شروح الحديث
الحديث السابع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الحديث السابع :
وعن أبي ذر رضي الله عنه ومعاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن )) رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
الوصية الأولى التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( اتق الله حيثما كنت )) :
فتقوى الله خير زاد وتقوى الله مجلبة للخير في الدنيا والآخرة : {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [1] .
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[2] .
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا }[3] .
هذه الجوائز والمكرمات من الله عز وجل في سورة واحدة وغيرها مبثوث في كتاب الله عز وجل فالتقوى رأس الخير وأساس الخير وأساس الصلاح في الدنيا والآخرة ، ولا يتحقق للإنسان خير ولا صلاح إلا بالتقوى .
والتقوى هي : [ العمل بما يرضي الله والبعد عما يخالف أمر الله ] .
هذه خلاصتها .
وقد فسرها علي رضي الله عنه بأن قال : [ التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل ] .
وهذا المعنى هو معنى حق وصدق وهو موافق لما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن المسلم الذي عرف الله وعرف دين الله يجب عليه أن يلتزم بأوامر الله فيفعل ما أمره الله وبتعد عما حرم الله ويتحلى بحلية الإسلام وزينة الإسلام وهي الصدق والامانة والوفاء بالعهد وأن يكون الإنسان متقاصرا عما حرم الله عليه وأن يبتعد عن كل ما يغضب الله ويسخطه وهذا أمر واضح وبين لكل من وفقه الله عز وجل وعرف الإسلام على حقيقته .
ثم لأن الإنسان خطاء ولابد أن يقع في الخطأ قال صلى الله عليه وسلم وأرشد إلى أن يتبع السيئة الحسنة تمحها فهذه الخصلة الحميدة وهي أن الإنسان بما أنه خطاء وأنه لا يضمن السلامة من الخطأ والزلل وأن يقع في المعصية فإن الخصلة الحميدة هي أن يتبع السيئة الحسنة يعني إذا فعل سيئة يفعل حسنة بعدها .
ومن أعظم الحسنات التوبة من هذه السيئة والرجوع إلى الله والإنابة وأن يطلب من الله عز وجل العفو والمسامحة ولو عمل بعكس ما وقع منه من السيئة بأن يتصدق بشيء يخفف من أثر هذه السيئة فهو حسن ولكن المقصود أن اعظم ما يمحو السيئات هو التوبة النصوح واللجوء إلى الله وكثرة الاستغفار والإنابة .
وإذا كانت السيئة بينه وبين الخلق في مال أو عرض فيرد الحقوق إلى أهلها ويطلب منهم الصفح والمسامحة .
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله في يومه أكثر من مائة مرة بل كان في المجلس الواحد كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما يقول : (( رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الغفور )) اكثر من مائة مرة في الجلسة الواحدة .
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يلازم الاستغفار حتى أنه يعد له في المجلس الواحد مائة مرة يستغفر الله ويتوب إليه ، فالذي يقع في السيئات لابد أن يلتزم بهذا الأدب النبوي ويحرص على أن يستعفر الله ويتوب إليه ويقلع عن الذنب ويلجأ إلى الله عز وجل في أن يغفر ذنبه ويتوب توبة صادقة نصوحا ، نسأل الله لنا ولكم من فضله .
وقوله : (( وخالق الناس بخلق حسن )) :
وهذه الخصلة الحميدة وهي الخلق الحسن ما يوصل الإنسان إلى أعلى الجنان وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه في الحديث الصحيح : أنا زعيم ببيت في ربض الجنة أنا زعيم ببيت في وسط الجنة ثم قال في نهاية الحديث : (( وانا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه )) .
فحسن الخلق يبدأ من تعامل العبد مع الله عز وجل بأن يكون حسن الأخلاق مع الله يتأدب مع الله في قلبه ولسانه وجوارحه بأن لا يفعل إلا ما يرضي الله ولا يعمل ولا يتحرك إلا بما يرضي الله وأن يبتعد عن كل ما يسخط الله .
هذه أعظم الحسنات وهي حسنة على نفسه .
ثم في تعامله مع الآخرين مع الناس يتعامل معهم بحسن الخلق ولين الجانب والعفو والمسامحة وإن وقع من أحدهم خطأ أو زلل فيسامح يبتغي بذلك ما عند الله عز وجل وما عند الله أعظم الأجور التي أعدها الله عز وجل للذين يصفحون ويسامحون ويتنازلون عن حقهم الدنيوي الله سبحانه وتعالى تكفل لهم بالأجور العظيمة التي الدنيا بأسرها لا تساوي شيئا منها .
الله يجعلنا وإياكم من أهل الأخلاق الحسنة وأن يرزقنا وإياكم اليقين والصدق مع الله والإحسان في كل أقوالنا وأعمالنا .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .