تفسير القرآن

 

 

 

من فوائد الصيام وأحكامه

تأليف

علي بن عبدالرحيم الغامدي

غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين

 الطبعة الثانية  4  صفر  1445 هـ

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين : وبعد

 

فنتدارس بعض الفوائد حول الصيام إن شاء الله تعالى

 

قال الله تعالى : { يَا  أَيُّهَا  الَّذِينَ  آمَنُوا  كُتِبَ  عَلَيْكُمُ  الصِّيَامُ  كَمَا  كُتِبَ  عَلَى  الَّذِينَ  مِنْ  قَبْلِكُمْ  لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة:183]

 

وهذه الآية دلت على أن الصيام عبادة فرضت على الأمم السابقة وأن هذه الأمة لها أسوة بمن سبقها من الأمم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة قبل الهجرة يصوم يوم عاشوراء

 

فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه )) أخرجه البخاري ومسلم

 

 

وصوم شهر رمضان فرض الله على عباده وهو أحد أركان اﻹسلام ومبانيه العظام وفرض صيامه بالكتاب والسنة والإجماع

 

*- فأما الكتاب العظيم فقوله تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ … }[البقرة:185]

 

*- وأما السنة الشريفة المطهرة فكثير :

– منها حديث أم المؤمنين السابق

– ومنها : حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( بني اﻹسلام على خمس شهادة أن ﻻ إله إﻻ الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج )) أخرجه البخاري ومسلم

 

* – وأما الإجماع فقد أجمعت اﻷمة اﻹسلامية من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم على فرضية صوم شهر رمضان وأنه أحد أركان اﻹسلام العظمى

فمن جحد فرضية صيامه فهو كافر بالله العظيم ﻻ ينفعه صرف وﻻ عدل ولو صامه

نسأل الله تعالى أن يبلغنا وإياكم والمسلمين رمضان ويجعلنا فيه من خيار عباده الصالحين

 

والصوم هو التعبد لله تعالى بالإمساك والامتناع عن الطعام والـشراب والجماع من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس

قال تعالى  : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة:187]

 

ومقاصد وفضائل الصوم كثيرة طيبة مباركة  ومنها :

1- دخول الجنات والنجاة من النار لقوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار )) أخرجه البخاري ومسلم

وقوله صلى الله عليه وسلم : (( الصوم جنة من النار )) أي وقاية

أجارنا الله وإياكم من النار وأدخلنا الجنة برحمته

2-  عصمة من الشيطان لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق : (( وسلسلت الشياطين ))

3- تكفير الخطيئات لقوله صلى الله عليه وسلم : (( رمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر )) أخرجه مسلم

4- كسر الشهوة وتحصين العبد من الوقوع في الفاحشة لقوله صلى الله عليه وسلم : (( يا معـشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للـبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء )) أخرجه البخاري

5- أنه عمل صالح ﻻ مثل له لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة رضي الله عنه : (( عليك بالصوم فإنه ﻻ مثل له ))

6- سبب مغفرة الذنوب لقوله صلى الله عليه وسلم : (( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )) أخرجه البخاري ومسلم

7- أن  الله  أختصه  لنفسه  سبحانه  من  بين  اﻷعمال  الصالحة  لقوله  صلى الله عليه وسلم : (( قال  الله  عز وجل : كل عمل ابن آدم له إﻻ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به )) أخرجه البخاري ومسلم

 

*- ومن أسرار الصيام وفوائده :

ما ذكره الله تعالى في قوله : { يَا  أَيُّهَا  الَّذِينَ  آمَنُوا  كُتِبَ  عَلَيْكُمُ  الصِّيَامُ  كَمَا  كُتِبَ  عَلَى  الَّذِينَ  مِنْ  قَبْلِكُمْ  لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

ففي هذه الآية العظيمة أسرار عظيمة كبيرة منها :

1- أن الصيام من أعمال المؤمنين وهذا فيه تزكية من الله لأهل الصيام وإثبات اﻹيمان لهم

 2- أن الصوم كُتب على هذه اﻷمة المؤمنة كما كُتب على اﻷمم المؤمنة التي سبقت بمن فيهم اﻷنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا

وفي ثنايا هذه البشارة أن الصائم يسلم من طريق المغضوب عليهم والضالين

3- في قوله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } بشارتان عظيمتان :

اﻷولى : الشهادة من الله ﻷهل الصيام أنهم من المتقين

والثانية : أن من صام إيمانا واحتسابا تتحقق له التقوى بصيامه

والتقوى سعادة الدنيا وفلاح الآخرة فلا خير وﻻ رزق وﻻ تيسير أمر وﻻ توفيق لعمل صالح وﻻ دفع شر ونقمة وفتنة إلا بالتقوى

ولا نجاة من عذاب القبر وفتنته وﻻ نجاة من أهوال يوم القيامة وشدته وﻻ زحزحة عن النار ودخول الجنة إﻻ بالتقوى

بدلالة القرآن نصا على كل ما ذكرناه وغيره كثير فالتقوى أصل الخير ومبدأه ومنتهاه  

نسأل الله برحمته أن يجعلنا وإياكم من المتقين

 

*- ومن فوائد الصيام ما في قوله تعالى :

{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[البقرة:185]

هذه الآية فيها كنوز من أسرار العلم والتشريع ومنها :

1- هذه الآية جاءت بياناً بعد إجمال ففي الآية التي سبقتها فرض الله الصيام من غير تحديد لوقته وزمنه ، وفي هذه الآية بين الله أن هذا الفرض وهو الصيام : زمانه شهر رمضان وهو الشهر التاسع من العام القمري

وكان الصيام قد مر بمراحل كما سبق ، والمرحلة الأولى كانت فرض صيام يوم عاشوراء ، وهنا ينتقل إلى مرحلة أخرى

ففي قوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ } مع الآية السابقة يصبح الفرض شهر رمضان وينسخ فرض صيام يوم عاشوراء وتبدأ تفصيلات أحكام شهر رمضان

2- في قوله : { شَهْرُ } بيان أن الصوم شهر كامل وأنه يلزم رؤية دخول الشهر حتى يضبط الحساب ولا يضبط إلا برؤية الهلال لأن الشهر سمي شهراً لاشتهار رؤية الهلال وظهوره

وبينت ذلك السنة بياناً لا لبس فيه فقال صلى الله عليه وسلم : (( إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا ))

 

 

وقال صلى الله عليه وسلم: (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ))

وهذا يعني أنه لا يعتد بالحساب الفلكي في إثبات دخول الشهور القمرية وﻻ الخروج منه سواء رمضان أو غيره ودل على ذلك الأحاديث المتواترة وعمل المسلمين من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم ، وهذه المسألة محل إجماع لا خلاف فيه وقد نقل الإجماع عدد من أئمة العلماء – رحمهم الله

 

3- وقوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ } قال بعضهم إنه لا يجوز قول : [ رمضان ] مفرداً بل لابد من قول : [ شهر رمضان ] ويستدلون بحديث : (( لا تقولوا رمضان فإنه اسم من أسماء الله )) وهو حديث باطل مكذوب

 

وقد ورد إفراد تسمية شهر الصيام باسم رمضان في أحاديث صحيحة كثيرة :

– منها : حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين : (( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))

وفي الباب أحاديث كثيرة

 

 

فقوله تعالى :  { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }

مع  قوله  تعالى : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } [الدخان:3]

وقوله : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [القدر:1] فوائد  منها  :

– أن   إنزال  القرآن   في  هذه  الليلة  المباركة  وهي  ليلة  القدر

– ومنها : أن  هذه  الليلة  المباركة  لا  تكون  إلا  في  رمضان  لا  في  غيره  

وهذا  فيه  رد  على  الذين  يقولون  أن  الليلة  المباركة  في  سورة  الدخان   هي   ليلة  النصف  من  شعبان

وإنزال  القرآن  صح  عن  ابن  عباس  رضي  الله  عنهما  أنه  أنزل  جملة  واحدة  إلى  السماء  الدنيا  في  ليلة  القدر  ثم  نزل  به  جبريل  عليه  السلام  على  نبينا  صلى الله عليه وسلم بعد  ذلك   مفرقا   حسب  الوقائع   و الأحكام  في  ثلاث  وعشرين  سنة  فما  أحكم  تدبير  الله  لا إله  إلا هو

 

ومن  الفوائد  :

 أن  القرآن  بذلك   له  خصوصية  عظيمة  برمضان  ولذلك  يقول  المسلمون   عن  رمضان  : [ شهر  القرآن  ]  

وقد  كان  جبريل  عليه السلام  يعارض  رسول  الله  صلى الله عليه وسلم   القرآن في  كل  رمضان  مرة  وفي  السنة  التي  توفي  فيها  رسول  الله  صلى الله عليه وسلم  عارضه  مرتين 

 

والمعارضة  هي :  أن  يقرأ  جبريل عليه السلام ورسول  الله  صلى الله عليه وسلم يستمع ، أو  يقرأ النبي  صلى الله عليه وسلم  وجبريل  عليه السلام يستمع

ومن  الحكم   في  ذلك  أن  يثبت  ما  كان  محكما  ويعرض  عما  نسخ  فقد  اقتضت  حكمة  الله  ورحمته أن  ينسخ  من  القرآن  ومن  الأحكام  ما  يشاء   ويثبت  ما  يشاء  قال  تعالى :  {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة:106]

 

ومن  الفوائد  : 

 أن  رسول  الله  صلى الله عليه وسلم   كان  أجود  الناس  وكان  أجود  ما  يكون  في  رمضان  حين  يلقاه  جبريل وكان  يلقاه  في  كل  ليلة  من  رمضان فلرسول الله  في  هذا  الشهر  أجود  بالخير  من  الريح  المرسلة ، كما  في  حديث  ابن  عباس  رضي  الله  عنهما  قال  :  كان  رسول  الله  صلى الله عليه وسلم  : ((  أجود  الناس  وكان  أجود  ما يكون  في  رمضان  حين  يلقاه  جبريل  وكان  يلقاه  في  كل  ليلة   فلرسول  الله  صلى الله عليه وسلم  حين  يلقاه  جبريل  أجود  بالخير  من  الريح  المرسلة  ))

–  وجوده  صلى الله عليه وسلم  ليس  مقصورا  على  بذل  الدنيا  لمن  يحتاجها  أو  يطلبها  فقد  كان  يعطي  عطاء  من  لا يخشى  الفقر 

 

ولكنه  عطاء  عام  في  أبواب  الخير من صلاة واعتكاف وتعليم الخير  والجهاد  في  سبيل الله وبذل نفسه للناس يربيهم ويعلمهم ويتفقدهم فيزور مرضاهم  ويحضر جنائزهم ويواسي مصابهم ويفرح لفرحهم ويسعى بكل طاقاته ليستنقذهم  من  كل  ما يضرهم  في  العاجل  والآجل  صلى الله عليه وسلم  وجزاه  عن  أمته  خير  مما  جزى  نبيا  عن  أمته

 

 

فائدة  :  

النسخ   ثابت  في  الشرائع  السماوية   السابقة  وثابت  في  شريعة   نبينا   محمد  صلى الله عليه وسلم  والنسخ   لا   يدخل  في  الأخبار   ولا  في  العقائد  وإنما  يكون  النسخ   في  الشرائع   والأحكام 

وهو  أنواع   : 

– فمنه  أن  يرفع  الحكم  بالكلية   ويبقى   ما دل  عليه  قرآنا  يتلى  في  المصاحف

–  ومنه  عكس  الأول   وهو  نسخ  التلاوة   وبقاء  الحكم  كقوله  تعالى  :

[ والشيخ  والشيخة  إذا  زنيا  فارجمهما  البتة ] فقد  كانت  قرآنا  يتلى   فنسخت  التلاوة   وبقى   الحكم   وهو  أن   المحصن   إذا  زنا  فإنه   يرجم   حتى  الموت

– ومن  النسخ   أن  ينسخ  الحكم  الأشد   بحكم  أيـسر  منه  كما  في  الصيام  وسيأتي  الكلام  عليه  إن  شاء  الله

– ومن  النسخ  ما  هو  عكس  ما قبله  وهو  أن  ينسخ  الحكم  الأخف  بحكم   أشد  ، ولله  في  ذلك  الحكمة  البالغة 

 

ونكمل  فوائد  الصيام  :

–  في  قوله  تعالى : {هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }

كما  في  قوله  تعالى : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء:9]

وهداية  القرآن  شاملة  عامة  لمصالح  العباد  في دنياهم  وأخراهم 

وبيناته  كاملة  في  الأخلاق  والآداب  والمعاملات  والعبادات  والعقائد  من  لزمها  تحققت  له  السعادة  في  الدنيا  والآخرة

 –  والهداية  هدايتان  :

1- هداية  الإرشاد  والتبصرة  وبيان  الحق  من الضلال  وتسمى   أيضا  هداية  [ العلم ] وهذه  أكمل  ما تكون  في  القرآن  العظيم  ولذا  وصفه  الله  بهذه  الصفة  : {هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }

وقال   تعالى  :  {  وَلَكِنْ  جَعَلْنَاهُ  نُورًا  نَهْدِي  بِهِ  مَنْ  نَشَاءُ  مِنْ  عِبَادِنَا  وَإِنَّكَ  لَتَهْدِي  إِلَى  صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  } [الشورى:52]

وفي  هذه  الآية  وصف  الله  نبيه  بأنه  يهدي  إلى  صراط  مستقيم  ، فهي  هداية  إرشاد  وتعليم  وتربية  وبيان

ومن  ذلك  قوله  تعالى :{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت:17]

أي  :  أرشدناهم  وبصرناهم  فأبوا  إلا  الكفر 

 

 

2- وهناك  هداية  أخرى  لا  يملكها  إلا  الله  وهي  هداية  القلوب  وتوفيقها  وتثبيتها  قال  تعالى : {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [القصص:56]

وقد  كان  من  دعاء  النبي  صلى الله عليه وسلم  :  ((  يا مقلب  القلوب  ثبت  قلبي  على  دينك  ))

 

–  وهذه  الآية   فيها  توطئة  لمعرفة  ميزة  هذا  الشهر  الكريم  الذي  أمر  الله  بصيامه  فرضا  وركنا  من  أركان  الإسلام 

وأنه  شهر  خصه  الله  بهذه  الخاصية  بإنزال  القرآن  الذي  هو  هداية  للمؤمنين  إلى  سعادتهم  في  الدنيا  والآخرة  وأنه  حري  أن  يكون  موسما  لهذه  العبادة  العظيمة  التي  أختصها  الله  لنفسه  من  بين  العبادات 

 

–  وقوله : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }

فيه  تعين الصيام على  الحاضر الصحيح القادر  فالمسافر  والمريض  والعاجز  ومن  في  حكمهم  لا  يجب  عليهم  الصيام  وإن  وجب  عليهم  القضاء  أو  الإطعام 

 

 

*- ومن فوائد الصيام :

1 – هل قوله تعالى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }

يفهم منه أن الفرد لا يصوم حتى يرى الهلال بنفسه

قال صلى الله عليه وسلم : (( الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون )) يدل على أنه لا يلزم أن يراه كل فرد بنفسه ولكن إذا رآه العدول الثقات ولو كان واحدا فإنه يلزم صيامه للجميع

2 – إذاً ما معنى قوله تعالى  : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ }

والجواب : هو ما مضى في الفقرة السابقة بأن يكون مقيما غير مسافر وسالما من الأعراض التي تمنع الصيام أو تجيز الإفطار

3 – وما حد السفر الذي يبيح الفطر ؟

 

والجواب : هو السفر الذي تُقصر فيه الصلاة وهو الضرب في الأرض قال تعالى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ }[النساء:101]

ولكن هل يلزم المسافر أن يفطر ؟

والجواب : لا يلزم من السفر الفطر فلو صام المسافر فلا حرج عليه وصيامه صحيح ، ولكن إن شق عليه الصيام فإن له الفطر رخصة من الله  وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يحب أن تؤتى رخصه ))

 

وبعض الناس قد يتنطع ويقول اليوم السفر بالطائرة أو بالسيارة مريح

 والجواب : أن السفر يبيح الفطر سواء كان بالطائرة أو السيارة أو غيرها فليس لأحد أن يحرج على مسافر إن أفطر  لأن الله قد رخص له ولكن لو لم يشق عليه الصيام فلا بأس أن يصوم

وأما المرض فهو مبيح للفطر إذا شق على المريض الصيام بأن يزيد المرض أو يتأخر الشفاء بسبب الصيام

 

4 – والمرض نوعان :

الأول : مرض يرجى شفاؤه :

فهذا المريض لا يلزمه إلا القضاء إذا شفاه الله ، وإن مات في مرضه هذا لا يلزم وليه كفارة ولا صيام عنه

 الثاني : مرض لا يرجى برؤه :

وهذا عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً وجبة واحدة تكفيه وإن أعطاه نيئا فيعطيه كيلو ونصف من طعام البلد [ الحب أو الأرز أو التمر ] ولو جمع ثلاثين مسكيناً وأطعمهم مرة واحدة أجزأه عن الشهر كله

 

5 – والعاجز وهو من عجز عن الصيام لكبر سنه فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً كالسابق

وقد كان أنس بن مالك رضي الله عنه قد كبر سنه وعجز عن الصيام فكان يجمع ثلاثين مسكيناً في أول الشهر ويطعمهم وجبة واحدة عن الشهر كله

 

6 – والمرأة الحائض والنفساء لا يحل لأحدهما الصيام وإن صامتا لم يقبل منهما وتأثمان ولو نزل دم الحيض أو النفاس قبل الغروب بلحظة وجب عليهما الإفطار وقضاء يوما مكانه

وإن طهرتا بعد طلوع الفجر الصادق فلا يصح صومهما لذلك اليوم ويجب عليهما الإفطار

ولو طهرت المرأة في أثناء النهار لم يصح إمساكها لبقية اليوم ولو قدم زوجها من سفر وكان مفطراً بسبب السفر وجامعها فلا بأس

 

7 – والحامل والمرضع :

إن خافتا على نفسيهما من الصيام جاز لهما الفطر وليس عليهما إلا القضاء

وإن خافتا على ولديهما جاز لهما الفطر وعليهما القضاء والإطعام عن كل يوم مسكيناً

 

 

ومن فوائد الصيام :

وقوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ }

قد بينت السنة الشريفة الصحيحة حدود الاشتهار التي يلزم المسلمين الصيام بموجبها ألا وهي شهادة رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أنه رأى الهلال فيلزم المسلمين الصيام بموجب هذه الشهادة فقد  شهد  أعرابي  عند  رسول  الله  صلى الله عليه وسلم أنه  رأى  الهلال  فقال  له  رسول  الله صلى الله عليه وسلم : (( أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله )) قال الأعرابي : نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أذن يا بلال في الناس بأن يصوموا ))

أخرجه أبو داوود والترمذي وغيرهما ويشهد له حديث ابن عمر رضي الله عنهما

وصام النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بشهادة ابن عمر – رضي الله عنهما – وحده  

أخرجه أبو داوود وغيره بسند قوي

فأما خروج الشهر فلا يكفي فيه شهادة الواحد فلا بد من شهادة رجلين

* وهنا مسألة : وهي إذا رأى هلال رمضان وحده ولم تقبل شهادته فهل يصوم وحده أم ينتظر الناس

والجواب : أن العلماء اختلفوا في ذلك :

– فمنهم من قال : أنه يصوم لأنه تيقن دخول الشهر

–  ومنهم  من  يقول  :  لا  يصوم   إلا  مع   الناس  ويستدلون  بقول  النبي  صلى الله عليه وسلم : (( الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون ))

وهذا القول من ناحية الدليل أقوى والقول الأول أحوط

والله يهدينا سواء السبيل  

فأما إذا رأى هلال شوال فإنه لا يفطر إلا مع الناس وهو قول جماهير أهل العلم

وتدل الآية أيضاً على حرمة صيام يوم الشك من وجوه :

الأول : أن قوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ }

ويوم الشك لم يتقين أنه من شهر رمضان والعبادة لا تثبت إلا باليقين وهذه قاعدة شرعية كبرى : أن اليقين لا يزول بالشك فالأصل بقاء شعبان ولا يفرض على الناس صيام رمضان إلا بيقين

الثاني : ثبوت النهي والزجر الأكيد عن صيام يوم الشك ففي حديث عمار رضي الله عنه قال : (( من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم ))

وهذا لا يمكن أن يقوله عمار رضي الله عنه من عند نفسه فلا بد أن يكون سمع النهي من النبي صلى الله عليه وسلم

وهذا اللفظ آكد الألفاظ التي تدل على رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو الثابت عن الصحابة y النهي عن صوم يوم الشك

ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

 

 

*- ومن فوائد آيات الصيام :

1- قوله تعالى : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } :

هذا تذكير بنعمة الله العظيمة على الخلق بهذا الدين القويم وأنه سبحانه ما أنزله إﻻ لييسر لهم السعادة والطمأنينة والفلاح والفوز في الدنيا واﻵخرة ويصرف به عنهم الشرور واﻷخطار واﻷضرار في الدنيا واﻵخرة

ولو تأمل المخلوق أي تشريع من تشريعات هذا الدين لوجد ذلك واضحا أتم الوضوح

ولنأخذ لذلك مثلاً [ الصيام ] الذي وردت هذه البشارة من الله في أثناء بيان أحكامه

فالصيام أعظم فوائده :

– عظيم اﻷجر والثواب الذي لم يطلع الله على مقداره أحدا من الخلق قال في الحديث القدسي : (( كل عمل ابن آدم له إﻻ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به … ))

وفي الحديث : ((  ….. الصوم جنة )) أي وقاية من العذاب

– والصبر الذي هو الصيام ضياء كما في الحديث الصحيح

– والصائمون لهم باب في الجنة ﻻ يدخل منه غيرهم وهو مناسب لما أصابهم بسبب صيامهم من العطش لأن الجزاء من جنس العمل فكما أعطشوا أنفسهم بصيامهم مرضاة لله خصهم الله بباب ألا وهو باب الريان

والريان : من الري وهو ضد العطش

فإذا دخل منه الصائمون أغلق فلم يدخل منه أحد غيرهم  

 

– وفي الدنيا من أسباب السعادة بالصيام ما ﻻ يخطر ببال :

– فالصحة في البدن والانشراح في الصدر

– والتخلص من سموم البدن وأمراضه وما يتبعه من خفة البدن ونشاطه وحيويته أمور يشعر بها الصائم في بدنه وصحته ونظره ﻻ تحتاج إلى كثرة تطويل في وصفها ﻷن كل صائم يعيشها واقعاً في حياته

ولذلك فإن من اعتاد الصيام فلا يستطيع تركه كالسمك ﻻ يستطيع الخروج من الماء ﻷن فيه حياته وسعادته ونشاطه

– وهذا الجزء من اﻵية لو تأمله العبد حق التأمل لذاب قلبه بحب الله فالله الغني عن العالمين يتودد إلى الخلق بهذه البشارات العظيمة ويشعرهم بلطفه بهم وحرصه عليهم ورعايته لهم وأنه ﻻ يريد بهم إﻻ الخير والفلاح والسعادة

وعندما يتأمل العبد هذه التشريعات يجد ما بـشره ربه ووعده به في هذه اﻵية واضحا حيا مباشرا ﻻ يحتاج إلى جهد لاكتشافه

فكيف ﻻ يذوب قلب العبد حباً لله وتعظيماً لـشرعه وفرحاً وسعادة بدينه وعزماً أكيداً على  أن  ﻻ  يتخلف عن أمر  يقرب  إلى الله  ويحقق  له  اليسر في  عاجل  أمره وآجله : {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس:58]

 

– وهذا التأمل والنظر يوقف العبد الموفق تحقيق معنى السعادة الحقيقة وحقيقتها
وأنها محصورة في أن يكون عبدا لله طائعا له قائما بحقه متقرباً إليه وأنه لو أعطي كنوز اﻷرض كلها وملك الدنيا من مبتدئها إلى منتهاها ﻻ يعادل لذة سجدة يسجدها لله مخلصاً له صادقاً معه يرجو ثوابها عنده تعالى إذ كم من مال كان سبباً في هلاك صاحبه قال تعالى عن قارون : {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ }[القصص:81]

وذلك لما خدع بماله عن سبب سعادته الحقيقي فطغى وتكبر

وكم من ملك كان سبب لعنة الله وغضبه على صاحبه قال تعالى عن فرعون الذي غره ملكه وأطغاه حتى بغى وعاند الله : {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } [غافر:46]

وأما السجدة لله ففيها رضوان الله ورحمته وقربه من الساجد ليجيب دعاءه ويرفع درجاته ففي الحديث الصحيح :

(( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ))

 

 

وفي الحديث الآخر :

(( إنك لن تسجد لله سجدة إﻻ رفعك الله بها درجة ))

فموازين الخير والـشر والسعادة والشقاء ليست موازين بشرية مادية

ولكنها موازين إلهية ربانية من الذي خلق الخلائق وهو أعلم بحقائقها وأسرارها

 

فأما الـبشر فكمـا وصفهم الله :

{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } [الروم:7]

– وهناك بعد هذا يسر في عمل العباد بهذه الشريعة العظيمة ففي الصيام كما سبق التيسير على المريض والمسافر والعاجز ومن في حكمهم فلا عـسر وﻻ مشقة ولكن يسر وسماحة

 

*- قوله تعالى :

{ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } :

إكمال العدة أي : عدة أيام الشهر الذي فرض الله صيامه ألا وهو شهر رمضان  وإكمال عدته :

– إما برؤية هلال شوال بعد اليوم التاسع والعـشرين ، أي : في ليلة الثلاثين من رمضان

– وإما بإكمال صيام رمضان ثلاثين يوما عند تعذر الرؤية

وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ))

وسواء صام المسلمون تسعة وعشرين أو ثلاثين فهذا شهر كامل لا نقص فيه

ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن صيامهم تسعة وعشرين يوما قالت : (( وما تعجبون لما صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين ))

 

والنبي صلى الله عليه وسلم يـقـول :

(( الشـهر هـكـذا وهـكـذا وهكذا فـعد مـرة ثـلاثين ومـرة تـسعة وعـشرين ))

ولما آلى من نسائه شهراً دخل عليهن بعد تسعة وعشرين يوما فقالوا له :

إن هذا اليوم تسعة وعشرون

قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الشهر يكون تسعة وعشرين ))

 

 

وقوله وتعالى :

{ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } :

فقد هداكم للإسلام ثم هداكم لصيام شهر رمضان كركن من أركان الإسلام ثم هداكم إلى إكماله

والهداية هنا تشمل هدايته سبحانه ببيان فريضته وبيان أحكامه

وتشمل ما هو أهم وهو توفيق الله عباده للإيمان بفرضيته واحتساب الأجر بصيامه الصيام الذي يرضاه الله تعالى

– والعبادات التي فرضها الله على عباده رحمة وخيرا للعباد في عاجلهم وآجلهم ولذا يجب عليهم الفرح قال الله تعالى :

{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }

ويجتهدوا في إحسانها قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه )) أو كما قال عليه الصلاة والسلام

 

فإذا اجتهد وحرص فيشرع له أن يذكر الله عند انتهائه ويستغفره مما يمكن أن يكون شابه مما ينقصه أو يبطله وهذا مشروع في الصيام والصلاة والحج :

– فالصلاة كان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا سلم منها أن يقول : (( استغفر الله استغفر الله استغفر الله ))

 

 

 

– وفي الحج قال تعالى :

{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ } [البقرة:199]

–  ومن ذلك ما أمر الله به نبيه في آخر حياته بعد الجهاد العظيم وقيامه لله حق القيام وما لقيه في سبيل الله مما لا تستطيعه الجبال الرواسي من العنت والمشقة فبعد ذلك يأمره الله تعالى بقوله  :

{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } [النصر:3]

 

– وفيه مشروعية التكبير بعد إنهاء صيام آخر يوم من رمضان ويستمر التكبير إلى دخول الإمام لصلاة العيد

وهذه سنة هجرت ولا حول ولا قوة إلا بالله بل واجب عُطِّل فقد أمر الله به في كتابه وعمل به النبي  صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حياته وبعد مماته وكان يُسمع لهم بالتكبير رجة في المدينة

 

– وقوله تعالى : {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }:

والشكر يكون باجتماع الأركان الثلاثة : اللسان والقلب والجوارح قال تبارك وتعالى : {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا } [سبأ:13] فليس بالقول فقط

ويقول الشاعر :

أفادتكم النعماء مني ثلاثة               يدي ولساني والضمير المحجب  .

وأما الحمد فيكون باللسان والقلب

 

ومن الشكر على هذه النعمة الكبرى أداء ركن آخر من أركان الإسلام ألا وهو زكاة الفطر فهي فريضة واجبة على الحر والعبد والرجل والمرأة والصغير والكبير

ومقدارها صاع من الطعام  هكذا فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

وبالتالي فلا تجزئ القيمة ولا تصح

 

– ووقت إخراجها قبل صلاة العيد وإن قدمها قبله بيوم أو يومين فلا بأس

– ولا يجوز تأخيرها فإن أخرها بغير عذر لم تقبل منه

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من فرضيتها فقال : (( طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ))

وحث على إغناء الفقراء والمساكين عن السؤال في يوم العيد

 

 – ومن شكر الله في هذا اليوم العظيم أداء صلاة العيد مع المسلمين في المصلى وهي آكد الفرائض حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :

إنها فريضة عينية على الرجال والنساء لأنه لم يعهد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج النساء إلى صلاة غيرها حتى الحيض أمر بإخراجهن وأمرهن أن يعتزلن المصلى ولكن يحضرن الموعظة ودعوة المسلمين

 

 

 

*- ومن فوائد آيات الصيام :

قال الله تعالى :

{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة:186]

– سأل الصحابة y رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فنزلت هذه اﻵية

فالله أقرب إلى العبد من حبل الوريد :

{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } [غافر:19] ﻻ تخفى عليه خافية

{ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [المجادلة:7]

 

– وهذا القرب ليس بذاته سبحانه وتعالى وتقدس فإن ذاته المقدسة فوق العرش من فوق السماوات السبع ، ولكن قربه نوعان :

– فقرب عام لكل الخلق بعلمه وسمعه وبصره فهو يعلم كل شيء ويبـصر كل شيء ويسمع كل شيء : {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [الأنعام:59]

 

 

وقال تعالى :

{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } [لقمان:16]

– وقرب خاص  بأوليائه وعباده المؤمنين بحفظه وتثبيته لهم ونـصرهم والتمكين لهم في الأرض ثم رحمته لهم في الآخرة

 

– قوله تعالى :

{ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }:

الرشد والحياة الحقيقية في الاستجابة لله تعالى والإيمان به قال تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال:24]

فعلم بهذه الآية أن الحياة الحقيقية هي الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم   

والاستجابة لله وللرسول هي الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه والاجتناب لما نهيا عنه والانكفاف عنه والنهي عنه

ولأنه لا يتأتى إلا بعون الله وتوفيقه فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم وحرص عليه فقال في الحديث الصحيح :

(( إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا أنتم هذه الكلمات :  اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ……. )) الحديث

لأن المخلوق العاجز قد يتبين له الرشد ولكن لا يجد العزيمة على فعله إلا بالله العظيم فشرع دعاؤه بهذا الدعاء العظيم

فاللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد

*- ومن فوائد آيات الصيام :

قال الله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [البقرة:187]

– قوله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ } يدل على أن ما ذكر في الآية كان محرماً وهذا التحليل هو من اليسر الذي يريده الله بعباده في تشريعاته

– وقد مر تشريع الصيام بمراحل كما ذكرنا سابقا :

 

الأول : فرضية صيام يوم عاشوراء

 

الثاني : فرضية صيام رمضان ومر بمراحل كذلك :

 

أ – التخيير فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً

ب – فرض صوم شهر رمضان على المقيم القادر الخالي من الموانع

 

 

ومر بمرحلتين أيضاً :

 أ- كما في حديث البراء رضي الله عنه قال : كان أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم  إذا كان الرجل صائما وحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وأن قيسا بن صرمة الأنصاري كان صائماً –  وفي رواية : كان يعمل في النخل في النهار وكان صائماً – فلما حـضر الإفطار أتى امرأته فقال لها : أعندك طعام ؟ قالت : لا ولكن انطلق فاطلب لك

وكان يومه يعمل فغلبته عيناه  فجاءته امرأته فلما رأته قالت : خيبة لك .

فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية :

{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}

ففرحوا فرحاً شديداً ونزلت : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ }  أخرجه البخاري

وفي البخاري أيضا عن البراء رضي الله عنه قال :  لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله :  {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ}

أي : تخونون أنفسكم بالمباشرة في ليال الصوم ، ومن عصى الله فقد خان نفسه إذ جلب إليها العقاب

وورد عند الطبري ما يدل على أن إتيان النساء إنما هو لمن لم ينم مثل الطعام فقد أخرج عن عمر رضي الله عنه أنه رجع من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمر عنده ليلة فوجد امرأته قد نامت ، فأرادها . فقالت له : قد نمت . وقال لها : ما نمت . فوقع بها

وصنع كعب بن مالك رضي الله عنه مثله ، فغدا عمر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أعتذر إلى الله وإليك فإن نفسي زينت لي فوقعت على أهلي . فهل تجد لي من رخصة ؟ فقال لي : (( لم تكن حقيقاً بذلك يا عمر ))

فلما بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن : {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ}

 

 

*- فوائد آيات الصيام :

وقول الله تعالى :

{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}

 

– هذه الآية فيها إباحة معاشرة الزوجات في ليالي رمضان بعد أن كان محرماً ولكن هل الأمر في قوله : { بَاشِرُوهُنَّ }

وقوله : {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}

وقوله : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} هل هو للوجوب أو للإباحة ؟

هذا الأمر ليس للوجوب ولكنه للإباحة فلا يجب على الرجال جماع أزواجهم في ليالي رمضان ولكنه مباح

والصارف للأمر عن الوجوب هو أنه أتى بعد حظر والأمر إذا أتى بعد حظر يعود كما كان قبل الحظر والحال أن جماع الزوجات  قبل الحظر كان مباحا فيعود بالأمر به كما كان وهو الإباحة

ونقول هذا لأن الأصل في أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم أنها للوجوب إلا إذا صرفها صارف

 

– وفي الآية أن هذه الإباحة للأكل والـشرب والجماع في ليالي رمضان تنتهي بطلوع الفجر الصادق لقوله تعالى :

{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}

 [ وحتى ] هنا : لانتهاء الغاية ، يعني : أن نهاية الإباحة طلوع الفجر

– ولما سمع الصحابة y قوله تعالى :

{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}

اتخذ بعضهم عقالين عقال أبيض وعقال أسود

ومنهم عدي بن حاتم رضي الله عنه فكان يضعه تحت وساده فينظر إليه فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له بياض هذا  وسواد  هذا  

فلما  أخبر  النبي  صلى الله عليه وسلم  بذلك قال  : (( إن  وسادك  إذا  لعريض ))

ثم أخبره إنما هو بياض النهار وسواد الليل وأنزل الله تتمتها :

{مِنَ الْفَجْرِ}

فعرفوا إنما هو بياض النهار وسواد الليل إذا طلع الفجر الصادق وهو النور المعترض على طول المشرق من الشمال إلى الجنوب ثم ما يزال يتسع حتى تطلع الشمس

 

وهذا للتفريق بينه وبين الفجر الكاذب وهو نور عمودي يظهر قبل الفجر ثم يختفي ثم يعقبه ظلام حتى يطلع الفجر الصادق

 

– وقوله تعالى : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}

وما قبلها من الجماع جعل الله غايته طلوع الفجر ومعنى ذلك :

أنه يجوز أن يطلع الفجر وهو على جنابة ثم يغتسل بعد ذلك وذلك أنه إذا كان يجوز له الجماع حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر وهو وقت الإمساك عن الأكل والشرب وإباحة الجماع

فمعناه أنه يباح له الجماع إلى هذا الوقت وبالتالي لا يستطيع الاغتسال إلا بعد طلوع الفجر وهذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في أحاديث أمهات المؤمنين رضي الله عنهم جميعاً

– وقد  اختلف  الصحابة  رضوان  الله  عليهم  فيمن  يدركه  الفجر  في  رمضان   وهو  على  جنابة

فقال  أبو هريرة  رضي الله عنه : ( أنه  يصبح  مفطراً  ولا  يصح  صومه )

فذهبوا  الى  أم  المؤمنين  عائشة  وأم  المؤمنين  أم سلمة  رضي  الله  عنهما  فسألوهما  فقالتا  :

(( كان رسول  الله  صلى الله عليه وسلم يصبح جُنبًا من جماعٍ  غير احتلام فيغتسل ويتم صومه )) 

فرجعوا  إلى  أبي هريرة  فأخبروه  فقال : ( هما أعلم وقد  حدثني  بهذا  الفضل  ابن  العباس )

 

وهذا  فيه فائدة  تربوية  عالية  :

1- أن  الإنسان  لا يتكلم  إلا  بعلم  يسنده  إلى  أهله  فإن  أبا هريرة  رضي الله عنه  أسند  علمه  إلى  الفضل  بن العباس  وهو ابن عم  النبي صلى الله عليه وسلم

2- وأن  العالم  إذا  تكلم  بعلم  ثم  جاءه  دليل  أقوى  مما عنده  أنهُ  يترك  قوله  ويرجعُ  إلى  الدليل  الأقوى ، وأن  هذا  من النصح  لله  ولكتابهِ  ولرسولهِ ولأئمة  المسلمين  وعامتهم 

3- وأن العالمَ  يزدادُ  بذلك  رفعةً  عند الله  وتزدادُ  ثقةُ   المسلمينَ  بعلمه

 

وفي  قولهِ  تعالى : {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} :

دليل  على  انه  يجوزُ  للرجلِ  معاشرةَ  زوجتهِ   والاستمتاع  بها على  الإطلاقِ   بدون  تقييد  ويستثنى  من  ذلك :

١- الوطءُ  فالدبر : 

فإنهُ  من  أعظم  الفواحش  وأكبر  الكبائر  حتى عده  رسول  الله  صلى الله عليه وسلم  من خصالِ  الكفرِ  ولَعنَ  فاعلهُ  

٢-  الوطء  حال  الحيض  أو  النفاس  :

لقول  الله  تعالى :

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة:222]

وقوله  تعالى : {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} :

– وهذا  يشمل  طلب  الولد  وتكثير  النسل  وقد  ذكروا  عن عمر  رضي الله عنه  أنه  كان  يقول  : ( إنه  ليس لي  رغبةٌ  في  النكاح  إلا  أني  أرجوا  أن  يخرج  الله  مني  نسمةً   تعبد  الله ) أو  كما  قال صلى الله عليه وسلم

– ومنها  إشباع  الرغبة  والاستمتاع ولما  قال  رسول  الله  صلى الله عليه وسلم  : (( وفي  بُضع  أحدكم  صدقة )) قالوا  : يا رسول  الله  أيأتي  أحدنا  شهوته  ويكون  له  فيها  أجر  ؟ قال : (( نعم أرأيتم  لو  وضعها  في  حرام  أيكون  عليه  وزر  )) قالوا  : نعم . قال  : (( فكذلك  إذا  وضعها  في  الحلال  كان  له  أجر  ))

 

وقول  الله  تعالى : {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} :

في  هذه  الآية  إشارة  إلى  مشروعية  الاعتكاف  وبيان  أحكامه

والاعتكاف  عملٌ صالح  وهو :  التعبد  لله  سبحانه  وتعالى  بلزومِ  المساجد  وعدم  الخروج  منها لطاعةِ  الله  والتفرغ  لعبادته 

وهو  مشروعٌ  بالكتاب  والسنة  :

– فأما  الكتاب  العظيم  فهذه  الآية

– وأما  السنة  الشريفة : قد ثبتت  مشروعية  الاعتكاف  في  السنة  بقول النبي  صلى الله عليه وسلم   وفعله  ، فعن  عائشة  أم  المؤمنين  رضي  الله عنها  قالت   : (( كان  رسول  الله  صلى الله عليه وسلم   يعتكف  في العشر  الأواخر من رمضان  حتى  توفاه   الله  عز وجل ثم اعتكف  أزواجه  من  بعده   ))

أخرجه  البخاري  ومسلم  وأبو داود  والترمذي

– وقد  اعتكف  رسول  الله صلى الله عليه وسلم  في  أحد  الأعوام    شهر  رمضان  كاملًا  يطلب  ليلة  القدر  اعتكف العشر  الأُول  ولما  انتهت  جاءه  جبريل  فقال  :

(( إن الذي  تطلب  أمامك )) 

فاعتكف العشرُ  الأوسط   فلما  انتهت  جاءه  جبريل   فقال  :

(( إن  الذي  تطلب  أمامك ))  

فاعتكف العشـر الأواخر ثم داوم بعد ذلك على الاعتكاف في  العشر الأواخر

 

 

– وكان  من  هديه  صلى الله عليه وسلم  أنه  إذا  أراد  الاعتكاف  احتجر  حصيرًا  يخلو  بنفسه  فيه  وفي  إحدى  السنين  استأذنته  عائشة  بالاعتكاف  فأذِن  لها  فصنعت  لنفسها  حُجرة  فلما  رأتها  زينب  صنعت  لنفسها  مثلها   فلما  رأتها  أم سلمة  صنعت  لنفسها  حُجرة   

فلما  أصبح  رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وأراد أن يدخل  المُعتكف  نظر  إلى  الحُجر  فقال  :

(( آلبر  أرَدن  ؟ )) فأمر  بالحُجر  فقوضت  ولم  يعتكف  في رمضان  في ذلك  العام  ثم  اعتكف  في شوال  بعد  رمضان 

والاعتكاف  كما  قال  الله  عز وجل :

{ فِي الْمَسَاجِدِ} :

الألف  واللام  للعهد  الذهني   فتكون  دالة  على  أن  المراد   بـ [ المساجد  ]  المعهودة  التي  تقام  فيها  الجماعة 

وأما  حديث  حذيفة  رضي الله عنه  : ((  لا اعتكاف  إلا  في المساجد  الثلاثة  )) يعني  المسجد  الحرام  والمسجد  النبوي   والمسجد  الأقـصى  ، فقد  أخرجه  عبد الرزاق  موقوفًا  على  حذيفة ، وأخرجه  الطحاوي  في  مُشكل  الآثار  مرفوعا

ورواية  من أوقفه  أصح  وأقوى  وأثبت  ، أي  أنه  من  قول  حذيفة  رضي الله عنه ، ولو  صح   مرفوعا  فالمراد  به  الاعتكاف  الكامل .

 

– والجماع  مبطلٌ  للاعتكاف  ووجهُ  كونهِ  مبطلًا  أنهُ  نُهي  عنه  بخصوصه والشيء إذا  نُهي عنهُ  بخصوصه في  العبادةٍ  كان من  مبطلاتها

 

– والاعتكاف  لا  يجب  إلا  بالنذر فقد جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه  فقال : يا  رسول  الله  إني  نذرت  أن  اعتكف  ليلةً  في  المسجد الحرام  فقال  صلى الله عليه وسلم  : (( أوفِ بنذرك  ))

فأما  من  لم  يُنذر  فلا  يجب  عليه  الاعتكاف  ولكنه  مسنون  وعملٌ  صالح 

 

– ومن  أراد  أن  يعتكف  في  العـشر  الأواخر  من  رمضان  فإنه  يدخل  إلى  المعتكف  بعد  غروب  الشمس من ليلةٍ  الحادي  والعـشرين  من  رمضان 

ولا  يخرج  من  المسجد  إلى  لحاجته  الضرورية  ويبقى  فيهِ  ليلًا  ونهارًا   

يشتغل  فيه  بذكر  الله  وقراءة  القرآن  والصلاة   وينفرد  عن  غيره  ليتحقق له  مقصود  الاعتكاف

ولا يقطع  اعتكافه  إلا  بخروجه  من المسجد  لصلاة  العيد فإذا صلّى  العيد  رجع  إلى  بيته 

 

 

وقول  الله  تعالى   : {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}:

لما  ذكر  الله عز وجل  في  الآية حل  مباشرة  النساء  في   ليالي  رمضان  أتبع  ذلك   بالنهي عن مباشرتهن حال  الاعتكاف  في  المساجد  حتى لا  يُظن أن  الجواز مطلقا حتى  للمعتكف  فهو  أشبه  بالاستثناء  من قوله  تعالى :

{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}

 

والمقصود   بالنهي  عن  مباشرة  النساء  حال  الاعتكاف   الجماع ومقدماته  كالضم   والتقبيل  بشهوة   ….. الخ 

 

وليس  المقصود  مجرد   الملامسة  من  غير  جماع   أو  مقدماته  ويدل  على  ذلك  ما  روته  أم  المؤمنين  عائشة   رضي  الله  عنها   قالت  :

(( كان  رسول  الله  صلى الله عليه وسلم يدني  إليً   رأسه  وهو  معتكف  فأرجله  وأنا  حائض  )) أخرجه  البخاري  ومسلم   وأصحاب  السنن  الأربع

وهذا   يدل   كما  ذكرنا  سابقا  :  أن  الجماع  مبطل   للاعتكاف  وبينا   وجه  كونه   مبطلا  للاعتكاف

 

– والحكمة  في  تحريم   مباشرة  النساء   بشهوة  حال  الاعتكاف  ظاهرة  وبينة  فإن  المقام  مقام  تفرغ  وتعظيم  لله  وانقطاع عن اللذائذ 

وحبس  للنفس عنها فإن الانصراف إلى الجماع ومقدماته يصرف النفس إلى الترف والانشغال بالاستمتاع  

وفي  ذلك  :

– تربية  للنفس  على  المجاهدة 

– وفي ذلك  أيضا   ابتلاء   للنفس لتعرف  نعم  الله  على  العبد  من  معرفة   حريته   في  خروجه   ودخوله    وضربه  في  الأرض   واستمتاعه   بما  أحل  الله   له  منها  فنعم   الله  لا تحصى  وما  يعرف منها  يُنسي 

والعبد  بحاجة  إلى   تذكير  وحرمانه   منها  باختياره   وبغير   اختياره   يذكره  عظيم  النعمة   التي  منع   من  الوصول   إليها  .

– وفيه :  شغل للنفس بالعبادة حتى تستكثر من الأجور فتغتنم شيئا مما فات فالنفس إن خلت أكثرت التفكر والتأمل والمحاسبة فتتذكر من التقصير مالا  تتذكره  في  سكرة  متعتها  فمن   السبعة  الذين   يظلهم  الله   في  ظله   يوم  القيامة    :  (( … رجل  ذكر  الله  خاليا   ففاضت   عيناه ))   [ يعني  من  خشية الله ]  

 

– ومن  دخل  إلى  معتكفه   فلا  يجوز  له  الخروج  إلا لحاجته  الضرورية  من  أكل  وشرب  وقضاء حاجة  ووضوء  لقول  أم  المؤمنين  عائشة  رضي  الله  عنها  في  حديثها   السابق  :

(( وكان – يعني  رسول  الله  صلى الله عليه وسلم  – لا  يدخل  البيت  إلا  لحاجة  الإنسان  ))   تريد  البول  والغائط    متفق   عليه

 

 

– فلا  يجوز  الخروج  من  المعتكف  لزيارة  مريض  ولا  إتباع  جنازة  ولا  حضور  دفن  ميت إلا  إذا   اشترط   عند  بدء   اعتكافه 

ولو  خرج  لأحد  هذه  الأغراض  من  غير  اشتراط  سابق فيبطل  اعتكافه فإن  كان  نذرا   أثم   وعليه  القضاء وإن  كان  متطوعا  بالاعتكاف  فلا  يأثم   ولكنه  يبطل  اعتكافه 

– والآية   دالة   على  أن  الاعتكاف   في  المساجد  وقد  سبق   أنها  المساجد  التي  تقام  فيها  الجماعة

وقال  بعض  أهل  العلم :  والجمعة 

وبالتالي  نعلم  أن  قول   من  يقول  أن  الإنسان  يعتكف  في  بيته  وأن  المرأة  تعتكف   في  مسجد  بيتها   باطل   ولا  أصل  له 

 

ومن  أحكام   الصيام :

– بعد  بيان  الله  تعالى  لأحكام  الصيام  وما  يتعلق  بها  قال  الله  تعالى :

{  تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

وفي  قوله  : {  تِلْكَ حُدُودُ }

الإشارة  إلى  ما سبق  في  الآية  من  إحلال  الأكل  والشرب  والجماع  ليالِي  الصيام  حتى  يتبين  الخيط  الأبيض  من  الخيط  الأسود   بطلوع  الفجر  الثاني  [  الفجر  الصادق  ] ومن  ثم  إتمام  الصيام  إلى  الليل  بغروب  الشمس 

والنهي  عن  المباشرة  حال  الاعتكاف  في  المساجد وأشار  إلى  هذه  الأحكام  بإشارة  البعيد  تعظيمًا  لها   

وقوله : { حُدُودُ }

جمع  حد والحد  في  اللغة  :  الفاصل  بين  شيئين ومنه  حدود  الأرض وهي  مراسيمها  التي تحددها  وتفصل  بينها وحدود  الله  تنقسم إلى  قسمين :

– القسم الأول :

حدود  أوامر  وواجبات  يجب فعلها وعدم تركها  وتعديها كما  قال تعالى : {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا } [البقرة:229]

 

– والقسم  الثاني  :

حدود  نواهي   ومحرمات  وممنوعات  يجب  تركها  والبعد  عنها  وعدم  قربها  كما قال  تعالى : {  تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا }

فقوله  : { فَلَا تَقْرَبُوهَا }:

الفاء :   للتفريع

ولا  :   ناهية

أي : فلا تقربوا  حدود  الله  ومحرماته  بل  ابتعدوا  عنها  و اجتنبوها  كما قال تعالى : {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } [الإسراء:32]

والوسائل  لها  أحكام  الغايات  والمقاصد  فالوسيلة  المؤدية  إلى  المحرم  محرمه فالزنا  محرم   وكذا  ما يؤدي  إليه  من الخلوة  بالأجنبية  والسفور  وإطلاق  النظر  ونحو  ذلك 

وهنا  جماع  المعتكف  بزوجته  محرم  وكذا  ما يؤدي  إليه [ من  تقبيل  المعتكف  لزوجته  وضمه  لها  ومعانقتها  بشهوة  ونحو ذلك  ]

وذلك لأن  من  حام  حول  الحِمى يوشك  أن  يرتع  فيه كما  قال  صلى الله عليه وسلم  في حديث  النعمان  بن  بشير  رضي الله عنه :  ((  إن  الحلال  بيّن  وإن  الحرام  بيّن  وبينهما  أمور  مشتبهات  لا يعلمهنّ  كثير  من الناس فمن  اتقى  الشبهات  فقد  استبرأ  لدينه  وعرضه  ومن  وقع  في الشبهات  وقع  في  الحرام  كالراعي   يرعى  حول  الحِمى  يوشك  أن  يرتع  فيه  )) أخرجه  البخاري  ومسلم  وأصحاب  السنن  الأربع

 

– وفي  قوله  تعالى :

{ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ } أي : مثل ما بيّن  الله  آيات  الصيام  وأحكامه  وما يتعلق  به  وأحكام  الاعتكاف يبيّن  الله  عز وجل  آياته  الشرعية في سائر الأحكام للناس وفي هذا إقامة الحجة على الناس وإيضاح  المحجة  لهم 

 

– وفي قوله تعالى :

{ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }وهذا هو الغاية  العظمى من إرسال  الرسل  وإنزال  الكتب  وبيان  الآيات  الشرعية  والكونية  أن  يتقوه   بفعل   أوامره  واجتناب  نواهيه   عن   علم  ومعرفة  وبصيرة   بأحكام   الله  عز  وجل  وحدوده  قال  الله  تعالى : {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ  } [الحديد:9]

وقال الله  تعالى  وتقدّس :

{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44]

 

– وفي قوله تعالى :

{ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

دليل على أن العلم  سببٌ  للتقوى  ويؤيد  ذلك  قوله  تعالى :

{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]

 

– ومن  فوائد   الآيات  الواردة   في  الصيام  :

قول   الله  تبارك  وتعالى :

{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة:186]

وهذه  الآية  ذكرها  الله  في  ثنايا  آيات  الصيام  فأشارت  الآية  إلى  أن الصيام مظنة إجابة الدعاء وخاصة عند الإفطار

وقد جاء في الحديث  :  ((  للصائم   دعوة  عند  فطره  ))

أخرجه  ابن  ماجه وقال  في  الزوائد :  بإسناد  صحيح   

وعند أحمد والترمذي عن أبي هريرة  رضي الله عنه  عن النبي  صلى الله عليه وسلم  :

((  ثلاثة   لا  ترد  دعوتهم   ……. والصائم   عند  فطره   ))

وهو  حديث  صحيح 

 

– وفي  قوله   تعالى  : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي }

  رأفة  الله  عز وجل  بعباده  حيث  أضافهم  إلى  نفسه  تشريفًا  وتعطفًا  عليهم ، ومن  فوائدها  :

 – إثبات  قرب  الله  سبحانه  وتعالى  بنفسه  لأن  الضمائر  في  هذه  الآية  كلها  ترجع  إلى  الله

وعليه  فلا  يصح  أن  يحمل  القرب  فيها  على  قرب  رحمته  أو  ملائكته  لأنه  خلاف  ظاهر  اللفظ  ويقتضي  تشتيت  الضمائر  بدون  دليل

– وهذا  القرب  خاص  بمن  يعبده  أو  يدعوه  وليس  عاماً  كالمعية  ؛ لأن  المعية  تنقسم  إلى  عامة  وخاصة  بورود  الأدلة  الدالة  على  ذلك 

وأما  القرب  فلم  يرد  وصف الله به على وجه مطلق ولا يرد  على ما  سبق  الإيراد  بقوله  تعالى : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16]

لأن  المراد  بالقرب  في  هذه  الآية  قرب ملائكته بدليل  قوله  تعالى : {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ } [ق:17]

ومثلها  قوله  تعالى : { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ } [الواقعة:83-85]

فإن المراد بهذه الآية  قرب  الملائكة  الذين  يقبضون  الروح

 

– ومن  فوائد  الآية   :

– إثبات  سمع  الله  لقوله  تعالى  : { أُجِيبُ } لأنه  لا  إجابة   إلا بعد  أن  يُسمع    ما  دعا  به 

– ومنها  : إثبات  قدرة  الله  لأن  إجابة  الداعي  تحتاج  إلى  قدرة 

– ومنها : إثبات  كرم  الله  لقوله  تعالى :

{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} وفي  الحديث :

(( إن  ربكم  حيي  كريم  يستحيي من  عبده   إذا  رفع   يديه  يدعوه   أن  يردهما  صِفرا  )) وهو  حديث  صحيح  من  حديث  سلمان  الفارسي  رضي الله عنه

ولا  يلزم  من  ذلك  أن  يعطي  السائل  مسألته  بعينها  لأن  الله  أعلم  بما  يصلح  عبده  فقد  يعجل  له  ما طلب 

وقد  يدّخر  له  أجره  وقد  يدفع  عنه  من  البلاء  بمثل  ما دعا  وبهذا  وردت  الأحاديث  الصحيحة

 

– ومن  فوائد  الآية :

 أن  الإنابة  إلى  الله  عز و جل  والقيام  بطاعته والاستجابة  لأوامره  سبب  للرشد 

لقوله  تعالى  : {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

وهذا  يدل  على  أن  الاستجابة  لابد أن  يصحبها   إيمان  بالله

لأن  الله  قرن  بينهما  فمن  تعبد  لله  سبحانه  وتعالى  وعنده  تردد  أو  شك  والعياذ  بالله  فإنه  لا  ينفعه

وكذلك من كان  عنده إنكار كما  يفعل المنافقون فإنهم  يتعبدون  إلى الله  عز  وجل  ظاهراً  ولكن  ليس  عندهم  إيمان فلا  ينفعهم 

 

– ومن  فوائد  الآية   :

– إثبات  الأسباب  والعلل وفي  ذلك  رد  على  الجهمية  ومن وافقهم   كالأشاعرة 

لأنهم  يقولون  : إن  الأسباب  لا تؤثر  بنفسها  ولكن  يكون  الفعل  عندها

 

والحمد  لله  أولا  وآخرا   وظاهرا  وباطنا وبهذا   تنتهي   هذه  السلسلة   المباركة : [ من فوائد  الصيام  وأحكامه ]

فالحمد  لله  الذي  هدانا   لهذا  وما  كنا  لنهتدي   لولا   أن   هدانا  الله ونسأل  الله    دوام   نعمة   الهداية   وشكرها ونسأله   برحمته   أن  يجعله  حجة  لنا   لا  علينا وينفعنا   بها   وكل   من  قرأها   واستفاد   منها   في  يوم  لا  ينفع   فيه  مال  ولا  بنون   إلا  من  أتى الله  بقلب  سليم

وصلى  الله  وسلم   على   عبده  ورسوله   محمد   وعلى   آله

1- هذه السلسلة المباركة تم نشرها في الفوائد  [  1435هـ   –   1436 هــ   –  1441هــ ] 

من فوائد الصيام وأحكامه