شروح الحديث
الحديث الثاني عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
الحديث الثاني عشر :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا )) رواه مسلم .
(( بادروا بالأعمال )) أي : أسرعوا استغلوا الأوقات (( بادروا )) سارعوا والله قد أمر بهذا في كتابه : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }[1] وقال عز وجل : { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ }[2] فالأمر بالمسارعة والمسابقة هذا ثابت في القرآن وفي هذه الأحاديث .
ولكن هذا الحديث وإن كان معناه عام وأنه تجب المبادرة إلى الأعمال الصالحة إلا أنه في هذا الحديث خاص فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( بادروا بالأعمال )) أي أعمال ؟
الأعمال الصالحة وهي كل عمل يعمله الإنسان خالصاً لله وموافقاً فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن العمل الصالح لا يكون إلا بأمرين :
– الإخلاص لله .
– والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الله عز وجل : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }[3] .
{ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا } أي : متابعا للرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لا يكون العمل الصالح إلا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
{ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } أي : الإخلاص أن يكون العمل خالصاً لله لا شرك فيه لا رياء ولا سمعة ولا طلب محمدة ولا طلب ثناء من الناس وإنما يقوم بهذه الأعمال التي شرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يقوم بهذه الأعمال خالصة لوجه الله ولا يريد إلا الله ولا يريد شيئا آخر .
وهذا تحقيق الكلمة العظيمة [ لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ]
[ لا إله إلا الله ] يعني : لا ألوهية ولا عبادة ولا طاعة إلا لله خالصة لوجهه الكريم .
[ وشهادة أن محمدا رسول الله ] يعني : أن هذه الأعمال الخالصة لله لا تكون إلا على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته .
فإن خالفت أحد هذين الأمرين فليس عملاً صالحاً ولكنه عمل باطل ولا يقبل عز وجل منه قليلاً أو كثيرا لأن الله عز وجل قد قال : (( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )) لأن الله ليس في حاجة لأحد ولا يحتاج أعمالهم هو الغني بذاته لا يحتاج إلى أحد من الخلق بل هو غني عنهم أوجدهم من العدم قبل أن يكونوا شيئا مذكورا نعمة أنعمها عليهم لا تعد ولا تحصى في كل طرفة عين وأقل من ذلك ولولا حفظ الله عز وجل لهم لما استطاعوا أن يقوموا في هذه الحياة لحظة واحدة ولا أقل من اللحظة .
فالله غني عن العالمين فلا يحتاج إليهم ولا إلى أعمالهم .
إذاً ما حاجته سبحانه وتعالى إلى عمل يشرك العبد معه غيره ، يقوم يصلي ويزين صلاته من أجل الناس ، يتصدق من أجل أن يقول الناس هذا محسن ، يكثر من الحج أو العمرة من أجل أن يراه الناس وبعضهم يذهب إلى الكعبة ويصور نفسه ويرسلها حتى يراه الناس ، كل هذا الله غني عنه لا يحتاجه وأنت يا مسكين إنما تحرم نفسك لا أقل ولا أكثر لأن الله ليس في حاجة إليك ولا إلى عملك ، بل ليس له حاجة في أحد من الخلق حتى الملائكة المقربون الله هو الذي يحفظهم وهو غني عنهم لا يحتاجهم ولكن الله سبحانه برحمته يحفظ خلقه ويعطيهم من النعم مالا يعد ولا يحصى .
فعلى المسلم أن يتذكر هذا عندما يبادر إلى الأعمال استجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم والمسارعة إلى الأعمال التي يحبها الله أن يستحضر هذا المعنى العظيم وهو :
– أن تكون هذه الأعمال خالصة لوجه الله الكريم ولا يدفعه لها أي دافع غير وجه الله وابتغاء ما عند الله .
– والأمر الآخر أنها على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن عمل عملاً ليس عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مردود عليه كما في الحديث الصحيح : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) هذا متفق عليه .
وفي رواية لمسلم : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) .
فالله غني عن العالمين .
فالمبادرة بالأعمال الصالحة هي الأعمال التي يحبها الله ويرضاها ولا تكون كذلك إلا :
– إذا كانت خالصة لله سبحانه وتعالى .
– وموافقة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والسبب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم للمبادرة بالأعمال خوفا من الفتن التي ستأتي يتبع بعضها بعضاً نسأل الله العافية والسلامة .
وهذه الفتن فتن في الدين تشكيك في الدين ودعوة إلى التخلي عن الإسلام وعن الدين ودعوة إلى الفجور وإلى الإباحية وإلى الفساد العريض .
هذه الفتن المدلهمة التي بدأت وانتشرت وعمت وطمت ولم يسلم منها إلا من سلمه الله وكان حريصاً على نفسه وكان ملتزما بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وهديه .
فهذه الفتن المدلهمة يقوم عليها شياطين الجن والإنس يتعاونون ويتناعقون من كل حدب وصوب .
وهناك ما هو أشد منها وهو في الطريق ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنها سلسلة خبيثة مبدأُها من شياطين الإنس والجن ومنتهاها حيث يعلم الله عز وجل بيد الشيطان وأعوانه ومنهم المسيح الدجال ، أجارنا الله وإياكم والمسلمين من فتنته .
فعلى المسلم أن يبادر قبل هذه المدلهمات والأمور التي لا تطاق .
ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من شدة هذه الفتن يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافراً يصبح مؤمنا يعرف الله ويؤدي حقه ولكنها تهجم عليه الفتن فيتزلزل ويتضعضع وما ربك بظلام للعبيد فإنه من تعرض للفتن واستشرف لها اجتالته وسحبته إلى هوتها العميقة الفظيعة الخطيرة .
فعلى المسلم أن يتجنب الفتن ومن ذلك النظر المحرم والقراءة المحرمة فإنه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر شياطين في آخر الزمان يقرأون على الناس قرآن .
وهذا ورد عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه موقوفاً على عبدالله بن عمرو ، أنه في آخر الزمان تطلق الشياطين التي قيدها سليمان u في البحر فتقرأ على الناس قرآنا .
وهذا هو الآن الموجود قرآنا أي ما يقرأ ، لأن القرآن الذي هو كلام الله منزه ولا يستطيعه أحد من البطلة لا من السحرة ولا من الشياطين فهو معصوم بعصمة الله لكن المقصود هو ما يُقرأ وما أكثر ما يُقرأ الآن من الضلالات والشبهات والدعوة إلى الشهوات المحرمة وإلى مفاسد الأخلاق ومساوئ الأخلاق ، فهذه كلها من الفتن التي يدعو لها شياطين الإنس والجن ويتعاونون على ذلك وأعظم من ذلك التشكيك في الله وفي كلامه وما أوحاه إلى رسوله .
وعلى المسلم أن يكون حذراً على نفسه يقظاً لما يُراد فإنه إنما يُراد إفساد العالم لتحقيق مآرب من لعنهم الله وأضلهم وأضل سعيهم في الحياة الدنيا هؤلاء يسعون لإفساد العالم لتحقيق مآربهم .
فنسأل الله أن يصرف عنا وعنكم شرهم وكيدهم ومكرهم وأن يتولى أمرنا ويحفظ علينا قلوبنا وأعمالنا ويجعل قلوبنا وأعمالنا خالصة لوجهه الكريم موافقة لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى يتوفانا ونحن ثابتون عليها وهو راض عنا .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .