فوائد منوعة سلسلة الأخلاق المذمومة

ثامناً

سلسلة الأخلاق المذمومة

بسم الله الرحمن الرحيم

مما  أفادنا  به  شيخنا   –  حفظه الله –   خلال  مجموعة  الفوائد  هذه  السلسلة  المباركة  والتي  فيها  التحذير  من  بعض  الأخلاق  المذمومة  وقد  جعلتها  متتابعة  ليستفيد  منها  القارئ  الكريم

قال شيخنا – حفظه الله  :

إذا كان الإسلام العظيم هو دين مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ومجمع الفضائل قال صلى الله عليه وسلم  :

(( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق )) أخرجه  أحمد والبخاري في الأدب المفرد والبزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

فمعنى ذلك ولازمه ومتممه ومكمله ولا يستقيم إلا به أن ينهى ويذم ويحرج عن كل خلق ذميم يتناقض مع الأخلاق الكريمة ويخالفها

ومن هذه الأخلاق الذميمة التي يحذر منها أشد التحذير :

أولاً :   اتباع الهوى

والهوى من قولهم يهوي وهو السقوط

وقيل في معناه : هو ميل النفس وانجذابها إلى شهواتها المخالفة لشـرع الله

وقد سمي ذلك بالهوى لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى الرذيلة وفي الآخرة إلى الهاوية والهاوية جهنم نعوذ بالله منها

قال شيخ الإسلام ابن تيمية  رحمه الله  :

صاحب الهوى يعميه الهوى ويُصِمُّه فلا يستحـضر ما لله ورسوله في الأمر ولا يطلبه ولا يرضى لرضا الله ورسوله ولا يغضب لغضب الله ورسوله فليس قصده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا بل قصده نفسه وشهوته       انتهى باختصار وتصرف يسير

ويكفي لتعلم خبث هذا الخلق وفساده أن تتذكر أن القول على الله بغير علم الذي هو مراد الشيطان من الإنسان هو إحدى ثمرات اتباع الهوى

وأنه باب الابتداع في الدين ومشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين وهو أصل كل ضلالة وفساد سواءً في الاعتقاد أو العمل

وقد ورد النهي الشديد والزجر الأكيد والتهديد البليغ لهذا الخلق الذميم وأهله في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

فمن كتاب الله الكريم :

يقول تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً }

وقال عز وجل : { فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق … }

وقال تعالى : { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون }  

وقال عز وجل : { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً  * أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ً}

وقال تعالى : { إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كلُّ نفس بما تسعى * فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى }

وأما السنة الشريفة ففيها الكثير ومن ذلك :

حديث قُطبة بن مالك رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول :

(( اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء ))

أخرجه الترمذي وقال : حسن غريب وابن أبي عاصم وقال الألباني : إسناده صحيح  رحم الله الجميع

وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى ))

أخرجه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح وصححه الألباني رحم الله الجميع

وفي حديث أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( ثلاث كفارات وثلاث درجات وثلاث منجيات وثلاث مهلكات …… وأما المهلكات : فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه ))

روي عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم من طرق مختلفة وصححه الألباني رحمه الله

قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( ما ذكر الله عز وجل الهوى في موضع من كتاب إلا ذمه )

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنتان : طول الأمل واتباع الهوى فأما طول الأمل فيُنسي الآخرة وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق )

ومن أضرار الهوى :

1- أنه يصد عن الحق

2- أنه يعمي ويصم

3- أن صاحبه قد اتخذه إلهاً من دون الله

4- يهوي بصاحبه إلى الهلاك والردى في العاجل والآجل

5- اتباع الهوى ضلال وعلامة من علامات أهل البدع

أما علاجه فبالعزم والقوة ومجاهدة النفس ومن ذلك :

1- التفكر فيما خلق الإنسان له وما كلف به في هذه الدنيا

2- التفكر في عواقب الهوى وكم فوت من فضيلة وكم أوقع في رذيلة

3- تذكر عقوبة الله التي لا تطاق لمن اتبع هواه

4- التفكر في فائدة مخالفة الهوى من خيرات الدنيا بالذكر الجميل وسلامة النفس والعرض وعظيم الأجر في الآخرة والسلامة من جهنم أعاذنا الله منها

وخلاصة اتباع الهوى :

هو تقديم النفس ورغباتها وشهواتها على الله الخالق الرب المعبود بحق

ثانياً : الأمن من مكر الله

خلق آخر ذميم مما يخالف أخلاق الإسلام العظيم خلق ذمه الله في كتابه وحذر أهله غاية التحذير من عاقبته إنه :  الأمن من مكر الله   نعوذ بالله

وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف

ويتحقق الأمن من مكر الله بالاسترسال في المعاصي مع الاتكال على رحمة الله وعفوه

ويتمكن من صاحبه المغرور إذا رأى الله يمد له في العافية والمال مع ارتكابه للمعاصي أو إخلاله بالواجبات

قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه :

( من وُسٍّع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مُكِرَ به فهو مخدوع عن عقله )

ومكر الله صفة فعل لله متعلقة بالمشيئة فهو سبحانه يمكر بمن يستحق المكر

وهي صفة كمال في حق الله تعالى على ما يليق بجلاله وكماله قال تعالى :

{ أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون }

وفي الدعاء المشهور : (( وامكر لي ولا تمكر عليّ ))

أخرجه الترمذي وغيره وهو جزء من حديث صحيح

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : (( يا مـقـلب القلوب ثـبت قلـبي على ديـنك )) فقالوا : يا رسول الله أتخاف ؟ قال : (( إن القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء ))

وفي كلام الله عز وجل يقول تعالى :

{ وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه }

وقد أثنى سبحانه على الراسخين في العلم بقولهم :

{ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب }

وقد ورد التحذير من هذا الخلق الرديء في كتاب الله قال تعالى :

{ أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون * أوَأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحىً وهم يلعبون * أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون }

وقال تعالى :

{أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تحوف فإن ربكم لرءوف رحيم }

وفي السنة الشريفة :

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان متكئاً فدخل عليه رجل فقال : ما الكبائر ؟ فقال : (( الشرك بالله والقنوط من رحمة الله عز وجل والأمن من مكر الله وهذا أكبر الكبائر ))

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله  : وفي إسناده نظر والأشبه أن يكون موقوفاً

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( أكبر الكبائر الإشراك بالله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله )

قال ابن كثير : وهو صحيح إليه بلا شك

قلت أنا علي بن عبد الرحيم : وإذا صح موقوفاً فله حكم الرفع لأنه مما لا يقال بالرأي

ومن أقوال السلف  رحمهم الله ورضي عنهم  :

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :

( إن المؤمن يرى ذُنُوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا )

وقال الحسن البصري  رحمه الله  : ( المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف ، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن )  

من مضار الأمن من مكر الله :

1- يجعل صاحبه غافلاً عن طاعة الله وأسباب رضوانه

2- صاحبه لا يراقب الله في تصرفاته وأعماله بل يرتع في الدنيا كالبهائم

3- والأمن من مكر الله يغضب الله

4- هو طريق إلى عذاب الله في العاجل والآجل

5- لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون

ثالثاً : البغي

ومن الأخلاق المذمومة في الإسلام العظيم : البغي

وهو التعدي والتجاوز يقال : بغى الرجل على الرجل أي استطال وعدل عن الحق

ومنه قول الله تعالى : { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } فالبغي هنا هو الاستطالة والظلم وإباء الصلح

ويقال بغى الوالي : ظلم

وكل مجاوزة للحد وإفراط فهو بغي ومنه قول الله تعالى :

{ يبغون في الأرض بغير الحق }

وقول الله تعالى :

{  قل   إنما  حرم  ربي  الفواحش  ما  ظهر  منها  وما  بطن  والإثم  والبغي  بغير الحق  } فالبغي  هنا  هو  الاستطالة  على  الناس  بغير  حق

وقيل : الظلم والفساد  

وقيل : الكبر

قال المناوي : البغي هو طلب الاستعلاء بغير حق

وقد ورد البغي في القرآن الكريم على خمسة معاني :

الأول : بمعنى الظلم قال تعالى :

{ …. وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي }

الثاني : بمعنى المعصية قال تعالى :

{ فلما أنجاهم إذا هم يبغون } أي يعصون

ومنه قوله تعالى : { يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم }

الثالث : بمعنى الحسد قال تعالى : { بغيا بينهم} أي حسداً

الرابع : بمعنى الزنا قال تعالى : { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء}

الخامس : بمعنى الطلب قال تعالى : {ويبغونها عوجاً } أي يطلبون لها اعوجاجاً

وقد ورد النهي والزجر عن هذا الخلق الذميم في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالحين

فأما كتاب الله الكريم فمنه قول الله عز وجل :

{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

وقال تعالى :

{ ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بُغِيَ عليه لَيَنصُرنه الله إن الله لعفو غفور}

وقال عز وجل :

{ إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم }

وأما السنة الشريفة فمنها :

في حديث عياض بن حمار المُجاشعي رضي الله عنه الطويل :

(( …… وإن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد )) أخرجه مسلم

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( سيصيب أمتي داءُ الأمم )) فقالوا يا رسول الله وما داء الأمم ؟ قال : (( الأشر والبطر والتكاثر والتناجش في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ))

أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد وقال العراقي : أخرجه أبن أبي الدنيا في ذم الحسد والطبراني في الأوسط وقال : إسناده جيد  رحم الله الجميع

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قيل : يا رسول الله أي الناس أفضل

قال : (( كل مخموم القلب صدوق اللسان )) قالوا : صدوق اللسان نعرفه ، فما مخموم القلب  

قال : (( هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد ))

أخرجه ابن ماجه وقال في الزوائد : هذا إسناد صحيح وصححه الألباني رحم الله الجميع

وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ))

أخرجه الترمذي واللفظ له وقال : حسن صحيح وأخرجه البخاري في الأدب وأبو داود وصححه الألباني رحم الله الجميع

وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق ))

أخرجه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح

ومن أقوال السلف رضي الله عنهم :

قال ابن عباس رضي الله عنهما :

( لو بغى جبل على جبل لجعل الله عز وجل الباغي منهما دكاً )

وقال محمد بن كعب القرضي  رحمه الله تعالى : ثلاث خصال من كُنّ فيه كُنّ عليه :

البغي  قال تعالى : { يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم }

والنكث  قال تعالى : { فمن نكث فإنما ينكث على نفسه }

والمكر  قال تعالى : { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله }

قال الفرزدق الشاعر المشهور : إن قيس بن عاصم كان له ثلاثة وثلاثون ابناً وكان ينهاهم عن البغي ويقول : إنه والله ما بغى قوم على قوم إلا ذلوا قال : فكان الرجل من بنيه يظلمه بعض قومه فينهى إخوانه أن ينصروه مخافة البغي 

وقال عبدالله بن أشهب التميمي عن أبيه قال :

كانوا في الجاهلية بالموقف ( يعني عرفة ) فيسمعون صوتاً من الجبل يقول : البغي يصـرع أهله ويُحِلُّهُم دَارَ المذلَّة والمَعَاطِسُ رُغّم

قال : فيطوفون بالجبل فلا يرون شيئاً  ويسمعون الصوت بذلك

وقال شرقي بن قُطَامي : وصى رجل من العرب بنيه فقال اهجروا البغي فإنه منبوذ ولا يدخلنكم العجب فإنه ممقته 

وقال ابن القيم  رحمه الله  : سبحان الله

في النفس كِبْرُ إبليس وحسد قابيل

وَعُتُوُّ عاد وطغيان ثمود

وجُرأة نُمْرُوذ واستطالة فرعون

وبغي قارون وقُبح هامان

وهوى بلعام وَحِيَلُ أصحاب السبت

وَتَمَرُّدُ الوليد وجهل أبي جهل

وفيها من أخلاق البهائم :

حِرْصُ الغراب وشره الكلب وَرُعُونة الطاووس

ودناءة الجُعل وعقُوق الضب وحقد الجمل

ووثوب الفهد وصولة الأسد وفِسقُ الفأرة

وخبث الحية وعبث القرد وجمع النملة

ومكر الثعلب وخفة الفراش ونوم الضبع

غير أن المجاهدة تذهب ذلك

رابعا : الظلم

ومن الأخلاق المذمومة في الإسلام : الظلم  

وهو الجور ومجاوزة الحد

وهو وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان وإما بزيادة وإما بعدول عن وقته أو مكانه

وهو عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل ودواوينه ثلاثة :

1- ديوان بين العبد وربه  وأعظمه الشرك قال تعالى :

{إن الشرك لظلم عظيم }

وقال : { إن الله لا يغفر أن يشرك به } ويدخل فيه جميع المعاصي والذنوب

2- ما بين العبد ونفسه قال تعالى :

{ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله تواباً رحيماً }

ويدخل فيه جميع الذنوب والمعاصي

3- ما بين العبد والخلق ويدخل فيه كل تعد في الأنفس والأموال والأعراض

وقد ورد النهي عن هذا الخلق الذميم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

فإما كتاب الله تعالى فقد قال تبارك وتعالى نافياً عن نفسه الظلم :

{وما الله يريد ظلماً للعباد}

وقال سبحانه : {وما ربك بظلام للعبيد}

وقال عز وجل : {إن الله لا يظلم مثقال ذرة }

وقال جل وعلا :{ إن الله لا يظلم الناس شيئاً}

ووردت الآيات تتحدث عن إهلاك الله للظالمين فقال تعالى :

{وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمه إن أخذه أليم شديد }

وقال تعالى : { ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون }

وقال عز وجل : {ألا لعنة الله على الظالمين }

وقال : { إنه لا يفلح الظالمون}

وقال : {إن الله لا يهدي القوم الظالمين }

وقال سبحانه : {وما للظالمين من نصير }

وورد وصف المعاصي بالظلم كما في قوله تعالى :

{ومن يتعدى حدود الله فقد ظلم نفسه}

وقال تبارك وتعالى :

{إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً }

وفي السنة الشريفة :

عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قال الله تبارك وتعالى : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا …… ))

الحديث أخرجه مسلم

وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين ))

أخرجه البخاري ومسلم

وعن جابر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة … ))

الحديث وقد مر سابقاً أخرجه مسلم

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته )) ثم قرأ : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمه إن أخذه أليم شديد }

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه … )) أخرجه البخاري ومسلم

ومما ورد عن السلف رضي الله عنهم :

1- قال رجل عند أبي هريرة رضي الله عنه : إن الظالم لا يظلم إلا نفسه

فقال أبو هريرة رضي الله عنه : ( كذبت والذي نفس أبي هريرة بيده إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم ) أخرجه الطبري وابن أبي الدنيا

2- وكتب أحد عمال عمر بن عبدالعزيز يستأذنه في تحصين مدينته فكتب إليه عمر : حصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم

3- ودخل طاووس اليماني على هشام بن عبدالملك الخليفة فقال له طاووس :

( اتق يوم الأذان ) فقال هشام : وما يوم الأذان  

قال قوله تعالى : {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين } فصعق هشام فقال طاووس : هذا ذل الصفة فكيف المعاينة

4- قال شريح القاضي رحمه  الله  : سيعلم الظالمون حق من انتقصوا إن الظالم لينتظر العقاب … والمظلوم ينتظر النصر والثواب

آثار الظلم :

1- الظالم مصروف عن الهداية ومحروم منها قال الله تعالى :

{إن الله لا يهدي القوم الظالمين }  

2- الظالم لا يفلح أبداً قال تعالى : { إنه لا يفلح الظالمون }  

3-الظالم عليه اللعنة من الله قال تعالى : { يوم لا ينفع الظالمون معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار }

4- الظالم يحرم من الشفاعة قال تعالى : {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع }

وقال عليه الصلاة والسلام : (( صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي : إمام ظلوم غشوم وكل غال مارق ))

أخرجه الطبراني والخرائطي وحسنه الألباني  رحم الله الجميع

5- تصيبه دعوة المظلوم ولا تخطئه قال عليه الصلاة والسلام :

(( واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب ))

أخرجه مسلم من حديث معاذ رضي الله عنه

ويقول الله تعالى : (( ﻷنصرنك ولو بعد حين ))  

أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وحسنه الحافظ في نتائج الأفكار

6- بالظلم يرتفع الأمن قال تعالى :

{ الذين أمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم اﻷمن وهم مهتدون }

ومعنى الآية : انتقاص الأمن والاهتداء بمقدار ما يُرتكب من الظلم

7- الظلم سبب للبلاء والعقاب قال تعالى : { فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد}  

وقوله تعالى : {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا }

8- توعد الظالم بالنار فعن خولة اﻷنصارية رضي الله عنها قالت :

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن رجاﻻً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة )) أخرجه البخاري

خامساً : سوء الظن

ومن الأخلاق المذمومة في الإسلام  :  سوء الظن

قال الماوردي : سوء الظن هو عدم الثقة بمن هو لها أهل

وقال ابن كثير : سوء الظن هو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله

وقال ابن القيم : سوء الظن هو امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس حتى يطفح على اللسان والجوارح والروح  

وسوء الظن درجات ومراتب : وأسوأه ما كان في جنب الله تعالى وهو كفر وظلم وجهل

قال تعالى في ذم المنافقين : { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية }

فهم ينكرون الحكمة الربانية العظيمة وينكرون القدر الكوني والشرعي

وقال تعالى في شأن المجترئين على المعاصي وتعدي حدوده :

{ وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله ﻻ يعلم كثيراً مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين }

قال أبو حيان الأندلسي : هذا الظن كفر وجهل بالله وسوء معتقد يؤدي إلى تكذيب الرسل والشك في علم الله      انتهى

وبين سبحانه صورة هلاك هؤلاء الظانين بالله ظن السوء فقال تعالى :

{ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً }

وفيما يتعلق بسوء الظن بمن ظاهره العدالة والإسلام ورد قول الله تعالى :

{ يا أيها الذين امنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم }

وفي السنة الشريفة :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث )) أخرجه البخاري ومسلم

وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم )) أخرجه أحمد والطبراني وقال الهيثمي : رجاله ثقات ، وحسنه ابن حجر والألباني رحم الله الجميع

ومن أقوال السلف  رحمهم الله  :

قال علي رضي الله عنه : ( ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن )

قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( إن الله قد حرم على المؤمن من المؤمن دمه وماله وعرضه وان يظن به ظن السوء )

آثار سوء الظن :

1- سبب للوقوع في الشرك والضلال كما في الآيات السابقة

2- صفة كل مبطل ومبتدع

3- سبب في استحقاق لعنة الله وغضبه كما في الآية السابقة : { عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم ….}

4- يورث الإنسان الأخلاق السيئة كالجبن والبخل والشح والحقد والحسد

قال ابن عباس : الجبن والبخل والحرص غرائز سوء يجمعها كلها سوء الظن بالله عز وجل

5- من أساء الظن أساء العمل

6 – سبب في وجود الأحقاد والعداوات ويزرع الشقاق بين المسلمين ويقطع حبال الأخوة ويمزق وشائج المحبة ويزرع العداوة والبغضاء وإضعاف الثقة بين المؤمنين

7- يؤدي إلى تتبع عورات المسلمين

8- سبب للمشكلات العائلية

9- من مداخل الشيطان الموقعة في كبائر الذنوب  قال بعض السلف :

( من عظيم حيل الشيطان سوء الظن بالمسلمين ) قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً }

10- سبب في مرض القلب وعلامة على خبث الباطن ، قال بعض السلف : مهما رأيت إنساناً يسيء الظن بالناس طالباً للعيوب فاعلم أنه خبيث الباطن وأن سوء الظن في باطنه يترشح منه

11- يسبب عدم الثقة بالآخرين  قيل لعالم من أسوأ الناس حالاً قال : من لا يثق بأحد لسوء ظنه ولا يثق به أحد لسوء فعله

وسوء الظن كما سبق درجات وله أحكام :

1- فسوء الظن بالله ورسله كفر بالإجماع

2- وسوء الظن بالمؤمن الذي ظاهره العدالة من الكبائر

3- وسوء الظن بمن يجاهر بالمعاصي ومن يشهد عليه بسوء جائز

أسباب الوقوع في سوء الظن :

1- الجهل وسوء القصد والفهم

2- اتباع الهوى وتعميم الأحكام على الناس

3- مصاحبة أهل الفسق والفجور حتى يظن أن الناس كلهم كذلك

4- التواجد في مواطن التهم والريب قال عمر رضي الله عنه : من أقام نفسه مقام التهم فلا يلومن من أساء به الظن

5- الحقد والحسد

6- الغيرة في غير محلها

الوسائل المعينة على ترك سوء الظن :

1- الاستعاذة بالله والتوقف عن الاسترسال في الظنون

2- التفقه في أسماء الله وصفاته ومعرفة حكمته في خلقه وشرعه

3- المداومة على محاسبة النفس وكثرة الاستغفار

4- أن يتأول ما ظاهره السوء ممن ظاهره السلامة قدر استطاعته قال عمر رضي الله عنه :

( لا يحل لمرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءا وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجاً )

5- عدم مصاحبة من ابتلي بإساءة الظن

سادساً : اليأس والقنوط

ومن الأخلاق المذمومة في الإسلام  : اليأس والقنوط  

وهو انقطاع الأمل والطمع من رحمة الله

وقيل : شدة اليأس من الخير

وقد ورد ذم اليأس والقنوط والنهي عنهما في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف رحمهم الله ورضي عنهم

فأما كتاب الله فقال تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام :

{ قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون }

فإن إبراهيم عليه السلام لما بشرته الملائكة بالغلام العليم استبعد ذلك لكونه قد كبر سنه وامرأته عاقر لا تلد ..

فظنت الملائكة أنه قانط فأجابهم بأنه لا يقنط من رحمة ربه إلا المكذبون الضالون

وقال تعالى : {قل يا عباد الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم }

أي لا تيأسوا من رحمة الله فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا فلا تنفعنا معها طاعتنا فتبقون مصـرين على العصيان ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه وصفاته الدالة على كرمه وجوده واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعاً من الشرك فما دونه ..

بل ويبدل الله تلك السيئات حسنات لمن تاب وأناب إلى الله

وقال تعالى : {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد }

وقال تعالى : {لا يسئم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط }

وقال تعالى : {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }

وأما السنة المطهرة :

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

(( إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مئة رحمه فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة . وأرسل في خلقه كلهم رحمه واحدة فلو يعلم الكافر بالذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ولو يعلم المسلم بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار ))

أخرجه البخاري

قلت : وهذا فيه الجمع بين الخوف والرجاء وفي مسلم قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد ))

ومن أقوال السلف  رحمهم الله  :

قال ابن مسعود رضي الله عنه : الهلاك في اثنتين  القنوط  والعجب

وقال أيضاً : الكبائر ثلاث اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله

وقال ابن سيرين : الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله تعالى

وقال أيضاً : لا تيأس فتقنط فلا تعمل

وقال ابن عطية : اليأس من رحمة الله وتفريجته من صفة الكافرين

وقال البغوي : القنوط من رحمة الله كبيرة كالأمن من مكره 

وقال الطحاوي : الأمن من مكر الله واليأس من رحمته ينقلان عن ملة الإسلام

أثر اليأس والقنوط :

1- اليأس والقنوط من صفات الكافر والضال كما سبق في الآيات

2- اليأس والقنوط ليسا من صفات المؤمنين

3- فيه تكذيب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم

4- اليأس فيه سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى فقد أخبر سبحانه أن رحمته سبقت غضبه وأن رحمته وسعت كل شيء وأنه يغفر الذنوب جميعاً واليائس يعتقد خلاف ذلك

5- اليأس سبب في الوقوع في الكفر والهلاك والضلال  

6- سبب في الفتور والكسل عن فعل الطاعات والغفلة عن ذكر الله

7- سبب للاستمرار في الذنوب والمعاصي وعدم التوبة

8- سبب في الحرمان من رحمة الله ومغفرته

9- سبب لفساد القلب ومعصية فساد القلب أشد من الزنا وشرب الخمر

10- يذهب سكينة القلب ويشعر بالحرمان والحزن والهم

من صور اليأس والقنوط :

1- اليأس والقنوط من مغفرة الله للذنوب

2- اليأس والقنوط من زوال الشدائد وتفريج الكروب

3- اليأس من التغير للأفضل

4- اليأس من نصر الله للإسلام وارتفاع الذل والمهانة عن المسلمين

5- اليأس والقنوط من توبة العصاة والتخذيل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى عن اليائسين : { لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً }

أسباب اليأس والقنوط :

1- الجهل بالله سبحانه وأسمائه وصفاته

2- الغلو في الخوف من الله سبحانه حتى يطغى على الرجاء فيختل الإيمان

3- مصاحبة اليائسين والقانطين والمقنطين

4- التعلق بالأسباب واعتقاد أنها تنفع أو تضر بذاتها

5- التشدد في الدين وعدم الأخذ بالرخص الشرعية

6- قلة الصبر واستعجال النتائج

7- تعلق القلب بالدنيا

8- دنو الهمة والاستسلام للواقع وضعف الرغبة في التغيير للأحسن

الوسائل المعينة على التخلص من اليأس والقنوط :

1- الإيمان بأسماء الله وصفاته والتفقه في معانيها

2- حسن الظن بالله ورجاء رحمته لكن لا يغلب الرجاء على الخوف بل يكون بينهما كجناحي طائر

3- تعلق القلب بالله والثقة به

4- أن يكون العبد بين الخوف والرجاء قال تعالى : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين }

5- الإيمان بالقضاء والقدر  

6- الصبر عند حدوث البلاء

7- الدعاء مع الإيقان بالإجابة

8- الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله

9- الزهد في الدنيا وعدم التعلق بها

سابعاً : القسوة والغلظة

ومن الأخلاق المذمومة في الإسلام  : القسوة والغلظة

القسوة في القلب هي : ذهاب اللين والرحمة والخشوع منه وهو مركب من البغض والقساوة والتهاون بما يلحق الغير من الألم والأذى

والغلظة هي : القسوة مع قلة الشفقة وعدم الانفعال للخير وتوجد في السيئ الخلق القاسي الخشن في الكلام

ورد ذم القسوة والغلظة في الكتاب والسنة وأقوال السلف

فمن القرآن العظيم قوله تعالى :

{ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة … }

وقال تعالى :

{فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون }

وقال تعالى :

{ ليجعل  ما يلقي  الشيطان  فتنة  للذين  في  قلوبهم  مرض  والقاسية  قلوبهم  وإن  الظالمين  لفي   شقاق  بعيد }

وقال تعالى :

{أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين }

وقال تعالى :

{ألم يأن للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون }

وقال عز وجل في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم :

{فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك }

وأما السنة الشريفة :

فعن أبي مسعود رضي الله عنه قال : أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن وقال :

(( الإيمان هاهنا -مرتين – ألا وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين – حيث يطلع قرن الشيطان ربيعة ومضر )) أخرجه البخاري ومسلم

وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال : عن صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة :

(( والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ )) أخرجه البخاري

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه قال :

(( إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح برأس اليتيم ))

أخرجه احمد والبيهقي وفي إسناده ضعف ولكن له شاهد وفيه انقطاع

وعن حارثة ابن وهب رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :

(( ألا أدلكم على أهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره )) وقال : (( أهل النار كل جواظ عتل مستكبر )) أخرجه البخاري

الجواظ : الغليظ  

العتل : الفظ الشديد وهو لا يلين للحق ولا للخلق

ومن أقوال السلف  رحمهم الله  :

قال مالك بن دينار  رحمه الله  : أربع من الشقاوة : قسوة القلب وجمود العين  وطول الأمل  والحرص على الدنيا

وقال بعضهم : ما ابتلي أحد بمصيبة أعظم عليه من قسوة قلبه

وقال مالك بن دينار أيضاً : ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب وما غضب الله على قوم إلا نزع منهم الرحمة

آثار قسوة القلب والغلظة والفظاظة :

1-تحريف الكلم عن مواضعه وذلك من سوء الفهم وسوء المقصد وكلاهما ناشئ عن قسوة القلب

2- نسيان ما ذكر به وهو ترك ما أمر به علماً وعملاً قال تعالى : {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسيه يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به }

3-زوال النعم ونزول المصائب والنقم والهلاك قال تعالى : { فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون * فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}

4- القلب القاسي أضعف القلوب إيماناً وأسرعها قبولاً للشبهات والوقوع في الفتنه والضلال قال تعالى : {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد}

5- سبب في الضلال واستحقاق لعنة الله وسخطه وعقابه قال تعالى : {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين }

6- الفتور عن الطاعة والوقوع في المحرمات وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

7- الوحشة والخوف الدائم وعبوس الوجه والكآبة  

8- التنافر بين القلوب وشيوع الكراهية والبغضاء قال تعالى : {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}

9- قسوة القلب والغلظة والفظاظة من صفات الظلمة المتكبرين

10- قسوة القلب سبب في دخول النار كما في حديث حارثه السابق

علامة قسوة القلب والغلظة :

1- عدم التأثر بالقرآن

2- جمود العين وقلة دمعها من خشية الله

3- عدم الاعتبار بالموت والضحك عند القبور

4- الكبر وعدم قبول الحق

5- الفرح والسعادة بما يصيب الآخرين من أذى

أسباب قسوة القلب :

1- الغفلة عن ذكر الله وتدبر القرآن والتأمل في آيات الله الكونية قال تعالى : {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى }

وقال تعالى : {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله }

2- كثرة المعاصي قال صلى الله عليه وسلم : (( إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه الران  وهو الذي ذكر الله عز وجل في القرآن : {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}

قال احد السلف : اعلم أن الذنوب تورث الغفلة والغفلة تورث القسوة والقسوة تورث البعد من الله والبعد من الله يورث النار

3- التفريط في الفرائض وانتهاك الحرمات

4- الانشغال بالدنيا والانهماك في طلبها والمنافسة عليها

5- طول الأمل

6- التوسع المذموم في المباحات

7- كثرة مخالطة الناس في غير مصلحة

8- عدم الرحمة بالخلق والإحسان إليهم كما في الحديث السابق

9- التعصب للرأي وكثرة الجدال

10- الابتداع في الدين

11- ظلم الضعفاء وأكل المال الحرام

12- الكبر واحتقار الآخرين .

الوسائل المعينة على التخلص من قسوة القلب :

1- كثرة الدعاء قال تعالى : {وإذا سالك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } وقد تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من قلب لا يخشع وعين لا تدمع كما في حديث زيد بن أرقم عند مسلم

2- قراءة القرآن بالتدبر في آياته

3- الإكثار من ذكر الله

4- الإكثار من الاستغفار

5- ذكر الموت وزيارة القبور

6- مصاحبة الصالحين ومجالستهم وقراءة سير السلف الصالح

7- الإحسان إلى الضعفاء

8- زيارة المرضى

9- تجنب قراءة كتب أهل البدع والفجور واللهو والعبث

ثامناً : السخرية والاستهزاء

ومن الأخلاق المذمومة في الإسلام : السخرية والاستهزاء

فأما السخرية فهي الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه

وقد يكون ذلك بالقول والفعل وقد يكون بالإشارة والإيماء

وأما الاستهزاء فلا يلزم أن يكون على عيوب أو نقائص بل يسخرون ولو لم يصدر منه أمر يستهزأ به من أجله

فالذي يسخر بالناس هو الذي يذم صفاتهم وأفعالهم ذماً يخرجها عن درجة الاعتبار كما سخر المنافقون بالمطوعين من المؤمنين في الصدقات

ورد ذم السخرية والاستهزاء في القرآن والسنة وأقوال السلف

فأما القرآن الكريم :

فقال الله تعالى :

{يا أيها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن }

وقال تعالى : {ويل لكل همزة لمزة }  

والهماز : الذي يطعن الناس بالإشارة والفعل

واللماز : الذي يعيبهم بقوله

وقال تعالى :

{إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون }

وقال عز وجل :

{ أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وان كنت لمن الساخرين }

وأما السنة الشريفة :

فعن عائشة رضي الله عنها قالت : حكيت للنبي r رجلاً فقال :

(( ما يسـرني أني حكيت رجلاً وأن لي كذا وكذا ))

فقلت : يا رسول الله إن صفية امرأة – وقالت بيدها هكذا تعني أنها قصيرة – فقال : (( لقد مزجت بكلمة لو مزجت بماء البحر لمزج ))

وفي لفظ : (( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ))

أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح  وصححه غير واحد من أهل العلم

وعن أم هانئ رضي الله عنها أنها سالت رسول الله r قالت : قلت : يا رسول الله أرأيت قول الله تبارك وتعالى : {وتأتون في ناديكم المنكر } ما كان ذلك المنكر الذي كانوا يأتونه ؟ قال : (( كانوا يسخرون بأهل الطريق أو يخذفونهم ))

أخرجه أحمد وفي إسناده مقال

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : (( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا  المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره . التقوى هاهنا )) ويشير إلى صدره ثلاث مرات (( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ))  أخرجه مسلم

ومن أقوال السلف  رحمهم الله   :

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال :  لو سخرت من كلب لخشيت أن أكون كلباً وإني لأكره أن أرى الرجل فارغاً ليس في عمل آخرة ولا دنيا  

وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه :  لو رأيت رجلاً يرضع شاة في الطريق فسخرت منه خفت ألا أموت حتى أرضعها

وعن إبراهيم النخعي – رحمه الله – قال :  إني لأرى الشيء أكرهه فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن ابتلى بمثله

وقال القرطبي – رحمه الله – :  من لقب أخاه أو سخر منه فهو فاسق

وقال بن حجر الهيثمي – رحمه الله – : لا تحتقر غيرك عسى أن يكون عند الله خيراً منك وأفضل وأقرب

آثار السخرية :

1-المستهزئ يعرض نفسه لغضب الله وعذابه

2- ضياع الحسنات يوم القيامة

3- السخرية نذير شؤم للساخرين فقد أغرق الله قوم نوح لما كفروا بالله وسخروا من نوح قال تعالى : {إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون}

4-حصول الهوان والحقارة للمستهزئ

5-إن ضرر الاستهزاء بالمؤمنين راجع إلى المستهزئ في الدنيا والآخرة

6- أن السخرية والاستهزاء تقطع الروابط الاجتماعية القائمة على الأخوة والتواد والتراحم

7- أنها تبذر بذور العداوة والبغضاء وتؤرث الأحقاد والأضغان

8- تولد الرغبة بالانتقام

9 – السخرية تفقد الساخر الوقار وتسقط عنه المروءة عند جلسائه ومحبيه ونفرتهم منه لخوفهم من سلاطته وقلة ورعه وحيائه

10- الساخر يحقر ما وقره الله عز وجل ويستصغر من عظمه الله قال تعالى : {ولقد كرمنا بني ادم} . وقال تعالى : {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}

11- السخرية تميت القلب وتورث الغفلة لكونه اشتغل بعيوب الناس وازدرائهم عن إصلاح عيوب نفسه وتكميلها

12- السخرية من صفات الكفار والمنافقين ويخشى على من تشبه بهم أن يحشـر معهم

13- السخرية تصرف عن قبول الحق واستماع النصح

14- أنه يوقع في الكذب والافتراء والبهتان

حكم الاستهزاء  :

1- أما الاستهزاء بالله وآياته ورسله فهو كفر أكبر

قال تعالى :

{ ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم…}

2- الاستهزاء بالمؤمنين : بِخَلْقِهم أو خُلُقِهم محرم بالإجماع

أسباب السخرية والاستهزاء :

1- الكبر وقد عرفه النبي r  بأنه بطر الحق وغمط الناس  

أي  احتقارهم  وازدراؤهم

2- الرغبة بتحطيم مكانة الآخرين  إما لغيرة وإلا حسد  وإلا بسبب عداوة

3- التسلية والضحك على حساب آﻻم الآخرين

4- الاستهانة بأقوال الآخرين وأعمالهم أو خلقهم

5- الفراغ والانشغال بتوافه الأمور

6- حب إضحاك الآخرين

تاسعاً : الجدال والمراء

ومن الأخلاق المذمومة في الإسلام : الجدال والمراء

الجدال : هو اللدد في الخصومة على سبيل المنازعة والمغالبة

والمراء : كثرة الملاحاة والجدال للشخص لبيان غلطه وإفحامه بغير سبب إلا التحقير والترفع عليه

وبين الجدال  والمراء عموم وخصوص فكل مراء جدال ولا عكس .

لأن الجدال قد يكون لإظهار الحق وأما المراء فلا يكون إلا مخاصمة في الحق بعد ظهوره .

قال تعالى : {وجادلهم بالتي هي أحسن}

وقال تعالى : {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما }

وقد ورد ذم الجدال والمراء في القرآن العظيم وفي السنة الشريفة وفي كلام السلف  رحمهم الله

فأما القران العظيم :

فقال تعالى : {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج }

وعن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنه : هو أن تماري صاحبك وتلاحيه حتى تغضبه

وقال تعالى :

{وهو ألد الخصام } أي شديد الجدال والخصومة والعداوة للمسلمين

وقال تعالى : { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا}

قال أحد السلف  رحمهم الله  :

في القران آيتان ما أشدهما على من يجادل في القرآن وهما قوله تعالى : {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } أي : يماري في آيات الله ويخاصم بهوى نفسه وطبع جبلة عقله

والآية الثانية  قوله تعالى :  {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}

وقال تعالى :

{ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير * ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له  في  الدنيا  خزي   ونذيقه  يوم  القيامة  عذاب  الحريق  *  ذلك  بما  قدمت  يداك   وأن  الله  ليس  بظلام   للعبيد }

 والمعنى : أنه يجادل بغير علم متكبراً

ويدخل فيه كل مجادل في ذات الله وتوحيده وصفاته وشرائعه وأحكامه ليبطل دلالتها وأحكامها  

وقال تعالى :

{ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم  وأنتم لا تعلمون}

وأما السنة الشريفة :

فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r :

(( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل )) ثم قرأ رسول الله r هذه الآية : {ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون }

أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه  وقال الترمذي : حسن صحيح  

وحسنه الألباني رحم الله الجميع

وعن عائشة  أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : قال رسول الله r :

(( إن أبغض الرجل إلى الله اﻷلد الخصم )) أخرجه البخاري ومسلم

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال  : ( المراء في القرآن كفر )

أخرجه أبو داود وابن حبان وصححه النووي وحسنه ابن القيم وصححه اﻷلباني  رحم الله الجميع

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r :

(( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقاً ))

أخرجه أبو داود والطبراني  والبيهقي وصححه النووي وصحح إسناده ابن القيم وحسنه الإمام شيخنا ابن باز وكذلك اﻷلباني رحمهم الله جميعاً

من  أقوال  السلف  رحمهم الله  :

قال  ابن  عباس  رضي  الله  عنهما :  ﻻ تمار أخاك  فإن  المراء ﻻ تفهم حكمته وﻻ تؤمن غائلته

وعن  أبي  ذر رضي الله عنه قال : من استحقاق حقيقة الإيمان ترك المراء والمرء صادق

وقال  أبو الدرداء رضي الله عنه : كفى بك إثماً أن ﻻ تزال ممارياً

وقال  ابن  عمر رضي  الله  عنهما :  ولن يصيب رجل حقيقة الإيمان حتى يترك  المراء وهو يعلم أنه صادق ويترك الكذب في المزاحة

وعن  معاذ  رضي الله عنه :  إذا أحببت أخاً فلا تماره  

وقال مالك – رحمه الله – : المراء يقسي القلوب ويورث الضغائن

وقال ابن أبي ليلى – رحمه الله – :  ﻻ أماري أخي إما أن أغضبه وإما إن أكذبه

وقال بلال بن سعد – رحمه الله – : إذا رأيت الرجل لجوجاً ممارياً معجباً برأيه  فقد تمت خسارته

وقال  محمد بن الحسين – رحمه الله – :  من  صفة الجاهل الجدل والمراء والمغالبة

آثار الجدال والمراء  :

1- يؤدي بالمجادل المماري إلى إنكار الحق ورده

2- يقود صاحبه إلى الكذب لينتصر

3- يذكي العداوة ويورث الشقاق بين أفراد المجتمع

4- قد يؤدي إلى تكفير الآخرين أو تفسيقهم بغير برهان

5- يدعو إلى التشفي من الآخرين

6- يؤدي إلى التطاول والتراشق باﻷلسنة وربما تعدى الحال إلى أبعد من ذلك

7- أنه  من فضول الكلام الذي يعاب عليه صاحبه

وينقسم الجدال إلى محمود ومذموم :   

والمحمود هو    الذي يكون الغرض منه تقرير الحق وإظهاره بإقامة الأدلة والبراهين على صدقه

فهذا النوع أمر الله به في كتابه فقال تعالى  :

{ ادع  إلى سبيل  ربك  بالحكمة  والموعظة الحسنة  وجادلهم  بالتي  هي أحسن }

وقال تعالى :

{ وﻻ تجادلوا أهل الكتاب إﻻ بالتي هي أحسن إﻻ الذين ظلموا منهم  }

وقال النبي r : (( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ))

أخرجه أحمد وأبو داود وصححه عدد من العلماء

وقد حصل هذا النوع من الجدال بين ابن عباس وبين الخوارج  زمن عليّ رضي الله عنه بأمر عليّ فأقام عليهم الحجة وأفحمهم بالأدلة فرجع أكثرهم عن تلك البدعة

وجادل الإمام أحمد المعتزلة وجادل ابن تيمية أهل البدع من كل الطوائف

وﻻزال دأب العلماء جدال المنحرفين لبيان الحق وتوضيحه

وأما النوع  الثاني :

وهو الجدال المذموم فقد سبقت الآيات والأحاديث في التحذير  والتنفير منه ومن ذلك أيضاً قول الله تعالى :  

{ومن  الناس من  يجادل  في الله بغير علم  ويتبع كل شيطان  مريد }

عاشراً : التجسس

ومن الأخلاق المذمومة في الإسلام : التجسس

وهو البحث عن العورات والمعايب وكشف ما ستره الناس

وقد ورد ذم التجسس في القران وفي السنة وفي كلام  السلف  رحمهم الله

فأما القرآن  العظيم  :

فقال  الله  تعالى :

{ يا أيها الذين امنوا  اجتنبوا  كثيراً من  الظن إن  بعض  الظن  إثم  ولا تجسسوا  ولا يغتب بعضكم  بعضاً }

قال البغوي  رحمه الله  :

نهى  الله تعالى  عن  البحث عن المستور من  أمور الناس  وتتبع  عوراتهم  حتى لا يظهر على ما ستره الله منها

قلت : هذه صفات آخذة بزمام  بعضها بعضاً فإنه  يسئ  الظن  بإخوانه  فيتجسس  عليهم ثم  يغتابهم ، فنعوذ بالله من الخذلان  ولكن السيئة  تتبع السيئة وتلحق بها

 وقال  تعالى  :

{والذين  يؤذون  المؤمنين  والمؤمنات  بغير ما اكتسبوا  فقد احتملوا  بهتانا  وإثماً مبينا }

قال شيخنا  العثيمين – رحمه الله – :

التجسس أذية يتأذى به المتجسس عليه  ويؤدي إلى البغضاء والعداوة  ويؤدي إلى تكليف الإنسان نفسه ما لم يلزمه فانك  تجد المتجسس والعياذ بالله مرة هنا ومرة هنا ومرة ينظر إلى هذا ومرة ينظر إلى هذا فقد أتعب نفسه في أذية عباد الله    انتهى

وقال تعالى وهو يتحدث عن المنافقين وعن صفاتهم : 

{لو خرجوا فيكم  ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم  يبغونكم الفتنه وفيكم سماعون لهم والله  عليم بالظالمين }

قال مجاهد : معناه وفيكم محبون لهم يؤدون إليهم ما يسمعون منكم وهم الجواسيس   انتهى

وأما السنة  الشريفة  :

فعن  أبي  هريرة رضي الله عنه قال  : قال رسول الله  r :

(( إياكم والظن فإن الظن أكذب  الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا  ))

أخرجه البخاري ومسلم

وعن أبي برزة  الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول  الله  r  :

((  يا  معشـر من آمن  بلسانه  ولم  يدخل  الإيمان  قلبه  لا  تغتابوا  المسلمين  ولا تتبعوا عوراتهم  فإن  من  اتبع  عوراتهم  يتبع  الله  عورته  ومن  يتبع  الله  عورته يفضحه في بيته ))

أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما وسكت عنه أبو داود

وجود إسناده العراقي  وقال الهيثمي : رجاله  ثقات

وقال اﻷلباني : حسن صحيح

وعن معاوية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله r يقول :

(( إنك إن اتبعت عورات  الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم ))

فقال أبو الدرداء رضي الله عنه : كلمه سمعها  معاوية من رسول الله r نفعه الله تعالى بها

أخرجه أبو داود وأبو يعلى وابن حبان  

وسكت عنه أبو داود  وصححه النووي والألباني رحم الله الجميع

وفي رواية  أخرى عن معاوية رضي الله عنه قال : قال رسول  الله r : 

(( أعرضوا عن الناس  ألم ترى أنك إن ابتغيت الريبة في الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم ))

أخرجه البخاري في اﻷدب المفرد والطبراني وصححه اﻷلباني رحم الله الجميع

قلت : وذلك لأن تتبع عورات الناس والتجسس عليهم يوقعهم في الشك والقلق  وتنتزع الثقة بين الناس ويصبح كل واحد منهم يتربص بالآخر فينتزع الأمن والطمأنينة وفي ذلك فساد عريض بل هلاك متحتم وتنتشر بينهم الغيبة والنميمة  والزور والبهتان

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي r :

(( من استمع  إلى حديث قوم  وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه اﻵنك يوم القيامة )) أخرجه  البخاري

ومن أقوال السلف  رحمهم الله  :

عن ابن عباس رضي الله عنهما  في  قوله تعالى : {ولا تجسسوا }

قال : نهى الله تعالى المؤمن أن يتبع  عورات  أخيه  المؤمن

وقال مجاهد في قوله  : {ولا تجسسوا }

قال :  خذوا  ما ظهر  لكم  ودعوا  ما  ستر  الله

وقال الحسن البصري    رحمه الله :

لا تسأل عن عمل أخيك الحسن والـسيء  فإنه من التجسس

وقال أبو حاتم   رحمه الله  :

 التجسس من النفاق كما أن حسن الظن من شعب الإيمان

آثار  التجسس :

1-أن  التجسس  مظهر  من  مظاهر  سوء الظن  وأثر  من  آثاره  فهو  متولد  عن  صفة مذمومة  سيئة  نهى  عنها  الشرع  الشريف

2- التجسس  صورة  من  صور  ضعف الإيمان  وضعف  التدين  وقلة  المراقبة  هذا من  الجانب الإيماني  وأما  من جانب الأخلاق  فهو  يدل  على  دناءة  النفس وخستها  وضعف  همتها  وانشغالها  بالتافه من الأمور  عن  معاليها

3- سبيل  إلى  قطع  الصلات  وتقويض العلاقات  وظهور  العداء  بين  الأحبة  وبث الفرقة  بين  الإخوان

4- التجسس  يؤدي  إلى  فساد  الحياة  فتصبح  مليئة  بالشكوك  والتخوفات  فلا يأمن الإنسان  على  خصوصياته  فيعيش  في  حالة من الشك  والقلق  الذي  لا ينتهي  كما في حديث  النبي  r لمعاوية  :

((  إنك  إن  اتبعت  عورات  الناس أفسدتهم ))

5-  التجسس  يؤدي  إلى  الكراهية  ويدفع  إلى  الانتقام

6-  التجسس  سبيل  إلى  إشاعة الفاحشة بين  المسلمين  وانتشار  السوء  

7- هو  دليل  على  سوء  الطوية  ونفاق يعشش  في  القلب  وأن  صاحبه  بعيد  عن الإيمان  وإن  ادعاه  مجانب  للتقوى  وإن تزيا  بلباسها 

صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم  المنبر فنادى بصوت رفيع  فقال : (( يا معـشر من  أسلم  بلسانه  ولم يُفض  الإيمان  إلى  قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تُعيّروهُم ولا تَتّبعوا عوراتهم فإنه من يتبِعْ اللهُ عورتهُ يفضحْه ولو في جوف رحله  ))

8- أن  صاحبه  متوعد  بالفضيحة  وكشف عورته  ولو  كان  في  قعر  داره  كما سبق  في  الحديث 

9- أن  صاحبه يعرض نفسه لغضب الله وعذابه في الآخرة إلى جانب أن يعيش في  الدنيا مكروهاً مبغوضاً من الناس فهو دائماً في محل ريبة ولا يأنسون به ولا يرتاحون بحضوره

أسباب التجسس  :

1- الفضول المحض وحب الاستطلاع والتفاخر بأنه يعرف أسرار المجتمع والأفراد وهذه الخصلة خاصة متفشية في كثير ممن يتتبع عورات الناس ويتجسس عليهم

2- قصد الإيذاء والفضيحة إما بدافع الحسد وإما الكراهية أو غير ذلك من  الأمراض النفسة الخبيثة

3- سوء الظن فيظن بشخص ظناً سيئاً فيعمد إلى التجسس وتتبع العورات  ليحقق ظنه السيء

4- الانتقام والمعاملة بالمثل فإذا علم أن شخصاً يتجسس عليه ويتتبع عورته  فيدفعه الانتقام إلى التجسس

الوسائل  المعينة  على  ترك  التجسس  :

1- مراقبة  الله  تعالى  وخشية  أليم  عقابه وقوة  انتقامه

2- أن يشغل نفسه بما يفيده في دنياه وأخراه ويعلق نفسه بمعالي الأمور كطلب العلم أو نشر خير أو سعي في تحقيق معاش أو غير ذلك مما ينفعه ويتذكر دائماً قول النبي r : (( من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه ))

أخرجه الترمذي وغيره وحسنه النووي

3- أن يخش المتجسس من الفضيحة التي توعد بها رسول الله r الذين يتتبعون عورات الناس

4- أن يتدبر الآيات والأحاديث التي تحذر من هذه الصفة الذميمة

5- أن ينمي في نفسه الحرص على وحدة المسلمين وترابطهم والخوف من تفككهم وتقطع اﻷواصر بينهم  

قال الشاعر :

ﻻ تلتمس من مساوئ الناس ما ستروا …. فيهتك الناس ستراً من مساويكا

واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا           ….      وﻻ تعب أحداً عيباً بما فيك

الحادي عشر : الخيانة

ومن الأخلاق المذمومة في الإسلام : الخيانة

والخيانة  نقيض الأمانة وتقع في جميع التكاليف الشرعية

قال تعالى :

{إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها  وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً }

فهي مخالفة الحق بنقض العهد وهي عمل المؤتمن على شيء بضد ما أؤتمن لأجله  بدون إذن صاحب الأمانة

والخيانة  والنفاق  شيء  واحد كما سيأتي

وقد ورد  ذم  الخيانة  في  الكتاب  العظيم  والسنة  الشريفة  وأقوال  السلف – رحمهم الله ورضي عنهم

فأما  القرآن  العظيم  :

فقد وردت هذه الصفة وذمها والتحذير منها في القرآن على خمسة أوجه

الوجه الأول : في الدين والديانة  قال تعالى :

{يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله  والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون }

الوجه الثاني :

في المال  قال تعالى : {ولا تكن للخائنين خصيماً }

الوجه الثالث :

في الشرع والسنة قال تعالى : {وإن  يريدوا  خيانتك  فقد  خانوا  الله   من  قبل }

الوجه الرابع :

الخيانة الزوجية بمعنى الزنا قال تعالى : { ليعلم أني  لم  أخنه  بالغيب  وأن  الله  لا يهدي  كيد الخائنين  } على  أحد  التفسيرين

الوجه الخامس :

بمعنى نقض العهد قال تعالى : {وإما تخافن من وقوم خيانة } أي : نقض العهد

وقد ورد  التحذير من الخيانة بعدة سياقات فمنها :

قوله تعالى : { إن  الله  يدافع  عن  الذين  آمنوا  إن  الله  لا يحب  كل خوان  كفور }

وقال تعالى : { إن  الله لا يحب الخائنين }

وقال تعالى : {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً  أثيماً  }

وقال  تعالى : { ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار  مع الداخلين }

وهي خيانة مخالفة العقيدة والدين لا الخيانة الزوجية  فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من خيانة زوجاتهم الخيانة الزوجية إكراماً للأنبياء عليهم  الصلاة والسلام

وأما السنة الشريفة :

فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي r قال :

(( أربع من كن فيه كان  منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها  : إذا أؤتمن خان  وإذا حدث كذب  وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر )) أخرجه  البخاري

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول  الله  r يقول :

(( اللهم إني أعوذ بك من الجوع فانه بئس الضجيع وأعوذ  بك من الخيانة فإنها بئست البطانة ))

أخرجه أبو داود  والنسائي  وابن ماجه

والبطانة  هي الخصلة الباطنة

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول  الله صلى الله عليه وسلم :

(( خيركم قرني ثم اللذين يلونهم … )) قال عمران : لا أدري ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قرنين أو ثلاثة

قال صلى الله عليه وسلم :

(( إن بعدكم قوماً يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن )) أخرجه البخاري ومسلم

وعن جابر رضي الله عنه قال :

(( نهى رسول  الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يلتمس عثراتهم )) أخرجه مسلم

وأما أقوال السلف الصالح   رحمهم الله ورضي عنهم  :

فعن  انس بن  مالك رضي الله عنه قال :  إذا كانت في البيت خيانة ذهبت منه البركة

وقال خالد الربعي  رحمه الله  كان يقال : إن من أجدر الأعمال أن ﻻ تؤخر عقوبته : الأمانة تخان والرحم تقطع والإحسان يكفر

وقال مجاهد   رحمه  الله  :  المكر والخديعة والخيانة في النار وليس من أخلاق  المؤمن المكر ولا الخيانة

وقال ميمون بن مهران  رحمه الله   : ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء :

من عاهدته وف بعهده مسلماً كان أو كافراً فإنما العهد لله

ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها مسلماً كان أو كافراً

ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه مسلماً كان أو كافراً

حكم الخيانة :

الخيانة من كبائر الذنوب قال r :  (( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد  أخلف وإذا أؤتمن خان )) أخرجه البخاري ومسلم

صور الخيانة :

1- خيانة الله ورسوله قال تعالى :

{ يا أيها الذين  آمنوا  ﻻ تخونوا  الله  والرسول  وتخونوا  أماناتكم  وأنتم  تعلمون }

وخيانة  الله والرسول هي معصيتهما لأن كل أحد مؤتمن  على ما كلفه الله به

2- خيانة النفس قال تعالى :

{علم  الله  أنكم  كنتم  تختانون  أنفسكم  فتاب  عليكم  وعفا  عنكم } فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا  العشاء حرم عليهم النساء والطعام فشق ذلك عليهم فشكوا ذلك إلى رسول الله  r فأنزل الله هذه الآية {علم  الله  أنكم  كنتم  تختانون  أنفسكم  فتاب  عليكم  وعفا  عنكم }

3- خيانة  الناس وهي  أنواع :

أ- الخيانة  في الأموال

ب- إفشاء السر وأكثر ما تكون الخيانة في لإفشاء الأسرار الخاصة التي ﻻ تهم إلا صاحبها فليتق الله من يطلع على أسرار البيوت أو العائلات أو الأزواج

قال  الحسن :  إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك 

ج- الخيانة  في النصيحة كمن يزكي فاسقاً أو يؤوي مجرماً أو ينصح غيره بما يؤذيه  في الدنيا أو الآخرة

د- الخيانة الزوجية ومن أفظع صور الخيانة خيانة الزوجة لزوجها وخيانة الزوج  لزوجته وسواء كانت الخيانة في المال أو العرض وبعض الجهلة ﻻ يتصور الخيانة  الزوجية إلا من قبل الزوجة  وهذا باطل بل إن الزوج تقع منه الخيانة لزوجته في  مالها أو عرضه

هـ- الخيانة في الولايات كمن يتولى مال يتيم أو تربيته فلا يقوم بالواجب أو يأكل  ماله وقد قال الله تعالى :

{إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في  بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً }

و- الخيانة في عدم القيام بالواجب في تربية الأهل والأولاد قال تعالى : {يا أيها الذين  آمنوا قوا  أنفسكم  وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة}

آثار الخيانة :

1- تسخط  الله  عز وجل  على العبد  الخائن

2- أنها من صفات اليهود ومن علامات المنافقين

3- طريق موصل إلى  العار في الدنيا والنار في الآخرة

4- أسوأ ما يبطنه الإنسان

5- داء وبيل إذا استشرى بالإنسان جرده  من إنسانيته وجعله وحشاً يهيم  وراء  ملذاته

6- فقدان الثقة بين أفراد المجتمع

7- تفكك أواصر المحبة والتعاون بين أفراد المجتمع

8- تسبب المهانة والذل لصاحبها

9- انتشار الغلول والرشوة والمطل والغش والزنا وأنواع الفجور ؛ لأنها كلها  من  الخيانة وفي هذا دمار للمجتمع 

الثاني عشر : العجب

ومن الأخلاق المذمومة في الإسلام : العجب  

العجب بضم العين وسكون الجيم : هو الزهو والكبر 

ورجل  معجب  بضم  الميم  يعني  مزهو بما  يكون  منه  حسناً  أو  قبيحاً  

وقد  أعجب فلان  بنفسه  إذا  ترفع  وتكبر  فهو  معجب  برأيه  وبنفسه

وهو : تصور استحقاق الشخص رتبة ﻻ يكون مستحقاً لها ، وقد يتمادى  بصاحبه  حتى يصير إدﻻﻻً

والإدﻻل : معنى زائد عن العجب وهو أن يعجب بعلمه أو عمله فيرى أن له عند  الله قدراً عظيماً قد استحق به الثواب على عمله  

فأما  إذا رجا  المغفرة  مع  الخوف فلا يكون  إدﻻﻻ ولا عجباً

وقد ورد ذم العجب في القرآن العظيم  والسنة الشريفة وأقوال السلف رحمهم الله  ورضي عنهم 

فأما  القرآن  العظيم   :

فقد  وردت  فيه  عدة  آيات  تبين  خطره  وتنبه  على  أنه  آفة  تجر  وراءها  آفات  دنيوية  وعقوبات أخروية

قال  الله  تعالى  : {  لقد  نصركم  الله  في  مواطن  كثيرة  ويوم  حنين  إذ  أعجبتكم  كثرتكم  فلم  تغن  عنكم  شيئا  وضاقت  عليكم الأرض  بما  رحبتم  ثم  وليتم  مدبرين}

قال أحد السلف : استجلاب النصر في شيء واحد وهو الذلة والافتقار والعجز  إلى الله تعالى وحلول الخذﻻن بشيء واحد وهو العجب

وقال تبارك وتعالى :{ واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من  أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا  * كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم  منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا * وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا  أكثر منك ملاً وأعز نفرا  * ودخل جنته وهو ظالم  لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبد *  وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلبا  }

قال  ابن عاشور  رحمه الله   :

ضرب الله مثلاً للفريقين : للمشركين وللمؤمنين بمثل رجلين كان أحدهما  معجباً مؤنقاً وحال الآخر بخلاف ذلك فكانت عاقبة صاحب الحال المعجبة  المؤنقة تباباً وخسارة

وكانت  عاقبة الآخر نجاحاً ليظهر للفريقين ما يجره  الغرور  والعجب والجبروت إلى صاحبه من الإزراء

وما يلقاه المؤمن المتواضع المستكين لله العارف بسنن الله في العالم من التذكير والتدبر في العواقب فيكون معرضاً للصلاح والنجاح   انتهى

وقال تعالى  : {ولا تمش في الأرض  مرحاً إنك  لن تخرق الأرض  ولن  تبلغ الجبال  طولاً  كل ذلك كان  سيئه عند  ربك مكروهاً  }

يقول العز بن عبدالسلام  رحمه الله  :

زجره  عن التطاول  …. كما أنك  لا تخرق الأرض ولا تبلغ الجبال طولا فلن تبلغ ما تريده بكبرك  وعجبك      انتهى بتصرف

وقال تبارك وتعالى  :

{ ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا  إن الله لا يحب كل مختال فخور  }

وأما السنة  الشريفة   :

 فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r  : (( بينا رجل يمشي في حلة تعجبه  نفسه مرجل جمته إذ خسف به فهو  يتجلجل إلى يوم القيامة )) 

أخرجه البخاري  ومسلم 

وعن  أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله r  :

(( لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه : العجب ))

رواه القضاعي والبزار وجود إسناده  المنذري  رحم الله الجميع

قال المناوي  رحمه الله  : لأن العاصي يعترف بنقص  فترجى له التوبة والمعجب مغرور بعمله  فتوبته بعيدة

وعن  سلمان  رضي الله عنه قال : قال رسول الله r  :

(( ثلاثة  لا يدخلون  الجنة  : الشيخ  الزاني  والإمام  الكذاب  والعائل المزهو )) أخرجه  البزار  وجود إسناده  المنذري  وصححه الألباني  رحم الله الجميع

وفي الحديث : (( … وثلاث مهلكات : شح مطاع هوى متبع وإعجاب المرء بنفسه )) .

أقوال  السلف  رحمهم  الله ورضي عنهم  :

قال عمر رضي الله عنه  : أخوف ما أخاف عليكم أن تهلكوا فيه ثلاث خلال : شح مطاع  وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه :  علامة الجهل ثلاث : العجب وكثرة المنطق فيما لا يعنيه  وأن ينهى عن شيء ويأتيه

وقال خالد بن يزيد بن معاوية  رحمه الله  : إذا رأيت الرجل لجوجاً ممارياً  معجباً بنفسه فقد تمت خسارته

 

وقال يحيى بن معاذ رحمه الله  :  إياكم والعجب فإن العجب مهلكة لأهله

آثار  العجب :

1- أنه يدعو  إلى الكبر لأنه أحد  أسبابه  قال ابن الجوزي  رحمه الله  : اعلم أن من أسباب الكبر العجب  فإن من أعجب بشيء تكبر به

2- أنه يتولد عنه الكثير من الأخلاق السيئة والصفات الردية ،كالتيه وازدراء  الآخرين

3-  يدعو إلى إهمال الذنوب ونسيانها

4-  يجعل المعجب يستعظم أعماله وطاعاته ويمن على الله يفعلها

5- يدعو المعجب إلى الاغترار بنفسه وبرأيه ويأمن مكر الله ويظن أنه عند الله  بمكان ولا يسمع  نصح  ناصح  ولا وعظ  واعظ

6-  يمنعه   العجب   عن  سؤال   أهل  العلم

7- يفتره عن السعي في الخيرات لظنه أنه قد فاز واستغنى وهذا هو الهلاك الصريح

8- يخفي المحاسن ويظهر المساوئ ويصد عن الفضائل

9- يحبط العمل ويفسده ويذهب به يقول ابن القيم  رحمه الله  : لا شيء أفسد للأعمال من العجب  ورؤية النفس

10 – يدعو العبد إلى المن بما يقدم من معروف وإلى تعظيم ما يسدي من خير  وينسى منة الله عز وجل عليه وينسى أنه بمنة منه سبحانه فضيع شكر الله فحبط أجره قال تعالى  : {لا تبطلوا  صدقاتكم  بالمن  … }

11- طريق إلى خذلان الله للعبد بحيث يكله إلى نفسه قال تعالى : { ويوم حنين  إذا أعجبكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم  وليتم مدبرين}

12 – من اتصف بالعجب ساءت عاقبته في الدنيا والآخرة  

حكم  العجب  :

العجب كبيرة من كبائر الذنوب التي يستحق فاعلها والمتصف بها غضب الله  ومقته وعذابه في الدنيا والآخرة …. فاللهم احفظنا برحمتك من العجب والرياء

قال ابن حزم  رحمه الله  : إن العجب من أعظم الذنوب وأمحقها للأعمال  فتحفظوا   حفظنا  الله وإياكم من العجب والرياء  

ونذكر بعض الصفات التي يقع بها العجب :

1- الإعجاب بالعقل الراجح والذكاء

2- الإعجاب بالرأي السديد

3- الإعجاب بالعلم  وغزارته والتفوق  على الاقران  فيه

4- الإعجاب بجمال  الصورة  وحسن  المنظر

5-  الإعجاب  بالجاه  والمنصب  والرئاسة  والتصدر

6-  الإعجاب  بالعبادة  والطاعة

7- الإعجاب  بما  يقدمه  من  خير  ومنفعة  للناس

8- الإعجاب  بالنسب  والشرف  أو  العشيرة  والقبيلة

9- الإعجاب  بالمال  والغنى  والتجارة  وسعة  الرزق

10- الإعجاب  بكثرة  الاتباع  والأنصار  والمريدين

11- الإعجاب  بكثرة  الابناء 

وغيرها كثير حفظنا الله برحمته

أسباب العجب : 

1- جهل المرء بنفسه وحقيقتها وغفلته عنها وجهله بربه وعظيم حقه

2- المدح والاطراء في الوجه سبب قوي  من أسباب العجب ولذلك نهى النبي  r  عنه  وزجر حتى قال  : (( احثوا في وجوه  المداحين التراب ))

ولما أثنى رجل على رجل عند النبي r قال :

(( ويلك قطعت عنق صاحبك  قطعت عنق صاحبك )) 

أخرجه البخاري ومسلم

3- ومن أسباب العجب مقارنة نفسه بمن دونه في العمل الصالح والخير  والفضل وأنه على خير كبير إذا قورن بغيره حتى يقول بعض الجهلة : نحن  أحسن من غيرنا 

4- ومن أسباب العجب البيئة والتنشئة فإذا نشأ في بيئة يغلب عليها طبع العجب  والكبر فإنه يتأثر بها :

وينشأ  ناشئ  الفتيان  منا  …. على  ما كان  عوده  أبوه

5-الرفقة والصحبة سبب من أسباب الإعجاب بالنفس والصاحب ساحب  فإذا رافق شخصاً معجب بنفسه مغرور بها تأثر بذلك وحاكاه

6- بالنعمة والركون إليها مع نسيان ذكر المنعم تبارك وتعالى

7- تولي المناصب القيادية من أمارة أو إدارة أو غير ذلك من المسئوليات

8- المبالغة في التوقير والاحترام من الأصحاب والأتباع  وفي ذلك قاصمة الظهر  للمتبوع

9- ضعف المراقبة لله عز وجل 

10- قلة الناصح والموجه أو فقده بالكلية

11- عدم التفكر في حال الدنيا وتقلباتها

12- الغفلة عن نهاية العجب والمعجبين ومآلهم في الدنيا والآخرة

13- عدم التفقه في الدين

14- الأمن من مكر الله والركون إلى عفوه

علامات العجب : 

1- تزكية النفس والرفع من شأنها

2- حب المدح والثناء

3- الفرح  بسماع عيوب الآخرين وخاصة المنافسين له وأقرانه

4- عدم سماع النصيحة والاستعصاء على التوجيه والإرشاد

5- رد الحق والترفع عن الاستجابة لداعيه

6- احتقار الناس وتصعير الخد  لهم

7- الاستنكاف عن استشارة العقلاء والفضلاء

8- الاختيال والتبختر في المشي 

9- استعظام الطاعة واستكثارها والمنة على الله بها

10- المباهاة بالعلم والتفاخر به وجعله وسيلة للمهاترات والجدل

11- التفاخر بحسن الخلقة وجمال المنظر

12- تعمد التقليل من شأن أهل الفضل من العلماء والمشائخ والأتقياء

13- التكبر عن الاستماع لأهل العلم

14- الإصرار على الاخطاء وتعمد مخالفة الناس مع الخطأ

15- التصدر في المجالس وإن لم يكن أهلا لذلك

16- كراهية وجود من هو أولى وأهل للتصدر

وأما علاجه فبأمور :

1- التدبر والتفكر في عظيم فضل الله وإحسانه وما يسر له من خيرات الدنيا وأنه  لا  حيلة له في شيء منها

2- التفقه في الدين

3- كثرة التضرع والدعاء والالتجاء إلى الله

4 – البحث عن عيوب النفس وأمراضها والاشتغال بإصلاحها

5 – التفكر في العواقب الوخيمة في الدنيا والآخرة لهذا الخلق الذميم

6 – مصاحبة أهل التواضع والمسكنة

7 – البعد عن مصاحبة أهل الفخر والخيلاء

8 – البعد عن المعجب بنفسه أو نسبه أو قبيلته أو شعبه أو علمه أو ماله

9- كثرة سماع القرآن العظيم وقراءته بالتدبر

 10- كثرة سماع كلام أهل العلم

11- كثرة القراءة في سير السلف الصالحين

12- كثرة زيارة المقابر

13- كثرة زيارة المرضى

تمت والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه