الدرس الثالث
المسيح الدجال أعظم فتنة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد
سنتكلم اليوم عن أعظم فتنة توجد على هذه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال هو أعظم وأكبر فتنة منذ خلق الله السماوات والأرض .
وإذا تأمل الإنسان ما مر على البشرية من فتن عظيمة ومن دعاة للباطل ومن متسلطين بالكفر من النمرود إلى فرعون إلى غيرهم ثم سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال أكبر وأعظم فتنة منذ خلق الله آدم علم أي خطر وأي فتنة تكون فتنة الدجال والعياذ بالله ولذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما من نبي من الأنبياء بعثه الله عز وجل إلى الناس إلا وأنذر قومه الدجال من نوح عليه الصلاة والسلام فمن بعده كل نبي يحذر أمته الدجال ، وهذا يدل على عظيم خطره وشدة فتنته حيث حذر كل نبي أمته منه مع أنه لا يخرج إلا آخر الزمان قال صلى الله عليه وسلم : (( … إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال . وإن الله لم يبعث نبياً إِلاَّ حذر أمته الدجال . وأنا آخرُ الأنبياء . وأنتم آخر الأمم . وهو خارجٌ فيكم لا محالة … )) الحديث (1) .
والدجال ذكره الله في القرآن ولكن لم يذكره تصريحاً وذلك لتحقيره وأنه مهما عظمت فتنته فإنه حقير ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة لما أكثر من السؤال عن الدجال كما في صحيح البخاري عن المغيرة رضي الله عنه قال : ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته ، وإنه قال لي : (( ما يضرك منه ؟ )) . قلت : لأنهم يقولون إن معه جبلَ خبزٍ ونهرَ ماءٍ ، قال : (( هو أهونُ على الله من ذلك )) (1) . أي مهما كان عنده من أسباب الفتن إلا أنه حقير أمام تثبيت الله عز وجل للمؤمن .
ومع شدة فتنته ومع ما يجريه الله على يديه من الخوارق إلا أن الله تعالى قد جعل فيه علامات واضحة تدل على كذبه ، فمنها :
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه قبلي نبي ، يقول : أنا ربكم ، ولا ترون ربكم حتى تموتوا … )) الحديث .
2- أنه يدعي الألوهية يدعي أنه رب العالمين ، ومعلوم أن الإله سبحانه وتعالى كامل في ذاته وكامل في أسمائه وصفاته وفي أفعاله ، والدجال أعور فكيف يكون إله وهو أعور ؟ فإحدى عينيه ممسوحة والثانية طافية وهذا غاية النقص في خلقته فهذا علامة بينة على خبثه ودجله .
3- أن فيه عيب معنوي واضح يراه المؤمنون بأبصارهم فهو مكتوب على جبينه كافر ، فهذا عيب معنوي مناسب لدعواه .
ولكن من لم يثبته الله عز وجل فإنه يتزلزل ، والثبات يكون لمن كان مؤمناً صادقاً مع الله عز وجل طائعاً لله مستقيماً على أمره ، فأما المفرط والمضيع فإنه لا ينفعه الإيمان حين يظهر الدجال ، قال الله عز وجل : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً } (1) .
فقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي أخرجه الترمذي قال صلى الله عليه وسلم : (( ثلاثٌ إذا خرجن : {لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} الدجال والدابة وطلوع الشمس من المغرب أو من مغربها )) (2) .
فهذه آية ألمح الله فيها بل فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بخروج الدجال والدابة وطلوع الشمس من المغرب .
فالمؤمن الطائع المستقيم على أمر الله يثبته الله عز وجل إذا خرج الدجال فلا تضره فتنته وأما المتخلف عن طاعة الله المتبع لهواه فهذا لا ينفعه الإيمان حين يظهر الدجال وهذا فيه إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم إلى لزوم الطاعات والابتعاد عن المحرمات واللجوء إلى الله تعالى وسؤاله تثبيت القلب بالإيمان حتى إذا خرجت هذه الآيات العظيمة يثبته الله قال تعالى : {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (3) فالثابت يثبته الله والمخلط يُخلط عليه والذي يتبع نفسه هواها يتخلى الله عنه أحوج ما يكون إليه .
ولما ذكر الله تعالى عيسى ابن مريم وأنه من علامات الساعة عُلم بذلك أن الدجال خارج في هذه الأمة في آخر الزمان لأنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن عيسى عليه السلام ينزل ليقتل الدجال فسبب نزوله من السماء من أجل قتل الدجال فهذه الآية دليل آخر على خروج الدجال ؛ لأن بعض الناس يقول أن الدجال ليس مذكوراً في القرآن .
والرد عليهم :
*- ليس من الضرورة أن كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم يكون مذكوراً في القرآن ، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فهو حق قال تعالى : {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (1) فالسنة وحيٌ من الله تعالى .
*- إذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فلا يلزم أن يكون مذكوراً في القرآن بلفظه فقد يذكر في القرآن إشارة أو تلميحاً ثم النبي صلى الله عليه وسلم يفسره ويوضحه كما في الآية السابقة في الإشارة إلى الدجال والدابة وطلوع الشمس من المغرب .
*- أن الله تعالى يوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم السنة كما يوحي إليه القرآن فإن السنة وحي من الله عز وجل قال عليه الصلاة والسلام : (( ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه )) وقال الله تعالى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (2) .
فالله أنزل إليه الذكر وهو السنة ليبين لهم ما نُزل إليهم وهو القرآن .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن علامة في الدجال لم يخبر بها نبي قبله قال صلى الله عليه وسلم : (( ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور )) وسبب ذلك ، أنه قد عُلم أنه لم يخرج في أمة قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يحتاجون إلى هذه التفصيلات ، وأما خروجه في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فهو متيقن ولذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم علامات لم يذكرها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
والدجال كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم دل على هذا حديث ابن صياد وحديث الجساسة ، فأما حديث الجساسة فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه حديث طويل عن فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس وكانت من المهاجرات الأول وفيه : …… قالت : فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي الصلاة جامعة ، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال : (( ليلزم كل إنسان مصلاه )) ثم قال : (( أتدرون لم جمعتكم ؟ )) قالوا الله ورسوله أعلم . قال : (( إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن ، جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلاً نصـرانياً ، فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام ، فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أَرْفَؤُوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس ، فجلسوا في أَقْرُبِ السفينة فدخلوا الجزيرة ، فلقيتهم دابة أَهْلَبُ كثير الشعر ، لا يدرون ما قُبُلُهُ من دبره من كثرة الشعر ، فقالوا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة . قالوا : وما الجساسة ؟ قالت : أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير ، فإنه إلى خبركم بالأشواق . قال : لما سمت لنا رجلا فَرِقْنَا منها أن تكون شيطانة .
قال : فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير ، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا وأشده وثاقا ، مجموعة يداه إلى عنقه ، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد ، قلنا : ويلك ما أنت ؟ قال : قد قدرتم على خبري ، فأخبروني ما أنتم ؟ قالوا : نحن أناسٌ من العرب ، ركبنا في سفينة بحرية ، فصادفنا البحر حين اغْتَلَمَ فَلَعِبَ بنا الموج شهرا ، ثم أَرْفَأْنَا إلى جزيرتك هذه ، فجلسنا في أَقْرُبِهَا ، فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدري ما قُبُلُهُ من دبره من كثرة الشعر .
فقلنا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة . قلنا : وما الجساسة ؟ قالت : اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير ، فإنه إلى خبركم بالأشواق ، فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة .
فقال : أخبروني عن نخل بيسان ، قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : أسألكم عن نخلها هل يثمر ؟ قلنا له : نعم . قال : أما إنه يوشك أن لا تثمر . قال : أخبروني عن بحيرة الطبرية ، قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل فيها ماء ؟ قالوا : هي كثيرة الماء . قال : أما إن ماءها يوشك أن يذهب . قال : أخبروني عن عين زُغَرَ . قالوا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل في العين ماءٌ ؟ وهل يزرع أهلها بماء العين ؟ قلنا له : نعم ، هي كثيرة الماء ، وأهلها يزرعون من مَائِهَا . قال : أخبروني عن نبي الأميينَ ما فعل ؟ قالوا : قد خرج من مكة ونزل يثرب . قال : أقاتله العرب ؟ قلنا : نعم .قال : كيف صنع بهم ؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه . قال لهم : قد كان ذلك ؟ قلنا : نعم .
قال : أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه ، وإني مخبركم عني ، إني أنا المسيح . وإني أُوشكُ أن يُؤذنَ لي في الخروج ، فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة ، غير مكة وطيبة ، فهما محرمتان عليّ كلتاهما ، كلما أردت أن أدخل واحدة ، أو واحداً منهما استقبلني ملكٌ بيده السيف صلتا يصدني عنها وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها . قالت : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر : (( هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة )) يعني المدينة (( ألا هل كنت حدثتكم ذلك ؟ )) فقال الناس : نعم . الحديث (1) .
والعجيب أن الدجال كان في المدينة فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال يولد لأبوين يهوديين يمكثان ثلاثين سنة لا ينجبان ، ووصف الأبوين ، فأما الأب فرجل طويل له أنف كمنقار الحدأة ، والأم امرأة ضخمة كبيرة الثديين ، ثم بعد الثلاثين سنة يولد لهما ولد أضر شيء وأقله نفعاً ، وقد ولد ليهودي ويهودية في المدينة على تلك الصفة مولود كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم تماماً .
فجاء بعض الصحابة y ليشاهدوه على الطبيعة فوجدوه ملتف في قطيفة تحت الشمس وإذا له همهمة – كأنه يكلم أحداً .
والنبي صلى الله عليه وسلم قد أشكل عليه أمره جداً حتى أنه أراد أن يختبره بنفسه فقد أخرج البخاري في صحيحه عن الزهري قال أخبرني سالم بن عبد الله أن ابن عمر رضي الله عنهما أخبره : أن عمر انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم في رهط قبل ابن صياد حتى وجدوه يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة ، وقد قارب ابن الصياد الحلم فلم يشعر حتى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده ، ثم قال لابن صياد : (( تشهد أني رسول الله )) . فنظر إليه ابن صياد فقال : أشهد أنك رسول الأميين . فقال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم : أتشهد أني رسول الله ؟ فرفضه وقال : (( آمنت بالله وبرسله )) . فقال له : (( ماذا ترى ؟ )) . قال ابن صياد : يأتيني صادقٌ وكاذبٌ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( خُلِّطَ عليك الأمر )) . ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( إني قد خبأت لك خبيئا )) . فقال ابن صياد : هو الدُّخُّ . فقال : (( اخسأ ، فلن تعدو قدرك )) . فقال عمر رضي الله عنه : دعني يا رسول الله أضرب عنقه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن يكنه فلن تسلط عليه وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله )) (1) .
وقال سالم : سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول : انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيُّ بن كعب إلى النخل التي فيها ابن صياد ، وهو يَـخْتِلُ أن يسمع من ابن صياد شيئا ، قبل أن يراه ابن صياد ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع ، يعني في قطيفة له فيها رمزةٌ أو زمرةٌ ، فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل فقالت أم ابن صياد له : يا صاف – وهو اسم ابن صياد – هذا محمد ، صلى الله عليه وسلم ، فثار ابن صياد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لو تركته بين )) (2) .
وهذا الدجال – ابن صياد – بقي في المدينة إلى أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم وأنجب أولاداً وهذه علامات حيرت الصحابة y .
وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرجنا حجاجا أو عمارا ومعنا ابن صائد ، قال : فنزلنا منزلا فتفرق الناس وبقيت أنا وهو ، فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يُقال عليه ( يعني أن الصحابة يتحدثون أنه الدجال ) قال : وجاء بمتاعه فوضعه مع متاعي ، فقلت : إن الحر شديد ، فلو وضعته تحت تلك الشجرة ، قال : ففعل قال : فَرُفِعَتْ لنا غنمٌ ، فانطلق فجاء بِعُسَ ، فقال : اشرب أبا سعيد ، فقلت : إن الحر شديد واللبن حار ، ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده – أو قال : آخذ عن يده – فقال : أبا سعيد لقد هممت أن آخذ حبلا فأُعَلّقَهُ بشجرة ثم أختنق مما يقول لي الناس ، يا أبا سعيد من خَفِيَ عليه حَدِيثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خَفِيَ عليكم معشر الأنصار ، ألستَ مِنْ أعْلَمِ الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هو كافر )) وأنا مسلم ؟ أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هو عقيم لا يولد له )) وقد تركت وَلَدِي بالمدينة ؟ أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يدخل المدينة ولا مكة )) وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة ؟
قال أبو سعيد الخدري : حتى كدت أن أعذره ، ثم قال : أما والله إني لأعرفهُ وأعرفُ مولده وأين هو الآن . قال : قلت له : تبا لك سائر اليوم . الحديث (1)
فبقي ابن صياد على هذا الحال حتى جاءت وقعة حرة المدينة ، ووقعة الحرة : وقعت في زمن يزيد بن معاوية لما نقض أهل المدينة بيعته أرسل لهم جيش دخل المدينة واستباحها ثلاثة أيام ، قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما : (( فقدنا ابن صياد يوم الحرة )) (1) .
فلم يوجد في القتلى ولا في الأحياء ، ثم ظهر فجأة في أصبهان – وهي إيران الآن – يقول أحد المسلمين ممن شارك في جيوش الفتح أنه لما حاصروا بلدة في أصبهان أو فتحوها يقول : خرجت قبيل غروب الشمس للبحث عن دابتي فلما دنوت من قرية من قرى اليهود فإذا هم مجتمعون وأصواتهم مرتفعة قال : فدنوت منهم وسألتهم : ما شأنكم ؟ قالوا : جاء ملكنا . قال : فنظرت فإذا هو ابن صياد قد حملوه على الأكتاف ، ثم دخلوا به المدينة وأغلقوا الباب .
فهذا هو الذي كان بالمدينة ثم اختفى وظهر في أصبهان وهو الذي في الجزيرة التي في البحر ، ومعنى هذا أن هذا الشيطان يتصور في صور وأشكال مختلفة وهذه من علامات فتنته والعياذ بالله .
وبعض الناس يرى أن ابن صياد ليس هو الدجال وأن الدجال هو المسجون في جزائر البحر فكيف يكون في المدينة ثم يختفي ثم يظهر في أصبهان ؟
وهذا ليس بمستبعد فقد يكون هذا من فتنته وما يجريه الله له من الخوارق فتنة للناس نسأل الله العصمة من فتنته ومن كل فتنة في الدنيا والآخرة .
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحلف بالله أن ابن صياد هو الدجال والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع ذلك فلا ينكر عليه فقد أخرج البخاري في صحيحه عن محمد بن المنكدر قال : (( رأيت جابر بن عبد الله يـحلف بالله أن ابن الصياد الدجال ، قلت : تـحلف بالله ؟ قال : إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم )) (1) .
قلت : وهذا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يوحى إليه فيه بشيء أو أنه تبين له أنه الدجال نفسه .
وممن كان يعتقد أن ابن صياد هو الدجال أبو سعيد الخدري وجابر بن عبدالله فقد كانا يقسمان بالله أن ابن صياد هو الدجال حتى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد حصل لابن عمر رضي الله عنهما قصتين مع الدجال :
ففي مسند الإمام أحمد – رحمه الله – قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لقيت ابن صائد مرتين ، فأما مرة فلقيته ومعه بعض أصحابه . فقلت لبعضهم : نشدتكم بالله إن سألتكم عن شيء لَتَصْدُقُنِّي ؟ قالوا : نعم ، قال : قلت : أَتَـحَدَّثُونَ أنه هو ؟ قالوا : لا . قلت : كذبتم والله ، لقد حدثني بعضكم وهو يومئذٍ أقلكم مالاً وولداً ، أنه لا يموت حتى يكون أكثركم مالاً وولداً ، وهو اليوم كذلك ، قال : فتحدثنا ثم فارقته ، ثم لقيته مرة أخرى وقد تغيرت عينه ، فقلت : متى فعلت عينك ما أرى ؟ قال : لا أدري . قلت : لا تدري وهى في رأسك ؟ فقال : ما تريد منى يا بن عمر ؟ إن شاء الله تعالى أن يخلُقَه مِن عصاك هذه خَلَقَه . وَنَخَرَ كأشَدِّ نَخِيرِ حمارٍ سمعتُه قطُّ .
فَزَعم بعضُ أصحابي أنى ضربته بعصاً كانت معي حتى تكسرت ، وأما أنا فوالله ما شعرت . قال : فدخل على أخته حفصة فأخبرها ، فقالت : ما تريد منه ؟ أما علمت أنه قال – تعني النبي صلى الله عليه وسلم – : (( إن أول ما يبعثه الله على الناس غضْبَةٌ يَغْضَبُها )) (1) .
فهؤلاء الصحابة y يعتقدون اعتقاداً جازماً أن ابن صياد هو الدجال وهو فعلاً الدجال .
وقبل خروج الدجال تحدث علامات منها :
1- أنه يمر بالمسلمين ثلاث سنوات شداد يصاب الناس فيها بجوع شديد لم يمر عليهم من قبل ، ففي السنة الأولى يأمر الله تعالى السماء فتحبس ثلث قطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها وفي السنة الثانية يأمر الله السماء فتحبس ثلثي قطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها وفي السنة الثالثة يأمر الله السماء فتحبس قطرها كله فلا ينزل قطرة من السماء ويأمر الله الأرض فتحبس جميع نباتها فلا يخرج نبتة فلا يبقى ذات ظل إلا هلكت إلا ما شاء الله عز وجل فيكون طعام الناس في هذه الفترة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( التهليل والتكبير والتحميد ، يجزيهم مجزأة الطعام )) وفي حديث عائشة رضي الله عنها في المسند : (( أن خير مال الرجل غلام يحـضر لهم الماء ، قال : أما الطعام فلا يوجد )) قالت : فما طعامهم ؟ قال : (( التسبيح والتحميد والتهليل )) (1) .
فتصور في هذه الشدة العظيمة ثم يأتي الدجال بعدها ومعه الخبر والماء فكيف يكون حال الناس ؟ أو يكون معه نهر من ماء ؟ يتزلزل الناس ويتساقطون خلفه إلا من ثبته الله وعصمه ، نسأل الله الثبات والعصمة من فتنة المسيح الدجال .
2- ومن العلامات : الصلح الآمن بيننا وبين والروم ثم بعد ذلك نغزوا نحن والروم عدو من ورائنا أو من روائهم ، قال صلى الله عليه وسلم : (( ستصالحكم الروم صلحا آمنا . ثم تغزون أنتم وهم عدوا . فتنتصرون وتغنمون وتسلمون ثم تنصـرفون . حتى تنزلوا بمرج ذي تلول . فيرفع رجل من أهل الصليب الصليب فيقول غلب الصليب . فيغضب رجل من المسلمين . فيقوم إليه فيدقه . فعند ذلك تغدر الروم ويجتمعون للملحمة )) (1) .
وزاد في رواية : (( فيجتمعون للملحمة فيأتون حينئذ تحت ثمانين غاية . تحت كل غاية (2) اثنا عشر ألفا (3) )) ويكون نزولهم إلى الأعماق في الشام .
فيجتمع المسلمون في هذه الوقعة ، فثلث منهم يلحقون بأرضهم – أي يهربون – فهؤلاء لا يغفر الله لهم أبداً ، وثلث يستشهدون فهؤلاء خير الشهداء عند الله وثلث ينصرهم الله عز وجل فلا تضرهم فتنة ما بقي الليل والنهار .
ففي اليوم الأول من الملحمة الكبرى يشترط المسلمون شرطة للموت – أي شرطة فدائية – لا ترجع إلا غالبة – أي لا يرجعون إلا منتصرين – فيلتحم الفريقان إلى آخر النهار فيستشهد كل الفدائيين
وفي اليوم الثاني يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فتهلك الـشرطة
وفي اليوم الثالث كذلك وفي اليوم الرابع يقوم أهل الإسلام كلهم – أي المشاركين في المعركة – فينـصرهم الله عليهم فيقتلون الروم قتلة لم يحصل مثلها في الأرض لا قبلها ولا بعدها حتى أن الطائر يمر من بجنبتي المعركة فلا يقطعها حتى يموت وذلك لضخامة أرض المعركة وكبرها وكثرة القتلى وشدة ما يفوح منها من روائح ونتن .
وبعد هذا يفتح المسلمون القسطنطينية فإذا فتحوها وكانوا يجمعون الغنائم صاح فيهم الشيطان : أن الدجال قد خرج في أهلكم ، فيتركون ما بأيدهم ويرجعون إلى الشام فيجدون الخبر كذب وبينما هم في الشام يخرج الدجال فيحاصرهم إلى بيت المقدس كما في حديث سمرة عند الطبراني وغيره وصححه الحاكم وابن حبان وعن جنادة بن أبي أمية عن رجل من الأنصار من الصحابة ، وأخرجه أحمد ورجاله ثقات كما في الفتح (1) .
وبعد ذلك ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام قال صلى الله عليه وسلم : (( …. إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قَطرَ وإذا رفعه تحدر منه جُـمَـانٌ كاللؤلؤ (2) فلا يَـحِلّ لكافر يَـجِدُ رِيحَ نَفَسهِ إلا مات ونَفَسُهُ ينتهي حَيْثُ ينتهي طَرْفُهُ … )) (3) .
فيأتي إلى المسلمين وهم محصورون في بيت المقدس في صلاة الفجر وقد أقيمت الصلاة وتقدم الإمام فيلتفت الإمام وإذا عيسى خلفه فيرجع ليتقدم عيسى ليصلي بالناس فيدفعه عيسى ويقول : (( لك أقيمت تكرمة الله لهذه الأمة أن إمامهم منهم )) فهذه كرامة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم الواحد منهم يؤم عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام .
فإذا انتهت الصلاة يأمر عيسى عليه السلام بفتح الأبواب فإذا فتحت الأبواب ينظر الدجال فيرى عيسى عليه السلام فيذوب كما يذوب الملح في الماء فيلحقه عيسى عليه السلام على باب لُدَ فيقتله هناك ، وهنا ينطق الحجر والشجر فيقول : (( يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي خلفي تعالى فاقتله )) فيقتل المسلمون اليهود ويتخلصون من شر هذه الشرذمة الخبيثة فلا يبقى منهم يهودي .
وهذا يعني أن أكثر أتباع الدجال هم اليهود وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال يتبعه من مدينة واحدة من أصبهان – بلاد إيران الآن – سبعون ألف يهودي عليهم الطيالسة لباس اليهود كل واحد منهم له سيف محلى – أي هم من أهل القتال والسلاح .
ومن أكثر أتباع الدجال النساء كذلك لقلة عقولهن وتعلقهن بالدنيا والدجال تكون معه كنوز الأرض من الذهب والفضة وهذا مما يجذب النساء لإتباعه ومعه كذلك جنة ونار فيما يرى الناس ، وحقيقة الأمر أن جنته نار وناره جنة .
ويأتي إلى القوم وهم في خصب ونعيم فيدعوهم إلى عبادته فيرفضونه ويكفرون به فيأمر الأرض فتجدب ويأمر السماء فتمسك الماء فينصرف عنهم وقد أمحلوا .
ويأتي إلى القوم الآخرين وهم في شدة وفقر فيدعوهم فيتبعونه فيأمر السماء أن تمطر والأرض أن تنبت فينصرف عنهم وهم في حال من النعيم .
ومن فتنته الدجال ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( … فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس ، أو من خير الناس ، فيقول له : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه . فيقول الدجال : أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا . قال : فيقتله ، ثم يحييه ، فيقول حين يحييه : والله ما كنت فيك قط أشدّ بصيرةً مني الآن ، قال : فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه . (1)
وفي رواية : (( …. قال : فينطلقون به إلى الدجال ، فإذا رآه المؤمن قال : يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فيأمر الدجال به فَيُشَبّحُ . فيقول : خذوه وشجوه . فَيُوسَعُ ظهره وبطنه ضربا . قال : فيقول أوما تؤمن بي ؟ قال : فيقول : أنت المسيح الكذاب . قال : فيؤمر به فَيُؤْشَرُ بِالْـمِئْشَارِ من مَفْرِقِهِ حتى يُفَرّقَ بين رجليه ، قال : ثم يمشي الدجال بين القطعتين ، ثم يقول له : قم فيستوي قائما ، قال : ثم يقول له أتؤمن بي ؟ فيقول : ما ازددت فيك إلا بصيرة . قال : ثم يقول : يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحدٍ من الناس ، قال : فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا . فلا يستطيع إليه سبيلا . قال : فيأخذ بيديه ورجليه فيقذفُ به . فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما أُلْقِيَ في الجنةِ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هذا أعظم الناس شهادةً عند رب العالمين )) .
والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بأمرين إذا ظهر الدجال :
الأمر الأول : أن نبتعد عن طريقه ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفروا إلى رؤوس الجبال ويبتعدوا عن الطرقات والمدن والحواضر التي يمر عليها الدجال لأنه لا يترك بلداً إلا يدخله ، وهذا ابتعاد حسي ؛ لأنه لا يترك بلداً إلا يدخله إلا مكة والمدينة وبيت المقدس .
وعلى المؤمن ألا يغتر بقوته ولا بإيمانه إذا ظهر الدجال فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الرجل يأتيه وهو مطمئن إلى إيمانه فلا يزال يُلقي عليه بالشبهات حتى يضله والعياذ بالله .
والأمر الثاني : أن نقرأ عليه فواتح سورة الكهف وهي العشر الآيات الأول منها فهي عصمة من الدجال إذا ظهر .
والدجال يمكث في الأرض أربعين يوماً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فاليوم الأول مثل السنة أي تبقى الشمس في السماء سنة كاملة واليوم الثاني كالشهر واليوم الثالث جمعة وبقية الأيام مثل أيامنا .
والصحابة y إنما أهمهم في ذلك اليوم أمر الصلاة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الشمس تمكث سنة ، فحرصوا أن يسألوا عن الصلاة فقالوا : يا رسول الله ذلك اليوم الذي هو كالسنة نصلي صلاة يوم واحد وإلا نقدر له قدره ؟ قال : (( لا ، أقدروا له قدره )) أي انظروا الأوقات التي بين الصلوات وصلوا على حسب ما كنتم تصلون .
هذا ملخص ما ورد في الأحاديث الصحيحة عن الدجال وهو فتنة عظيمة نسأل الله تعالى العصمة منها .
والإنسان في هذه الدنيا يتعرض لفتن عظيمة منها : فتنته في نفسه ، وفتنته في أهله وفتنته في ماله ، وأما الدجال فهو من أعظم الفتن بل هو أعظم فتنه يمكن أن يتعرض لها الإنسان في هذه الأرض ، وبعد انتقال الإنسان من هذه الأرض فإن أمامه فتن عظيمة منها : فتنته القبر وسؤاله .
والعصمة لمن عصمه الله عز وجل ولكن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس ولكن الناس أنفسهم يظلمون ، فإن الإنسان إذا تأدب مع الله وحافظ على فرائض الله وآمن الإيمان الصحيح الموافق لما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولازم الخير وأهله ولازم أهل العلم والفضل وسأل الله الثبات فإن الله جل وعلا أكرم من أن يظل عبداً سلك الطريق الصحيح واجتهد ودعا الله وأخلص له العبادة .
فنسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ونسأله عز وجل أن يسدد أقوالنا ويصلح أعمالنا ويطهر قلوبنا ويعصمنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
انتهى ما تيسر ولله الحمد والمنة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
تكميل لما سبق في موضوع المسيح الدجال[1] :
عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ e قَالَ : (( الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ ، يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ )) رواه الترمذي[2] وقال : حديث حسن غريب
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : (( يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ ، مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ ، عَلَيْهِمْ السيجان )) رواه أحمد[3]
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي e قال : (( وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِي يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ )) رواه أحمد[4]
وأكثر أتباعه اليهود والعجم والأعراب والنساء
والنساء حالهن أشد من حال الأعراب لسرعة تأثرهن وغلبة الجهل عليهن ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي e : (( ينزل الدجال في هذه السبخة بمرِّ قناة – واد في المدينة – فيكون أكثر من يخرج إليه النساء حتى إن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطا مخافة أن تخرج إليه )) مسند أحمد[5]
والذي يظهر من الأحاديث أن القلة هي التي تثبت على الإيمان وأن أكثر أهل الأرض يومئذ هم من أتباع الدجال
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – :
وأخرج أبو نعيم في ترجمة حسان بن عطية أحد ثقات التابعين من الحلية بسند حسن صحيح إليه قال : (( لا ينجو من فتنة الدجال إلا اثنا عشر ألف رجل وسبعة آلاف امرأة )) وهذا لا يقال من قبل الرأي فيحتمل أن يكون مرفوعا أرسله ويحتمل أن يكون أخذه عن بعض أهل الكتاب . انتهى[6]
وقد لخص الحافظ ابن كثير قصة المسيح الدجال بعبارات جامعة يقول فيها :
بدء ظهوره من أصبهان من حارة منها يقال لها اليهودية وينصره من أهلها سبعون ألف يهودي عليهم الأسلحة والتيجان وهي الطيالسة الخضراء وكذلك ينصره سبعون ألفاً من التتار وخلق من أهل خراسان
فيظهر أولاً في صورة ملك من الملوك الجبابرة ثم يدعي النبوة ثم يدعي الربوبية
فيتبعه على ذلك الجهلة من بني آدم ، والطغام من الرعاعٍ والعوام ، ويخالفه ويَرُدُّ عليه مَن هَدَى الله مِن عباده الصالحين وحزب الله المتقين
يأخذ البلاد بلداً بلداً ، وحصناً حصناً ، وإقليماً إقليماً ، وكورة كورة ، ولا يبقى بلد من البلاد إلا وطئه بخيله ورجله غير مكة والمدينة ، ومدة مقامه في الأرض أربعون يوماً : يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيام الناس هذه ، ومعدل ذلك سنة وشهران ونصف شهر
وقد خلق الله تعالى على يديه خوارق كثيرة يضل بها من يشاء من خلقه ، ويثبت معها المؤمنون فيزدادون بها إيماناً مع إيمانهم ، وهدى إلى هداهم .
ويكون نزول عيسى بن مريم مسيح الهدى في أيام المسيح الدجال مسيح الضلالة على المنارة الشرقية بدمشق فيجتمع عليه المؤمنون ويلتف به عباد الله المتقون فيسير بهم المسيح عيسى بن مريم قاصداً نحو الدجال وقد توجه نحو بيت المقدس فيدركهم عند عقبة أفيق فينهزم منه الدجال فيلحقه عند مدينة باب لد فيقتله بحربته وهو داخل إليها ويقول إن لي فيك ضربة لن تفوتني ، وإذا واجهه الدجال ينماع كما يذوب الملح في الماء ، فيتداركه فيقتله بالحربة بباب لدّ ، فتكون وفاته هناك لعنه الله ، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح من غير وجه . انتهى
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله
1- أخرجه ابن ماجة برقم (4077) من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه
1- انظر صحيح البخاري كتاب : الفتن – باب : ذكر الدجال برقم (7122)
2- انظر سنن الترمذي باب : ومن سورة الأنعام برقم (3072)
3– سورة إبراهيم الآية (27)
1- سورة النجم الآية (3-4)
1- أخرجه مسلم في كتاب : الفتن وأشراط الساعة – باب : قصة الجساسة برقم (2942)
1- انظر صحيح البخاري كتاب : الجنائز – باب : إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه ؟ برقم (1354)
2– انظر البخاري الموضع السابق برقم (1355)
1- انظر صحيح مسلم برقم (2927)
1– أخرجه أبو داود برقم (4332)
1- أخرجه البخاري برقم (7355) . ومسلم برقم (2929)
1- المسند (44/26-27) برقم (26426) من طبعة الرسالة ، وهو في الطبعة القديمة (6/284)
1– أخرجه ابن ماجة في كتاب : الفتن – باب : فتنة الدجال … برقم (4077) ، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحة والحاكم والضياء المقدسي في المختارة عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي r وهو حديث طويل
1- أخرجه ابن ماجة برقم (4089)
1- انظر فتح الباري لابن حجر (16/597) من طبعة دار طيبة
2- قيل أنه العرق . وقيل الماء الذي ينزل منه يكون كاللؤلؤ