فوائد منوعة سلسلة الأخلاق الحسنة

سابعاً

سلسلة الأخلاق الحسنة

بسم الله الرحمن الرحيم

فضائل الأخلاق الحسنة

قال  شيخنا  –  حفظه  الله  –   :  

سنتدارس معكم خصال أثقل ما يوضع في ميزان المؤمن يوم القيامة إنها  الأخلاق الحسنة  أخلاق الإسلام صفات رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي أثنى الله عليه بقوله :

{ وإنك لعلى خلق عظيم }

ونبدأ ببيان بعض فضائل الأخلاق الحسنة ليسهل علينا تعلمها ومجاهدة النفس على التخلق بها وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله

فمن فضائل الأخلاق :

1- أنها سبب محبة الله لعبده قال صلى الله عليه وسلم : (( أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً ))

رواه الحاكم والطبراني  وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح ووافقه البوصيري

2- أنها سبب لسكنى أعلى الجنة قال صلى الله عليه وسلم : (( …… وزعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ))

رواه أبو داود وغيره وصححه النووي وشيخنا الألباني رحمهما الله جميعا

3- أنها سبب محبة النبي صلى الله عليه وسلم والقرب منه يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم : (( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ))

رواه الترمذي وقال حسن غريب وحسنه شيخنا الألباني – رحمه الله

4- أنها أثقل شيء في ميزان العبد يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم : (( ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق ))

رواه الترمذي وقال : حسن صحيح ورواه ابن حبان في صحيحه وصححه شيخنا الألباني

 5- أنها تضاعف الأجر والثواب قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار ))

رواه أحمد وأبو داود والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وصححه شيخنا  – رحمه الله

6- أنها من خير أعمال العباد قال صلى الله عليه وسلم : (( يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما ؟ )) قال : بلى يا رسول الله .

قال : (( عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفس محمد بيده ما عمل الخلائق بمثلهما ))

رواه البزار وأبو يعلى والطبراني في الأوسط وجوّد إسناده المنذري  وقال الهيثمي : رجاله ثقات وقال البوصيري : هذا إسناد رجاله ثقات

7- أنها علامة على كمال الإيمان فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً وخياركم خياركم لنسائهم ))

رواه الترمذي وقال : حسن صحيح ورواه أحمد وصححه الحاكم

ولما سأل عمرو بن عَبَسَة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم أي الإيمان أفضل ؟ قال صلى الله عليه وسلم : (( حسن الخلق )) رواه أحمد وفي إسناده شهر بن حوشب وقد وثق

٨- أنها تزيد في الأعمار وتُعَمِّر الديار قال صلى الله عليه وسلم : (( حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار )) رواه أحمد وصحح شيخنا الألباني إسناده

رزقنا الله وإياكم حسن الخلق وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد

أولاً :  خلق الإحسان

ومن الأخلاق الإسلامية خلق  الإحسان  ويشمل :

الإحسان في عبودية الخالق : (( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ))

والإحسان في حقوق الخلق وهو بذل المنافع

ويتفاوت بتفاوت مقام المخلوقين وحقوقهم

وقد أمر الله بالإحسان كما في قوله تعالى :

{ إن الله يأمر بالعدل والإحسان …} الآية

وقوله : { وقولوا للناس حسنا }

وقوله : { وأحسن كما أحسن الله إليك}

وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله كتب الإحسان على كل شيء )) الحديث أخرجه مسلم

من فضائل ومنافع الإحسان :

1- المحسن قريب من رحمة الله قال تعالى :

{ إن رحمة الله قريب من المحسنين }

2- المحسن في معية الله قال تعالى :

{ وإن الله لمع المحسنين } { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون }  

 3- المحسن يكسب محبة الله عز وجل قال تعالى :

{ وأحسنوا إن الله يحب المحسنين }

4- المحسن ينال الأجر العظم ويأمن من الخوف والحزن قال تعالى :

{ بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون } .

فاللهم أجعلنا وجميع أهلنا وأولادنا وإخواننا وأهلهم وأولادهم من المحسنين

ثانيا : خلق الأُلْفَة

ومن أخلاق الإسلام العظيم  الأُلْفَة   بضم الهمزة وسكون اللام وفتح الفاء

الألفة من ألفته أي أنِسْت به ولزمته وأحببته

وهو من الالتئام والاجتماع بعد تفرق قال تعالى :

{ …. وكنتم أعداء فألف بين قلوبكم }

وقد أمر الله بالألفة ونهى عن التفرق وأمتن على المؤمنين بذلك فقال تبارك وتعالى

: { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم }

وقال عز وجل  :

{ وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم }

وفي خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في الأنصار لما وجدوا في نفوسهم قال : (( …. وكنتم متفرقين فألفكم الله بي …. )) الحديث رواه البخاري

فالتآلف بين المؤمن من واجبات الإسلام وهو من علامات الإيمان قال صلى الله عليه وسلم :

(( المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ))

رواه عدد من الصحابة وقال الهيثمي : رجال أحمد رجال الصحيح وصحح شيخنا الألباني إسناده

وهو دال على الخيرية قال صلى الله عليه وسلم : (( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم ….. )) الحديث رواه مسلم

وهو دال على معدن الإنسان وحقيقته قال صلى الله عليه وسلم : (( الناس معادن كمعادن الفضة والذهب خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)) رواه مسلم

قال مجاهد – رحمه الله – :

رأى ابن عباس رضي الله عنهما رجلاً فقال : ( إن هذا ليحبني ) قالوا : وما علمك ؟ قال : ( إني لأحبُّه والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف )

وأما فوائد الألفة فهي كثيرة وعظيمة  فمنها :

1- قيام الألفة بين المؤمنين من أعظم أسباب النصر والتمكين قال تعالى :

{ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ….} الآية

2- الألفة سبب للاعتصام بالله وبحبله

3- الألفة من أسباب محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين

وأما أسباب حصول الألفة فهي كثيرة أيضاً  فمنها :

1- التعارف ومعاشرة الناس

2- التواضع

3- إفشاء السلام قال صلى الله عليه وسلم :

(( ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ))

4- الكلام الحسن الذي لا غلظة فيه ولا جفاء قال تعالى :

{ وقل  لعبادي  يقولوا  التي  هي  أحسن  إن  الشيطان  ينزغ  بينهم  إن  الشيطان  كان  للإنسان  عدواً مبيناً }

5- التعفف عن سؤال الناس قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس ))

أخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه شيخنا الألباني – رحم الله الجميع

6- التهادي قال صلى الله عليه وسلم : (( تهادوا تحابوا )) رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى وقال العراقي : إسناده جيد  وحسن إسناده ابن حجر

ثالثاً :  البّر

ومن أخلاق الإسلام العظيم البرّ  

ومعناه التوسع في فعل الخير والفعل المرضي

وهو الصلة وإسداء المعروف والمبالغة في الإحسان قال تعالى :

{ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون }

وقد أمر الله به كما في قوله تعالى :

{ وتعاونوا على البر والتقوى ….} الآية

وقد ورد التنويه بشأنه في السنة كما في قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يزيد في العمر إلا البر … )) الحديث أخرجه ابن ماجه وحسنه العراقي وشيخنا الألباني  – رحم الله الجميع

وقال صلى الله عليه وسلم : (( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر ….. ))

الحديث رواه البخاري ومسلم

وقال صلى الله عليه وسلم : (( البر حسن الخلق ….. )) الحديث رواه مسلم

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : (( واعلموا أن البر لا يبلى وأن الإثم لا يُنسى ))

وسئل أبو حازم – رحمه الله – : أي عباد الله أكرم ؟ قال : أهل البر والتقوى

ومن فضائل وفوائد البر :

1- أنه موصل إلى الجنة كما في الحديث السابق : (( … وإن البر يهدي إلى الجنة ))

2- أنه سبب للزيادة في العمر كما في الحديث السابق أيضا : (( …. ولا يزيد في العمر إلا البر ))

٣- أن كل أنواع الخير باطناً وظاهراً ينطوي تحت كلمة البر كما في الآية السابقة : { ليس البر أن تولوا وجوهكم …}  

4- البر يؤدي إلى نيل محبة الناس وإلى توكيدها وإلى الألفة كما قيل :

أربعة تؤكد المحبة : حسن البشر وبذل البر …  

5- البر راحة وطمأنينة ففي حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( جئت تسأل عن البر والإثم ؟ )) قلت : نعم . قال : (( البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ))

رواه أحمد وإسناده صحيح على شرط مسلم

موانع فعل البر :

1- البعد عن الله وكثرة الذنوب تحول بين المرء وبين البر

2- البخل والشح وحب المال والحرص عليه والتعلق بالدنيا

3- الحقد والحسد والكراهية تمنع الشخص من البر والإحسان

٤- الجهل بعظيم الفضل المترتب على البر  

رابعا :  خلق التأني أو الأناة

ومن أخلاق الإسلام العظيم التأني أو الأناة

ومعناها التثبت في الأمور وترك العجلة والمبالغة في الرفق في جميع الأمور

وقد أمر الله بها وحث عليها في آيات كثيرة منها قوله تعالى :

{ يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا …… }

وقوله عز وجل :

{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإٍ فتبينوا……. }

وورد الحث عليها والثناء على أهلها في السنة الشـريفة كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس : (( إن فيك خصلتين يحبهما الله الحِلم والأناة )) رواه مسلم

وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( التأني من الله والعجلة من الشيطان))

رواه أبو يعلى وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح وجود إسناده ابن القيم

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( التُّؤَدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة ))

رواه أبو داود وأبو يعلى والحاكم وقال : على شرط الشيخين ووثق رواته ابن مفلح وصححه شيخنا الألباني – رحم الله الجميع

ومن فوائد وفضائل التأني :

1- أنها دلالة على رجاحة العقل وطمأنينة القلب

2- تعصم الإنسان من الضلال والظلم والخطأ

3- أنها خير كلها ومحمودة العواقب في الدنيا والآخرة

4- أنها صيانة من الأخلاق المذمومة كالطيش والعنف والعجلة

5- أنها سبب لنيل محبة الله كما سبق في الحديث

6- أنها صيانة للإنسان من كيد الشيطان وتسلطه عليه كما في الحديث السابق :

(( ….. والعجلة من الشيطان ))

 

أسباب عدم التأني :

1- الغضب والحزن الشديد  قال ابن حجر العسقلاني  رحمه الله  :

الغضب والحزن يحمل الرجل الوقور على ترك التأني

2- استعجال النتائج

3- التفريط في أداء الواجب في حينه

4- إجابة داعي الشهوة

5- ترك استشارة أهل البصيرة والرأي في الأمور التي تحتاج إلى رأي ونظر

وأما الأسباب التي تعين على اكتساب صفة التأني  فمنها :

1- الدعاء والالتجاء إلى الله فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :

(( واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت )) رواه مسلم

2- النظر في عواقب ومالات الاستعجال  قال بعض الحكماء :

وإياك والعجلة فإن العرب كانت تكنيها أُمَّ الندامة

3- قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لأن من أعظم أخلاقه في جميع أحواله الحلم والأناة والصبر

4- قراءة سيرة السلف الصالح ففيهم القدوة والأسوة في كل خلق حميد

5- استشارة أهل العلم والفقه والصلاح قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :

{ وشاورهم في الأمر ….. }

خامساً  : خلق الحياء

ومن أخلاق الإسلام العظيم  الحياء  

وهو خُلق يبعث صاحبه على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق

والحياء خلق كريم من أعظم أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وخاصة نبينا صلى الله عليه وسلم حتى كان أشد حياءً من العذراء في خدرها إلا أن تنتهك حرمات الله فيثور لها

وقد حث القرآن على هذا الخلق الحميد فقال تعالى :  { ولباس التقوى ذلك خير}

فسر لباس التقوى : بأنه الحياء كما روي عن الحسن البصري وغيره

وقال تعالى :

{ فجاءته إحداهما تمشي على استحياء …}

قال مجاهد : يعني واضعة ثوبها على وجهها ليست بخرّاجة ولا ولّاجة

وفي السنة الشريفة التنويه والحث على الحياء فعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت ))

رواه البخاري

ومعناه أن الحياء أمره ثابت وواجب في شرائع ورسائل الأنبياء جميعاً

وقال صلى الله عليه وسلم :

(( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ))

رواه مسلم ورواه أيضاً البخاري

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال  قال النبي صلى الله عليه وسلم :

(( الحياء لا يأتي إلا بخير )) رواه البخاري ومسلم

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( …….. فإن الحياء من الإيمان )) رواه البخاري

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( استحيوا من الله حق الحياء )) قال قلنا : يا رسول الله إنا لنستحيي والحمد لله . قال : (( ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وتتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا ))

رواه الترمذي وحسن إسناده النووي والألباني  رحم الله الجميع

قال عمر رضي الله عنه : ( من قلّ حياؤه قلّ ورعه ومن قل ورعه مات قلبه )

وقال الفضيل  رحمه الله  : من علامة الشقاوة قلة الحياء

وفوائد الحياء وفضائله كثيرة فمنها :

1- أنه من خصال الإيمان

2- يبعد عن المعاصي خجلاً من الله

3- يقرب من الطاعة

4- أنه خلق الإسلام العظيم كما في الحديث :

(( إن لكل دين خلقاً وخلق هذا الدين الحياء ))

5- يكسو صاحبه الوقار وتوقير الناس لصاحبه ومحبتهم

6- من استحيا من الله ستره الله في الدنيا والآخرة

ومما يعين على الحياء :

1- اتباع أوامر الله والخوف منه ومراقبته في كل حين

2- اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والتخلق بأخلاقه

3- غض البصر عما حرم الله

4- مجالسة من يتصف بالحياء والابتعاد عن أهل السفه وقلة الحياء

5- تربية الأبناء والبنات على خلق الحياء وتشجيعهم عليه

سادسا :  خلق الرحمة

ومن أخلاق الإسلام العظيم خلق الرحمة

والرحمة من صفات الله العظيمة ومن أسمائه الكريمة الرحمن والرحيم

وهو الذي يرحم خلقه فيتولى أمرهم ويسهل أرزاقهم ويعافيهم ويحفظهم وهذه تعم كل الخلق الأبرار والفجار والمؤمنين والكفار

ثم رحمته بالمؤمنين خاصة في الدنيا بالتوفيق لهداه وطاعته ونصـرهم وتأييدهم وفي الآخرة بإدخالهم الجنة ونجاتهم من النار

نسأل لله الرحيم من فضله أن يتوفانا مؤمنين مرحومين

ورسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الخلق بالخلق قال تعالى :

{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }

ثم هو أرحم بالمؤمنين من أمهاتهم قال تعالى :

{ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم }

وقد ورد الترغيب والحث على الرحمة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فمن ذلك :

قول الله تعالى في وصف رسول الله والمؤمنين معه :

{ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم }

وقوله تعالى :

{ ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة  * أولئك أصحاب الميمنة }

وفي السنة الشريفة الكثير من التوجيه والحث على هذا الخلق العظيم ومن ذلك :

عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى )) أخرجه البخاري ومسلم

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : (( من لا يرحم لا يُرحم ))

أخرجه البخاري ومسلم

وفي حدث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم :

(( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ))

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح وصححه عدد من الأئمة

رحم الله الجميع

وقال صلى الله عليه وسلم : (( لا تنزع الرحمة إلا من شقيّ ))

رواه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه ابن تيمية  رحم الله الجميع

وقال صلى الله عليه وسلم : (( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه ))

رواه احمد وأبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح ، وصححه عدد من الأئمة رحم الله الجميع

ومن فضائل الرحمة وفوائدها :

1- أنها صفة من صفات الله تعالى

2- أنها سبب لرحمة الله كما في الأحاديث السابقة

3- أنها سبب محبة الله للعبد

4- سبب محبة الناس له

5- أنها من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم

6- أن نفعها متعدٍ إلى كافة الخلق وكل ما كان النفع متعد كان الثواب عليه أعظم

الأسباب المعينة على التخلق بهذا الخلق العظيم :

 

1- قراءة القرآن بتدبر

2- قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والتدبر في أخلاقه

3- مجالسة الرحماء والبعد عن أهل الغلظة فالمرء يتأثر بجليسه

4- تذكر عظيم الأجر على هذا الخلق العظيم

5- تربية الأبناء على هذا الخلق الكريم

6- كثر مجالسة ومخالطة المساكين والأيتام وذوي الحاجات ومسح رؤوس الأيتام

سابعاً : خلق الأمانة

ومن أخلاق الإسلام العظيم  الأمانة  

وهي ضد الخيانة وهي شاملة لكل ما يؤمَّن عليه الإنسان ولكل حقِّ لزمك أداؤه وحفظه

وكل ما افترض الله على عباده فهو أمانة سواءاً في العبادات أو المعاملات أو الأخلاق أو الآداب

والأمانة أمرها عظيم وخطرها جسيم قال الله تعالى :

{ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها }

وإشفاق هذه المخلوقات العظيمة في الخلق يدل على شدة خطر الأمانة وما يترتب على تضييعها من العذاب والنكال فالله المستعان من جهل الإنسان وظلمه

وقد أمر الله بها فقال تعالى :

{ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها }

ومدح المؤدين للأمانة وحفظها فقال عز وجل :

{ والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون }

وقال عز وجل : { إن خير من استأجرت القوي الأمين }

وحفظ الأمانة من أعظم صفات نبينا صلى الله عليه وسلم والأنبياء عليهم السلام من قبله

ولذا كان أهل مكة قبل بعثته يسمونه الصادق الأمين وهي دينه الذي أمر الخلق به كما في قصة أبي سفيان قبل إسلامه لما سأله هرقل ملك الروم عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ماذا يأمركم ؟

قال أبو سفيان : يأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة

فقال هرقل : هذه صفة نبي

أي أن هذه دعوة الأنبياء عليهم السلام جميعاً

وإذا كان النفاق أغلظ الكفر وأخطره وأهله في الدرك الأسفل من النار فإن له علامات ظاهرة أوضحها الكذب والخيانة قال صلى الله عليه وسلم :

(( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ))

رواه البخاري ومسلم

ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة ؟ قال :

(( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة )) رواه البخاري

وبين صلى الله عليه وسلم فضلها في حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما حيث قال :

(( أربع إذا كنّ فيك فلا يضرنك ما فاتك من الدنيا : صدق حديث وحفظ أمانة وحُسن خليقة وعفّة طعمة ))

رواه أحمد وغيره وهو حديث حسن

ومن فوائد الأمانة وفضائلها :

1- أنها من أعظم خصال الإيمان

2- عليها يقوم أمر السماوات والأرض وإذا ضيعت قامت الساعة

3- هي محور الدين وامتحان رب العالمين

4- بحفظ الأمانة يحفظ الدين والأعراض والأموال والأرواح والعلوم والولاية وغيرها من ضرورات الخلق

5- الأمانة محبوبة من الناس جميعاً حتى وإن كانوا كفاراً

ثامناً : خلق الصبر

ومن أخلاق الإسلام العظيم الصبر

وهو : حبس النفس عن محارم الله  وحبسها على فرائضه وحبسها عن التسخط والشكاية لأقداره

وسمي صبراً لأن مرره في القلب وإزعاجه للنفس كتمرر الصبر في الفم

وقد ورد الأمر به والحث عليه وبيان جزيل العطاء عليه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

قال الإمام أحمد  رحمه الله  :

ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعاً      انتهى

وقد أمر به كما في قوله تعالى : { واصبر وما صبرك إلا بالله}

وقال تعالى : { واصبر لحكم ربك }

ونهى عما يضاده كما في قوله تعالى : { ولا تستعجل لهم}

وقوله : { ولا تكن كصاحب الحوت }

وعلق الفلاح به كما في قوله عز وجل :

{ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور التي مدارها جميعاً على الصبر

مضاعفة أجر الصابرين كما في قوله تعالى :

{ أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا }

أجر الصابرين لا يعلمه إلا هو سبحانه كما في قوله عز وجل :

{ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }

وعلق الإمامة في الدين بالصبر مع اليقين قال تعالى :

{ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}

وفي السنة الشريفة كذلك الحث والترغيب على الصبر وبيان ثوابه فعن صهيب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له )) رواه مسلم

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعطاء :  ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت : بلى   قال : هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت :

إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي

قال : (( إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ))

قالت : أصبر

قالت : فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها  

أخرجه البخاري ومسلم

وبين صلى الله عليه وسلم أن من صبر على فقد عينيه عوضه الله الجنة فعن أنس رضي الله عنه قال :

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن الله عز وجل قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة – يريد عينيه )) أخرجه البخاري

ومن أقوال السلف رضي الله عنهم :

قول علي رضي الله عنه : ( ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع الرأس باد الجسد ثم رفع رأسه فقال : ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له )

ومن فوائد الصبر وفضائله :

1- أنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد

2- يورث محبة الله ومحبة الناس

3- الفوز بالجنة والنجاة من النار

4- سبب التمكين في الأرض

5- أن ثوابه لا يعلمه إلا الله

6- معية الله للصابرين

7- صلاة الله ورحمته وبركاته على الصابرين

ومن موانع الصبر التي تحول بين الإنسان وبين الصبر ولذا يجب مجاهدة النفس فيها :

1- الاستعجال

2- الغضب

3- شدة الحزن والضيق

4- اليأس

ومن الأمور المعينة على الصبر :

1- الحياء من الله تعالى

2- العلم بقبح المعاصي ودناءتها

3- الخوف من زوال النعم وتبدلها

4- رجاء ثواب الله والخوف من عقوباته

5- قوة العلم والفقه في الدين يعرف العبد بمآلات الأمور وعواقبها

تاسعا : خلق الصدق

ومن أخلاق الإسلام العظيم  الصدق   وهو ضد الكذب

وهو الإخبار عن الشيء على ما هو

وهو أيضاً مطابقة القول الضمير والمخبر عنه معاً

والصدق خلق الأنبياء عليهم السلام وخاصة نبينا صلى الله عليه وسلم وكان في مكة قبل الإسلام ينادى بالصادق الأمين

والصدق دينه الذي دعا إليه كما في حديث أبي سفيان وقد سبق معنا في هذه السلسلة

والصدق خلق كريم موافق للفطرة المستقيمة تألفه النفوس السليمة وتنفر من ضده ولو كانت هذه النفوس كافرة

والعرب في جاهليتهم كانوا يأنفون من الكذب حتى مع أعدائهم كما في قصة أبي سفيان السابقة

وقوله : فوالله لولا أن يأثروا عليّ كذباً لكذبت عنه

وهو صفة لله كريمة قال تعالى :

{ ومن أصدق من الله حديثا }

وقال تعالى : { ومن أصدق من الله قيلا}

وقد ورد الأمر بالصدق والحث عليه ومدح أهله وبيان فضله في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى :

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين }

وقال عز وجل :

{ قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم }

وفي السنة الشريفة عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :

(( إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقاً …. )) الحديث أخرجه البخاري ومسلم

وفي حديث ابن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ أمانة وصدق حديث …….. )) الحديث أخرجه أحمد وغيره وقد سبق  

وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (( اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة اصدقوا الحديث إذا حدثّتم ……… ))

الحديث أخرجه أحمد وغيره وحسنه الذهبي وابن كثير  رحم الله الجميع

وقوله صلى الله عليه وسلم : (( …… وزعيم في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ))

ما يدل على عظيم مكانة هذا الخلق عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم

وفي حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : (( ….. فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة )) أخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي : حسن صحيح وحسنه النووي  رحم الله الجميع

وقوله صلى الله عليه وسلم : (( … والكذب ريبة )) أي يقلق القلب ويضطرب الاعتقاد

وفي خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما تولى الخلافة قال : ((  ……. الصدق أمانة والكذب خيانة ))

 

فمن فضائل الصدق وفوائده :

1- أنه دليل على سلامة المعتقد

2- ويدل على الهمة العالية وشرف النفس

3- من أسباب دخول الجنة

4- يبعد صاحبة عن مواطن الريب

5- حصول البركة في البيع والشراء لقوله صلى الله عليه وسلم : (( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ))

أخرجه البخاري ومسلم

وأما الأمور التي تخل بالصدق فمنها :

1- الكذب الخفي ومنه الرياء

2- الابتداع في الدين

3- كثرة الكلام لأن من كثر كلامه كثر سقطه ، والله تعالى يقول :

{ لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس … }

ومن الكذب أن يحدث الإنسان بكل ما سمع كما في الحديث … رواه مسلم في المقدمة

4- المداهنة وهي ما يسميه العوام ( المجاملة ) تحمل الإنسان المتلون على الكذب

ومن الأمور المعينة على هذا الخلق النبيل :

1- مراقبة الله تعالى والخوف من عذابه

2- الحياء  فكون  الكذب  قبيح  عند  جميع  العقلاء  يجعل العاقل  النبيل   الشريف يأنف  أن  يأثر  الناس عليه  كذباً  كما  في  قصة  أبي  سفيان  رضي الله عنه 

3- صحبة الصادقين وقد أمر الله بذلك في قوله : { وكونوا مع الصادقين }

4- إشاعة الصدق في الأسرة فعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال : دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت : تعال أعطك

فقال لها صلى الله عليه وسلم : (( ما أردت أن تعطيه ؟ ))

قالت : أردت أن أعطيه تمراً

فقال لها : (( أما لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة ))

أخرجه أحمد وأبو داود وحسنه ابن حجر والألباني رحم الله الجميع

وفي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا علم عن أحد من أهله أنه كذب هجره حتى يعلم أنه جدد توبة ))

5- ومما يعين على هذا الخلق العظيم كثرة الدعاء فقد أمر الله نبيه بقوله : { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً }

عاشراً :  خلق العدل

ومن أخلاق الإسلام العظيم  العدل  

وهو خلاف الجور وأن تعطي من نفسك الواجب من غير محاباة وتأخذه من غير تعدي

وهو دين الله الذي أرسل به رسله عليهم السلام قال تعالى :

{ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط }

قال الإمام ابن القيم  رحمه الله :

والقسط هو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات    انتهى المقصود

وقد أمر الله بالعدل وحث عليه ورغب فيه وبين عظيم ثواب أهله في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم القولية والعملية ، فمن كتاب الله الكريم :

قوله تعالى : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان ….}

وقوله تعالى :

{ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم …}

وقال تعالى : { …. وأُمرت لِأعدل بينكم …. }

وقال عز وجل : { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون }

ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه :

(( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم …………. وعلى أن نقول بالعدل أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ))

أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن عبدالبر وابن العربي والألباني  رحم الله الجميع

وقال صلى الله عليه وسلم  : (( إن المقسطين يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا )) أخرجه مسلم

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( سبعة يظلّهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عدل … ))

وذكر الحديث وأخرجه البخاري ومسلم

ومن فوائد العدل وفضائله :

1- العدل يستتب الأمن في البلاد

2- بالعدل يعم الخير ومن الحِكم : سلطان عادل خير من مطر وابل وعدل السلطان خير من خصب الزمان

3- بالعدل قامت السماوات والأرض وبالجور والظلم تنهدم

4- أنه سبب محبة الله قال تعالى : { واقسطوا إن الله يحب المقسطين }

5- وأنه من خصال الإيمان

وللعدل صور كثيرة منها :

1- عدل الوالي في رعيته سواء كانت الولاية عامة وكبيرة أو صغيرة ومحدودة

2- العدل في الحكم بين الناس قال تعالى : { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}

3- العدل بين الزوجات في النفقة والسكنى والمبيت وإن كن أكثر من واحدة فيعطي كلاً منهن بالسويّة قال تعالى : { … فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة .. }

 4- العدل بين الأبناء قال صلى الله عليه وسلم : (( فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ))

أخرجه البخاري

5- العدل في القول قال تعالى : { وإذا قلتم فاعدلوا}

6- العدل في الكيل والميزان قال تعالى : { وأوفوا الكيل والميزان بالقسط }

7- العدل مع غير المسلمين قال تعالى : { ……….. ولا يجرمنّكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ……. }

الحادي عشر :  العفو والصفح

ومن أخلاق الإسلام العظيم  العفو والصفح  

والعفو  هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب

والصفح  ترك التأنيب وإزالة أثر الذنب من النفس

والصفح أبلغ من العفو ويدل على ذلك قوله تعالى : { فاعفوا واصفحوا}

فهو ترقي في الأمر بمكارم الأخلاق من الحسن إلى الأحسن ومن الفضل إلى الأفضل

وهذان خلقان كريمان ورد الأمر بهما والحث عليهما وبيان فضلهما في كتاب الله الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم

ففي القرآن قال تعالى :

{ …….. وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ….. }

وقال عز وجل : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين }

وقال تعالى :

{وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله …. }

وفي السنة الشريفة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزّاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه )) أخرجه مسلم

وفي حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت لحالفا عليهن لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا ولا يعفو عبد عن مظلمة إلا زاده الله بها عزّاً يوم القيامة ….. ))

الحديث أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى وقال ابن كثير له شاهد في الصحيحين وصححه الشوكاني والألباني   رحم الله الجميع  

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( ارحموا تُرحموا واغفروا يغفر لكم ))

أخرجه أحمد والبخاري في الأدب والطبراني وجود إسناده المنذري والسخاوي وصحح إسناده أحمد شاكر والألباني  رحم الله الجميع

ومن أقوال السلف  رحمهم الله  :

قال عمر بن عبد العزيز  رحمه الله  :

( أحب الأمور إلى الله ثلاثة : العفو في القدرة والقصد في الجِدَةِ والرفق في العبادة وما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق الله به يوم القيامة)   انتهى

وعن الحسن قال : ( أفضل أخلاق المؤمن العفو )

فوائد وفضائل العفو والصفح :

1- أن العفو صفة كريمة من صفات الله العظيم ومن أسمائه الحسنى العفو

2- في العفو امتثال لأمر الله وطلب لعفوه سبحانه وغفرانه

3- أنه سبب لرضوان الله سبحانه

4- العفو والصفح من صفات المتقين

5- أنه يورث أهله جنة عرضها السماوات والأرض

6- العفو تُنال العزة كما في الحديث السابق : (( ….. وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزاً ))

7- بالعفو يحصل للعبد راحة نفسية وطمأنينة وسكينة

8- بالعفو تُكتسب الرفعة والمحبة عند الله وعند الناس

9- أن صاحب العفو والصفح يتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( …… ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح )) أخرجه البخاري  

الثاني عشر  :  عُلُوّ الهِمَّة

ومن أخلاق الإسلام العظيم  عُلُوّ الهِمَّة  

ومعناه طلب العلو في مكارم الأخلاق وصالح الأعمال واستصغار ما دون النهاية من معالي الأمور وطلب المراتب السامية

وقال الراغب الأصفهاني : والكبير الهمة على الإطلاق : هو من لا يرضى بالهمم الحيوانية قدر استطاعته فلا يصير عبداً لبطنه وفرجه بل يجتهد أن يتخلق ويتأدب بمكارم الشريعة     انتهى ببعض التصرف

وعلو الهمة خلق رفيع وغاية نبيلة تعشقه النفوس الكريمة وتهفو إليه الفطر القويمة

وهو مجمع الفضائل كالجد في معالي الأمور والترفع عن الصغائر والدنايا

والإسلام يحث على هذا الخلق النبيل ففي كتاب الله العزيز قال تعالى :

{ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين }

وهذا أمر من الله بالهمة العالية وأن لا يرضى المؤمن بالدون وقال عز وجل :

{ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل }

وهذا ثناء من الله على أصحاب الهمم العالية وفي مقدمتهم أولوا العزم من الرسل وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

ومن علم مثابرتهم وجهادهم ودعوتهم إلى الله وصبرهم العظيم وتحملهم المشاق التي لا يتحملها غيرهم علم ما أعطاهم الله من علو الهمة حتى كانوا الأسوة والقدوة لمن أراد الله سعادته نسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلنا منهم

وفي هذا الطريق العظيم العالي يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :

{ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده }

وقال تعالى :

{ من المؤمنين رجال صدقوا الله ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً }

صدقوا وجاهدوا وتحملوا تبعات الإيمان والجهاد في سبيل الله حتى قُتل بعضهم في سبيل غايته ومنهم من هو ثابت على المبدأ حتى يتوفاه الله عليه

وقال عز من قائل :

{ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة }

وفي السنة الشريفة من ذلك كثير طيب ومبارك منه حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( اليد العليا خير من اليد السفلى …….. )) الحديث أخرجه البخاري ومسلم

وفسرت اليد العليا بالمعطية واليد السفلى بالآخذة

قال ابن بطال : فيه ……. وحض على معالي الأمور وترك دنيئها    انتهى المقصود

وقال صلى الله عليه وسلم : (( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز )) أخرجه مسلم

وقال صلى الله عليه وسلم : (( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً ))

أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه  

وقوله صلى الله عليه وسلم : (( يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها ))

أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما  وقال الترمذي : حسن صحيح وصحح إسناده أحمد شاكر وصححه الألباني

رحم الله الجميع

وقال عمر رضي الله عنه : ( لا تصغرن همتكم فإني لم أرَ أقعد عن المكرمات من صغر الهمة )

وقال مالك  رحمه الله  :

عليك بمعالي الأمور وكرائمها واتق رذائلها وما سفّ منها فإن الله تعالى يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها

ومن صور علو الهمة :

1- علو الهمة في طلب العلم

2- علو الهمة في الدعوة إلى الله

3- علو الهمة في الجهاد في سبيل الله

4- علو الهمة في العبادة

وأما أسباب دنو الهمة فمنها :

1- المعاصي

2- الخوف والهم والحزن

3- الغفلة

4- إهدار الوقت في المنتزهات والخرجات ومجالس السواليف والمباحات

5- الوهن الذي وصفه صلى الله عليه وسلم بقوله : (( حب الدنيا وكراهية الموت ))

6- التسويف والتمني

7- مجالسة ساقطي الهمة البطالين وإمضاء العمر في جلسات وسهرات لا غرض لها إلا تضييع الأوقات

8- ضعف المناهج التربوية واعتماد المناهج التربوية والتعليمية الهزيلة والهدامة

9- اضطهاد العلماء الربانيين والدعاة المخلصين والنفرة من مجالسهم والتنفير منهم سواء بالقول أو الفعل

ومن أسباب علو الهمة :

1- العلم وكثرة مجالسة أهله والقرب منهم

2- الدعاء وكثرة الالتجاء إلى الله

3- تذكر الآخرة

4- التربية الأسرية الصالحة الجادة

5- وجود مجتمع حي يهتم بالقيم والمبادئ الصالحة والنافعة

6- وجود مربين صالحين قدوات في علو الهمة

7- مصاحبة أصحاب الهمم العالية ومطالعة سيرهم

8- استشعار المسؤولية وعظم الأمانة وخطر تضييعها

الثالث عشر  :  الغَيْرة

ومن أخلاق الإسلام العظيم  الغَيْرة  

وهي الحميّة والأنفة وهي ثوران الغضب حماية على الحُرم

وتشتمل على كل ما يعظمه الشخص ويتعلق به قلبه ويخاف عليه وأكثر ما تراعى الغيرة على النساء وحرماتهن

وهو خلق كريم يحبه الله ويحبه رسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم والصالحون من عباد الله بشروط وآداب

ففي حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إن من الغيرة ما يحب الله عز وجل ومنها ما يبغض الله عز وجل ……. فأما الغيرة التي يحب الله عز وجل فالغيرة في الريبة وأما الغيرة التي يبغض الله عز وجل فالغيرة في غير ريبة ))

أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وقال ابن الملقن إسناده جيد وحسنه ابن حجر والألباني  رحم الله الجميع

والله يغار ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( إن الله تعالى يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه ))

أخرجه البخاري

وغيرة الله صفة من صفات الأفعال متعلقة بالمشيئة وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( المؤمن يغار والله أشد غيراً )) أخرجه مسلم

قال ابن القيم  رحمه الله  :

إن أصل الدين الغيرة ومن لا غيرة له لا دين له فالغيرة تحيي القلب وتحميه فتحمى له الجوارح فتدفع السوء والفواحش

وعدم الغيرة تميت القلب فتموت الجوارح فلا يبقى عندها دفع البتة ومثل الغيرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه فإذا ذهبت القوة تمكن المرض فكان الهلاك       انتهى المقصود بتصرف يسير

وقد قيل : كلّ أمة وضعت الغيرة في رجالها وضعت العفة في نسائها وتأملوا عكس المقولة نعوذ بالله من الانتكاس

فوائد الغيرة وفضائلها :

1- أنه خلق يحبه الله

2- دليل على قوة الإيمان

3- سبب لصون الأعراض

4- سبب لتطهير المجتمع من الرذائل

5- من أسباب قيام شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

وأما أسباب ضعف الغيرة فمنها :

1- ضعف الإيمان

2- كثرة الذنوب تطفئ من القلب نار الغيرة

3- الجهل بأهمية الغيرة وخطورة غيابها

4- التقليد والتشبه بالكفار

5- وسائل الإعلام الفاسدة وما تبثه من أغاني وأفلام ومسلسلات تهدم الأخلاق وتفسد التصورات والقيم

6- ارتكاب المنكرات والفواحش يقتل الغيرة حتى لا يغار على نفسه ولا غيره

وأما الوسائل المعينة على اكتساب الغيرة فمنها :

1- مراقبة الله والخوف من عذابه فالديوث وهو الذي لا غيرة له محروم من الجنة

2- الرجوع إلى قيم الإسلام وأخلاقه وغرسها في نفوس الناس

3- الابتعاد عن أسباب ضعف الغيرة كالقنوات الفضائية والمجلات الهابطة والغناء وغيره من الوسائل الهادمة للقيم والأخلاق

4- تربية الأولاد على الطهر والعفاف والغيرة وغرس هذه الأخلاق في نفوسهم

5- التأكيد على دور الرجل وقيوميته على من تحت يده من النساء

6- الحذر من الدعوات المشبوهة بمسميات خداعة مثل : التنمية السكانية والاجتماعية وتحرير المرأة وغيرها

والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله

وتمت بفضل الله ورحمته وتوفيقه

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب وإليك