دروس في العقيدة
التوحيد
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة دروس منوعة
تأليف
علي بن عبدالرحيم الغامدي
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
1435هـ – 1436هـ
الحمد وحده والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
أولاً :
دروس في التوحيد
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ……………………………………………………… وبعد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جعلكم الله مباركين أينما كنتم ، وهذه سلسلة نبتدئها بالتوحيد ؛ لأنه الأصل الذي خلق الله الخلق لأجله وهو أول واجب على المكلفين وسيكون أول ما يسأل عنه المكلف بعد موته .
وسنذكره من الكتاب العظيم والسنة الشريفة الصحيحة ولن نزيد على ذلك إلا ما كان لضرورة قصوى ، ومن الله العون ونسأله التيسير والتوفيق لما يحب ويرضى .
*- التوحيد :
قال الله تعالى : { قل هو الله أحد} [1] .
وقال تعالى : {سبحانه هو الله الواحد القهار } [2] .
وقال تعالى : {إنما الله إله واحد} [3] .
وقال عز وجل : {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } [4] .
وقال سبحانه : {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون } [5] .
وقال عز من قائل : {ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير } [6] .
*- التوحيد في السنة الشريفة الصحيحة ، وهي كثيرة مباركة طيبة ونختار منها :
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى نحو اليمن قال له : (( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى )) الحديث أخرجه البخاري ومسلم .
2- عن طارق بن أشيم رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله )) أخرجه مسلم .
3- عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( بني الإسلام على خمس على أن يوحد الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان والحج )) اخرجه البخاري ومسلم ، وهذا اللفظ لمسلم .
4- عن عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه في حديث طويل : أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ما أنت ؟ قال : (( نبي )) . قلت : وما نبي ؟ قال : (( أرسلني الله )) . فقلت وبأي شيء أرسلك ؟ قال : (( أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله ﻻ يشرك به شيء )) . قلت : فمن معك على هذا ؟ قال : (( حر وعبد )) ومعه يوم ذاك أبو بكر وبلال . أخرجه مسلم .
قال شيخنا – حفظه الله – :
إذا كان التوحيد أعظم التكاليف وأوجب الواجبات ومن أجله خلق الله الخلق وهو أول ما يسأل عنه المكلفون عند انقضاء آجالهم في الدنيا وهو مفتاح الجنة وسبب السعادة ، فإن نقيضه وهو الشرك أعظم الظلم وأقبح القبائح ولا يقبل لصاحبه صرف ولا عدل ولا تنفعه حسنة بعد موته ومكتوب لأهله الخلود في نار تلظى ﻻ يصلاها إلا الأشقى ، نعوذ بالله من أسباب سخطه وعذابه .
ويدل على ما ذكرنا من خطر الشرك وقبح مسلكه ووخامة عاقبته كتاب الله العظيم وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم .
*- فأما كتاب الله العظيم :
فقال تعالى : {إن الشرك لظلم عظيم } [7] .
وقال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما } [8] .
وقال عز وجل : { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } [9] .
وقال عز وجل : {حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } [10] .
وقال تبارك وتعالى : {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لأن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين } [11] .
وقال تعالى : {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } [12] .
*- ومن السنة الشريفة :
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم ؟ قال : (( أن تجعل لله نداً وهو خلقك …… )) الحديث أخرجه البخاري ومسلم .
وعن أنسرضي الله عنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر ؟ قال : (( الإشراك بالله …… )) الحديث أخرجه البخاري ومسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( اجتنبوا السبع الموبقات )) قالوا : يا رسول الله ما هن ؟ قال : (( الشرك بالله والسحر … )) الحديث أخرجه البخاري ومسلم .
وعن أنس رضي الله عنه يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يقول لأهون أهل النار عذاباً لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به ؟ قال : نعم . قال : قد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن ﻻ تشرك بي فأبيت إلا الشرك )) أخرجه البخاري ومسلم .
قال شيخنا – حفظه الله – : جعلكم الله مباركين أينما كنتم .
ونكتب لكم بعون الله عقيدة المؤمن من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نزيد من كلامنا أو كلام غيرنا إلا ما كان لضرورة قصوى ، فنبدأ بسم الله :
*- الكتاب الأول ، باب : توحيد الربوبية :
قال الله تعالى : { الحمد لله رب العالمين } [13] .
وقال تعالى :{ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } [14] .
وقال عز وجل : { الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل } [15] .
وقال عز من قائل : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقلون خلقهن العزيز العليم } [16] .
ويقول تعالى : { والله خلقكم وما تعملون } [17] .
ويقول تبارك وتعالى : { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون * فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأني تصرفون } [18] .
ويقول تعالى وتقدس :{ قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يَهِدِّي إلا أن يُهدى فمالكم كيف تحكمون } [19] .
قال شيخنا[20] – حفظه الله – :
*- ومن السنة الشريفة في توحيد الربوبية :
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : إني عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء قوم من بني تميم فقال : (( اقبلوا البشرى يا بني تميم )) قالوا : بشرتنا فأعطنا . فدخل ناس من أهل اليمن فقال : (( اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنوا تميم )) قالوا : قبلنا جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان . قال : (( كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء )) أخرجه البخاري .
وفي دعاء الاستفتاح في الصلاة كان يقول : (( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت للباطن فليس دونك شيء )) أخرجه مسلم .
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن ﻻ إله إلا الله وحده ﻻ شريك له وأن محمداً عبده ورسوله رضيت بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام دينا غفر له ذنبه )) أخرجه مسلم .
وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب : ﻻ إله إلا الله العليم الحليم ﻻ إله إلا الله رب العرش العظيم ﻻ إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم )) أخرجه البخاري ومسلم .
قال شيخنا – حفظه الله – :
ومن توحيد الربوبية اعتقاد أن الذي ينزل المطر والغيث هو الله ، ويدل على ذلك كتاب الله العظيم وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم .
*- فأما الكتاب العزيز :
فقال الله تبارك وتعالى : { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير } [21] .
وقال عز وجل : { أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلنه أجاجا فلولا تشكرون } [22] .
*- وأما الأدلة من السنة الشريفة على اعتقاد أن الذي ينزل المطر والغيث هو الله وحده ﻻ غيره :
فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال : صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس فقال : (( هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ )) قالوا : الله ورسوله أعلم ! قال : (( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب )) أخرجه البخاري ومسلم .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : (( مفتاح الغيب خمس ﻻ يعلمها إلا الله : ﻻ يعلم أحد ما يكون في غد ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام ولا تعلم نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت وما يدري أحد متى يجيء المطر )) أخرجه البخاري .
قال شيخنا – حفظه الله – :
ومن توحيد الربوبية الاعتقاد الجازم أن النفع والضر بيد الله عز وجل وحده وأنه ﻻ عدوى ولا طيرة ولا صفر إلا بإذن الله ، ويدل على ذلك :
*- كتاب الله العظيم :
قال الله تبارك وتعالى : { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير } [23] .
وقال عز وجل : {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } [24] .
وقال تعالى وتقدس : { وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا } [25] .
*- وأما السنة الشريفة : فمما يدل على أن النفع والضر من الله وحده وأنه ﻻ عدوى ولا طيرة ولا صفر إلا بإذن الله .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ﻻ عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد )) أخرجه البخاري وهذا لفظه .
وأخرجه مسلم بلفظ : (( ﻻ عدوى ولا نوء ولا هامة ولا صفر …. )) .
وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ﻻ عدوى ولا غول ولا صفر )) أخرجه مسلم .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : (( ﻻ عدوى ولا طيرة إنما الشؤم في ثلاث : في الفرس والمرأة والدار )) أخرجه البخاري ومسلم .
قال شيخنا – حفظه الله – :
ومن عقيدة المؤمن في توحيد الربوبية الاعتقاد الجازم أن الذي يعلم الغيب هو الله وحده ﻻ شريك له ، ويدل على ذلك كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
*- فأما الكتاب العزيز ، فمن ذلك :
قول الله تعالى وتقدس : {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [26] .
وقال تبارك وتعالى : {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [27] .
وقال تعالى : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ } [28] .
وقال عز وجل : {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } [29] .
وقال تعالى : {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [30] .
*- ومن أدلة السنة الشريفة على أن الذي يعلم الغيب هو الله وحده ﻻ شريك له :
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا قام من الليل افتتح صلاته : اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )) أخرجه مسلم .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مفاتح الغيب خمس ﻻ يعلمها إلا الله : ﻻ يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله )) أخرجه البخاري .
وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها قالت : جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليّ حين بني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من أبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن : وفينا نبي الله يعلم ما في غد فقال : (( دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين )) أخرجه البخاري .
قال شيخنا – حفظه الله – :
الكتاب الثاني من عقيدة المؤمن : ( توحيد الألوهية أو توحيد العبادة ) .
مما يجب على المؤمن اعتقاده اعتقاداً جازماً ﻻ يخالطه شك ولا ارتياب أن الألوهية والعبادة لله وحده لا شريك له ، ويدل على ذلك كتاب الله العظيم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الشريفة
*- فأما الكتاب العزيز ، فآيات كثيرة منها :
قول الله تبارك وتعالى : {فاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } [31] .
وقال تعالى وتقدس : {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [32]
وقال سبحانه : {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [33] .
وقال تعالى : {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [34] .
وقال تعالى وتقدس : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [35] .
وقال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }[36] .
وقال عز من قائل : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[37] .
*- وأما أدلة السنة على وجوب اعتقاد المسلم أن العبادة لله وحده ﻻ شريك له
والتزامه بذلك :
فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد ؟ )) قال : الله ورسوله أعلم . قال : (( حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً )) أتدري ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك ؟ قال : الله ورسوله أعلم قال : (( أن ﻻ يعذبهم )) أخرجه البخاري ومسلم .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( بني الإسلام على خمس على أن يعبد الله ويكفر بما دونه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان )) أخرجه مسلم .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له : (( إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل ….. )) الحديث ، أخرجه البخاري ومسلم .
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه : أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرني بعمل يدخلني الجنة ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم )) أخرجه البخاري ومسلم .
قال شيخنا – حفظه الله – :
ومن أصول التوحيد الواجب لله أن يكون الله ورسوله أحب إلى المؤمن من والده وولده والناس أجمعين ومن نفسه .
ويدل على ذلك كتاب الله العظيم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الشريفة .
*- فأما كتاب الله العزيز :
فقال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}[38] .
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [39] .
وقال تبارك وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [40] .
وقال عز من قائل : {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [41] .
*- وأما أدلة السنة الشريفة على وجوب محبة الله ورسوله أكثر من الوالد والولد والناس جميعاً ومن النفس :
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ﻻ يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )) أخرجه البخاري ومسلم .
وعن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر : ( يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي ) . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ﻻ والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك )) فقال عمر : ( فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( الآن يا عمر )) أخرجه البخاري .
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء ﻻ يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار )) أخرجه البخاري ومسلم .
قال شيخنا – حفظه الله – :
ومما يجب على المؤمن أن يكون في حبه لله بين الخوف والرجاء كالطائر بين جناحيه ، ويدل على ذلك كتاب الله العظيم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الشريفة .
*- فأما الكتاب العزيز :
فقال الله تبارك وتعالى :{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } [42] .
وقال تعالى : {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [43] .
وقال عز وجل : {أولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [44] .
وقال تعالى : {أمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } [45] .
*- ويدل على وجوب أن يكون المؤمن في حبه لله بين الخوف والرجاء كالطائر بين جناحيه من السنة الشريفة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع أحد بجنته ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد )) أخرجه مسلم .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم أضطجع على شقك الأيمن ثم قل : اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك ﻻ ملجأ ولا منجا منك إلا إليك اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم به )) أخرجه البخاري ومسلم .
قال شيخنا – حفظه الله[46] – :
ومما يجب لله تعالى على المؤمنين أن يكون رجاؤهم وخوفهم وخشيتهم المطلقة لله وحده ﻻ شريك له ، ويدل على ذلك كتاب الله العظيم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الشريفة .
*- فأما الكتاب العزيز :
قال الله تعالى وتبارك : {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [47] .
وقال عز وجل : {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [48]
وقال تعالى وتقدس : {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [49] .
وقال تبارك وتعالى : {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [50] .
وقال تقدست أسماؤه : {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [51] .
وقال عز من قائل : {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [52] .
وقال تبارك وتعالى : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[53] .
*- ومن السنة الشريفة في الدلالة على وجوب أن يكون رجاء المؤمن وخوفه وخشيته المطلقة لله وحده ﻻ شريك له :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( …… أما والله إني ﻷخشاكم لله وأتقاكم)…… )) أخرجه البخاري ومسلم
وسبق حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما فيما يقول إذا أخذ مضجعه وفيه : (( …… رغبة ورهبة إليك …. )) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي )) أخرجه البخاري ومسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييئس من الجنة ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار )) أخرجه البخاري ومسلم .
قال شيخنا – حفظه الله – :
ومما يجب على المؤمن أن يستعيذ بالله وحده ﻻ شريك له .
قال الله تعالى : {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [54]
وقال تبارك وتعالى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) } [55] .
وقال سبحانه : {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) }[56] .
وقال تقدست أسماؤه : {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) } [57] .
*- ومن السنة الشريفة في الدلالة على وجوب الاستعاذة بالله وحده ﻻ شريك له
عن خولة بنت الحكم السلمية رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(( إذا نزل أحدكم منزلاً فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه ﻻ يضره شيء حتى يرتحل منه )) أخرجه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتت الأعداء )) أخرجه البخاري ومسلم .وعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات )) أخرجه البخاري ومسلم .
قال شيخنا – حفظه الله – :
ومما يجب على المؤمن أن تكون عبادته لله وحده ﻻ شريك له :
قال الله تبارك وتعالى : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [58]
وقال عز وجل : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [59] .
وقال تعالى : {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [60] .
وقال تعالى وتقدس : {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ } [61] .
*- ومن السنة الشريفة في الدلالة على أنه يجب على المؤمن أن يكون دعاؤه لله وحده ﻻشريك له :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل اﻵخر يقول : من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له )) أخرجه البخاري ومسلم .
وعن أبي موسى اﻷشعري رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنا إذا علونا كبرنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم ﻻ تدعون أصم وﻻ غائباً ولكن تدعون سميعاً بصيراً )) أخرجه البخاري ومسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يستجاب ﻷحدكم ما لم يعجل يقول : دعوت فلم يستجب لي )) أخرجه البخاري ومسلم .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا دعا أحدكم فليعزم في المسألة وﻻ يقولن اللهم إن شئت فاعطني فإنه ﻻ مستكره له )) أخرجه البخاري ومسلم .
وفي الحديث الصحيح عند الترمذي : (( الدعاء هو العبادة )) .
حديث القبضتين
قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله عز وجل خلق آدم ثم أخذ الخلق من ظهره وقال هؤﻻء إلى الجنة وﻻ أبالي وهؤﻻء إلى النار وﻻ أبالي )) فقال قائل : يا رسول الله فعلى ماذا نعمل ؟ قال : (( على مواقع القدر )) أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم عن عبدالرحمن بن قتادة السلمي وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم فقال للذي عن يمينه إلى الجنة وﻻ أبالي وقال للذي في كتفه اليسرى إلى النار وﻻ أبالي )) أخرجه أحمد في المسند وابنه في زوائد المسند بإسناد صحيح .
قد يتوهم كثير من الناس أن اﻷمر فوضى أو أنه حظ فمن وقع في القبضة اليمنى كان من أهل السعادة ومن كان في القبضة اليسرى كان من أهل الشقاوة وهذا الوهم جاء من الجهل بأسماء الله وصفاته وعلمه وعدله وحكمته سبحانه
والواجب أن يتيقن المخلوق أن الله عز وجل : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[62] فليس كمثله شيء ﻻ في ذاته وﻻ في صفاته .
فإذا قبض قبضة فهي بعلمه وحكمته وعدله فهو سبحانه قبض باليمنى لمن يعلم أنه سيطيعه حين يأمره وينهاه ، وقبض باﻷخرى من يعلم أنه سيعصيه حين يأمره وينهاه ، فهاتان القبضتان حكم من الله تعالى عليهم بما سيصدر منهم من إيمان يستلزم الجنة أو كفر يقتضي النار .
وتأمل قول الله تعالى : {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) } [الليل : 5 – 10][63] .
ولما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ففيم العمل قال : (( اعملوا فكل ميسر لما خلق له )) .
والوهم اﻵخر في قضية القبضتين اعتقاد كثير من الناس أن الله جبر الخلق على ما يعملون من إيمان وطاعة أو كفر ومعصية وهذا وهم وضلال ، فقد قال الله تعالى : { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [64] .
وقال تعالى : {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) } .
وقال تعالى : {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ } [65] .
وآيات كثيرة تدل دﻻلة واضحة وصريحة أن اﻹيمان والكفر أمران اختياريان ﻻ يكره الله أحدا من خلقه على واحد منهما ، قال تعالى : {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }[66] على أحد التفسيرين للآية .
وهذا لكمال عدله وكمال حكمته سبحانه فقد حرم الظلم على نفسه فقال في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ….. )) .
قرر الله هذا المعنى في آيات كثيرة :
فقال تعالى :{ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [67] ، وقال تعالى : {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[68] ، وقال سبحانه : {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [69] وغيرها كثير في أنه تعالى وتقدس ﻻ يظلم أحداً من خلقه .
وليس بين هذا وبين مسألة القبضتين تعارض ﻷننا إذا تيقنا الحق وهو كمال علم الله وأنه علم بالخلق وأعمالهم ومآلهم قبل خلقهم ووجودهم ثم كتب ذلك في اللوح المحفوظ ، ثم تيقنا الحق في أنه تعالى وتقدس منزه عن الظلم وحرمه على نفسه تيقنا الحق في هذه القضية وأنه إنما قبض باليمين من علم أنه سيطيع أمره إذا أمره ونهاه وأنه سيختار اﻹيمان على الكفر حتى يموت وهو ثابت عليه ، وأنه قبض القبضة اﻷخرى من علم أنه سيعصيه إذا أمره ونهاه وسيختار الكفر على اﻹيمان حتى يموت وهو ثابت عليه قال تعالى : {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}[70] .
ومعلوم أن المخلوق لم يطلع على اللوح المحفوظ وﻻ ما كتب له وهو في بطن أمه ولكن اليقين أنه سمع وقرأ كلام الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفيه أمر الله له بالإيمان والطاعة ونهيه عن الكفر والمعصية ، وحساب الله له إنما هو فيما سمع وقرأ من كلام الله وما بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم ، فكيف يحتج بما ﻻ يعلم ويترك العمل بما علم وتيقن ؟ هذا يدل على حقيقة أن الإنسان ظلوم جهول .
ثم هو في أمور معاشه وحياته البهيمية يتيقن أن له اختياراً ومشيئة ولذلك يسعى بكل طاقته لتحصيل ما يراه منفعة له ويبتعد عما يراه مضرة عليه ، فلماذا ﻻ يتعامل في باب اﻹيمان والطاعة أو الكفر والمعصية وفق هذه الحقيقة التي تيقنها ؟
وأول من قابل أمر الله وأحتج بالقدر السابق إبليس لما أمره الله بالسجود قال : { فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [71] فمن يحتج بالقدر على المعاصي قدوته وسلفه إبليس .
وأما آدم عليه السلام فأعترف بذنبه وأناب إلى ربه وأستغفر فغفر له : { قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [72] فمن أطاع أمر ربه وأقر بذنبه وأنه فعله واختياره وسأل الله المغفرة فقدوته وسلفه أبوه آدم عليه السلام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- سورة النساء الآية ( 171 ) .
4- سورة البقرة الآية ( 163 ) .
9- سورة المائدة الآية ( 72 ) .
12- سورة الأنعام الآية ( 88 ) .
13- سورة الفاتحة الآية ( 2 ) .
17- سورة الصافات الآية ( 96) .
20- هذا موضوع يوم وفاة أمي – رحمها الله – كنت قد جهزته لأرسله في ذلك اليوم ، ولكن سبق الأجل ، فاللهم أجعله في ميزان عملها الصالح فما أنا إلا حسنة من حسناتها .
28- سورة آل عمران الآية (179) .
33- سورة البقرة الآية ( 163 ) .
35- سورة الذاريات الآية (56) .
36- سورة الأنبياء الآية ( 25) .
41- سورة المجادلة الآية (22) .
42- سورة الأنبياء الآية (90) .
50- سورة آل عمران الآية (175) .
51- سورة الرحمن الآية (46) .
62- سورة الشورى الآية (11) .