شروح الحديث
الحديث الرابع عشر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد :
الحديث الرابع عشر :
عَنْ أَبِي هُريرة رضي الله عنه قالَ : قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ الله تَعالَى قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذنتُهُ بالحربِ وما تَقَرَّب إليَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افترضتُ عَليهِ وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ فإذا أَحْبَبْتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الّذي يَسمَعُ بهِ وبَصَرَهُ الّذي يُبْصِرُ بهِ ويَدَهُ الَّتي يَبطُشُ بها ورِجْلَهُ الّتي يَمشي بِها وإن سأَلنِي أَعَطْيَته ولَئِنْ استَعاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ )) رواهُ البخاريُّ .
هذا الحديث حديث إلاهي ويسمى القدسي أي : أن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه تعالى لفظا ومعنى ، اللفظ والمعنى من الله عز وجل الذي يوحي به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم .
والفرق بينه وبين القرآن أن القرآن معجز بلفظه متعبد بتلاوته وأنه كلام الله عز وجل المنزل وهو من الله لفظا ومعنى .
والحديث القدسي لفظه ومعناه من الله ويوحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن يختلف عن القرآن في أنه ليس متعبد بتلاوته وليس له أحكام القرآن من ناحية أنه لا يمسه إلا طاهر إلى آخر ما في أحكام القرآن .
هذا الحديث يقول الله فيه : (( مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً )) :
عادى لي ولياً : يعني : ناصبه العداوة آذاه في نفسه أو في عرضه أو في ماله .
ومن هو الوليّ ؟
هل هو ما يدعيه المنحرفون والصوفية وأمثالهم ؟ أم أنه شيء آخر ؟
الوليّ عرفه ربنا عز وجل لنا في القرآن قال عز وجل : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }[1] فهذا الذي ينطبق عليه أنه وليّ لله : { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } فمن كان مؤمنا تقياً فهو لله ولياً .
وقد سبق معنا في الأحاديث السابقة أن الإيمان قول القلب وعمله وعمل الجوارح عند الإطلاق وإذا اقترن بالعمل الصالح يصبح الإيمان هو الباطن ما يتعلق بعلم القلب وعمل القلب ، ثم العمل الصالح يشمل قول اللسان وعمل الجوارح .
وهنا في هذا الحديث جمع الله بين الإيمان والتقوى فدل ذلك على أن الإيمان هو الإيمان الباطن وهو قول القلب وعمل القلب .
والتقوى هي العمل الظاهر سواء أقوال اللسان أو أعمال الجوارح .
فهؤلاء هم أولياء الله من عادى واحدا منهم فقد آذنه الله بالحرب .
(( آذنتُهُ )) : أي : أعلن عليه الحرب تعالى الله وتقدس .
من يطيق حرب الله ورسوله ؟ نسأل الله عز وجل الحماية والعفو والعافية .
آذنه الله بالحرب لأنه عادى وليا لله عز وجل مؤمن تقي فهو لله ولي فمن آذاه فقد أعلن الله الحرب عليه ، لا حول ولا قوة إلا بالله .
ثم بيّن كيف يزداد الإنسان قرباً من الله عز وجل فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث القدسي أن العبد ما تقرب إلى الله بشيء أحب إليه من أداء الفرائض .
أداء الفرائض التي افترضها الله سواء كانت قلبية قول القلب أو عمله أو قول اللسان أو عمل الجوارح فإن هناك فرائض فرضها الله ولا تؤدى إلا بالطريقة والكيفية التي فرضها الله وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومنها قول القلب وعمله وكذلك قول اللسان وعمل الجوارح فقد بينها الله في كتابه وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ووضحها ولذلك في آخر مقام قامه النبي صلى الله عليه وسلم في الناس أنزل الله عليه : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }[2] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : (( ألا هل بلغت ؟ )) قالوا : اللهم نعم . قال : (( اللهم أشهد اللهم أشهد )) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم بيّن كل ما أنزله الله عليه للناس من واجبات وفرائض ومما يقرب إلى الله ومما يدني من رحمته وما يحصل محبة الله ، وبيّن أيضاً ما يضرهم عند الله مما حرم الله عليهم .
فهذا العبد المؤمن التقي ما تقرب إلى الله بشيء أحب إلى الله مما افترض الله عليه سواء كان بالقلب أو باللسان أو بالجوارح .
افترض الله عليه أن يقر بألوهية الله وبربوبية الله وبأسماء الله وصفاته ويصدق ذلك كله ولا يختلج الأمر في قلبه طرفة عين ولا أقل من ذلك ثم يعمل وفق ذلك بقلبه بأن يعظم الله ويحب الله ويجل الله ويخشى الله ويتقيه ويلتزم بطاعته ويبتعد عما حرم ويتوب إلى الله ويؤوب ويرجع إلى الله ويكون رجاعا إلى الله في كل لحظة وفي كل حين .
