شروح الحديث

الحديث السادس

 

بسم  الله  والحمد  لله  والصلاة  والسلام  على  رسول  الله  وعلى  آله  وأصحابه ومن والاه                                                                                                      وبعد

 

الحديث السادس :

فعن  ابن مسعود رضي الله عنه  عن  النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((  إن  الصدق يهدي إلى  البر  وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى  الفجور  وإن  الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل  ليكذب حتى  يُكتب عند الله كذابا ))  متفق  عليه .

 

الصدق خصلة  حميدة  محبوبة لله عز وجل  ولذلك  أمر   الله  بها  صفوته  من  عباده  قال  :  { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [1] .

والصدق  :

يكون  في  الاعتقاد 

ويكون في القول

ويكون  في  العمل

ولابد  من  تكامل  هذه  الثلاث حتى  يكون صديقا  ويكتب عند الله صديقا  .

فالاعتقاد لابد أن يكون على وفق ما أمر الله به  في كتابه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه من  أعمال القلوب  التي يزكوا  بها الإنسان  في نفسه وفي عمله فلابد من هذا  .

وأن  يكون  الإنسان  صادقا  في  تعامله  مع  الله  عز  وجل  غير متذبذب ولا متناقض  فليكن  مراقبا  لله  وليكن  عاملا  بما  يرضي   الله  في  قلبه  وقالبه  : (( إن  في الجسد مضغة إذا  صلحت  صلح  الجسد وإذا فسدت فسد  الجسد ألا وهي القلب )) .

ولا يمكن  أن يكذب  اللسان  إلا  إذا  كان  القلب  متذبذبا  متناقضا  فإن  الجوارح  ملك  للقلب  فالله  سبحانه  وتعالى  جعل  سلطة  الجوارح  على  القلب  أعظم   من  سلطة  الملك  من ملوك الدنيا  على  جنده وأتباعه  فإن الجند قد يعصون  الملك  وأما  الجوارح فإنها  لا  تعصي  القلب  ولا  يمكن  أن  تتحرك  وفق ما استقر  فيه  من  الحقائق  :

– فإما  أن  تكون  حقائق  إيمانية يرضاها  الله  من  عباده  .

 – وإما  أن تكون  والعياذ  بالله  إملاءات شيطانية  تتحرك  الجوارح  بما  يوافقها  .

 

فعلى المسلم أن  يراقب  هذا  القلب  وأن  يحسن  تعامله  في باطنه مع  الله عز وجل  أن  تلازمه  خشية  الله  في  السر  والعلن  في أمره كله  في  قوله وعمله وتصرفاته  .

ومراقبة  الله  عز وجل  وأن الله سبحانه وتعالى  رقيب  على  ما  في  قلبه  ورقيب على أقواله وأعماله فإنك أن لم تكن تراه فإنه يراك ولا تخفى عليه خافية في سرك أو علانيتك .

 

 

فإذا  استحضر  المسلم  هذه  الخشية  والمراقبة  وكانت حاضرة نصب عينيه  عبد  الله  كأنه  يراه  فإن  لم  يكن  يراه فإنه يراه  سبحانه  وتعالى  لا تخفى  عليه  خافية  يعلم  خائنة الأعين  ما تخفي  الصدور  فإذا  حصل   هذا  فإن  الجوارح  لا  تعارض  ما  استقر  في  القلب  من  يقينيات  فإن  اللسان  لا يملك  أن  يكذب  وقد  استقرت خشية  الله  في  القلب ، وكذلك  جوارحه  لا  يمكن  أن  تعمل  في  شيء  يغضب  الله  عز وجل ، فالصدق  نجاة  والكذب  هلاك .

 

وكما  أن  الصدق  يكون  في  الاعتقاد  وأعمال  القلوب  ويكون  في  القول   ويكون  في  العمل  فكذلك الكذب  يكون  في  القلب فإن  المنافقين  هم   الكاذبون  : {  قَالُوا  نَشْهَدُ  إِنَّكَ   لَرَسُولُ  اللَّهِ  وَاللَّهُ  يَعْلَمُ  إِنَّكَ  لَرَسُولُهُ  وَاللَّهُ   يَشْهَدُ  إِنَّ  الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ }[2] .

فهذا  كذب  في  الاعتقاد  يعتقدون  خلاف   ما  يقولون  ولذلك أكذبهم  أصدق  القائلين  العالم بخفيات النفوس وما  يلج  في  الصدور  فأكذبهم  ، فيكون  الكذب  بالقلب كما  يكون  باللسان   ويكون  بالأعمال   .

وأخبر  النبي  صلى الله عليه وسلم  في هذا الحديث  ببشارة  للصادقين بأن  الصادق الذي  يصدق  ويتحرى  الصدق  ولا  يتعاطى  خلاف  الصدق فإنه  يكتب عند  الله صديقا  والصديقون  كما  هو  معلوم  درجة  تعقب  النبوة  الأنبياء  ثم  الصديقون  والشهداء  والصالحون ، أسأل  الله أن يجعلنا وإياكم وجميع المسلمين منهم  .

 

فهذه منزلة عظيمة لا ينالها  إلا  من  صدق  مع  الله  وأخلص  صدقا ويقينا  وكان  ثابتا على هذا في أقواله وأعماله  وتصرفاته  ولم  يخلط  في  أمره .

 

والكذب  أيضا  عقوباته  شنيعة  فإنه  يكتب  عند  الله كذابا  : {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ }[3]  فحلت  عليهم  لعنة  الله  نسأل  الله  العافية  والسلامة .

ولا  يكون  ذلك  إلا بأن  يتجرأ  ثم  يصبح  الكذب سجية  له  في قلبه وقوله وعمله ، فعلينا جميعا أن نحذر من أسباب سخط  الله  وغضبه .

نسأل  الله أن يجعلنا وإياكم جميعا من الصادقين

 

وصلى  الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

1- سورة التوبة الآية (119) .

2- سورة المنافقون الآية (1) .

3- سورة هود الآية (18) .