دروس صيف عام 1427هـ

الدرس العاشر

تحميل الدرس PDF

 

الدرس العاشر

حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته

 

قال تعالى :{  لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ   }سورة التوبة  ( 128 ) .  

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين         أما بعد

 

 فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله عز وجل : {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}فهو حريص على أمته ، يشق عليه صلى الله عليه وسلم كل أمر يحصل لأمته منه عنت أو مشقة سواءً في العاجل أو في الآجل ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يترك كثيراً من الأعمال التي يحبها خشية أن يستن به الناس فتفرض عليهم فيعجزون عنها فيحصل لهم العنت والحرج ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم : (( بعثت بالحنيفية السمحة )) (1) .

ومن الأمور التي كانت تقلق النبي صلى الله عليه وسلم ويخشاها على أمته ما يحدث لهم بعد موته صلى الله عليه وسلم ولذلك كان حريصاً على أن يجلي لهم الأمور ففي صحيح مسلم عن عمرو بن أخطب رضي الله عنه قال : (( صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الفَجْرَ . وَصَعِدَ الـمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظّهْرُ . فَنَزَلَ فَصَلّى . ثُمَّ صَعِدَ الـمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتّى حَضَرَتِ العَصْرُ .   ثُمّ نَزَلَ فَصَلّى . ثُمّ صَعِدَ الـمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتّى غَرَبَتِ الشّمْسُ . فَأَخْبَرَنَا بِمَـا كَانَ وَبِمَـا هُوَ كَائِنٌ  . فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا )) (2) .

أي كل أمر سيحدث من مقامه ذلك إلى قيام الساعة أخبرهم به وجلاّه لهم حتى يكون الناس على بينة وعلى بصيرة .

 

وهذا المعنى رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه حيث قال في صحيح مسلم : (( قَامَ فِينَا    رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَقَاماً . مَا تَرَكَ شَيْئاً يَكُونُ في مقَامِهِ ذَلك إِلى قِيَامِ السّاعَةِ . إِلاّ حَدّثَ بِهِ . حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ . قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤلاَءِ . وإِنّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشّيءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ . كَمَـا يَذْكُرُ الرّجُلُ وَجْهَ الرّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ ثُمّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ )) (1) .

وكذلك ما رواه الطبراني عن أبي ذر رضي الله عنه  قال : تركـنا رسـول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما قال فقال صلى الله عليه وسلم : (( ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيّن لكم )) (2) .

فالنبي صلى الله عليه وسلم لحرصه على أمته ما تـرك شيئاً بينه وبين قـيام الساعـة إلا أخبر به أمته فحذرهم مما يخافه عليهم وأمـرهـم بمـا هو سبيل النجاة ، ولذلك يقول العرباض بن سارية رضي الله عنه : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، قلنا : يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ قال : (( قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك   ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، وعليكم بالطاعة ، وإن عبداً حبشياً ، عضوا عليها بالنواجذ فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثمـا انقيد انقاد )) (3) .

 

هذا الحديث يبين أن الأمور ستتغير وأن الناس سيشعرون بهذا التغير : (( ومن يعش منك فسيرى اختلافاً كثيراً )) وهذا أمر خطير ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بسبيل النجاة عند التغير والاختلاف وهو أن يتمسك الإنسان بالكتاب والسنة لذلك قال  صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض السابق : (( فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين )) .

وهذا يعني أن العصمة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فمن أراد العصمة والنجاة فإنها السنة وكذلك ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم لأنهم على هدى وصراط مستقيم وليس في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم مبتدع أبداً بل تمسكوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفاهم الله على ذلك .

وهذا المعنى – أن النجاة هي السنة – هو معنى قول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (1) .

وهذا ليس خاصاً بزمن النبي صلى الله عليه وسلم أو أنه صلى الله عليه وسلم موجود بذاته بين الناس أو غير موجود فإن كتاب الله موجود وسنة النبي صلى الله عليه وسلم موجودة ولو غاب النبي صلى الله عليه وسلم أو مات فإن المقصود سنته وهديه والصحابة رضي الله عنهم نقلوا سنته وهديه ولـم يخفوا من ذلك شيئاً حتى الخراءة بينها النبي صلى الله عليه وسلم ونقلها الصحابة رضي الله عنهم إلينا .

فالله تعالى يدعونا للاستجابة لله وللرسول إذا دعانا لما يحيينا .

 

ودلت هذه الآية على أن الحياة الحقيقية ليست حياة الأكل والشرب ؛ لأن الخطاب موجه للأحياء الذين يأكلون ويشربون ، فمعنى هذا أنه يدعوهم إلى حياة أعظم  لم توجد الحياة الدنيا إلا من أجلها ألا وهي حياة القلوب بالإيمان بالله تعالى وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره .

والمعنى أن من لم يستجب لله وللرسول فإنه ميت هالك ؛ لأن سعادة المخلوق ونجاته وحياته الحقيقية حين يموت الخلق فإن هناك حياة حقيقية تحصل لمن استجاب لله وللرسول : {إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }  .

وقوله تعالى :{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } أي إذا لم تحصل الاستجابة وأعرض الإنسان فإن الله يجعل هذا القلب يسعى في هلاك صاحبه ، فيختار الكفر على الإيمان والبدعة على السنة والضلالة على الهدى وهذا هو الموت الحقيقي    لأن الله حال بينه وبين الحياة الحقيقية ، فالله سبحانه لا يظلم الناس قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (1) .

وقال تعالى :{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } (2) فالله لا يبدأ العبد بالأمر الذي يكرهه حتى يكون العبد هو المتسبب فيجني على نفسه بذلك السبب .

والنبي صلى الله عليه وسلم يحذرنا من الاختلاف وما يحدث بعده من الأمور المخالفة وهذا معنى قول الله عز وجل : {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } وهذا المعنى مع المعنى السابق يدل على أن الاستجابة لله وللرسول هي العصمة من الفتنة .

وبالمفهوم فإن عدم الاستجابة لله وللرسول هي سبب الفتنة فيحال بينه وبين قلبه : {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } فهذا معطوف على الآية السابقة : {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } .

وهذا المعنى هو الذي فهمه السلف فإن الإمام أحمد رضي الله عنه لما تلا قول الله عز وجل : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1) قال : أتدري    ما الفتنة ؟ الفتنة : الشرك يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقع الزيغ في قلبه فيهلك .

هذا هو فهم السلف وهو الفهم الصحيح ؛ لأنهم خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم فكل من تمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين فهو معهم وهو على الهدى ، والتمسك بهدي الخلفاء الراشدين يعني في الفهم والعمل ، وهذا فهمهم رضي الله عنهم في أن عدم الاستجابة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم توقع المخالف في الفتنة ، والفتنة هي الشرك والزيغ والعياذ بالله .

النبي صلى الله عليه وسلم لما قام ووعظ الناس هذه الموعظة البليغة وبين لهم أن التمسك بكتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم هي العصمة من الفتن ، أمر بأمر آخر فقال : (( … وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً … )) فدل هذا على الطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين عصمة من الفتنة .

(( وإن عبداً حبشياً )) أي لا تنظر إلى لونه أو جنسه عربي أو أعجمي بل انظر إلى بقاء المسلمين يداً واحدة وأمة مجتمعة تحت ولاية واحدة وأن هذا أمنة للناس .

 

وبالمقابل فإن عدم الطاعة يؤدي إلى تفرق كلمة المسلمين وسفك الدماء وانتهاك الأعراض وانقطاع السبل وانتقاص الدين وتسلط الأعداء كل هذا يكون عند اختلال الأمن والخروج عن طاعة الإمام ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم غاية التحذير من شق العصا والخروج على الحاكم حتى لو تسلط حاكم وجلد ظهر أحد المسلمين وأخذ ماله ظلماً فلا يخرج من الطاعة ؛ لأن البقاء في الطاعة أسلم للأمة وللدين مع حصول الأضرار أو المظالم الخاصة التي قد تصل إلى الاعتداء على الشخص  ما لم يحصل الاعتداء في الدين قال صلى الله عليه وسلم : (( ما أقاموا الصلاة )) وقال صلى الله عليه وسلم : (( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم عليه من الله برهان )) .

فإذا وصل الأمر إلى الدين فلا فائدة من الإمامة ؛ لأن المقصود من الولاية إقامة الدين فإذا انتهك الدين – والعياذ بالله – فماذا يرتجى بعد الدين ؟ 

وفي حديث حذيفة رضي الله عنه (1) عند الإمام مسلم (2)  – رحمه الله – قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير . وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني .  فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير شر ؟ قال : (( نعم )) فقلت : هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : (( نعم وفيه دخن )) قلت : وما دخنه ؟ قال : (( قوم يستنون بغير سنتي ، ويهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر )) فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : (( نعم دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها )) فقلت : يا رسول الله صفهم لنا ، قال : (( نعم ، قوم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا )) قلت : يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك ؟ قال : (( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم )) فقلت : فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : (( فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة ، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )) .

 

فجمـاعة المسلمين وإمامهم أمنة عند حدوث هذه الكوارث والمصائب العظام .

والمراد بجماعة المسلمين هم أهل الحل والعقد أهل الهدى والعلم والبصائر الذين يدعون إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

وبالمقابل إذا ترك الناس أهل العلم والهدى حدث الجهل والمعاصي وهي أسباب الفتن التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم فيتخبط الإنسان وتلتبس عليه الأمور وقد حذر  النبي صلى الله عليه وسلم من هذا بقوله : (( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ، يُصبح الرجلُ فيها مؤمناً ويُمسي كافراً ، أو يُمسي مؤمناً ويُصبح كافراَ ، يبيعُ دينه بعرضٍ من الدنيا )) (1) .

ويقول صلى الله عليه وسلم : (( إن بين يدي الساعة لأياماً ، ينزلُ فيها الجهلُ ، وَيُرفعُ فيها العلمُ وَيكثرُ فيها الهرجُ )) . والهرجُ : القتل (2) .

فهي ككفتي ميزان إذا نزل العلم رفع الجهل وإذا نزل الجهل رفع العلم وحصل الهرج .

وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم : (( مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ ، وَيَظْهَرَ الْـجَهْلُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا ، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ ، حَتَّى يَكُونَ لِـخَمْسِينَ امْرَأةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ ))  (3) .

فإذا كان الجماعة هم أهل العلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فالتف الناس عليهم كان هذا إيذاناً بأن العلم لازال باقياً فبالتالي ينصرف الجهل .

فأمن الناس مرتبط بثلاثة أمور :

الأمر الأول : الاستجابة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم .

والأمر الثاني : التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين .

والأمر الثالث : لزوم جماعة المسلمين وإمامهم .

والأمر الرابع : لزوم العلم والعلماء .

والأمر الخامس : الحذر من الدنيا .

فإذا لم يحدث هذا وانصرف الناس عن العلم والعلماء ، فإنه يرفع العلم وينزل الجهل فتفشو المعاصي والذنوب وفشوها إيذاناً بالفتن الكبرى أولها القتل حتى لا يدري القاتل فيما قَتل ولا المقتول فيما قُتل ، وسبب ذلك تحكم الأهواء وتقديم الدنيا وهذا أوان اعتزال الإنسان قال صلى الله عليه وسلم : (( بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً ودنيا مؤثرةً وإعجابَ كلّ ذيٍ رأي برأيه ، فعليك – يعني بنفسك – وَدَعْ عنكَ العوامّ ، فإنّ من ورائكم أيام  الصبر ، الصبر فيه مثل قبض على الجمر ، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله  )) (1) .

فالنبي صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك وسميت بيضاء ؛ لأنها واضحة المعالم حتى لو سار عليها الإنسان بالليل لأبصر معالمها .

والهلاك هو أن يتبع الإنسان نفسه هواها وأن يكون همه الدنيا والحرص عليها وأن يبغي الفساد في الأرض ويحب العلو فيها : {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (1) .

فتجده معجباً برأيه لا يرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذا دُعي إليها ولا يلتفت إلى إمام ولا جماعة .

واغتراره بالدنيا وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته فقال صلى الله عليه وسلم : (( بادروا بالأعمال سبعا هل تنظرون إلا إلى فقرٍ منسٍ أو غنىً مطغٍ ، أو مرضٍ مفسدٍ أو هرمٍ مفندٍ ، أو موتٍ مجهزٍ أو الدجال فشر غائب ينتظر ، أو الساعة فالساعة أدهى وأمرُّ  )) (2) .

 بل من أشد ما خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته انفتاح الدنيا عليهم : (( …… فو الله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم )) (3) .

فالدنيا تقطع بسببها الأرحام وتمنع بسببها الحقوق وينتقص بسببها الدين وتحصل بسببها المعاصي العظام أعاذنا الله وإياكم من فتن الدنيا .

 

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

1- أخرجه الإمام أحمد (5/266-الطبعة القديمة) والطبراني في الكبير (8/170) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/302)

2- برقم (2892)

1- برقم (2891)

2- انظر المعجم الكبير (2/155)

3- أخـرجه الإمام أحـمد (4/126 الطبعة القديمة )

1– سورة الأنفال الآيات (24 -25)

1- سورة يونس الآية (44)

2- سورة الصف  الآية (5)

1- سورة النور الآية (63)

1- حذيفة بن اليمان رضي الله عنه من خيار الصحابة ومن أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد خصه النبي صلى الله عليه وسلم بسر من الأسرار وهو معرفة المنافقين ولذلك كان كبار الصحابة مثل عمر رضي الله عنه يأتون إلى حذيفة ويسألونه هل سماهم النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين فيقول : لا . وكان عمر رضي الله عنه ينظر إلى الجنازة إذا جيء بها فإن رأى حذيفة رضي الله عنه يصلي عليها صلى معه وإن رأى حذيفة تركها فإنه لا يصلي عليها

2– برقم (1847)

1- أخرجه الإمام مسلم برقم (118) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

2- أخرجه البخاري برقم (7062 ، 7063) من حديث عبدالله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما 

3- أخرجه البخاري برقم (81) من حديث أنس رضي الله عنه

1- أخرجه أبو داود برقم (4341) من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه

1- سورة القصص الآية (83)

2- أخرجه الترمذي برقم (2306) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقال الترمذي : حديث غريب حسن

قلت : وفي إسناده ضعيف ، ولكن لبعضه شواهد ، وطريق الترمذي لها متابعة عند الحاكم وغيره وفيها انقطاع

3- أخرجه الترمذي برقم (2462) من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه وفي قصة قدوم أبا عبيدة بن الجراح بمال من البحرين