شروح الحديث
الحديث الثالث عشر
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد
الحديث الثالث عشر
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )) رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ .
النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث السابق يأمرنا بالمبادرة بالأعمال وينص صلى الله عليه وسلم على أن نبادر بالأعمال خوفا من إحدى هذه السبع المذكورة في هذا الحديث .
والإنسان لا محالة واقع في هذه السبعة أو بعضها لابد .
قال صلى الله عليه وسلم : (( هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْراً مُنْسِياً )) :
فالفقر المدقع الذي لا يجد الإنسان حاجته ولا يجد طعامه ولا شرابه يشغله عن نفسه وعن أهله ويشغله عن عبادته لربه ، فهذا الفقر المنسي الذي ينسي الإنسان مصالحه ومنافعه وما أمر بحفظه هذا وارد وقد يقع الإنسان فيه إما ابتداء وإما تقلب أحوال فعلى المسلم أن يبادر في حال جدته وحال غناه يبادر بالأعمال الصالحة خوفا من هذه اللحظة التي ليس عنده ضمان على بقاء هذا الغنى فكم من غني افتقر ، وكم من فقير أغناه الله .
فهذه التقلبات لا يملك الإنسان منها إلا الظاهر وأما الحقائق فإنها بيد الله عز وجل فالله سبحانه وتعالى يفتح الرزق لمن شاء ويقفله عمن شاء قد يكون غنيا ثم يفتقر وبالعكس قد يكون فقيرا ثم يغتني .
والمقصود أن الفقر المنسي يشغله عما ينفعه وأعظم ما ينفعه التقرب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة فعليه أن يبادر قبل حصول هذه الحالة .
(( أَوْ غِنًى مُطْغِياً )) :
كذلك من الأحوال والتقلبات أن يغتني فيشتغل بماله وبتحصيله وجمعه يشتغل عما هو أهم وما خلق من أجله ومنها عبادته لربه عز وجل ، ومنها الحقوق الواجبة عليه كبر الوالدين وصلة الأرحام وحقوق الزوجة وحقوق الأهل والأبناء فالغنى المطغي هذا هو الغنى الذي يشغل الإنسان عما يصلح له في الدنيا والآخرة وأعظم ذلك حقوق الله عليه ما أوجبه الله عليه من إقامة دينه وإقامة شرعه .
(( أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً )) :
فإن الإنسان إذا مرض فسدت حاله أصبح كئيباً مكتئباً منقطعا عن الخلق وعن أهله وعن أقرب الناس إليه مشغولا بنفسه مهموماً إلا من رحم الله عز وجل فبعض الناس يكون في مرضه منشرح الصدر وذلك يرجع إلى اليقين وإلى معرفة حقيقة الأمر وأن الأمور بيد الله وأن الله يقدر على العبد ما يشاء فإن صبر فله الأجر وإن ضجر وقنط فلا يضر إلا نفسه .
فهذا المؤمن الصالح المرض قد يسر به لأنه يقربه إلى الله ويدنيه من الله عز وجل يجعله يلتجئ إلى الله وينطرح بين يديه ويخلص عمله لله ودعاءه لله .
فالمرض على كل حال ليس شراً محضاً بل هو خير لكثير من الناس بل حتى للفاجر والعياذ بالله ؛ لأن المرض يقطعه عن كثير من الفساد الذي كان يتعاطاه .
المقصود أن المسلم عليه أن يبادر بالأعمال قبل حصول مثل هذه الحالة وهو المرض المفسد الذي يفسد البدن ويعطله عن كثير من مصالحه ومنافعه ومنها العبادة عبادة الله .
(( أَوْ هَرَماً مُفنّداً )) :
يعني : أرذل العمر كما قال الله عز وجل : { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا }[1] فهذه الحالة أشد وأقسى من حالة الطفولة التي لا يدرك الإنسان ولا يحسن الإنسان لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً .
فكذلك الهرم المفند يصل الإنسان فيه إلى أن يكون أشد حالاً من الطفل الذي لم يدرك شيئاً ولم يعلم شيئاً فإن هذا الكبير الهرم قد كان يدرك ويعلم فلما يُصاب بهذا الكبر المفند فإنه يكون أشد حالاً من حال الطفل الذي لم يدرك شيئاً ولم يعلم شيئاً .
ومن الواقع فإن الكبير في السن إذا وصل لهذا السن التي استعاذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم استعاذ بالله أن يُرد إلى أرذل العمر وهذا من الدعاء الذي ينبغي للمسلم أن يدعو به لنفسه ألا يرد إلى أرذل العمر ، فمن الواقع والحال المشاهد أن الذي يصل إلى هذه الحالة يكون أشد إيذاء لمن حوله من الطفل الصغير الذي لم يعلم شيئاً ولم يدرك شيئاً .
ففي هذه الحالة ينقطع الإنسان عن ربه فالمطلوب من المسلم أن يبادر بالأعمال قبل أن يصل إلى هذه السن يسوف بالعمل ويسوف بالتوبة ثم إذا وصل إلى هذه الحال وإذا هو لا يميز شيء ولا يعرف الحسنة ولا السيئة لا يعلم شيئاً : { لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا }[2] فهو لا يعلم صالح ولا طالح .
(( أَوْ مَوْتاً مُجْهِزاً )) :
هذه حقيقة لا يتخلف عنها أحد : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } [3] { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } [4] بأوسع ألفاظ العموم أي : تعم من في السماوات ومن في الأرض وأنه لن يبقى إلا الله الواحد القهار فلذلك إذا أفنى الله أهل السماوات وأهل الأرض ينادي سبحانه وتعالى : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ }[5] فلا يجيبه أحد لأنهم كلهم ماتوا فيجيب نفسه المقدسة لا إله إلا هو : { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } لم يبق إلا الله .
فالموت قادم ولابد ولن يبقى إلا الله الواحد القهار ، فهل ينتظر الإنسان الموت فالموت آتي فقد يموت الإنسان وهو صحيح سليم ليس فيه مرض ولا علة ولم يحصل له حادث ، فبعض الناس يظن أنه لا يموت إلا إنسان مريض ، وهذا ليس بصحيح فكم من صحيح مات من غير علة وكم من مريض عاش مدة من الدهر
فهذه آجال مكتوبة محتومة لا علاقة لها بمرض ولا بصحة ولا بكبر في السن ولا بصغر فالطفل الصغير يموت بل الجنين في بطن أمه يموت وذلك بتقدير الله عز وجل والهرم يموت ، لا يبقى أحد .
فعليك أن تستعد قبل أن ينزل الموت فإن الموت لا يستأذن أحداً إلا ما كان من حال الأنبياء عليهم السلام فإنه كان لا يقبض روح النبي حتى يستأذن ، فأما غير الأنبياء فالموت لا يستأذن أحداً ولا يطلب من أحد إذن .
فالموت ليس له علاقة بالمرض ولا بغيره فيموت الإنسان من غير مرض ويموت الإنسان وهو كبير ويموت وهو صغير ليس لهذه الأمور علاقة بالموت إلا أن يكون شيء سبباً بتقدير الله وتدبيره ولكن ليس حتماً أن لا يموت إلا بواحدة من هذه الأسباب .
فالموت يأتي بغتة ويأتي فجأة إذا انتهى الأجل مات الإنسان فبادر بالأعمال قبل هذه اللحظة التي لا تدري متى تحصل ، فيأتي الموت والإنسان نائم على فراشه ويأتي الموت والإنسان يسير في طريقه ويأتي الموت والإنسان على مكتبه ويأتي الموت وهو يأكل أو يشرب لم يجعل الله عز وجل للموت ساعة لا يأتي إلا فيها ولا حالة لا يأتي إلا فيها ، هذا من الموعظة البليغة للإنسان وهي مشاهدة ليس هذا رجما بالغيب ولكن هذه مشاهدة وهذا واقع الحال الذي يعيشه الناس ويموتون بهذه الطريقة منهم من يموت على فراشه ومنهم من يموت وهو يمشي ومنهم من يموت من غير علة ومنهم من يموت وهو مريض ولا يحتاج أن يحصل له حادث حتى يموت فكم من أنس حصلت لهم حوادث مريعة وسلموا لأن الله لم يكتب نهاية الآجل لهم بهذه الحوادث ، فهذه موعظة بليغة .
فعلى الإنسان أن يتذكر هذا وأن يستعد ويبادر بالأعمال لا يقل أنا شباب وبصحتي وعافيتي ويغتر بهذا ويترك الأعمال التي تنفعه عند الله ثم فجأة وإذا بهم يقولون فلان مات من غير علة ، فعليه أن يبادر بالأعمال قبل هذه الحالة .
نسأل الله أن يرحمنا وأن يتجاوز عنا .
(( أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ )) :
وهذا الدجال رجل من بني آدم لكن الله سبحانه وتعالى سيجعله فتنة للخلق فإن الله سبحانه وتعالى يبعثه في آخر الزمان ويطوف الأرض كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في أربعين يوماً :
– يوم كسنة ، تبقى الشمس عالقة في السماء سنة كاملة ، والصحابة y لم يشغلهم في هذه الحالة وهذه المعجزة التي تحصل مع ظهور الدجال لم يشغلهم إلا الصلاة – وليس كحال بعض الناس اليوم إلا من رحم الله يشغلهم كيف الشمس تبقى سنة في السماء لا تغيب ، خرافات ودجل يتلاعبون به بعقول البشر ويصرفوهم عن حقائق الإيمان بهذه الترهات – فالصحابة y لم يشغلهم إلا الصلاة لأن هذا هو الذي يشغل المؤمن دينه وصلاته قالوا : هذا اليوم الذي كسنة أنجعل له صلاة يوم واحد أم نقدر له قدره ؟ قال : (( أقدروا له قدره )) .
ما معنى هذا ؟ معناه : أنكم تقدرون الأوقات على حسب ما كنتم تصلون يعني بين الفجر والظهر هذا الوقت المعروف سواء بالساعة أو بتقدير الناس لها بأي طريقة فتصلون الظهر ثم تقدرون ما بين الظهر والعصر وتصلون العصر ثم تقدرون ما بين العصر والمغرب وتصلون المغرب ثم تقدرون ما بين المغرب والعشاء وتصلون العشاء ثم تقدرون ما بين العشاء والفجر وتصلون الفجر ، يعني : تصلوا الصلوات بقدر الأوقات التي كنتم تصلونها قبل حصول هذه الآية وهكذا حتى تنتهي السنة .
– ويوم كشهر ، وهو كذلك .
– واليوم الثالث الجمعة ، يعني أسبوع .
– وبقية أيامه كأيامكم ، يعني ترجع الشمس كما كانت تشرق وتغرب في يوم وتغرب وتشرق في ليلة ثم تعود إلى حالها قبل حصول هذه الآية .
فهذا الدجال فتنة للناس يخرج ومعه جنة ونار :
– من أطاعه أدخله جنته وهي في الحقيقة النار التي أعدها الله للفجار .
– ومن عصاه أدخله في النار وهي الجنة التي أعدها الله للمؤمنين .
فهذا الدجال الفتنة العظيمة سيبقى في هذه الأرض هذه المدة ثم ينزل عيسى علي السلام
فيقتله على باب اللد في فلسطين ثم يقتل المسلمين اليهود حتى ينادي الحجر والشجر : يا عبدالله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله فيخلص الله الأرض ومن عليها من شر اليهود وأعظمهم هذا الخبيث الدجال .
فهذا الدجال هل ننتظر بالأعمال الصالحة حتى يظهر ؟ عندما تظهر هذه الفتنة العظيمة يُشغل الإنسان عن العبادة وعن غيرها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
(( أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )) :
إذا لم يأت الدجال أو جاء فإن وراءه ما هو أعظم هولا وهو الساعة ساعة القيامة : { وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ }[6] .
فالساعة الله سبحانه وتعالى يأذن بزوال الأرض ومن عليها ويقبض أرواح الخلق إليه جميعا .
فهل ننتظر بالأعمال حتى قيام الساعة ونبقى فيما نحن فيه من اللهو والعبث والدرْجات والتمشية والخرجات والسهرات ونفرط في الصلوات ونفرط في الطاعات ولا نشتغل بقرآن ولا بتفقه في دين ولا بمجالسة أهل العلم والأخذ عنهم العلم النافع .
إلى متى حتى تظهر هذه الفتن العظيمة التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق الأمين وهو الحريص علينا .
لابد أن نفيق من الغفلة قبل حصول شيء من هذه التي هي حق وصدق وسيراها الناس بأعينهم كما سمعوها بآذانهم .
فنسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وأن يصلح منا ومنكم ومن المسلمين جميعا الباطن والظاهر .
وصلى الله وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .