة التي يعتمد عليها في صرف الأمر إلى غير الوجوب إما من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الإجماع وأما عند الخلاف فلا حجة لأحد على أحد من المتخالفين

 

17-وأما حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال : ((  كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ )) أخرجه البخاري برقم (242) ومسلم برقم (255)

 

 

فيدل على تأكيد استحباب السواك عند القيام من النوم عامة وخص هنا نوم الليل لأنه الغالب والأكثر ويؤيد ذلك حديث عائشة رضي الله عنها : (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ كَانَ لاَ يَرْقُدُ مِنْ لَيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ فَيَسْتَيْقِظُ إِلاَّ تَسَوَّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ )) وفي إسناده على ابن زيد بن جدعان مختلف فيه وذلك أن النوم مظنة تغير رائحة الفم وهذا لا يختلف بين الليل والنهار

 

18- وأما حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَصَرَهُ فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَصَمْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَنَّ بِهِ ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَهُ أَوْ إِصْبَعَهُ ثُمَّ قَالَ : (( فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى )) ثَلاَثًا ثُمَّ قَضَى،  وَكَانَتْ تَقُولُ : مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي

وفي لفظ : (( فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ )) أخرجه البخاري برقم 4438) ومسلم برقم (2443)

ففيه شدة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على السواك حتى في حالة النزع وشدة الموت وأن ذلك لم يشغله عن طلب السواك ثم التسوك إلى آخر الأجل فصلى الله عليه وسلم

 

 

19- وأما حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْتُهُ يَسْتَنُّ بِسِوَاكٍ بِيَدِهِ يَقُولُ : (( أُعْ أُعْ )) وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ . أخرجه البخاري برقم (244) ومسلم برقم (254)

ففيه : بيان صفة من صفات التسوك وهو تنظيف اللسان والمبالغة في ذلك

 

والحمد  لله  أولا  وآخرا   وظاهرا  وباطنا والحمد  لله  الذي  هدانا   لهذا  وما  كنا  لنهتدي   لولا   أن   هدانا  الله ونسأل  الله  دوام   نعمة   الهداية   وشكرها

ونسأله   برحمته   أن  يجعله  حجة  لنا   لا  علينا وينفعنا   بها   وكل   من  قرأها   واستفاد   منها   في  يوم  لا  ينفع   فيه  مال  ولا  بنون   إلا  من  أتى الله  بقلب  سليم  وصلى  الله  وسلم   على   عبده  ورسوله   محمد   وعلى   آله