شروح الحديث

الحديث الرابع

 

 

الحمد  لله  والصلاة والسلام على رسول  الله وعلى آله  وأصحابه ومن والاه وبعد

 

الحديث الرابع :

فعن  أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال   رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : ((  الطهور شطر  الإيمان  والحمد  لله  تملأ الميزان  وسبحان  الله والحمد  لله  تملآن –  أو تملأ – ما بين  السماوات  والأرض  والصلاة نور  والصدقة برهان  والصبر  ضياء  والقرآن  حجة  لك  أو  عليك  كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها  ))  رواه  مسلم  .

 

هذا  الحديث  حديث  عظيم  فيه  مسائل   ينبغي  لكل  مسلم  أن  يتأملها  وأن  يحفظها  وأن  يتدبرها  ويعلم  ما تضمنته هذه  الفقرات  من  هذا  الحديث  العظيم

 

قال  صلى الله عليه وسلم  :  ((  الطهور  شطر  الإيمان )) :

والإيمان  إن  قُصد  به  الصلاة فمعلوم   أن  من  أعظم  شروط الصلاة  الطهارة  الكبرى  والصغرى ، يتطهر  ليستعد  للصلاة  فهي  أعظم  شروط الصلاة ولا تصح الصلاة إلا بالطهارة ، هذا إذا  كان المقصود بالإيمان  الصلاة  وقد  ورد  وصف  الصلاة بالإيمان في قول الله عز وجل : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }[1] .

يعني : صلاتكم  إلى  بيت  المقدس .

فإذا كان المقصود الصلاة فالأمر واضح وأن الطهور  شطر  الصلاة لأن الصلاة أعظم شروطها الطهارة  من الحدث الأكبر ومن  الحدث الأصغر .

وإذا كان المقصود بالإيمان  الإيمان القلبي فمعلوم أيضا  أن الإيمان  يتطلب تخلية لتحصل له بعد  ذلك  التحلية .

فتطهير القلب من دنس الشرك والبدع والأمور التي تخدش في الإيمان إما تذهبه بالكلية وإما  تنقصه .

فلاشك أن تخلية  القلب مما يشوب  الإيمان  ويخدش فيه مطلوب بالدرجة الأولى  قبل  أن يؤدي أعمال الإيمان القلبية التي  هي  واجبة  على  كل  مسلم بل واجبة  على  كل مخلوق ولا يصح الإيمان إلا بها .

فلابد أولا من تطهير  القلب من لوثات  الشرك  والنفاق والرياء والسمعة وإلى غير ذلك من اللوثات التي إما تذهب بأصل الإيمان  وإما أن تنقص الإيمان وتجعله في أضعف حالاته .

هذه تسمى التخلية بان يتخلى عن  كل ما يخدش الإيمان  .

والتحلية بعد ذلك  وهو  أن  يعمر قلبه  بمعرفة الله والإقرار والتصديق به وبكلامه وبرسوله صلى الله عليه وسلم وما جاء من  عند  الله ويصدق بكل ما ذكره الله في كتابه  وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من أسمائه وصفاته وأفعاله ويثبتها  لله .

ويشمل أيضا العمل القلبي كالخوف والحب والرجاء والتوكل  والإنابة والخشية وغير  ذلك من أنواع أعمال القلوب التي لا يتحقق الإيمان ولا يصح إلا بتحققها .

 

فإذا كان المقصود بالإيمان في الحديث الإيمان القلبي الذي هو الاعتقاد فمعنى ذلك أنه لا  يُقبل  إيمان  وفي  القلب لوثة من لوثات الشرك والنفاق والأمور التي إما تذهب أصل الإيمان وإما تنقص أجره .

ثم  قال : ((  والحمد  لله تملأ الميزان )) :

والحمد  لله  هي  أعظم  تمجيد  لله عز وجل  ولذلك  حمد  الله نفسه في كتابه فافتتح  كتابه  بقوله : {  الحمد  لله رب العالمين }  فالحمد  كله  لله قولا  وعملا  وظاهرا وباطنا  كله  لله  عز وجل ، كل كمال  وكل  صفة حميدة  فالله أولى  بها  .

 

فالحمد  أعظم  الثناء على  الله عز وجل  وأثنى  الله على  نفسه  بالحمد  في  آيات  كثيرة غير  سورة الفاتحة وله الحمد في الأولى والآخرة .

فهو  سبحانه وتعالى أثنى على نفسه بهذا التمجيد العظيم ، فهذا  الحمد  والثناء على  الله  يملأ  الميزان   ميزان  الحسنات يوم القيامة   .

 

وقوله : (( وسبحان  الله   والحمد  لله  تملآن  أو  تملأ ما بين السماوات  والأرض ))

سبحان  الله :  تنزيه  لله  عن  كل  ما  يخالف  كماله  في  ذاته  وأسمائه  وصفاته  وتنزيهه عما  وصفه  به  المشركون  أو  غيرهم  من  أهل  الكفر  والفجور  .