ثم أداء الفرائض التي افترضها الله عليه بقول اللسان بتقديس الله وتنزيهه عن النقائص والعيوب وإثبات كمالات الله بالحمد والتهليل والتكبير .
وعمل الجوارح من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين وصلة الأرحام وتربية الأبناء على ما يرضي الله وأداء حقوق الزوجات وإلى آخر ذلك مما فرض الله على عباده والتزمه عباد الله وأولياء الله .
فهذه الفرائض التي افترضها الله وهي فرض واجب ومن قصر فيها فإنه يحاسب وقد يُعذب بسبب تقصيره فيها ، هذه أحب ما يتقرب العباد به إلى الله .
ثم بعد ذلك إذا وفق الله العبد والتزم بهذه الواجبات والفرائض فليزدد من الأعمال الصالحة من جنس ما فرض الله عليه يتزود من ذكر الله وتعظيم الله والتفكر في آلاء الله وعظمة الله وفي خلق الله ويؤدي ما استطاع من نوافل الصلاة والصيام والحج والعمرة والصدقات والإحسان قدر ما يستطيع .
فما تقرب العبد إلى الله بشيء أحب مما افترضه عليه .
ثم بعد ذلك : (( وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ )) .
لأن هذا يدل على محبته لله وتعظيمه لله وإجلاله لله قال الله عز وجل في الحديث القدسي الآخر : (( وإن أتاني يمشي أتيته هرولة )) فإذا أقبل العبد الصادق الناصح أقبل إلى الله شبراً تقرب الله إليه ذراعا وإن أتي إلى الله يمشي أتى الله إليه هرولة ، يعني : يسرع إليه بالإحسان وباللطف وبالتوفيق وبالتسديد والتوفيق لما يحبه ويرضاه وصرفه عما يغضب الله وعما يضره في دينه وآخرته .
(( فإذا أَحْبَبْتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الّذي يَسمَعُ بهِ )) :
أي : يوفق في سمعه فلا يسمع إلا ما يرضي الله .
(( وبَصَرَهُ الّذي يُبْصِرُ بهِ )) : فلا ينظر إلا إلى ما أحل الله ويجتنب كل ما حرم الله .
(( ويَدَهُ الَّتي يَبطُشُ بها )) :
فيده لا تمتد إلا إلى ما أباحه الله وأحله وما يرضي الله .
(( ورِجْلَهُ الّتي يَمشي بِها )) :
فلا يمشي برجله إلا إلى ما أحبه الله ورضيه الله وأذن به الله فهذا هو العبد المؤمن التقي الذي هو وليّ لله .
(( وإن سأَلنِي أَعَطْيَته )) :
لأن الله سبحانه وتعالى خزائنه ملئ ولا ينقص ما أعطى لعباده منذ خلق الله السماوات والأرض إلى قيام الساعة لا ينقص من خزائنه شيئاً .
(( ولَئِنْ استَعاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ )) :
يعيذه مما يضره في دينه أو في دنياه إذا استعاذ بالله والتجأ إلى الله حماه الله وأعاذه من كل ما يضره .
فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين المتقين الذي هم أولياءه الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون .
فالأمر جد وليس بالهزل إذا أردت أن تكون ولياًَ لله فعليك بهاتين الخصلتين حققهما معرفة وعلم وعمل .
وكيف تتحقق معرفة وعلم والإنسان بعيداً عن أهل العلم وعن من يبصره بدينه وعن من يدعوه إلى الله على بصيرة وعلى نور .
لأن أهل الضلال يزعمون أنهم أولياء لله وهم كذبة فجرة يتعاطون الشرك الجلي الأكبر ويتعاطون ما دونه من الأعمال الفاسدة والفجور ومع ذلك يدعون دعاوى فاجرة كاذبة أنهم أولياء لله ، الوليّ الفلاني والوليّ الفلاني ثم لما تبحث عن حقائقهم وأعمالهم فإذا هم يتخوضون فيما كل ما حرم الله عليهم اعتقاداً وقولاً وعملاً ن نسأل الله العافية والسلامة .
فلا يغتر الإنسان بالدعاوى وعليه بالحقائق فالحقائق في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واضحة جلية ، الله سبحانه وتعالى بين أولياءه : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } ثم بينهم قال : { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } .
إذاً الولاية لا تنال إلا بالإيمان بالله وتقوى الله .
وتقوى الله : هي فعل ما أمر واجتناب ما نهى .
فإذا فعل العبد ذلك كان ولياً لله وإذا خالف هذا فهو عدواً لله وليس ولياً لله .
وصلى الله وسلم وبارك عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .