دروس في العقيدة
الشرك وأنواعه
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
الشرك في اللغة له معاني مختلفة .
وأما في الشرع فقال شيخ الإسلام – رحمه الله – : أصل الشرك أن تعدل بالله تعالى مخلوقاته في بعض ما يستحقه وحده .
وعرفه شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – بقوله :
هو أن يدعو مع الله غيره أو يقصده بغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها .
ويمكن أن يُعّرف بأنه :
مساواة غير الله بالله فيما هو من خصائص الله .
قال ابن القيم – رحمه الله – :
حقيقة الشرك هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به ، هذا هو التشبيه في الحقيقة فإن من خصائص الإلهية التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع ، وذلك يوجب تعليق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل به وحده ، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق وجعل ما لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فضلا عن غيره شبيها لمن له الأمر كله .
فأزمة الأمور كلها بيديه ومرجعها إليه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لا مانع لما أعطى ولا مُعطي لما منع .
بل إذا فتح لعبده باب رحمته لم يمسكها أحد وإن أمسكها عنه لن يرسلها إليه أحد .
فمن أقبح التشبيه تشبيه هذا العاجز الفقير بالذات القادر الغني بالذات .
وقال الشيخ السعدي – رحمه الله – :
حقيقة الشرك بالله أن يُعبد المخلوق كما يُعبد الله أو يُعظم كما يُعظم الله أو يُصرف له نوع من خصائص الربوبية والإلهية .
قال الله تعالى : { تاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَال مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ العالمِينَ } [1] .
وقال تعالى : { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [2] .
قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – :
إن أعظم ما نهى الله عنه الشرك وأعظم ما أوجبه التوحيد .
وأقسام الشرك متعددة فمن نظر إلى الشرك عموما فإنه يقسمه على حسب أنواع التوحيد الثلاثة فيقول :
شرك في الألوهية .
وشرك في الربوبية .
وشرك في الأسماء والصفات .
ومن نظر إلى شرك الألوهية فإنه يقسمه إلى أكبر وأصغر .
ومنهم من يقسمه إلى ثلاثة أقسام :
[ أكبر ، وأصغر ، وخفي ] وهذا هو المشهور .
وهذه كلها تقسيمات وأنواع بحسب مراد المتكلم منها وأوصلها بعضهم إلى أربعة عشر نوعا وبعضهم إلى أكثر من ذلك .
وقسمه ابن القيم – رحمه الله – فقال :
– شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله .
– وشرك في عبادته ومعاملته وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله .
والشرك الأول نوعان :
أحدهما : شرك التعطيل وهو أقبح أنواع الشرك .
الثاني : شرك من جعل مع الله إله آخر ولم يُعطل أسمائه وصفاته وربوبيته كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة .
وأما الشرك في العبادة فينقسم إلى مغفور وغير مغفور وأكبر وأصغر .
ثم فصل في أنواع الشرك التابعة لذلك وهي كالتالي :
– شرك في الأفعال كالسجود لغير الله والطواف بغير بيته .
– شرك في اللفظ كالحلف بغير الله وقول : ما شاء الله وشئت .
– شرك في الإرادة والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له .
وقسمه شيخ الإسلام ابن تيمية وتبعه ابن سعدي – رحمهما الله – إلى نوعين :
– شرك في الربوبية .
– وشرك في الألوهية .
فقال ابن سعدي : الشرك نوعان :
– شرك في ربوبيته تعالى كشرك الثانوية المجوس الذين يعتقدون مع الله خالقا .
– وشرك في ألوهيته كشرك سائر المشركين الذين يعبدون مع الله غيره ويصرفون له شيئا من العبادة ويشركون بينه وبين المخلوقين ويسوونهم بالله في خصائصه التي لا يُوصف بها غيره .
وأما أسباب الشرك :
فأول شرك حصل في بني آدم كان بسبب الغلو في الصالحين وقبورهم
وتصوير الصور والعكوف عليها .
قال شيخ الإسلام – رحمه الله – :
وأصل الشرك في بني آدم كان من الشرك بالبشر الصالحين المعظمين فإنهم لما مات أولئك الرجال الصالحون عكف أقوامهم على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ليتذكروا عبادتهم وصلاحهم ثم عبدوهم فهذا أول شرك كان في بني آدم .
وكان في قوم نوح عليه السلام فإن نوح عليه السلام هو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك كما قال تعالى : { وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيرًا } [3] .
وقال الشيخ السعدي – رحمه الله – عند ذكره لقصة نوح عليه السلام :
مكث البشر بعد آدم قرونا طويلة وهم أمة واحدة على الهدى ثم اختلفوا وأدخلت عليهم الشياطين الشرور المتنوعة بطرق كثيرة .
فكان قوم نوح عليه السلام قد مات منهم أناس صالحون فحزنوا عليهم .
فجاءهم الشيطان فأمرهم أن يصوروا تماثيلهم ليتسلوا بها وليتذكروا بها أحوالهم فكان هذا مُبتدأ الشر .
فلما هلك الذين صوروهم لهذا المعنى جاء من بعدهم قوم قد اضمحل العلم بينهم فقال لهم الشيطان :
إن هؤلاء ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا قد كانوا أولوكم – أي السلف منكم – يدعونهم ويستشفعون بهم وبهم يسقون الغيث وتزول الأمراض فلم يزل بهم حتى انهمكوا في عبادتهم على رغم نصح الناصحين .
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال : (( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني )) .
فهذا هو السبب في ضرورة معرفة الشرك وأنواعه حتى لا يقع المسلم في الشرك وهو لا يعلم .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (( لا تنقض عرى الإسلام عروة عروة حتى ينشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية )) .
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – :
إذا لم يعرف الإنسان من الشرك ما عابه القرآن وذمه وقع فيه وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية أو فوقه أو دونه أو شر منه فتنقض بذلك عُرى الإسلام ويعود المعروف منكرا والمنكر معروفا والبدعة سنة والسنة بدعة .
وهذا معنى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (( لا تنقض عرى الإسلام عروة عروة حتى ينشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية )) .
ومن هنا يتبين أن معرفة الشرك والحذر من الوقوع فيه والمحافظة على الدين والتوحيد وإذا عرف الشرك وظهر له بطلانه عرف ضده وهو التوحيد بل لا يعرف العبد حقيقة التوحيد وفضل التوحيد حتى يعرف ضده وهو الشرك .
الله أكبر والله المستعان .
والكفر والشرك قد يُطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله وهو اسم لمن لا إيمان له .
وقد يُفرق بينهما فيُخص الشرك بقصد الأوثان وغيرها من المخلوقات مع الاعتراف بالله فيكون الكفر أعم .
والشرك منه ما هو أكبر ومنه ما هو أصغر .
والشرك الأصغر هو ما أتى في النصوص أنه شرك ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر .
وعرفه الشيخ السعدي – رحمه الله – بأنه : كل وسيلة يُتوسل بها ويتطرق بها إلى الشرك الأكبر بشرط ألا يبلغ مرتبة العبادة أي لا يصل إلى مرتبة عبادة غير الله .
وذلك كالحلف بغير الله والرياء والتصنع للمخلوقين ونحو ذلك من الأقوال والأفعال المؤدية إلى الشرك في نهايتها .
وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – :
الشرك الأصغر هو كل عمل قولي أو فعلي أطلق عليه الشرع وصف الشرك ولكنه لا يُخرج من الملة .
وقالت اللجنة الدائمة في تعريف الشرك الأصغر بأنه :
كل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه
وجاء في النصوص تسميته شركا والدليل على ذلك من الكتاب قول الله تعالى : { واعْبُدُواْ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئا } [4] وقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ باللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا } [5] .
وهذا الدليل على أن الشرك أكبر من الكبائر فإن الكبائر تغفر وتكفر بمكفرات معلومة في الكتاب والسنة وأما الشرك فحتى لو كان صغيرا فلا يغفر إلا بالتوبة الصالحة الناصحة لله عز وجل منه .
ومن السنة حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر )) قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : (( الرياء يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جُزِيَ الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدوا عندهم جزاء )) أخرجه أحمد .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قال الله تبارك وتعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )) أخرجه مسلم .
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار )) أخرجه مسلم .
ويُعرف الشرك الأصغر بأمور منها :
– صريح النص عليه كقوله صلى الله عليه وسلم : (( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر )) قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : (( الرياء )) .
– أن يأتي منكرا غير مُعّرف فإذا جاء معرفا ب [ ال التعريف ] دل على أن المقصود به الشرك المخرج من الملة ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الرقى والتمائم والتولة شرك )) .
– ومن الشرك الأصغر ما يكون شرك أكبر بحسب قائله ومقصده فمثلا :
الحلف بغير الله تعالى في حد ذاته من الشرك الأصغر شرك الألفاظ ولكن إن قصد قائله تعظيم غير الله تعالى كتعظيم الله مثلا فهذا شرك أكبر .
والشرك الأصغر له أضرار عظيمة منها :
– أنه يدخل في عموم الوعيد الوارد في قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ باللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا } [6] .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – : يجب الحذر من الشرك مطلقا ؛ لأن العموم يحتمل أن يكون داخلا فيه الأصغر لأن قوله : { أَن يُشْرَكَ بِهِ } أن وما بعدها في تأويل مصدر تقديره : إشراكا به فهو نكرة في سياق النفي فتفيد العموم .
– ومن أضراره :
أنه يضاد الإخلاص ولا يتم التوحيد إلا بالإخلاص قال تعالى : { وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } [7] .
قال الشيخ السعدي – رحمه الله – :
فلا يتم للعبد توحيد حتى يتبرأ من الشرك كله جَليّهِ وخفيه ظاهره وباطنه الأقوال منه والأفعال وتكون أعماله كلها خالصة متبعا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
– ومن أضراره :
أنه يبطل ثواب العمل يقول تعالى في الحديث القدسي : (( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )) أخرجه مسلم .
وهناك فروق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر :
أولا : الشرك الأكبر لا يغفر الله لصاحبه .
وأما الأصغر فقد اختلف فيه :
– فقيل إنه تحت المشيئة .
– وقيل أن صاحبه إذا مات فلابد أن يعذبه الله عليه ولكن لا يُخلد في النار .
ثانيا : الأكبر محبط لجميع الأعمال .
وأما الأصغر فلا يحبط إلا العمل الذي قارنه .
ثالثا : أن الأكبر مخرج عن الملة .
وأما الأصغر فلا يُخرج منها ولذا فإن من أحكامه أن يُعامل معاملة المسلمين فيُناكح وتؤكل ذبيحته ويرث ويُورث ويُصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين .
رابعا : أن الشرك الأكبر صاحبه خالد مخلد في النار .
وأما الأصغر فلا يُخلد في النار إذا دخلها كسائر مرتكبي الكبائر .
قال الشيخ السعدي – رحمه الله – : اعلم أن الشرك الأكبر والشرك الأصغر يفترقان في أحكام كثيرة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع .
يفترقان في حدهما :
فأما الشرك الأكبر فهو صرف نوع من العبادة لغير الله تعالى فكل ما ثبت في الكتاب والسنة من العبادات إذا صرف العبد منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر .
وأما حد الشرك الأصغر :
فهو كل وسيلة يُخشى أن تُوصل صاحبها إلى الشرك الأكبر كالحلف بغير الله وكالرياء والسمعة وكالغلو في المخلوق الذي لا يصل إلى رتبة عبادته
فهذا هو أصل الفروق بينهما .
الفرق الثاني والثالث :
أن الشرك الأكبر محكوم على صاحبه بالكفر والخروج من الإسلام ومحكوم عليه أيضا بالخلود في النار وتحريم دخول الجنة .
وأما الشرك الأصغر فهو بخلاف ذلك في الحكمين فإنه لا يُحكم على صاحبه بالكفر ولا بالخروج من الإسلام ولا يُخلد في النار إذا لم يفعل مكفرا آخر .
فهذه الأحكام الثلاثة وما يترتب عليها من التفريعات المبنية عليها لم يختلف فيها أهل العلم لأن نصوص الكتاب والسنة فيها كثيرة قاطعة صريحة .
فأما حكم مرتكب الشرك الأصغر فقد تبين من الكلام السابق أن الشرك الأصغر لا يُخرج من الملة ولا يُخلد صاحبه في النار .
وقد ذكر العلماء في حكم مرتكبه قولين :
– القول الأول :
أن الشرك الأصغر لا يُغفر لصاحبه إلا بالتوبة لعموم الآية : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [8] وهذه الآية قال عنها بعض أهل العلم :
أنها تشمل كل شرك ولو كان أصغر كالحلف بغير الله فإن الله لا يغفره .
وأما بالنسبة لكبائر الذنوب كالخمر والزنى فإنها تحت المشيئة إن شاء الله غفرها وإن شاء أخذ بها .
وقد تكلم شيخ الإسلام عن هذه المسألة ولكن اختلف كلامه فيها قال الشيخ ابن عثيمين عن ذلك :
فمرة قال : الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر .
ومرة قال : الذي لا يغفره الله هو الشرك الأكبر .
وذكر أنه استدل على أن الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر بعموم قوله : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } [ وأن وما بعدها ] مؤول بمصدر تقديره [ شركا به ] وهو نكرة في سياق النفي فيفيد العموم .
وبالنظر إلى كلام شيخ الإسلام – رحمه الله – نجده يقول : وأعظم الذنوب عند الله الشرك به وهو سبحانه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .
والشرك منه ما هو جليل ودقيق وخفي وجلي .
ويقول بعبارة صريحة :
قد يقال الشرك لا يُغفر منه شيء لا الأكبر ولا الأصغر على مقتضى القرآن وإن كان صاحب الشرك يموت مسلما ولكن شركه لا يُغفر له بل يُعاقب عليه وإن دخل بعد ذلك الجنة .
والقول الثاني :
أن الشرك الأصغر داخل تحت المشيئة ويكون المراد بقوله : { أَن يُشْرَكَ بِهِ } الشرك الأكبر وأما الشرك الأصغر فإنه يُغفر لأنه لا يُخرج من الملة وكل ذنب لا يُخرج من الملة فإنه تحت المشيئة وهذا القول لا يقلل من أهمية الشرك الأصغر وخطره فصاحب الشرك الأصغر على خطر وهو أكبر من كبائر الذنوب قال ابن مسعود رضي الله عنه : (( لأن أحلف بالله كاذبا أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقا )) .
ويفهم من عبارات ابن القيم أن الشرك الأصغر تحت المشيئة حيث يقول – رحمه الله – : فأما نجاسة الشرك فهي نوعان :
– نجاسة مغلظة .
– ونجاسة مخففة .
فالمغلظة الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله فإن الله لا يغفر أن يشرك به
والمخففة فالشرك الأصغر كيسير الرياء .
ويقول : الشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه …. إلى أن يقول : وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء والتصنع للمخلوق .
وقد بحث العلامة السعدي – رحمه الله – هذه المسألة فقال – رحمه الله – :
من لحظ إلى عموم الآية يعني : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } وأنه لم يخص شركا دون شرك أدخل فيها الشرك الأصغر وقال إنه لا يغفر بل لابد أن يعذب صاحبه لأن من لم يُغفر له لابد أن يعاقب ولكن القائلين بهذا لا يحكمون بكفره ولا بخلوده في النار إنما يقولون يعذب عذابا بقدر شركه ثم بعد ذلك مآله إلى الجنة .
وأما من قال أن الشرك الأصغر لا يدخل في هذا الشرك المذكور في هذه الآية وإنما هو تحت المشيئة فإنهم يحتجون بقوله تعالى : { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ باللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاه النَّارُ } [9] .
فيقولون : كما أنه بإجماع الأمة أن الشرك الأصغر لا يدخل في تلك الآية
وكذلك لا يدخل في قوله تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ }[10] لأن العمل هنا مفرد مضاف فيشمل الأعمال كلها ولا يحبط الأعمال الصالحة كلها إلا الشرك الأكبر .
ويؤيد قولهم أن الموازنة بين الحسنات والسيئات التي هي دون الشرك الأكبر لأن الشرك الأكبر لا موازنة بينه وبين غيره فإنه لا يبقى معه عمل ينفع .
وقالوا إذا فارق الشرك الأكبر في تلك الأحكام السابقة فإنه لا يُحكم عليه بالكفر والخروج من الإسلام ولا بالخلود في النار فارقه في كونه مثل الذنوب التي دون الشرك وأنه تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ولأن مشاركته للكبائر في أحكامها الدنيوية والأخروية أكثر من مشاركته للشرك الأكبر ويؤيد قولهم أن الموازنة واقعة بين الحسنات والسيئات التي هي دون الشرك الأكبر .
لأن الشرك الأكبر لا موازنه بينه وبين غيره فإنه لا يبقى معه عمل ينفع
وأما السيئات التي دونه فيقع بينها الموازنة فمن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة بلا عذاب ومن رجحت سيئاته على حسناته استحق دخول النار بقدر ذنوبه .
ومن تساوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف الذين مآلهم إلى دخول الجنة .
ولكن الأولون قد يُجيبون على هذا بأنه قد يُعذب صاحب الشرك الأصغر قبل الموازنة إما في البرزخ وإما قبل ذلك أو بعده في عرصات القيامة .
فيقول الآخرون وكذلك الكبائر قد يُعذب صاحبها قبل الموازنة فتسقط الموازنة بها فلا يختص بذلك الشرك الأصغر .
ومن تأمل الأدلة من الكتاب والسنة أمكنه أن يعرف الراجح من القولين .
وقال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم – رحمه الله – :
ومن المعلوم بالضرورة من الدين المجمع عليه عند أهل السنة أن من مات على الشرك لا يدخل الجنة ولا يناله من الله رحمة .
ويخلد في النار أبد الآبدين وأن من مات لا يشرك بالله شيئا يدخل الجنة وإن جرت عليه قبل ذلك أنواع من العذاب والمحن .
وأما الشرك الأصغر كيسير الرياء وقول الرجل :
[ ما شاء الله وشئت ] .
[ ومالي إلا الله وأنت ] .
ونحو ذلك فيطلق عليه شركا منكر كما في حديث : (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )) ونحو ذلك لكن لا يخرج بذلك من الملة بالكلية ولا يستحق اسم الكفر على الإطلاق فهو أخف من الأكبر وقد يكون أكبر بحسب حال قائله ومقصده .
ويُخشى على صاحب الشرك الأصغر أن يأتي بعد ذلك بسيئات تنظم إلى ذلك الشرك فيكبر شركه الأصغر حتى ترجح به سيئاته فيدخل النار[11] .
قال شيخ الإسلام – رحمه الله – :
فإن قالها – يعني : لا إله إلا الله – على وجه الكمال المانع من الشرك الأصغر والأكبر فهذا غير مُصِّرٍ على ذنب أصلا فيُغفر له وَيَحرُمُ على النار
وإن قالها على وجه خلص به من الشرك الأكبر دون الأصغر ولم يأت بعدها بما يناقض ذلك .
فهذه الحسنة لا يقاومها شيء من السيئات فيرجح بها ميزان الحسنات كما في حديث البطاقة فَيَحرُمُ على النار لكن تنقص درجته في الجنة بقدر ذنوبه
وهذا خلاف من رجحت سيئاته حسناته ومات فإنه يستوجب النار وإن كان قال لا إله إلا الله وخلص بها من الشرك الأكبر ولكنه لم يمت على ذلك .
بل قالها وأتى بعدها بسيئات رجحت على هذه الحسنات .
فإنه في حال قوله لها مخلصا مستيقنا بها قلبه تكون حسناته راجحة ولا يكون مُصِّر على سيئة فإن مات قبل دخل الجنة ولكن بعد ذلك قد يأتي بسيئات راجحة ولا يقولها بالإخلاص واليقين المانع من جميع السيئات ومن الشرك الأكبر والأصغر بل يبقى معه الشرك الأصغر ويأتي بعد ذلك بسيئات تنظم إلى ذلك الشرك فترجح سيئاته فإن السيئات تُضْعِفُ الإيمان واليقين[12] .
فيضعف بسبب ذلك قول لا إله إلا الله فيمتنع الإخلاص في القلب فيصير المتكلم بها كالهاذي أو النائم أو من يُحسّن صوته بآية من القرآن يختبر بها من غير ذوق طعم ولا حلاوة فهؤلاء لم يقولوها بكمال الصدق واليقين بل قد يأتون بعدها بسيئات تنقص ذلك الصدق واليقين الضعيف فقد يقولونها من غير يقين وصدق تام ويموتون على ذلك ولهم سيئات كثيرة .
فالذي قالها بيقين وصدق تام إما أن لا يكون مُصِّراً على سيئة أصلا أو يكون توحيده المتضمن لصدقه ويقينه رَجّحَ حسناته .
والذين دخلوا النار قد فات فيهم أحد الشرطين :
إما أنهم لم يقولوها بالصدق واليقين التام المنافي للسيئات أو لرجحانها على الحسنات أو قالوها واكتسبوا بعد ذلك سيئات رجحت على حسناتهم فضعف لذلك صدقهم ويقينهم فلم يقولوها بعد ذلك بصدق ويقين يمحوا سيئاتهم أو يرجح حسناتهم فقول السلف في قوله : { مَن جَاء بالْحَسَنَةِ فَلَه عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [13] وقوله : { وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ }[14] .
هي قول : لا إله إلا الله كما قالوا وكما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قالها بصدق ويقين ومات على ذلك فإن هذا يكون قائم بالواجب وتكون حسناته راجحة والسيئة التي من جاء بها كب على وجهه في النار هي الشرك فإن الله لا يغفر أن يشرك به .
والموجبتان من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار وكثير من الناس أو أكثرهم يدخل في الإيمان والتوحيد ثم ينافق في جهة كسب الذنوب ورينها على القلوب أو يدخل في نوع من الشرك والنفاق
والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الشرك الأكبر : هو أن يجعل الإنسان لله ندا في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته .
وهو أعظم ما نهى الله عنه وأشد أنواع الظلم وأكبر الكبائر .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – :
الشرك الأكبر : وهو كل شرك أطلقه الشارع وكان متضمناً لخروج الإنسان عن دينه .
وقال الشيخ السعدي – رحمه الله – :
الشرك المناقض لتوحيد الألوهية نوعان :
١- جلي ظاهر مخرج من دائرة الإسلام وهو الشرك الأكبر وهذا النوع لا يقبل الغفران قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ باللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا }[15] .
وتفسيره أن يتخذ العبد لله ندا يحبه كمحبة الله أو يرجوه أو يخافه خوفه من الله أو يدعوه أو يصرف له نوعاً من أنواع العبادة الظاهرة والباطنة .
وفي هذا المقام لا فرق بين الملائكة والأنبياء والأولياء والصالحين والطالحين والأشجار والأحجار وغيرها فمن صرف لشيء منها نوعا من العبادة فهو مشرك كافر قد سواها بربه في هذا الحق الذي يختص به سبحانه فإن العبودية لا حق فيها لملك مُقَرّب ولا نبي مرسل ولا لغيرهما بل هم جميعا مفتقرون غاية الافتقار إلى تألههم وتعبدهم لله .
وقال – رحمه الله – :
حد الشرك الأكبر وتفسيره الذي يجمع أنواعه وأفراده أن يصرف العبد نوعاً أو فردا من أفراد العبادة لغير الله .
والأدلة من الكتاب قال الله عز وجل : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }[16] .
وقال تعالى : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }[17] .
وقال تعالى : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا }[18] .
وقال عز وجل : { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[19] .
وقال تعالى : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } [20] .
وقال تعالى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا }[21] .
وقال سبحانه : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[22] .
وأقسام الشرك الأكبر وأنواعه المتعلق بالألوهية والعبادة أربعة أنواع :
– النوع الأول :
شرك الدعوة ، والدليل قوله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [23] .
والنوع الثاني :
شرك النية وهي الإرادة والقصد والدليل قول الله تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [24] .
والنوع الثالث :
شرك الطاعة والدليل قوله تعالى : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [25] .
وتفسيرها الذي لا إشكال فيه
طاعة العلماء والعباد في المعصية
لا عبادتهم ودعاؤهم إياهم كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم لما سأله فقال : لسنا نعبدهم فذكر صلى الله عليه وسلم له أن عبادتهم طاعتهم في المعصية .
فمن أطاع المخلوقين في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله واعتقد ذلك بقلبه مع علمه بأنه مخالف للدين فقد اتخذهم أربابا من دون الله وأشرك به الشرك الأكبر .
والنوع الرابع :
شرك المحبة والدليل قول الله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ }[26] .
والشرك له أضرار عظيمة ومن أضراره :
١- أنه أعظم الظلم على الإطلاق كما قال الله عز وجل : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }[27]
٢- أنه يحبط العمل قال تعالى : { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[28] .
وقال تعالى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا }[29] .
وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[30] .
٣- أن صاحبه خالد مخلد في النار ولا يغفر الله له إلا بالتوبة قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ باللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا } [31] .
وقال تعالى : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } [32] .
٤- أنه حلال الدم والمال لقول الله تعالى : { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[33] .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله )) أخرجه البخاري ومسلم .
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله – :
وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه بلحاء جميع أشجار الحرم لم يكن ذلك أماناً من القتل إذا لم يكن تقدم له عقد ذمة من المسلمين أو أمان .
وقال ابن حجر : قال الخطابي :
معناه أن الكافر مباح الدم بحكم الدين قبل أن يُسلم فإذا أسلم صار مصان الدم
٥- وتحرم مناكحته لقول الله تعالى : { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا }[34] .
٦- كما تحرم ذبيحته لقوله تعالى : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ }[35] .
ويستثنى أهل الكتاب وحرائر نسائهم العفيفات وذبائحهم حلال لقوله تعالى :
{ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ }[36] .
٧- كما أن المشرك لا يرث ولا يُورث بل ماله لبيت المال ولا يُصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين .
ونوع آخر من الشرك وهو الشرك الخفي :
وهو أن يعمل الرجل لمكان الرجل ، وهو الرياء أيضا ، ولكن بينهما فروق من حيث الألفاظ .
قال الشيخ سليمان بن عبدالله :
سمي الرياء شركا خفيا لأن صاحبه يظهر أن عمله لله ويخفي في قلبه أنه لغيره وإنما تزين بإظهاره أنه لله بخلاف الشرك الجلي .
وفي حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه الذي تقدم في باب الخوف من الشرك تسميته بالشرك الأصغر .
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : (( كنا نعد الرياء على عهد رسول الله الشرك الأصغر )) أخرجه الطبراني والحاكم .
وهو كما علمنا غير مخرج من الملة ولكن تجب التوبة منه ، وهو النوع الثالث من أنواع الشرك والدليل من السنة في الحديث : (( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر )) فسئل عنه فقال : (( الرياء )) .
عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال : (( الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل )) قال قلنا : يا رسول الله وهل الشرك إلا ما عُبد من دون الله أو دُعي مع الله ؟ قال : (( ثكلتك أمك يا صديق الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل ألا أخبركم بقول يذهب صغيره وكبيره )) قلت : بلى يا رسول . قال : (( تقول كل يوم ثلاث مرات : اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم والشرك أن تقول : أعطاني الله وفلان والند أن يقول الإنسان : لولا فلان لقتلني فلان )) أخرجه أبو يعلى ، وهو في مجمع الزوائد وفيه إسناده مقال .
وفي رواية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال : (( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال )) قال : قلنا : بلى . قال : (( الشرك الخفي أن يقوم الرجل فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل )) أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه .
وهناك علاقة بين الشرك الخفي والشرك الأصغر :
– فبعض العلماء يجعل الشرك الخفي قسما مستقلا .
– وبعضهم يجعله من أقسام الشرك الأصغر .
وفي حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه الذي مر سمى الرياء الشرك الأصغر .
وقد جاءت نقول عن العلماء تبين أنه من الشرك الأصغر ذكر ذلك الإمام محمد ابن عبدالوهاب – رحمه الله – حين قال :
الثالثة : أي الرياء من الشرك الأصغر .
وقرر ذلك الشيخ سليمان بن عبدالله في تيسير العزيز الحميد .
وظاهر كلام السعدي – رحمه الله – أن الخفي مرادف للأصغر حيث قال : والشرك في توحيد الإلهية والعبادة ينافي التوحيد كل المنافاة وهو نوعان :
– شرك أكبر جلي .
– وشرك أصغر خفي .
وأما شيخنا الإمام شيخ الإسلام الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – فيرى أن الشرك الخفي قد يكون من الشرك الأكبر وقد يكون من الشرك الأصغر قال – رحمه الله – :
وهناك شرك يقال له الشرك الخفي ذكر بعض أهل العلم أنه قسم ثالث واحتج عليه بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ألا أنبئكم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال )) قالوا : بلى يا رسول الله قال : (( الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل إليه )) أخرجه الإمام أحمد .
والصواب أن هذا ليس قسماً ثالثاً ، بل هو من الشرك الأصغر .
وهو قد يكون خفيا لأنه يقوم بالقلوب كما في هذا الحديث وكالذي يقرأ يرائي ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يرائي أو يجاهد يرائي أو نحو ذلك .
وقد يكون خفيا من جهة الحكم الشرعي بالنسبة لبعض الناس كالأنواع التي في حديث ابن عباس السابق .
وقد يكون خفيا وهو من الشرك الأكبر كاعتقاد المنافقين فإنهم يراءون بأعمالهم الظاهرة وكفرهم خفي لم يظهروه كما في قوله تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ }[37] والآيات في كفرهم كثيرة نسـأل الله العافية .
وبما ذكرنا يُعلم أن الشرك الخفي لا يخرج عن النوعين السابقين شرك أكبر وشرك أصغر وإنما سمي خفيا فالشرك يكون خفيا ويكون جليا .
والجلي دعاء الأموات والاستغاثة بهم والنذر لهم ونحو ذلك .
والخفي ما يكون في قلوب المنافقين يصلون مع الناس ويصومون مع الناس .
وهم في الباطن كفار يعتقدون جواز عبادة الأوثان والأصنام وهم على دين المشركين ، فهذا هو الشرك الخفي لأنه في القلوب .
وهكذا الشرك الخفي الأصغر الذي يقصد بقراءته ثناء الناس أو بصلاته أو بصدقته أو ما أشبه ذلك .
فهذا شرك خفي ولكنه شرك أصغر ، والأول شرك أكبر وإن كان خفيا .
فاتضح بهذا أن الشرك شركان : [ أكبر وأصغر ] .
وكلا منهما يكون خفياً كشرك المنافقين وهو أكبر .
ويكون خفياً أصغر كالذي يقوم يرائي في صلاته أو صدقته أو دعوته إلى الله أو أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أو نحو ذلك .
انتهى كلام سماحة الإمام الوالد قدس الله روحه وضريحه وأسكنه الفردوس الأعلى .
وهناك شرك آخر وهو شرك التسمية : وهو تعبيد الاسم لغير الله .
فهو حرام وشرك منافي لكمال التوحيد قال تعالى : { فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [38] .
ومعناه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما تغشاها فأتاها إبليس فقال : إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعيني أو لأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه ولأفعلن ، ولأفعلن فخوّفهما ، سمياه عبد الحارث فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً ثم حملت فأتاهما فقال مثل قوله فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً ثم حملت فأتاهما فذكر لهما فادركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث فذلك قوله : { جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا } .
وهذا الأثر وإن ذكره بعض العلماء في تفسير هذه الآية إلا أنه غير صحيح لا يصح عن آدم وحواء ولكنهم من ذريتهما .
قال عكرمة – رحمه الله – : ما أشرك آدم ولا حواء ولكن من ذريتهما كان لا يعيش لهما ولد فأتاهما الشيطان فقال إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبدالحارث فهو قوله : { جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا } .
للأسف الشديد أن كثير من أئمة السلف ذكروا هذا ولكن لا يصح أنه في آدم وحواء وإنما هو في بعض ذريتهما ، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله .
قال ابن كثير – رحمه الله – : وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء
وكذلك قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – : ولا يُلتفت إلى غير ذلك – أي إلى غير ما قال الحسن البصري – مما قيل أن آدم وحواء كان لا يعيش لهما ولد فأتاهم إبليس فقال : إن أحببتما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبدالحارث فإن الله سبحانه اجتباه وهداه فلم يكن ليشرك به بعد ذلك هذا هو الحق .
تم والحمد لله وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة الشعراء الآيات [ 97 – 98 ] .
11- قد يرى بعض من يقرأ الموضوع السابق أن فيه تكرار ولف ونشر ولكن أحببنا أن نستوفي أقوال الأئمة حتى تترسخ القواعد ويعرف منزع كل قائل في قوله الذي اختاره وقاله .
12- هذه العبارة أشكلت على بعض الإخوة في الفوائد ، والمقصود : أنه إن قال كلمة التوحيد مخلصا موقنا ثم مات بعد قولها مباشرة دخل الجنة ولكن إن بقي فتلبس بشيء مما يناقضها أو يضعف إخلاصه ويقينه استوجب النار .
13- سورة الأنعام الآية [160] .
23- سورة العنكبوت الآية [65] .
35- سورة الأنعام الآية [121] .