شروح الحديث

الحديث التاسع

 

بسم الله  والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه

 

الحديث التاسع :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه )) حديث حسن ، رواه الترمذي وغيره .

 

(( من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه )) :

إذا كان الإنسان تحقق بالإسلام باطنا وظاهراً وعرف الله حق المعرفة وعظم الله حق التعظيم والتزم بأوامر الله وحفظ حدود الله وفعل ما أمره الله به باطنا وظاهراًَ فالباطن هو الاعتقاد الصحيح السليم والتعظيم لله والمحبة لله والإجلال لله وذلك يترتب على معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله فإذا تحقق الإنسان المسلم بهذا وصلح باطنه صلح ظاهره بالعمل الصالح والاستقامة على ما أمر الله به والابتعاد عما نهى الله عنه .

ومن ذلك أنه إذا أراد أن يكون إسلامه أحسن فإنه يترك مالا يعنيه لا في دينه ولا في دنياه فهذا  من  حسن إسلام المرء أن يكون  الإنسان مشتغلا بما ينفعه عند الله عز وجل أو يحقق له مصالحه في الدنيا .

 

فأما أن يبقى مشغولا بالناس ماذا  فعلوا وماذا حصل منهم وفلان عنده مال وفلان عنده سيارة وفلان عنده بيت أمور لا تعنيك ولا تنفعك وعدمها لا يضرك فلماذا تشغل نفسك وتشغل قلبك وربما أدى بك هذا إلى أمور لا ترضي الله من الحسد أو الغيبة أو النميمة وأمثال هذا من الأقوال أو الأفعال  سواء كانت بالقلب أو بالجوارح مما لا يرضاه الله عز وجل للمسلم ولا يلقى منها إلا شراً في الدنيا والآخرة .

فالإنسان عليه أن يشتغل بما ينفعه وأن يشتغل بما يقربه إلى الله وأن يتعرف على ما يحبه الله عز وجل فيأتيه وما يبغضه الله يبتعد عنه ، وإن مما يبغضه الله الاشتغال بالناس والتشوف لما في أيديهم والنظر إلى ما عندهم وتعداد ذلك والاشتغال به وإشغال النفس ، فإن هذا يؤدي إلى مفاسد عظيمة ذكرنا بعضها .

ومن ذلك أن يبقى مهموماً مغموماً فإنه إذا كان هناك من هو أغنى منه اغتم لماذا لا يكون مثله ، وإذا كان هناك من هو أحسن منه قواماً وشكلاً فكذلك .

ولكن إذا حمد الله على فضله وإحسانه إليه وما قدره له من الخير  وما صرف عنه من الشر إذا اشتغل بهذا وبتعداد نعم الله عليه التي لا يحصيها إلا الله وتفكر في طريقة شكرها وأنه مهما بذل من الطاعات ومهما بذل من القربات فإنه لا يمكن أن يؤدي حق أصغر نعمة أنعم الله بها عليه .

 

ومما قصه رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة الرجل الذي عَبَدَ الله  في جزيرة في لجة البحار خمسمائة سنة يصوم النهار ويقوم الليل خمسمائة عام لم يشتغل بأهل ولا مال وسهل  الله له رزقه في هذه الجزيرة عين   ماء يشرب منها ورمانة تنتج  له في كل يوم حبة فيشرب الماء ويأكل هذه الرمانة ثم يقوم  لله عز وجل الليل ويصوم النهار ودعا الله أن يقبض روحه وهو  ساجد فقبض الله روحه وهو ساجد فقال  الله سبحانه وتعالى لملائكته : سلوا عبدي أيدخل الجنة برحمتي أو يدخل الجنة بعمله . فسألوه فقال : بعملي .

لأنه خمسمائة سنة لم يرى الدنيا وما فيها ولم  يحصل على شيء من الدنيا إلا هذا الذي ساقه الله له في هذه الجزيرة عين ماء وحبة رمانه ويقوم الليل ويصوم النهار خمسمائة عام لم يتخلف عن هذا لحظة ولا ساعة .

فعند ذلك قال رب العالمين :  زنوا عبادة عبدي خمسمائة عام بنعمة البصر . فرجحت  نعمة البصر بهذا كله .

 

فيا أخي حفظنا الله وإياكم : { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا }[1] هذه نعمة واحدة ما استطاع عمل خمسمائة عام ليلا ونهارا وهو في عبادة الله  لم يعص الله طرفة عين لم يكافئ عمله نعمة واحدة .

فكيف نستطيع نحن ان نكافئ نعم الله التي لا تعد ولا تحصى وما غاب عنا وما جهلناه منها أعظم وأكبر مما رأيناه وعرفناه ،  فالله المستعان ، فنسأل الله  أن يرزقنا شكر نعمه وألا يجعلنا ممن يخالف أمره .

فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا  بهذا الحديث إلى أن ترك مالا يعني الإنسان في دينه أو دنياه  فإن هذا  يدل على حسن إسلامه وصدق إسلامه .

وإن من أصح حسن إسلام المرء أن يشتغل بطلب علم يسأل عالم عما يهمه في دينه أو يستفيد علما ينفعه في مصالحه .

فإما أن يشتغل بما لا ينفعه في دينه ولا في دنياه  فإن هذا يدل على ضعف الإيمان وعلى خلل في  إسلامه ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ونسأل  الله أن يسلمنا وإياكم من كل شر وأذى .

 

وصلى  الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

 

1- سورة النحل الآية (18) .