فسبحان  الله  تنزيه  لله  عن  ذلك  كله  عن  النقائص  والعيوب  التي  رماه  بها  اعداءه  من  المشركين  وأمثالهم .

 

وقوله : (( والحمد  لله ))  إثبات  الكمالات  لله  عز وجل  كما  في  كتابه  وعلى  لسان  رسوله صلى الله عليه وسلم  ، ومعنى  ذلك  أن  لا  نثبت  لله  إلا  ما  أثبته  لنفسه  وننفي  عن  الله ما نفاه  عن  نفسه  ، ويلزم  من  إثبات  الكمالات  نفي  النقائص والعيوب عن  الله عز وجل  تعال  وتقدس .

قوله : ((  والصلاة نور )) :

كما  قال  النبي  صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (( خمس  صلوات  من  حفظها  وحافظ عليها  كانت  له  نور  ونجاة  وبرهان  يوم  القيامة  ومن لم  يحافظ  عليها  لم   يكن  له  نور ولا  نجاة  ولا  برهان  وحشر يوم  القيامة  مع  فرعون  وهامان  وقارون  وأبي بن خلف )) .

فالصلاة نور  في الدنيا  فهي نور في القلب إذا صلى المسلم  صلاة كما فرضها الله وكما يحبها  الله  فإن قلبه يستنير ويعمر بالإيمان  ويبصر  حقائق الإيمان بقلبه ويتحلى  بها  وتتجلى  في  أخلاقه ومعاملاته ثم يظهر  ذلك  على جوارحه  فلا ينطق إلا  بالحق  ولا ينطق بالباطل  أبدا .

وكذلك  في  تصرفاته وأخذه وعطائه وبيعه وشرائه  فإن الصلاة  تنهى عن الفحشاء  والمنكر  وذلك  إذا  أُقيمت  فالصلاة نور بهذا  المعنى  وبهذا  الكمال .

 

فهي  نور في الدنيا ونور في القلب ونور في الوجه ونور في العمل ونور في الجوارح ثم هي نور في القبر ونور يوم القيامة وعلى  الصراط وهي نجاة يوم القيامة

 

قوله : (( والصبر ضياء )) :

الصبر  المقصود  به الصيام  لذلك  يسمى  رمضان [ شهر الصبر ]  لأنه  صبر عما منع  الله  عز وجل  من  اتيانه  في  نهار رمضان  من  الطعام  والشراب  والشهوة  وذلك  ابتغاء  ما  عند  الله  إيمانا  واحتسابا .

 

قوله : ((  والقرآن حجة لك أو عليك )) :

فمن  قرأ القرآن بإيمان كامل وتصديق ويقين وعرف مراد الله عز وجل من إنزاله وتفقه  في احكامه ثم عمل به إيماناً وقولاً وعملاً بقلبه ولسانه وجوارحه فهو حجة له .

ومن هجر القرآن :

– إما هجر عمل .

– أو هجر قراءة .

رغبة عنه وزهدا فيه – والعياذ بالله –  فهذا لا حجة له لا في الدنيا ولا في الآخرة

فهذه صفات المنافقين والكفار .

 

وأما في الآخرة فليس له  حجة عند الله عز وجل  فالقرآن يأتي يزخه  في قفاه  حتى يُلقى  في جهنم  نسأل  الله السلامة والعافية .

 

ثم  قال : ((  كل  الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ))  :

كل  الناس  يستيقظون من نومهم  الذي  جعله  الله راحة لهم  وسكينة ومأوى ينطلقون ليبحثوا عن مصالحهم  وأعمالهم  سواء  كانت  دينية أخروية أو كانت دنيوية  فإن الناس يخرجون من بعد نومهم إلى مصالحهم :

 

 – فالمؤمن أول ما يبتدئ بالطهارة  والصلاة في المساجد حيث أمر الله ثم يذهب إلى مصالحه  يأخذ الحلال ويترك  الحرام والمتشابه .

 

– وأما غيره فإنه لا يُقيم وزنا  لما فرض  الله عليه من أداء الصلاة في أوقاتها  ويقصر  في ذلك وربما قام وهو يدعي الإسلام ويقوم  من نومه متجها  إلى عمله الدنيوي ومصالحه  الدنيوية وينسى ما فرضه الله عليه وجعلها الله سعادته  وصلاحه  في  الدنيا  والآخرة .

 

 : ((  فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ))  يعني  :  أحد أمرين  :

– إما أنه ينطلق فيعمل لنجاة نفسه فيعتق نفسه من عذاب الله .

– أو الأخرى والعياذ بالله فيوبق نفسه في نار جهنم  أجارنا  الله وإياكم والمسلمين

 

وصلى  الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

 

1- سورة البقرة الآية (143) .