من صفات المؤمنين في القرآن
تأليف
علي بن عبدالرحيم الغامدي
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} .
1- أخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لقد أنزل عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة )) ثم قرأ : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حتى ختم العشر )) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسنه البغوي وصححه ابن العربي في أحكام القرآن .
2- أخرج النسائي والبخاري في الأدب المفرد وغيرهما عن يزيد بن بابنوس قال : قلنا لعائشة أم المؤمنين : كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : (( كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فقرأت : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} – حتى انتهت إلى – : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} قالت : هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم )) .
3- ورد من وجوه مختلفة عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك عن أئمة التفسير مجاهد وأبي العالية وكعب الأحبار وغيرهم : (( لما خلق الله جنة عدن وغـرسها بيده نـظر إليها وقال لها تكلمي فـقالت : قد أفـلح المؤمنون )) قال أبو العالية : فأنزل الله ذلك في كتابه .
4- قوله تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} أي قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح . قال ابن عباس رضي الله عنهما : قد سعد المصدقون بالتوحيد وبقوا في الجنة .
وقال الشيخ ابن سعدي – رحمه الله – : فازوا وسعدوا ونجحوا وأدركوا كل ما يروم المؤمنون الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين وهذا تنويه من الله بذكر عباده المؤمنين وذكر فلاحهم وسعادتهم وبأي شيء وصلوا إلى ذلك وفي ضمن ذلك الحث على الاتصاف بصفاتهم والترغيب فيها .
5- قوله تعالى : {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } قال محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزلت هذه الآية : {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} خفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم ) .
قال ابن سيرين – رحمه الله – : ( وكانوا يقولون لا يجاوز بصره مصلاه فإن كان قد اعتاد النظر فليغمض ) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .
والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها واشتغل بها عما عداها وآثرها على غيرها وحينئذ تكون راحة له وقرة عين كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( حبب إليّ الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة )) .
والخشوع هو الإخبات مع الذل والخوف والسكون وهذا إنما يظهر ممن في قلبه خوف وقد رأى بعض العلماء رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال : لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه .
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد والحاكم وصححه عن حذيفة رضي الله عنه قال : ( أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ) .
وقد أخرج الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً قال صلى الله عليه وسلم : (( أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعاً )) .
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم )) فـاشتد قـوله في ذلك حتى قال : (( لينتهين عن ذلك أو لتُخطَفن أبصارُهم )) أخرجه البخاري .
وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لينتهين أقوام يرفعون أبصارَهم إلى السماء في الصلاة أولا ترجعُ إليهم )) .
وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إبعاد كل ما يخل بخشوعه وحضوره في الصلاة ومن ذلك عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال : (( اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بانبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي )) أخرجه البخاري ومسلم .
وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي )) .
وعندما سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة قال : (( هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد )) أخرجه البخاري .
قال الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسيره : اختلف الناس في الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاتها على قولين ، والصحيح الأول ومحله القلب وهو أول علم يرفع من الناس .
قال بعض المفسرين – : {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} تستشعر قلوبهم رهبة الموقف في الصلاة بين يدي الله فتسكن وتخشع فيسري الخشوع منها إلى الجوارح والملامح والحركات ويغشى أرواحهم جلال الله في حضرته فتختفي من أذهانهم جميع الشواغل ولا تشتغل بسواه وهم مستغرقون في الشعور به مشغولون بنجواه ويتوارى عن حسهم في تلك الحضرة القدسية كل ما حولهم وكل ما بهم . انتهى
قلت : حق لمن كان الله نجيه أن لا يشتغل بسواه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( قال الله تعالى : قسمت الصلاة بين وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى : حمدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى : أثنى علي عبدي ، وإذا قال : مالك يوم الدين ، قال : مجدني عبدي – وقال مرة : (( فوض إليّ عبدي )) – فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين ، قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )) أخرجه مسلم .
6- قوله تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : عن الشرك .
وقال الحسن : عن المعاصي .
وقال الزجاج : عن كل باطل ولهو ومالا يحل من القول والفعل ، قال تعالى : { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} (1) أي : إذا سمعوا الكلام القبيح أكرموا أنفسهم عن الدخول فيه .
وقال قتادة : أتاهم والله من أمر الله ما وقفهم عن ذلك .
إن للقلب المؤمن ما يشغله عن اللغو واللهو والهذر ، له ما يشغله من ذكر الله وتصور جلاله وتدبر آياته في النفس والآفاق وله ما يشغله من تكاليف العقيدة والشريعة : تكاليفها في تطهير القلب وتزكية النفس وتنقية الضمير وتكاليفها في السلوك وتكاليفها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتكاليفها في الجهاد لحماية الدين ونصرته وإعزازه ورد كيد أعداءه المتربصين وهي تكاليف لا تنتهي ولا يغفل عنها المؤمن ولا يعفي نفسه منها وهي مفروضة عليه فرض عين أو فرض كفاية وفيها الكفاية لاستغراق الجهد البشري والعمر الإنساني والطاقة المحدودة للخلق ولو كان للمخلوق أعمارٌ ينفقها في أداء هذه التكاليف لما كفت فكيف وليس للمخلوق إلا عمر واحد محدود فأين يسوغ له إذاً إضاعته في اللغو واللهو والهذر .
7- قوله تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – : الأكثرون على أن المراد بالزكاة هنا زكاة الأموال … إلى أن قال : وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة هاهنا زكاة النفس من الشرك والدنس كقوله : {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (1) وكقوله : { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (2) على أحد القولين في تفسيرهما ، وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مراداً وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال فإنه من جملة زكاة النفوس . انتهى المراد
وقال بعض المفسرين : والزكاة طهارة للقلب والمال : طهارة للقلب من الشح واستعلاء على حب الذات وانتصار على وسوسة الشيطان بالفقر وثقة بما عند الله من العوض والجزاء .
وطهارة للمال تجعل ما بقي منه بعدها طيباً حلالاً وهي صيانة للجماعة من الخلل الذي ينشئه العوز في جانب والترف في جانب فهي تأمين اجتماعي للأفراد جميعاً وهي ضمان اجتمـاعي لـلعاجزين وهي وقاية للجمـاعة كلها من التفكك والانحلال . انتهى باختصار
8- قوله تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} قال ابن العربي – رحمه الله – : من غريب القرآن أن هذه الآيات العشر عامة في الرجال والنساء كسائر ألفاظ القرآن التي هي محتملة لهما فإنها عامة فيهم إلا قوله : {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} فإنما خاطب بها الرجال خاصة دون الزوجات بدليل قوله : {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} وإنما عرف حفظ المرأة فرجها من أدلة أخر كآيات الإحصان عموماً وخصوصاً وغير ذلك من الأدلة .
قال القرطبي – رحمه الله – : وعلى هذا التأويل من الآية فلا يحل لامرأة أن يطأها من تملكه إجماعاً من العلماء لأنها غير داخلة في الآية . انتهى المقصود
قال البغوي – رحمه الله – : والمعنى : التعفف عن الحرام .
وقال ابن كثير – رحمه الله – : أي ، والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط ، لا يقربون سوى أزواجهم التي أحل الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السراري ، ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج ، ولهذا قال : {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} أي غير الأزواج والإماء : {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} أي المعتدون .
قال البغوي – رحمه الله – : وإنما لا يلام إذا كان على وجه أذن فيه الشرع دون الاتيان في غير المأتى وفي حال الحيض والنفاس فإنه محظور وهو على فعله ملوم .
وقال بعض المفسرين : {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} وهذه طهارة الروح والبيت والجماعة ووقاية النفس والأسرة والمجتمع بحفظ الفروج من دنس المباشرة في غير حلال وحفظ القلوب من التطلع إلى غير الحلال وحفظ الجماعة من انطلاق الشهوات بغير حساب ومن فساد البيوت فيها والأنساب .
قال ابن كثير – رحمه الله – : وقد استدل الإمام الشافعي – رحمه الله – : ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة : {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } قال : فـهذا الـصنيع خارج عن هذيـن القسمين وقد قال الله تعالى : {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} . انتهى
وقال الشوكاني – رحمه الله – : وقد دلت هذه الآية على تحريم نكاح المتعة . انتهى
قال ابن سعدي – رحمه الله – : ومن حفظهم لفروجهم تركهم ما يدعو إلى ذلك كالنظر واللمس ونحوهما .
9- قوله تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } أي إذا أؤتمنوا لم يخونوا بل يؤدونها إلى أهلها قال الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}(1) الآية .
وإذا عاقدوا أوفوا بذلك لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان )) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر )) أخرجه الشيخان وأحمد والثلاثة عن ابن عمرو رضي الله عنهما .
10- قوله تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} أي يداومون على حفظها ويراعون أوقاتها ، قال ابن مسعود رضي الله عنه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : (( الصلاة على وقتها )) الحديث أخرجاه في الصحيحين .
وقال ابن مسعود ومسروق وأبو الضحى وعلقمة بن قيس وسعيد بن جبير وعكرمة في قوله : {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } يعني في مواقيت الصلاة .
وقال قتادة : على مواقيتها وركوعها وسجودها .
وقيل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن : {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} (1) {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } ؟ قال : ذلك على مواقيتها . قالوا : ما كنا نرى ذلك إلا على تركها ؟ قال : تركها كفر . أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهم .
قال ابن كثير – رحمه الله – : وقد افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة واختتمها بالصلاة فدل على أفضليتها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )) .
وقال البغوي – رحمه الله – : كرر ذكر الصلاة ليبين أن المحافظة عليها واجبة كما أن الخشوع فيها واجب .
قلت : وقد وردت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية عدد من الصحابة رضي الله عنهم أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها آخر ما ينقض من عرى الإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله .
11- قوله تعالى : {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن )) .
وقوله تعالى : {الْوَارِثُونَ} أي يرثون منازل أهل النار من الجنة فقد أخرج ابن أبي حاتم وغيره بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما منكم من أحد إلا وله منزلان : منزل في الجنة ، ومنزل في النار ، فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله وذلك قوله : {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} )) .
وهذه الآية كقوله تعالى : {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} (1) وكقوله : {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (2) .
نسأل الله العظيم من فضله وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه .
فوائد :
1- في هذه الآيات العظيمات إثبات قواعد العبادة الثلاثة : الخوف والرجاء والحب ، وعندما يفتتح المسلم قراءة السورة ويبدأ بقوله تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} فإنه يستقر في نفسه ويرد على قلبه كثرة من هلك وخسر فينتابه الخوف من الكتاب السابق ، ثم يقرأ الخلال الحميدة والخصال المجيدة التي كانت سبباً في فلاح من أفلح فتهدأ نفسه ويرجو رحمة ربه بأن يسدده ويوفقه فلا يصل إلى نهاية الآيات وعظيم فضل الله بالثواب الكبير والأجر الجزيل إلا ويمتلئ القلب حباً لهذا الإله العظيم الذي تتوالى نعمه وتتعدد آلاؤه فينعِمُ بالتوفيق للعمل الصالح ثم ينعم عليه بالأجر الذي لم يكن ليخطر على بال : {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (1) .
2- في الآيات العظيمـات رد على أصول الـمقالات الـمبتدعة والنحل الباطلة فأما شيعة الشيطان فالرد عليهم بما علم من حال صحابة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أنهم أعظم المتصفين بما ذكر الله في هذه الآيات وأعظم ذلك ما وقر في قلوبهم من الإيمان الراسخ ثم كماله في جميع الصفات التي ذكرها الله في هذه الآيات من صفات المؤمنين .
وأما المرجئة فإن الله قد أبطل مقالاتهم بجعل الثواب الموعود مرتباً على الإيمان والعمل الصالح المتنوع كما في الآيات .
وأما أهل الجبر فإن في الآيات إثبات أن العبد فاعل وعامل وأنه مختار وعلى اختياره وعمله ترتبت النتيجة والثواب الموعود فضلاً من الله ورحمة .
3- في قـوله تـعالى : {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } قال الألوسي – رحمه الله – : فيها أن الصلاة إنما تنفع المصلي وأما الله سبحانه فغني عن العالمين وعن أعمالهم . انتهى بمعناه
قلت : ويؤيده الحديث القدسي وفيه : (( … يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي …… )) الحديث … وفيه : (( … إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها … )) الحديث أخرجه مسلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة الفرقان الآية (72) .
1- سورة الشمس الآيات ( 9 – 10) .
1– سورة المعارج الآية (23) .
من صفات المؤمنين في القرآن