دروس صيف عام 1427هـ
الدرس الحادي عشر
شرح حديث
: (( هل رأى أحد منكم رؤيا … ))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين ……………………………. أما بعد :
فقد اخترنا لكم اليوم حديثاً عظيماً من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو مما أوحاه الله إليه في النوم ، أي أنها رؤيا ورؤيا الأنبياء وحيٌ من الله عز وجل .
وقد أخرج هذا الحديث الإمام البخاري والإمام أحمد مطولاً ، وأما الإمام مسلم فأخرجه مختصراً .
وسنقرأ عليكم لفظه كاملاً كما أخرجه الإمام البخاري – رحمه الله – حيث قال : حدثني مؤمل ابن هشام أبو هشام ، حدثنا : إسماعيل بن إبراهيم : حدثنا عوف : حدثنا أبو رجاء : حدثنا سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني – مما يكثر أن يقول لأصحابه : (( هل رأى أحد منكم من رؤيا ؟ )) . قال : فيقص عليه من شاء الله أن يقص ، وإنه قال ذات غداة : (( إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما ابتعثاني ، وإنهما قالا لي : انطلق ، وإني انطلقت معهما ، وإنا أتينا على رجل مضطجع ، وإذا آخر قائم عليه بصخرة ، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر ها هنا ، فيتبع الحجر فيأخذه ، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى .
قال : قلت لهما : سبحان الله ما هذان ؟ قال : قالا لي : انطلقِ انطلق .
قال : فانطلقنا ، فأتينا على رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه – قال : وربما قال أبو رجاء فيشق – قال : ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل مثل مل فعل المرة الأولى .
قال : قلت : سبحان الله ما هذان ؟ قال : قالا لي : انطلقِ انطلق .
فانطلقنا ، فأتينا على مثل التنور – قال : وأحسب أنه كان يقول – فإذا فيه لغط وأصوات ، قال : فاطلعنا فيه ، فإذا فيه رجال ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا .
قال : قلت لهما : ما هؤلاء ؟ قال : قالا لي : انطلقِ انطلق .
قال : فانطلقنا ، فأتينا على نهر – حسبت أنه كان يقول – أحمر مثل الدم ، وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة ، فيفغر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ، ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا .
قال : قلت لهما : ما هذان ؟ قال : قالا لي : انطلقِ انطلق .
قال : فانطلقنا ، فأتينا على رجل كريه المرآة ، كأكره ما أنت راءِ رجلاً مرآةً ، فإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها .
قال : قلت لهما : ما هذا ؟ قال : قالا لي : انطلقِ انطلق .
فانطلقنا ، فأتينا على روضة معتمة ، فيها من كل لون الربيع ، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل ، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء ، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط .
قال : قلت لهما : ما هذا ما هؤلاء ؟ قال : قالا لي : انطلقِ انطلق .
قال : فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة ، لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن .
قال : قالا لي : ارق فيها ، قال : فارتقينا فيها ، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة ، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها ، فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء ، وشطر كأقبح ما أنت راء .
قال : قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر ، قال : وإذا نهر معترض يجري كأن ماءهُ المحض في البياض ، فذهبوا فوقعوا فيه ، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة .
قال : قالا لي : هذه جنة عدن وهذاك منزلك ، قال : فسما بصري صعدا ، فإذا قصر مثل الربابة[1] البيضاء .
قال : قالا لي : هذاك منزلك ، قال : قلت لهما : بارك الله فيكما ذراني فأدخله .
قالا : أما الآن فلا ، وأنت داخله .
قال : قلت لهما : فإني قد رأيت منذ الليلة عجباً ، فما هذا الذي رأيت ؟
قال : قالا لي : أما إنا سنخبرك ، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة .
وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته ، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق .
وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور ، فإنهم الزناة والزواني .
وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة ، فإنه آكل الربا .
وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها ، فإنه مالك خازن جهنم
وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة )) .
قال : فقال بعض المسلمين : يا رسول الله وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( وأولاد المشركين )) .
وأما القوم الذين كانوا شطرٌ منهم حسناً وشطراً منهم قبيحٌ ، فإنهم قومٌ خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم ))[2] .
هذا الحديث العظيم قد اشتمل على عدة مسائل
*- فأول هذه المسائل : أن رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حق وأنها وحيٌ من الله قالت عائشة رضي الله عنها : (( أول ما بُـدئ بهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الـرؤيـا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء وكان يخلو بغار حِرَاءٍ ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ – وهو التعبد – …. ))[3] .
ومن ذلك رؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما رأى أنه يذبح ولده فإنه امتثل لأمر ربه قال تعالى : {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [4] فعلم أن هذا أمر من الله تعالى ؛ لأن رؤيا الأنبياء وحيٌ من الله تعالى .
وأما الرؤيا الصالحة فهي بالنسبة لبقية الناس جـزء من ست وأربعين جزء من النبوة وهي المبشرات التي تبقى للناس بعد انقطاع النبوة قال صلى الله عليه وسلم : (( لم يبق من النبوة إلا المبشرات )) . قالوا : وما المبشرات ؟ قال (( الرؤيا الصالحة ))[5] .
وهو عند الإمام أحمد بلفظ : (( لا يبقى بعدي من النبوة شيءٌ إلا المبشرات )) قالوا : يا رسول الله وما المبشرات ؟ قال : (( الرُّؤْيَا الصَالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ ، أو تُرى لَهُ ))[6] .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح ، جزءٌ من ستةٍ وأربعينَ جزءاً من النبوةِ ))[7] .
وفي رواية : (( رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ))[8] .
وهذا الحديث متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد رواه بهذا اللفظ في الصحيحين عدد من الصحابة أبو هريرة وعبادة ابن الصامت وأنس وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم .
وورد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الرؤيا الصالحة جزءٌ من سبعينَ جزءاً من النبوة ))[9] وهذا على اختلاف الرائين ، وكلما كان الرجل أصدق في حديثه كان أصدق في الرؤيا فأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً ، وفي آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمنين تكذب ، فقد أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ لم تَكَدْ رُؤيا المسلمِ تكذبُ ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً … ))[10] وهو حديث صحيح .
لماذا الرؤيا كانت جزء من ست وأربعين جزء من النبوة ؟
لأن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم كانت ثلاثاً وعشرين سنة واستمرت الرؤيا الصالحة في النوم قبل نزول الملك ستة أشهر فإذا قسمت ثلاثاً وعشرين سنة على ستة أشهر نتج عن ذلك ست وأربعون .
والرؤيا منها ما هو حق ومنها ما هو باطل ، فالرؤيا الباطلة هي من الشيطان يخوف بها المؤمن أو يحزنه .
وهناك الأحلام وهي حديث النفس وما يشغل ذهن الإنسان وما يحدث به نفسه في يومه وليلته فقد يراه في منامه
فليس كل ما يراه الإنسان في منامه رؤيا أو أنها تحتاج إلى تعبير أو عرض على المعبرين .
ولذلك لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إني رأيت رأسي ضرب فرأيته يتدهده . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يَعْمِدُ الشَّيْطَانُ إِلى أَحَدِكُمْ فَيَتَهَوَّلُ لَهُ ثُمَّ يَغْدُو يُـخْبِرُ النَّاسَ ))[11] .
وفي هذا الزمان اشتغل كثير من الناس بالرؤى والأحلام وتركوا الواجبات أو قـصروا فيما أمرهم به من الأعمال الصالحات أو ترك المحرمات ، واشتغلوا بالأحلام فأرهقهم الشيطان وأشغلهم بها وجعلوا همهم البحث عن المعبرين وعرض هذه الأحلام عليهم ، مع أن أكثرها كما سبق أحاديث نفس أو تلاعب من الشيطان .
وقد فاقم هذه الظاهرة ورسخها عند الجهلة تفرغ أناس لتفسير أحلام ورؤى الناس مع أن بعضها كذب واضح بين ، وأكثر هؤلاء الذين يدعون تعبير الرؤى جهلة مخلطون فهم في الحقيقة يقولون مالا يعلمون ويدعون دعاوى باطلة ويتجرأون على الكلام في النبوة نور من الله ، وبعض الرائين يكذبون فر رؤاهم ، ونسي أولئك القوم أن الكذب في الرؤيا حرام لا يجوز وأنه من كبائر الذنوب ، فقد أخرج البخاري – رحمه الله – في صحيحه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن من أفرى الْفِرَى أن يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَـمْ يَرَ ))[12] .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ تَـحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَـمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ [13] ))[14] .
فعلى المسلم أن يتقي الله في أجزاء النبوة ، وعلى من يحاول أن يعبر الرؤى أن يتقي الله ؛ لأن القول في الرؤى مثل القول في القرآن أو الحديث والقول فيها قول على الله عز وجل فمن قال فيها بغير علم فهو ممن يقول على الله بغير علم .
وقد ورد في هذا الحديث قصة الرجل الذي يـشر شر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ، وسبب تعذيبهم بذلك العذاب هو اجتراهم للكذب ونشـره بين الناس ، وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه عند الطبراني في الأوسط بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ……….. فانطلقنا فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم فقلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يقولون مالا يعلمون … )) الحديث[15] .
وقد نص القرآن على خطورة هذا الأمر وأن هذا من أعظم مقاصد الشيطان أن يقول الإنسان على الله بغير علم فقال تعالى : {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[16] ولما بين الله تعالى ما حرمه في كتابه بدأ بالكبائر ثم انتهى بالعظائم فقال عز وجل : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[17] .
فالقول على الله بغير علم أمر عظيم خطير ، ولو تأملت فإن أعظم الذنوب وهو الإشراك بالله نتاج من نتاج القول على الله بغير علم .
والعجيب أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يعبرون الرؤى إلا أشخاص معدودين ولم يكن منهم كبار الصحابة رضي الله عنهم فأبو بكر رضي الله عنه كان نادراً ما يعبر رؤيا بل كان إذا رأى رؤيا ذهب إلى أسماء بنت عميس رضي الله عنها فيعرض عليها الرؤيا فتعبرها .
وكذلك عمر وعلي وعثمان وكبار الصحابة رضي الله عنهم وعلماؤهم وفقهاؤهم لم يكونوا مشهورين بتعبير الرؤى .
وأيضاً فإن الناس لم يكونوا مفتونين بالرؤى والأحلام مثلما هو حاصل الآن ولكن هكذا عندما يتخلف الناس عن أمر لله ويقصرون فيما أوجب الله من الفرائض فإنهم يتعاطون الأمور التي لا تنفع أو منفعتها ضئيلة .
والرؤى تكون أحياناً تحذيراً وتنبيهاً ، وأحياناً تكون بشارة وأحياناً تكون من حديث النفس فكون الإنسان يشغل تفكيره بالرؤى ويحرص على تعبير كل ما يراه في منامه فهذا ليس من هدي السلف من الصحابة ومن تبعهم بإحسان ، وهو من إشغال الفكر والوقت وتضييعه فيما لا فائدة منه .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم آداب الرؤيا ففي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( إِذَا رَأى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُـحِبُّهَا ، فَإِنَّمَـا هِيَ مِنَ الله ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا ، وِإِذَا رَأى غَيْرَ ذَلكَ مِـمَّـا يَكْرَهُ ، فَإِنَّمَـا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا ، وَلا يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ ، فَإِنَّها لا تَضُرُّهُ ))[18] .
وينبغي للمسلم ألا يخبر بالرؤيا إلا عالم أو ناصح ؛ لأن الرؤيا على ما تعبر فقد تكون رؤيا خير فتعبر شراً فيقع الشر ، وقد تكون رؤيا شر فتعبر بخير فيقع الخير ومن ذلك ما أخرجه الدارمي – رحمه الله – في سننه سنن الدارمي عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كانت امرأة من أهل المدينة لها زوجٌ تاجرٌ يَـخْتَلِفُ ، فكانت تَرَى رؤيا كلما غاب عنها زوجها ، وَقَلَّمَـا يغيبُ إلا تركها حاملاً فتأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول : إن زوجي خرج تاجراً فتركني حاملاً فرأيت فيما يرى النائمُ أن سارية بيتي انكسرت وأني ولدت غلاماً أعوراً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خيرٌ يرجعُ زَوجُكِ عَلَيْكِ إن شاء الله تعالى صَالحاً وتَلِدينَ غلاماً براً )) فكانت تراها مرتين أو ثلاثا كل ذلك تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ذلك لها فيرجع زوجها وتلد غلاماً ، فجاءت يوماً كما كانت تأتيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائبٌ وقد رأت تلك الرؤيا ، فقلت لها : عَمَّ تَسْألينَ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يا أمَةَ الله ؟ فقالت : رؤيا كنت أراها فآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأَسألَهُ عنها فيقول : (( خيراً )) فيكون كما قال ، فقلت : فأخبريني ما هي ؟ قالت : حتى يأتيَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْرِضُهَا عليه كما كُنتُ أعرض ، فوالله ما تركتها حتى أخبرتني . فقلت : والله لئن صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ ليموتن زَوْجُكِ وَتَلِدينَ غُلاماً فاجراً ، فَقَعَدَتْ تبكي وقالت : ما لي حِينَ عَرَضْتُ عَليكِ رُؤْيَايَ ، فَدَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال لَـهَا : (( ما لها يا عائشةُ ؟ )) فَأَخْبَرْتُهُ الخبرَ وَمَا تَأَوَّلَتُ لَـهَا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَهْ يا عائشةُ إِذَا عبرتم لِلْمُسْلِمِ الرُّؤْيَا فَأُعْبِرُوهَا عَلَى الْـخَيْرِ ، فَإِنَّ الرُّؤْيَا تَكُونَ عَلَى مَا يُعبِّرُها صَاحِبُهَا )) فمات والله زَوْجُهَا وَلاَ أَرَاهَا إِلا وَلَدَتْ غُلاماً فَاجِرَاً .
انظر سنن الدارمي كتاب : الرؤيا – باب : في القميص والبير واللبن والعسل والسمن والتمر وغير ذلك في النوم برقم (2209) وإسناده رجاله ثقات ، ولكن فيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس ، وقد حسنه الحافظ في الفتح (16/407) شرح الحديث رقم (7046) في باب : من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يُصب حيث قال : وعند الدارمي بسند حسن عن سليمان بن يسار عن عائشة … فذكره
فانظر إلى جناية الإنسان إذا تعاطا مالا يحسن ، أو كان بصره قليل لأن هذا من نور البصيرة أو عمى البصيرة ، فمن عمى البصيرة أن يهرف الإنسان بما لا يعرف ومن عمى البصيرة أن يتكلم بالكلام السوء .
فأما نور البصيرة فإن الإنسان لو علم شراً فإنه يتكلم بخير .
وانظر إلى ما يمكن أن يجني الجاهل على غيره وما يمكن أن يجني الإنسان الجاهل على نفسه عندما يسأل من لا يحسن تعبير الرؤى .
وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأينا ما نكره أن نتعوذ بالله منها ومن شرها ومن شر الشيطان وأن ينفث على شماله ثلاثاً ويتحول إلى الجانب الآخر ولا يخبر بها أحداً فإنها لا تـضره ، ولو قام وتوضأ وصلى ركعتين فإنها لا تـضره خاصة إذا لزم الصمت ولم يخبر بها أحداً .
والرؤيا سواءً كانت صالحة أو غير ذلك فهي على رجل ملك لا تقع حتى تعبر قال صلى الله عليه وسلم : (( الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَـمْ تُعَبَّرْ ، فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ … ))[19] .
فمن التزم بهذه الآداب الشرعية فإن الرؤيا لا تضره بإذن الله تعالى .
كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لأصحابه : (( هل رأى أحد منكم من رؤيا ؟ )) فيعرضون عليه رؤاهم فيعبرها عليه الصلاة والسلام فتقع كما يعبرها ؛ لأنه يتكلم بوحي من الله تعالى ولا ينطق إلا بالحق عليه الصلاة والسلام .
ومن ذلك قصة ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنت غلاماً شاباً عزباً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكنتُ أبيتُ في المسجدِ ، وَكانَ مَنْ رَأى مَنَاماً قَصَّهُ على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلتُ : اللهمَّ إِنْ كَانَ لِي عِنْدَكَ خيرٌ فَأرِنِي مَنَاماً يُعَبِّرُهُ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم . فنمتُ فَرَأيتُ مَلَكَيْنِ أَتَيَاني فَانْطَلَقَا بي ، فَلَقِيَهُمَـا مَلكٌ آخرُ ، فَقَالَ لي : لن تُراعَ ، إِنَّكَ رَجُلٌ صالحٌ . فانطلقا بي إلى النَّارِ ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ ، وَإِذَا فَيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُ بعضهم ، فأخذا بي ذاتَ اليمينِ . فلمَّـا أصبحتُ ذَكَرتُ ذلك لحفصةَ ، فزعمتْ حفصةُ أّنَّها قَصتهَا عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( إِنَّ عبدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ ، لَوْ كَانَ يُكْثِرُ الصَّلاةَ مِنَ اللَّيْلِ )) فكان عبدالله بعد ذلك لا يترك قيام الليل لا في الحضر ولا في السفر [20] .
وأما غير النبي صلى الله عليه وسلم فقد يصيب وقد يخطئ ومن ذلك قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كما في صحيح البخاري : أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يحدث : أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الليلة في المنام ظُلَّةً تَنْطُفُ السَّمْنَ والعَسَلَ ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ منها ، فالـمُسْتَكْثِرُ والـمُسْتَقِلُّ ، وَإِذَا سَبَبٌ وَاصلٌ من الأرض إلى السماءِ ، فأرَاكَ أَخَذْتَ به فَعَلَوْتَ ، ثم أخذ به رجلٌ آخرُ فعلا به ، ثم أخذ به رجلٌ آخرُ فعلا به ، ثم أخذ به رجلٌ آخرُ فانقطع ثم وصلَ . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، بأبي أنت ، والله لَتَدَعَنِّي فَأعْبُرَهَا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اعْبُرْهَا )) . قال : أما الظلة فالإسلام ، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن ، حلاوته تنطف ، فالمستكثر من القرآن والمستقل ، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه ، تأخذ به فَيُعْلِيكَ اللهُ ، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به ، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ، ثم يُوَصَّلُ له فيعلو به ، فأخبرني يا رسول الله ، بأبي أنت أصبت أم أخطأت ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أصبت بعضاً وأخطأتَ بعضاً )) . قال : فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأتُ . قال : (( لا تقسم ))[21] .
فإذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو أعلم الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أصاب بعضاً وأخطأ بعضاً فغيره من باب أولى .
فعلى المسلم أن لا يشغل نفسه بما يرى ولا يعرض رؤاه على أي أحد فلا يستعجل البلاء على نفسه ، وقد كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يرى الرؤيا فيمرض لها أياماً حتى أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمخرج من هذا ، وأنه متى رأى رؤيا يكرهها فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وينفث عن شماله ولا يخبر بها أحداً فإنها لا تضره .
وأما هذا الحديث فله مثيلات وهي من الوحي الذي يوحيه الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وقد عرضها على أصحابه واخبرهم بها ، ومن أمثاله ما أخرجه الإمام الترمذي – رحمه الله – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة ، – قال : أحسبه في المنام – فقال : يا محمد ! هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قال : قلت : لا . قال : فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثدييَّ – أو قال : في نحري – فعلمت ما في السماوات وما في الأرض ، قال : يا محمد ! هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : نعم ، في الكفارات ( والكفارات المكث في المساجد بعد الصلاة ) والمشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في المكاره ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير ، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه. وقال : يا محمد ! إذا صليت فقل : اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات وحب المساكين ، وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضني إليك غير مفتونٍ ، قال : والدرجات إفشاءُ السلام ، وإطعام الطعام ، والصلاةُ بالليلِ والناسُ نيام ))[22] .
فهذه الأعمال التي يكفر الله بها الخطايا ، ولذلك قال : (( الكفارات )) أو يرفع بها الدرجات ولذلك قال : (( والدرجات )) هذا الذي يختصم فيه الملأ الأعلى أي يتكلمون فيه ويتحدثون فيه ويذكرونه .
فأمر هو حديث الملأ الأعلى ينبغي أن يكون هو هم المسلم الذي يريد رفعة الدرجات وتكفير السيئات فيشتغل بها لأنها أنفع له ، والعجيب أن الناس تركوا الكفارات والدرجات واشتغلوا بالرؤى والأحلام .
قوله صلى الله عليه وسلم : (( أتاني الليلة آتيان )) :
الآتيان هما ملكان كما ورد في رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم : (( رأيت الليلة رجلين أتياني ، قالا : الذي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ ، وأنا جِبْرِيلُ وَهَذَا مِيكَائِيلُ ))[23] فهمـا ملكان كريمـان جبريل وميكائيل عليهما الصلاة والسلام .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( وإنهمـا ابتعثاني )) أي : رأى أنهمـا أيقظاه من النوم مع أنه لم يستيقظ ولكن هكذا رأى .
وقلنا أن رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحي وأنها حق لأن الشيطان ليس له سبيل على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
قوله صلى الله عليه وسلم : (( … وإذا آخر قائم عليه بصخرة ، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه … )) وفي رواية : (( أنه إذا رماه بالصخرة يخلع رأسه )) .
وهذا أحد المعذبين الذين رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أخبر الملكان النبي صلى الله عليه وسلم بسبب تعذيب هذا الرجل فقالا : (( فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة )) .
فقوله : (( يأخذ القرآن )) أي : رزقه الله القرآن ولكنه لـم يرفع بالقرآن رأسه بل خالف أوامر القرآن فلم يعرف قدر هذه النعمة التي تفضل الله بها عليه فـرفض أحكام القرآن ، فكل من خالف القرآن بعد علمه به فيخشى عليه أن يدخل في هذا الوعيد والتهديد وأنه يعذب بهذا العذاب الأليم .
وعذاب القبر من عذاب الآخرة وهو أفظع من عذاب الدنيا وأشد ولذلك ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه ))[24] .
وفي هذا دليل على أن عذاب القبر حق ، وقد دل القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة على هذه المسألة ، وأجمع أهل السنة والجماعة على أن عذاب القبر حق وأن من أهل الذنوب من يعذب في قبره .
فالواجب على من أخذ القرآن أن يعمل بمحكمه وأن يؤمن بمتشابهه وأن يرد المتشابه إلى الله عز وجل أو إلى عالمه ويحل حلاله ويحرم حرامه ويصدق أخباره ويخضع لأوامره .
وهذا ليس خاصاً بمن يحفظ القرآن كاملاً بل من حفظ آية من كتاب الله تعالى وجب عليه العمل بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً … ))[25] .
وقوله : (( وينام عن الصلاة المكتوبة )) وهذا يدخل في عدم العمل بالقرآن ولكنه خص الصلاة المكتوبة لعظيم أمرها وشدة خطرها فهي أعظم فرائض الدين بعد توحيد الله والإيمان به وهي من الإيمان بنص القرآن ، قال الله تعالى : {وما كان الله ليضيع إيمانكم } يعني صلاتكم إلى بيت المقدس .
فإذا نام عنها فهذا يدل على تهاونه بأعظم ما فرض الله على عباده .
وقوله : (( يشرشر شدقه … )) فهو كذاب يتعاطا الكذب والكذب من أعظم المحرمات عند الله عز وجل ولذلك فإن الكذب ليس من أخلاق المؤمنين فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم :
أيكون المؤمن جباناً ؟ فقال : (( نعم )) .
فقيل له : أيكون المؤمن بخيلاً ؟ فقال : (( نعم )) .
فقيل : أيكون المؤمن كذاباً ؟ فقال : (( لا ))[26] .
فالكذب مناقض للإيمان فلا يجتمعان ، فإذا رأيت الرجل يكذب فابتعد عنه واحذر منه ؛ لأنه لا خير فيه وهذا دليل على نفاقه أعاذنا الله وإياكم من النفاق .
والكذب كله حرام وهو من كبائر الذنوب وقد عدّه النبي صلى الله عليه وسلم من خصال المنافقين قال صلى الله عليه وسلم : (( آيَةُ الـمُنَافِقِ ثَلاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُـمِنَ خَانَ ))[27] .
فإذا نظرت إلى هذه الخصال الثلاث وجدت أن الجامع بينها الكذب فإن خُلف الوعد كذب وخيانة الأمانة كذب فجامعة الشر الكذب .
فإذا استحكم على الإنسان الكذب استحكم عليه الخبث ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( … فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلى النَّارِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرّىَ الكَذِبَ[28] حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّاباً ))[29] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( أربعٌ من كُنَّ فيه كانَ منافقاً خالصاً ، وَمَنْ كانتْ فيه خصلةٌ منهنَّ كانتْ فيه خصلةٌ من النفاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ))[30] .
وهناك ثلاثة مواطن لا يعد الكلام فيها كذباً :
*- ما كان في الخير والإصلاح كالإصلاح بين المتخاصمين شريطة أن يكون بقصد الإصلاح لا الكذب .
*- وكذلك كلام الرجل مع زوجته من باب تطييب قلبها والإحسان إليها .
*- وكذلك في الحرب فإن الحرب خدعة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورّى بغيرها .
والإنسان قد يكذب أحياناً يريد الخلاص فيكون فيها هلاكه ولو لم يكن من ذلك إلا أنه يكتب عند الله كذابا .
فالكذب من الجرائم العظام ، ولذلك أمر الله عباده أن يكونوا مع الصادقين فقال تبارك وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[31] .
فهذا الذي يغدو من بيته فيكذب الكذبة ، صورته كصورة الذي يتوجه من بيته ليكذب فهذا عمله .
قوله صلى الله عليه وسلم : (( تبلغ الآفاق )) تأمل الآن وسائل الإعلام الهدامة عملها الكذب فتجد بعض الصحفيين يغدو من بيته ليكذب ، فهو متوعد بهذا العذاب الأليم المذكور في هذا الحديث .
وورد في حديث أبي أمامة رضي الله عنه عند الطبراني : (( … فانطلقنا فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم فقلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يقولون مالا يعلمون … )) فهذا في مضمونه يدخل فيه الكذب فإنه إذا قال مالا يعلم فقد تعاطا الكذب ، وقد يصل الأمر به أن يقول في شرع الله مالا يعلم فيحلل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله وهذا أعظم الخطر والضرر على نفسه وعلى الآخرين .
وقوله : (( وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور ، فإنهم الزناة والزواني )) أي : الذين يتعاطون الزنا ويموتون من غير توبة إلى الله عز وجل ولم تقم عليهم الحدود الشرعية فهم يعذبون هذا العذاب الأليم .
وقوله : (( … وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا )) .
انظر في العذاب كيف يأتيهم من أسفل منهم فهو مناسب لحالهم أي من المكان الذي تعاطوا منه المحرمات فسلط الله عليهم العذاب من أسفل منهم .
والزنا من أعظم المحرمات وقد قرنه الله في القرآن بالشرك ودعوت غير الله وقتل النفس التي حرم الله ، فقال تعالى : {والذين لا يدعون مع اله إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما }[32] .
وكلما كان الزنى في الأقرب كان عند الله أشنع وأشد عقوبة ، فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أعظم الذنوب عد منها : الزنا بحليلة الجار ، فروى الإمام مسلم – رحمه الله – في صحيحه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ ؟ قَالَ : (( أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ )) قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ ، قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : (( ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ )) قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : (( ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ )) .
فالجار أخ في الدين وشريك في بناء المجتمع ومعاون على فعل الخير والبر والتقوى
فإذا فسدت العلاقة بين الجيران ودب الفساد فيما بينهم انقطعت أواصر الإخاء والتعاون على الخير ، وحل بدلا عنها الشحناء والبغضاء وهذا انحلال عقد الأمة واضمحلالها وهلاكها .
وقد أوصى الله بالجار في كتابه فقال تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ………. والجار ذي القربى والجار الجنب ……} [33] الآية .
وأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة وحذر من التعدي عليه فقال صلى الله عليه وسلم : (( والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن )) قالوا : خاب وخسر من هو يا رسول الله ؟ قال : (( الذي لا يأمن جاره بوائقه )) يعني : غدراته وتعديه وظلمه .
وأعظم من الزنا بحليلة الجار وأشد إثما وخطرا زنى المحارم والأقارب نسأل الله السلامة والعافية ومن عقوبته العاجلة أن فاعله يقتل حتى لوكان بكرا ولا تقبل توبته في الدنيا بل يقتل على كل حال .
والزنى مما حرمه الله في جميع الشرائع التي أنزلها على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام لما فيه من اختلاط الأنساب وفساد الأخلاق ، وإلى جانب ما رتب الله عليه من العقوبات الشنيعة المؤلمة .
فإنه من أعظم أسباب انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة والهلاك العام وفناء الأمم وكسر شوكتها وتسليط أعدائها عليها .
وقوله : (( وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة ، فإنه آكل الربا )) انظر إلى تصوير هذا الواقع فهو يسبح في نهر من الدم كمـا في رواية في المسند وعند البخاري قال : (( أحمر مثل الدم )) فهذا مثل حال المرابي فهو يشتغل بشيء ويظن أن فيه مصلحة له والحقيقة أنه يسعى في ضرر نفسه وهلاكها .
وهذا يسبح في نهر الدم ثم يلقم الحجارة عندما يريد الخروج من هذا النهر الدامي والحجارة ليس فيها فائدة بل هي ضرر وبلاء وعذاب .
ولو لم يكن من الضرر في الربا إلا أن الله قد نزع منه البركة فلا خير فيه فهي كافية للمسلم أن يترك الربا ويبتعد عنه ، كيف والله عز وجل قد توعد آكل الربا إن لم يتب بحربه وحرب رسوله للمرابي ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[34] .
وقد ورد في حديث الإسراء والمعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( …. ثم مضيت حتى انتهيت إلى سابلة آل فرعون فإذا رجال بطونهم كالبيوت إذا عرض آل فرعون على النار غدوا وعشيا فيوقفون لآل فرعون مستلقين على ظهورهم وبطونهم فيثردونهم آل فرعون ثردا بأرجلهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكلة الربا ، ثم تلا رسول صلى الله عليه وسلم :{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ }… )) الحديث[35] .
لأن آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً كما في قوله تعالى : {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [36] .
فيعرضون عليها كالإبل الهيم عطاشاً فيركب بعضهم بعضا وأكلة الربا في طريقهم فيريدون الهروب فلا يستطيعون لأن بطونهم قد امتلأت حجارة فيدوسهم آل فرعون بأقدامهم في الغدو والرواح .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( كريه المرآة )) أي منظره مخيف فيكره الإنسان النضر إليه لشناعة خلقته مثل خوف الإنسان من الأسد كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في رده على مرحب اليهودي عندما خرج لمبارزته فقال مرحب :
قد علمت يهود أني مرحبُ شاكي السلاح بطل مجرب
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة[37] كليث غابات كريه المنظرة[38]
فهذا الملك كريه المرآة شكله مخيف فظيع فهو شديد لا يرحم من سلطه الله عليه فقد جبله الله على هذا ؛ لأنه موكل بجهنم .
وقوله : (( يحشها )) أي يضرمها يشب عليها وهو مالك خازن جهنم عليه الصلاة والسلام .
وقد وصف الله خزنة جهنم بقوله : { عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [39] .
وقد ورد في وصفهم أنهم صم بكم قد نزعت الرحمة من قلوبهم فليس فيها رحمة لأن الله قد وكلهم العذاب فلو كان في قلوبهم رحمة لرحموا هؤلاء المعذبين .
وإذا كان الملائكة الذين يسألون العبد في القبر فيهم الغلظة والشدة وانتهار الميت مالا تطيقه الجبال الراسية مع أنهم قد يسألون المؤمن وغيره فكيف بهؤلاء الذين لا يوكلون إلا بأهل الذنوب والمعاصي أو الكفر ؟ إنهم أشد وأغلظ .
وقوله : (( وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة )) .
الرجل الطويل الذي في الروضة هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام يكفل أبناء المسلمين من الأطفال والأولاد الذين ماتوا على الفطرة ؛ لأن الفطرة هي ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهي الحنيفية السمحة التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى : { هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}[40] والفطرة أن يولد الإنسان على معرفة الله عز وجل والإذعان له ، بمعنى لو ترك وهذه الفطرة لما اختار غير الإسلام وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه … ))[41] .
قوله : (( فأبواه )) للتغليب ، وإلا فإن المولود قد يربى عند غير أبويه كمن فقد أبويه أو يلد يتيماً فمن حوله يصرفونه عن الفطرة السليمة إلى اليهودية أو النصرانية أو المجوسية .
قال صلى الله عليه وسلم : (( وأولاد المشركين )) أي الذين لم تتغير فطرتهم ، كالذي يولد ويموت فوراً .
قوله صلى الله عليه وسلم : (( وأما القوم الذين كانوا شطرٌ منهم حسناً وشطراً منهم قبيحٌ ، فإنهم قومٌ خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم )) .
فهؤلاء ماتوا على الإيمان ، ولكنهم ماتوا وهم مخلطين يرتكبون الذنوب والمعاصي لم يتوبوا منها فوردوا على الله بالتوحيد ومعهم الذنوب والمعاصي ، وليس من المعاصي والذنوب الإشراك بالله ؛ لأن من أشرك بالله فإن الله يحبط عمله مهما كان قال عز وجل عن الـمشركين : {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [42] .
ولكن هؤلاء ماتوا على التوحيد مع عدم توبتهم من الذنوب والمعاصي ولم يكن لهم مكفرات تكفر الذنوب والمعاصي ، فوردوا على الله بهذه الصفة شطر قبيح على قدر ما عنده من الذنوب والمعاصي وشطر حسن على قدر ما عنده من الطاعات وقد لا يكون عنده إلا التوحيد ، فيقعون في ذلك النهر الجاري الذي هو على لون اللبن الخالص الذي لم يخالطه الماء يسمى : المحض أي خالص البياض ليس فيه شائبة ، فيعودون في أحسن صورة .
وفي هذا دليل على أن الذنوب والمعاصي سواد وظلام ، وأن الطاعات نور وطهارة وزكاة .
فهؤلاء القوم تجاوز الله عز وجل عنهم فنسأل الله تعالى أن يتجاوز عنا وعنكم .
وآخر ذلك منزل النبي صلى الله عليه وسلم فوق الجميع ؛ لأن له منزلة لا يبلغها أحد غيره صلى الله عليه وسلم فقـصره صلى الله عليه وسلم مثل : (( الربابة البيضاء )) أي السحابة البيضاء ، ووصف القـصر بأنه أبيض ؛ لأن السحاب فيه الأبيض وفيه الأسود .
قوله صلى الله عليه وسلم : (( ذراني فأدخله )) قالا : أما الآن فلا ، وأنت داخله .
ففي الرواية الأخرى قالا : (( بقي لك أيام تستكملها ثم تدخله )) .
دل هذا على أنه لا يدخل أحد الجنة إلا بعد الموت ؛ لأنها دار الخلد فمن دخلها لا يموت أبداً فكيف يدخلها شخص لم يمت بعد والموت لابد منه ؟ هذا غير ممكن لأن الله قد كتب الموت على كل نفس قال سبحانه : {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ }[43] وقال تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ }[44] .
فكل إنسان كائناً من كان سيموت ، حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال الله عز وجل – عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم – : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [45] وقال تعالى : {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [46] .
وأما دخول النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ليلة الإسراء والمعراج فهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم وليـبشر المؤمنين بما أعد الله لهم في جنات النعيم .
وفي الحديث أن الناس يعذبون في القبور على قدر ذنوبهم ومعاصيهم ، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم حالة كثير من المعذبين في القبور ومنهم هؤلاء الذين ذكرهم في هذا الحديث ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لما مر بقبرين : (( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ))[47] .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه ))[48] . أي أكثر عذاب القبر من البول ؛ لأنه يترتب عليه فساد الطهارة وإذا فسدت الطهارة فسدت الصلاة .
وممن يعذب في القبر أيضاً الذي يخل بالوضوء قال صلى الله عليه وسلم : (( ويل للأعقاب من النار ))[49] .
وقال صلى الله عليه وسلم عن الذين لا يخللون أصابعهم في الوضوء : (( لينتهكن رجل بين أصابعه في الوضوء أو لتنتهكه النار ))[50] .
ومن ذلك النميمة كما في حديث المعذبين السابق .
وغير ذلك مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب عذاب القبر أعاذنا الله وإياكم والمسلمين من عذاب القبر .
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإستعاذة بالله من عذاب القبر قال : (( إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال ))[51] .
فعذاب القبر حق وهو ثابت بالكتاب والسنة وهو إجماع أهل السنة والجماعة ولم يخالف في هذا إلا المبتدعة من أهل الضلال – والعياذ بالله .
فمن القرآن قوله تعالى : {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[52] .
فإن هذه الآية في عذاب القبر كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه في إخباره صلى الله عليه وسلم بمآل المؤمن ومآل الفاجر قال صلى الله عليه وسلم : (( … إن المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا تنزلت إليه الملائكة كأن على وجوههم الشمس مع كل واحد كفن وحنوط فجلسوا منه مد البصر حتى إذا خرج روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء وفتحت له أبواب السماء ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم فإذا عرج بروحه قالوا : رب عبدك فلان فيقول : أرجعوه فإني عهدت إليهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ، قال : فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه فيأتيه آت فينتهره فيقول : من ربك ما دينك من نبيك ؟ وهى آخر فتنة تعرض على المؤمن فذلك حين يقول الله عز وجل : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } ))[53] .
وفي رواية أخرى : (( … وإن العبد الكافر أو الفاجر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح[54] فيجلسون منه مد البـصر فيجلسانه وينتهرانه ويسألانه من ربك وما دينك وما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول : هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته فيقولان له : لا دريت ولا تليت ويضربانه بمرزبة من حديد لو اجتمعت عليها قبائل ربيعة ومضر لم تقلها ….. )) الحديث[55] .
فنسأل الله عز وجل لنا ولكم وللمسلمين العافية والسلامة من فتن الدنيا ومن عذاب الآخرة ونعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ونسأله عز وجل أن يتجاوز عنا وعنكم وأن يغفر لنا ولكم .
وأخيراً نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم فإن هذا آخر الدروس في هذه الصيفية فنسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما قلنا وما سمعنا وأن يجعله حجة لنا لا علينا وأن يعيذنا من مضلات القول والعمل وأن يعصمنا من الزلل وأن يربط على قلوبنا وقلوبكم برباط الإيمان وأن يتولانا في الدنيا والآخرة بالعفو والغفران وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- انظر صحيح البخاري – كتاب : التعبير – باب : تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح برقم (7047)
1- أخرجه البخاري في كتاب : بدء الوحي – باب : كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (3) وأخرجه مسلم برقم (160) .
3- أخرجه البخاري في كتاب : التعبير – باب : المبشرات برقم (6990)
4- ( 6 / 129 – الطبعة القديمة ) من حديث عائشة رضي الله عنها
1- انظر صحيح البخاري برقم (6983)
2- انظر صحيح البخاري برقم (6987)
1- أخرجه ابن ماجة في باب : من لعب به الشيطان في منامه فلا يحدث به الناس برقم (3911) من حديث أبي هريرة t
1- أخرجه البخاري في باب : من كذب في حلمه برقم (7043)
4- انظر المعجم الكبير للطبراني ( 8/ 155)
1- أخرجه الإمام أحمد ( 4/ 10 – الطبعة القديمة ) وأبو داود برقم (5020) وابن ماجة برقم (3914) من حديث أبي رزين t
1- أخرجه البخاري في باب : الأخذ على اليمين في النوم برقم (7030)
1- أخرجه البخاري في باب : من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب برقم (7046)
1- أخرجه البخاري في كتاب : بدء الخلق – باب : إذا قال أحدكم : ( آمين ) برقم (3236)
1- أخرجه الترمذي برقم (2308) وابن ماجة برقم (4267)
2- أخرجه البخاري في كتاب : أحاديث الأنبياء – باب : ما ذكر عن بيني إسرائيل برقم (3461)
1- أخرجه مالك في الموطأ برقم (2832) (2/589 – طبعة دار الغرب ) وإسناده صحيح ، ولكنه مرسل
2- أخرجه البخاري في كتاب : الإيمان – باب : علامة المنافق برقم (33)
3- يتحرى الكذب : أي يتقصد الكذب
4- أخرجه الإمام مسلم برقم (2607)
5- أخرجه البخاري في كتاب : الإيمان – باب : علامة المنافق برقم (34)
1- سورة الفرقان الآيات (68-70)
1- سورة البقرة الآيات (278 – 279)
2- انظر مسند الحارثي وزوائد الهيثمي (1/170)
2- أي أن الإنسان يكره أن ينظر إلى الأسد
2- أخرجه البخاري في كتاب : الجنائز – باب : إذا أسلم الصبي فمات ، هل يُصلى عليه ؟ برقم (1358)
5- أخرجه البخاري برقم (218) ومسلم برقم (292) وأحمد (5/35 – الطبعة القديمة) عن أبي بكرة t
2- أخرجه مسلم في باب : وجوب غسل الرجلين بكاملهما برقم (240) من حديث عائشة رضي الله عنها
3- أخرجه الطبراني في الكبير (1 /282)
4- رواه مسلم برقم (588). وأخرجه البخاري برقم (1377) باختلاف
2- انظر المسند (4/295- الطبعة القديمة )