شروح الحديث
الحديث الخامس عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
الحديث الخامس عشر :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ : قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم : (( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ )) رواه البخاري .
(( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ )) :
فكثير من الناس ينعم الله عليهم بالصحة وهي سلامته من الآفات والأسقام والأمراض فيكون جسمه سليماً وبدنه معافى وهو مع ذلك ليس عنده أعمال تشغله وتثقل كاهله ومع ذلك يفرط في هاتين النعمتين العظيمتين .
إما أن يصاب بضدهما فيمرض بعد الصحة ويشغل بعد الفراغ فيتحسر على صحته ويتحسر على فوات الفراغ لأنه لم يستغلها فيما يعود عليه بالخير والنفع عند الله عز وجل .
فإن الله سبحانه وتعالى فرض فرائض وحد حدوداً وألزم عباده بأوامر وكذلك ألزمهم بنواهي ينتهون عنها فإذا ضيّع الإنسان هذه الفرصة في حال الصحة ولم يقم بما أوجب الله عليه ولم يعتن بما أحبه الله ورضيه لعباده الصالحين وفرط في ذلك فإنه إن لم يعاجله الموت وضعفت صحته فإنه حتى لو أراد أن يؤدي هذه الفرائض التي فرضها الله ويؤدي هذه الواجبات ويتزود من فعل الخيرات فإنه يعجز لأنه قد ذهبت الصحة إما بالأمراض والأسقام وإما بالكبر والعجز ، فعلى المسلم أن يتبصر .
وكذلك الفراغ فإنه إذا شغل ربما ضيع الصلاة المفروضة وربما ضيع كثير من الواجبات والفرائض .
فعلى المسلم أن يتبصر وأن ينتبه لنفسه ولمستقبله الحقيقي وهو أن هذه الدنيا زائلة وأنه يوما من الأيام مرتحل منها وهو قريب ، ما أسرع زوال الدنيا وما أسرع انقضاء أيامها والأمر مشاهد ومحسوس وليس ضرباً من الخيال أو يهول به العلماء والدعاة ، والأمر واضح يشعر به العامي والعالم وهو سرعة انقضاء الأوقات والأعمار وسرعة انتقال الناس من هذه الدنيا إلى الآخرة .
فعلى المسلم أن يتبصر وأن يتنبه وأن يستغل أوقاته ويعمرها بما يعود عليه بالخير والنفع في الآخرة عند ربه عندما يلقى الله فإنه إذا نزل به الموت يقول ويدعو : { رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ }لا يطلب أن يرجع إلى الدنيا من أجل المال ولا من أجل العقار ولا من أجل الوظيفة وإنما يدعو ليعود إلى الدنيا ليعمل صالحاً .
إذاً اعمل صالح الآن قبل أن ينزل الموت أنت الآن في فرصة في حال الحياة وحال الصحة فاغتنم هذه النعمة العظيمة التي يغفل عنها كثير من الأحياء .
الأحياء يتنعمون بالعافية والصحة والفراغ وبإمكانهم أن يتزودوا لأنفسهم بالحسنات العظيمة ومع ذلك يفرطون فإذا نزل بأحدهم الموت قال : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ }[1] .
أين كنت غافلاً عن نفسك ؟ أين كنت معرضاً عن الله حتى تطلب الرجوع في وقت لا يمكن أن تُرجع .
فعليك أن تتبصر وأن تتنبه هذه هي الحقيقة أمامنا مجردة والله جلاها لنا في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم نصح لنا وجلاها ولا يهلك على الله بعد هذا إلا هالك .
نسأل الله أن يلطف بنا ولا يجعلنا من الهالكين .
فيا إخواني وأحبابي تبصروا واستعينوا بالله واجتهدوا على أنفسكم وعلى من حولكم انصحوا الأبناء والبنات والزوجات والإخوان والأخوات والأهل جميعا ومن كان له والدين فعليه أن يشفق عليهما وينصح لهما لأنهم قد يكونون كباراً في السن ولكنهم يجهلون هذه الحقائق ، الحقائق التي لا أجلى منها ولا أوضح في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولكن كثير من الناس يجهلها إما لأنه لم يتعلم ولم يجالس العلماء ولم يتلقى عنهم ولم يسمع منهم بل بعضهم قد لا يكون سمع لعالم في حياته فالله المستعان .
وهذا من تقصير الإنسان في حق نفسه فهو مقصر في حق نفسه لا أقل ولا أكثر والعلماء متواجدون ولم يحتجون عن الناس بل بذلوا أنفسهم فمن أعرض عنهم فقد فاته الخير بسبب تصرفه هو ، فليس تقصيراً من العلماء وليس تقصيراً في بيانهم ودعوتهم وإنما هو معرض أعرض ولا يهلك على الله إلا هالك .
نسأل الله لنا ولكم السلامة في الدين والدنيا والآخرة .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم .