نبذة مختصرة في عقيدة أهل السنة والجماعة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نبذة مختصرة في

عقيدة أهل السنة والجماعة

 

تأليف

علي بن عبد الرحيم الغامدي

رحمه الله وغفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين

 

الطبعة الأولى 1425هـ[1]

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له  ومن يضلل فلا هادي له  وأشهد أن لا إله إلا  الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [2]

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [3]

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا  } [4]

 

أما بعد :

فهذه نبذة مختصرة في أبواب من معتقد أهل السنة والجماعة  نسأل الله بمنه وكرمه أن ينفع بها من جمعها ومن طالعها ، وأن يرزقنا الثبات على مذهب أهل السنة والجماعة في القول والعمل ، وأن يتوفانا عليه وهو راض عنا .

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه  .

 

 

العقيدة : 

من العقد  وهو الربط والشد بقوة ، وما عقد الإنسان عليه قلبه جازماً به فهو عقيدة ، سواء كان حقاً أو باطلاً .

 

وفي الاصطلاح :

الإيمان الجازم بالله وبما يجب له في الوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته والإيمان بملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، وبكل ما جاءت به  النصوص الصحيحة من أصول الدين وأمور الغيب وأخباره ، وما أجمع عليه السلف الصالح . والتسليم لله تعالى في الحكم والأمر والقدر والشرع ولرسوله r بالطاعة ، والتحكيم ، والإتباع .

 

وموضوعه : 

توحيد الله تعالى بأنواعه الثلاثة ، والإيمان ، والإسلام ، والغيبيات والنبوات ، والقدر ، والأخبار ، وأصول الأحكام القطعية ، وسائر أصول الدين والاعتقاد ، ويتبع ذلك الرد على أهل الأهواء والبدع وسائر أهل الملل والنحل والمذاهب الضالة وبيان الموقف منهم .

 

 

 

 

التعليق  الميسر  :

 

*- قولنا : [ الإيمان  الجازم ] : أي لا  يخالطه  شك  ولا  ريب   بوجه  من  الوجوه ويعبر عنه باليقين قال r : (( ما  أعطي أحد عطاء بعد اليقين خيراً من العافية  ….. )) الحديث أخرجه أحمد وأصحاب السنن عن أبي بكر الصديق t عن النبي  r  بإسناد  صحيح .

 

*- قولنا : [ والأخبار ] : المقصود به الغيبيات التي اختص الله  بعلمها  قال  تعالى  :  {  عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ … }[5]

 

*- قولنا   :  [ وأصول  الأحكام  القطعية ]  : وهي  الكتاب  والسنة  والإجماع .

 

 

 

 

 

 

 

 

وهذه الإطلاقات : العقيدة ، التوحيد ، السنة ، أصول الدين ، الفقه الأكبر ، الشريعة ، الإيمان . كلها تدل  على  معنى واحد عند الإطلاق والافتراق .

 

والاعتقاد الحق في الله سبحانه وتعالى هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها كما قال سبحانه : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ  } [6]

وقال تعالى مبيناً أصل ذلك في ذرية آدم  : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}[7]

وفي الحديث القدسي يقول تعالى : (( . . . وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا . . . ))[8] الحديث

 

 

 

 

 

الشرح   الميسر   :

*- وقولنا  : [ وهذه  الإطلاقات ] : العقيدة  التوحيد  السنة   أصول  الدين  الفقه  الأكبر الشريعة الإيمان كلها تدل على معنى واحد عند الإطلاق والافتراق  اختلفت  الإطلاقات  واتحد  المعنى المقصود  .

فأئمة   السنة   لهم   اختيارات  في التعبير عن المعتقد  :

– فبعضهم   يعبر  عنه [ بالعقيدة ] وهو  ما  يعقد   عليه  المؤمن  قلبه  ولا  شك  أن   يقين  القلب   في  الله   هو أعظم  العقود وأولاها  بالوفاء قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ }[9]

وقد أخذ الله العهد والميثاق على  ذرية  آدم  حين  مسح  سبحانه على  ظهره فأخرج  منه كل نسمة توجد  على  هذه  الأرض  إلى  قيام  الساعة  : { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } فهذا   العقد   والعهد   مركوز  في  الفطر   قال  r   : (( ما من  مولود   إلا  يولد  على  الفطرة  … )) الحديث  .

– ويطلق  بعضهم  على المعتقد [ التوحيد ] ؛ لأن   الله  واحد  في  ذاته   وفي  أسمائه   وصفاته   وأفعاله   لا  شريك   له  ولا  ند  له ولا  كفو   ولا  سميا  .

– وصنف   بعضهم   المعتقد   باسم [  التوحيد ] كالتوحيد   لإمام   الأئمة   ابن  خزيمة  وغيره  .

– وبعضهم  يطلق  على  المعتقد  [ السنة ]  لكون  هذا  المعتقد   هو  ما كان  عليه  رسول  الله  r وأصحابه y وأتباعهم   بإحسان  وألف  الإمام  أحمد – رحمه الله – وغيره   من  العلماء   كتب   باسم  السنة

– ومنهم  من  يسمي  الاعتقاد [ أصول  الدين ] تفريقا  بين  العقيدة   وهي  العمل  الباطن وبين  الأعمال  الظاهرة  ويفرقون  بينه  وبين  أصول  الفقه  .

– وأطلق  بعضهم  على  المعتقد  [ الفقه  الأكبر ] وهذا  مشهور   عن  الإمام  أبي  حنيفة  النعمان – رحمه  الله – وهناك  كتاب  منسوب  إليه  بهذا  الاسم  .

– ومنهم  من يسمي المعتقد [ الشريعة ] كالإمام الآجري – رحمه الله – وله  كتاب  الشريعة  .

– ومنهم  من  يسميه [ الإيمان  ] وهناك  مؤلفات  لعدد  من  الأئمة   باسم  الإيمان

منهم  ابن  منده  وشيخ  الإسلام  ابن  تيمية  وغيرهم  .

 

*- وقولنا : [ كلها  تدل  على  معنى  واحد  عند  الإطلاق   والافتراق ]  ؛ لأن   بعض   الألفاظ   إذا   أفردت  بالذكر  يكون  لها  معنى   وإذا  ذكرت  مع  غيرها   يكون  لها  معنى  آخر  ، مثل الإسلام إذا  ذكر  مفردا   فيشمل  الدين  كله   الباطن  والظاهر ، وإذا  ذكر  مع  الإيمان   كان  الإيمان  يدل  على  الباطن   والإسلام  يدل  على  الظاهر كما  في  حديث  سؤال  جبريل  u  نبينا r عن  الإسلام  والإيمان  والإحسان  وحديثه  في  الصحيحين اتفق البخاري ومسلم على حديث أبي  هريرة  t  وانفرد   مسلم  بحديث  عمر   t .

 

 

 

 

وأخبر النبي r عن ذلك بقوله :  (( ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو  يمجسانه )) [10].

وقد حدث الشرك في ذرية آدم بعد عشرة قرون كانوا فيها على التوحيد كما صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : (( كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق ، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين )) وإلى هذا يشير قوله تعالى  : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ }[11]  كما فسرها كثير من السلف

 

ورسولنا r بشر وأنذر ، وأعظم ما بشر به التوحيد وأعظم ما أنذر عنه الإشراك بالله . فمكث في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلى تحقيق لا إله إلا الله محمد رسول الله .

 

وبعد هجرته إلى المدينة مع نزول الأحكام والتشريع كان الاهتمام الأكبر بتثبيت أركان العقيدة وحمايتها من الشبهات وسد الذرائع الموصلة إلى الشرك ، ومجادلة أهل الكتاب وبيان بطلان معتقداتهم المحرفة والتصدي لشبهاتهم وشبهات المنافقين .

 

 

الشرح   الميسر    :

 

*- قولنا :  [ وقد  حدث  الشرك  في   ذرية   آدم  بعد  عشرة  قرون  ] : وسبب   وقوعهم   في  الشرك    فيهم   الغلو   في  الصالحين  ولذلك   نهى   الله  في  كتابه  عن  الغلو   في  الدين    فقال  تعالى  : {  قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا …}[12]

وغلوهم   أنهم  كان  فيهم  رجال  صالحون  يعلمونهم   ويفقهونهم  في  الدين   فمات  أولئك  الرجال  الصالحون   فحزن   عليهم   قومهم   فتمثل   لهم   الشيطان   في  صورة   رجل   وقال   إذا   أردتم   أن   تتذكروا   أعمالهم   الصالحة   وعلمهم  وإرشادهم  فصوروا   صورهم   وانصبوها   في  مجالسهم فانخدعوا   وفعلوا   ما  أرشدهم   إليه ثم  تتابعت  الأجيال  حتى  جاء   أجيال  لا  يعلمون   الحكمة   من  تصوير  هذه  الصور   ونصبها   في  تلك  المجالس فتمثل   لهم  الشيطان   في  صورة   الناصح  وقال   أنهم   صوروها   ونصبوها   لدعائها  والاستغاثة   بها  عند  الشدائد  فوقعوا   في  الشرك  .

وللأسف   فإن  الشيطان   يعيد  تجربته  السابقة   مع   الجهلة  فيزين   تصوير   أنفسهم  وغيرهم   بنفس   الحجة   الأولى  وهي   الذكرى    والتذكر   ولا  حول  ولا  قوة   إلا  بالله .

 

 

وسار أصحابه y من بعده على خطاه متبعين له لا يتقدمون بين يدي الله   ورسوله  بقول  ولا  عمل ناطقين بما نطق به الكتاب والسنة   ومبينين   لمن  بعدهم   حدود ما أنزل الله على رسوله فقد شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل ورسخ إيمانهم وصحت فهومهم فنطقوا بالحق وعملوا  به فسدد الله أقوالهم وأصلح أعمالهم فهم أهل العلم الصحيح والإيمان الراسخ وسار أتباعهم على نهجهم فتميز صراط الذين أنعم الله عليهم عن سبل الأهواء والشبهات .

 

وأتباع السلف الصالح حصروا تلقيهم للعلم والإيمان على كتاب الله وسنة رسوله r وإجماع السلف الصالح والتزموا في تفسير وفهم كلام الله ورسوله على فهم الصحابة y  وأتباعهم في المنهج والمعتقد والعلم والعمل .

 

ومن ذلك اعتقادهم أن الإيمان : اعتقاد بالقلب ، ونطق باللسان ، وعمل بالجوارح .

أو كما  يقول بعضهم : هو قول القلب وعمل القلب وقول اللسان ، وعمل الجوارح .

 

 

 

 

ولا يكفي أحد هذه الأركان عن بقيتها ولا يكفي بعضها عن بعض حقيقة واحدة مركبة من ثلاثة أجزاء لا تتجزأ  ولا  يكفي بعضها عن  بعض وأن أصل الإيمان في القلب سواء  القول  أو  العمل ، قال الله تعالى : { وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ }[13] وقال سبحانه : {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } [14]

وقال تعالى : { كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ}[15]

وقال النبي r : (( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه لا تتبعوا عورات المسلمين )) الحديث وغير   ذلك  مما  ورد   في  الكتاب  والسنة

هذه الأدلة من القرآن والحديث وغيرها كثير من الكتاب والسنة أدلة صريحة في أن أصل الإيمان في القلب وأن إيمان القلب شرط في الإيمان ولا يكون إيمان ولا يصح بدون ذلك ، وأنه إذا وجد الإيمان في القلب سرى ذلك إلى الجوارح ولابد .

وهذا  فيه  إبطال   لعقيدة   بعض  الفرق   الضالة  التي   تزعم   أن  الإيمان   هو   القول  فقط   وأن  من  قال  لا إله   إلا  الله   فهو  مؤمن  كامل  الإيمان   وأن   إيمانه   كإيمان  جبريل   وميكائيل  ولو  لم  يعمل  شيء

وإيمان القلب ليس مجرد العلم والمعرفة والتصديق بالله عز وجل وخبر الرسول r ، بل لابد مع ذلك من الانقياد والاستسلام والخضوع والإخلاص مما يدخل تحت عمل القلب

 

 

وهذا  إبطال  لعقيدة   بعض الفرق  الضالة  التي  تزعم  أن  الإيمان   هو  التصديق

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ( الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب ولا بد فيه من شيئين : تصديق القلب وإقراره ومعرفته ويقال لهذا قول القلب ، ولابد فيه من عمل القلب مثل حب الله رسوله وإخلاص العمل لله وحده وتوكل القلب على الله وحده وغير ذلك من أعمال القلوب التي أوجبها الله ورسوله وجعلها جزءاً من الإيمان قال الجنيد بن محمد : ( التوحيد قول القلب والتوكل عمل القلب ) ثم القلب هو الأصل فإذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن ضرورة لا  يمكن  أن  يتخلف البدن عما  يريده  القلب  ولهذا قال النبي r : (( ألا وإن  في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب )) متفق عليه .

فإذا كان القلب صالحاً بما فيه من الإيمان علما وعملاً قلبياً لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر والعمل بالإيمان المطلق ) انتهى

ويقول – رحمه الله – : ( إذا قام بالقلب التصديق به والمحبة له لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما في القلب ولازمه ودليله ومعلوله كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال والأعمال له أيضاً تأثير فيما في القلب فكل منهما يؤثر في الآخر لكن الأصل هو القلب والبدن فرع له والفرع يستمد من أصله والأصل يثبت ويقوى بفرعه )[16]  انتهى

يقول الإمام المروزي – رحمه الله – في كتاب تعظيم الصلاة : ( أصل الإيمان التصديق بالله وبما جاء من عنده وعنه يكون الخضوع لله ؛ لأنه إذا صدق بالله خضع له وإذا خضع أطاع .  ومن التصديق بالله يكون الخضوع لله وعن الخضوع تكون الطاعات ) .

ويقول – رحمه الله – : ( فبذلك  ثبت  أن  الإيمان  يوجب  الإجلال  لله  والتعظيم  له  والخوف  منه  والتسارع  إليه  بالطاعة  على  قدر ما  وجب  في  القلب  من  عظيم  المعرفة )   انتهى

*- قوله   :  [ من  عظيم   المعرفة ] : يعني   العلم  بالله  وأسمائه  وصفاته   وأفعاله

وحكمته على  التفصيل وليس  على  الإجمال  كما  هو حال  أكثر  الناس  فكلما  زاد  علم  المخلوق بجلال  الله وجماله وعظمته وكماله في ذاته وأسمائه وصفاته   وأفعاله    زاد  خضوعه  وخوفه  وخشيته   وتعظيمه   لله .

ومجرد التصديق والمعرفة بالله لا تنفع صاحبها والدليل : أن إبليس كان يعرف ربه الذي خلقه قال تعالى  :{ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ}[17] وقال   : {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}[18] ففي الآية الأولى أثبت أنه يعرف خالقه ولكنه في الآية الثانية أظهر العصيان وعدم الخضوع فلم ينفعه معرفته إذ زايله الخضوع والطاعة .

ومن ذلك ما أخبر الله به عن اليهود  قال  الله  عز  وجل  : {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } [19]

وقال تعالى  : {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } [20]

وقال عز وجل  : {لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [21]

 

وقال الله عن فرعون وقومه  : {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[22]

فهذه المعرفة لم تنفعهم إذ لم يصحب ذلك التصديق والخضوع لله والتصديق والطاعة لرسوله r .

قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – في كتاب الصلاة : ( ونحن نقول : الإيمان هو التصديق ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيماناً لكان إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمداً رسول الله r كما يعرفون أبناءهم مؤمنين صادقين ) انتهى

 

قال الله تعالى  : {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [23]

وقال تعالى  : {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}

فالكفار والمنافقون غالباً ما يقرون بالربوبية والرسالة ولكن الكبر والبغض وحب الرياسة والشهوات ونحوها تصدهم عن الطاعة والإخلاص والمتابعة ومن ثم لا ينفعهم ذلك ولا ينجيهم من عذاب الله عز وجل في الآخرة .

 

 قول اللسان جزء من مسمى الإيمان

والمقصود بقول اللسان هو ما يؤدى من العبادات والطاعات باللسان : كالشهادتين وتلاوة القرآن والذكر والدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة وغير ذلك مما لا يؤدى إلا باللسان .

 

قال الله تعالى – مبيناً أن قول اللسان من الإيمان – :{ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [24] الآية .

قال الحليمي – رحمه الله – :  فأمر المؤمنين أن يقولوا آمنا ثم أخبر بقوله : {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} أن ذلك القول منهم إيمان وجعل قولهم مثل ذلك إيماناً فصح أن القول إيمان )  انتهى

 

وقال رسول الله r : (( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ))[25] فهذا الحديث أصل في دخول الأقوال والأعمال في مسمى الإيمان

 

خلافا  للمرجئة الذين  يجعلون الإيمان مجرد  المعرفة   وهذا   مذهب  الغلاة  منهم وطائفة   منهم   يقولون   الإيمان   هو  مجرد   العلم  وقد   سبق  الرد  عليهم .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية  في كتاب الإيمان   : ( وقد اتفق المسلمون  : على أنه من لم يأت بالشهادتين  فهو كافر ) .

وقال أيضاً : ( فأما الشهادتان إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين وهو كافر باطناً وظاهراً  عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير علمائها )   انتهى

وقال الإمام ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – : ( ومن ترك الشهادتين خرج من الإسلام ) انتهى

ويقول الحافظ ابن حجر – رحمه الله – : ( عند شرحه لقول الرسول r في حديث : (( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ))  الحديث فيه دليل على اشتراط النطق بالتوحيد )  انتهى

ولكن لابد مع القول من التصديق بمعانيها وإخلاص العبادة لله والتصديق بنبوة محمد r والإقرار ظاهراً وباطناً بما جاء به لقوله r :  (( من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه ))

وفي رواية : (( غير شاك ))

وفي رواية : (( مستيقناً ))

وفي رواية :  (( صدقاً ))

 

 

 

قال الإمام المروزي – رحمه الله – في تعظيم قدر الصلاة : قال النبي r في حديث وفد عبد القيس : (( آمركم بالإيمان بالله )) ثم قال  : (( أتدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله )) فبدأ بأصل  الإيمان والشاهد بلا إله إلا الله هو المصدق المقر بقلبه يشهد بها لله بقلبه ولسانه يبتدئ بشهادة قلبه والإقرار به ثم يثني بالشهادة بلسانه والإقرار به . .

ليس كما شهد المنافقون : {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ }[26] فأكذبهم الله لكونهم قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فقال سبحانه : {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} ثم قال : {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ }

وحين أجاب النبي r جبريل u لما سأله  عن الإسلام أجابه بقوله  : (( الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله )) لم يرد شهادة باللسان فقط كشهادة المنافقين ولكن أراد شهادة بدؤها من القلب بالتصديق  والإقرار  بالله بأنه الإله الحق الواحد ) انتهى  بتصرف

قال القرطبي – رحمه الله – في المفهم على مختصر مسلم : رداً على من زعم أن التلفظ بالشهادتين كافٍ في الإيمان  : ( بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح وهذا باطل قطعاً ) انتهى

 

 

وقال الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – تعليقاً على قوله r   : (( من قال لا  إله  إلا  الله وكفر  بما  يعبد  من  دونه  حرم  ماله  ودمه  وحسابه  على الله )) وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال بل ولا معرفة معناها مع لفظها بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه فيالها من مسألة ما أعظمها وأجلها وياله من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها   للمنازع ) انتهى

والمقصود مما سبق : التأكيد على أن التلفظ بالشهادتين وحده لا يكفي لصحة الإيمان والنجاة في الآخرة ما لم يقترن ذلك بخضوع وانقياد وتصديق وإخلاص .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ( وتواترت النصوص بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال ) انتهى      والله المستعان .

 

 

 

 

 

 

 

 

أعمال الجوارح من الإيمان

قال الله عز وجل  :{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }[27] وبوب الإمام البخاري : باب الصلاة من الإيمان وذكر فيه حديث البراء وفيه  : أنه مات على القبلة قبل أن تحوّل رجال فلم ندرِ ما نقول فيهم فأنزل الله فيهم  : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }

قال الحليمي : ( أجمع المفسرون على أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس فثبت أن الصلاة إيمان وإذا ثبت ذلك فكل طاعة إيمان إذ لم أعلم فارقاً في هذه التسمية بين الصلاة وسائر العبادات ) انتهى

وكذلك قول  الله تعالى :{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}[28]

وفي حديث وفد عبد القيس قال النبي r   : (( آمركم بالإيمان بالله وحده )) ثم قال : (( هل تدرون ما  الإيمان  بالله  وحده ؟ ))  قالوا :  الله  ورسوله  أعلم  قال : (( شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تعطوا من الغنائم الخمس … )) الحديث .

ففي هذا الحديث فسر النبي r للوفد الإيمان هنا بقول اللسان وأعمال الجوارح ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيماناً بالله بدون إيمان القلب لما قد أخبر في مواضع أنه لا بد من إيمان القلب فعلم أن هذا مع إيمان القلب هو الإيمان ) انتهى

 

ومما سبق يتضح أن  :

1- الطاعات جميعاً ومنها أقوال اللسان وأعمال الجوارح تدخل في مسمى الأيمان

٢- أن الإخلال والتقصير بأداء الطاعات يضر في الإيمان .

والإيمان له أركان وله شعب قال الله تعالى في كتابه الكريم  : {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}[29] الآية

وقال تعالى  : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}[30] الآية

وفي سؤال جبريل عليه السلام للنبي r عن الإيمان أجاب النبي  r  بقوله : (( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره )) قال  جبريل  عليه  السلام  : (( صدقت ))  .

فبدأت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة بالإيمان بالله ؛ لأن حق الله تعالى أعظم الحقوق وأعلاها وأولاها بالرعاية والعناية ومن أجل ذلك خلق الله الخلق وأنزل الكتب وأرسل الرسل وأعد الجنة والنار .

 

 

 

 

 

بعد أن ذكرنا الآيات والأحاديث  الدالة  دلالة  قطعية  على  أول  ما  أوجبه على  عباده وأعظم ما فرض عليهم نواصل الحديث عن أعظم الحقوق وأوجبها .

وحقه سبحانه وتعالى يشمل :

– إثبات كمالاته ونعوت جلاله سبحانه من خلال إثبات أسمائه وصفاته وأفعاله على الوجه اللائق به سبحانه ويسمى ذلك توحيد الأسماء والصفات .

– وكذلك إثبات حقه في ربوبية الخلق وملكه لهم وتدبيره وهذا يسمى توحيد الربوبية .

– ويلزم من ذلك إثبات حقه سبحانه في إخلاص العبادة له  والقصد والطلب وهذا يسمى توحيد الألوهية أو العبادة .

وللإيمان  شعب متعددة قال r : (( الإيمان بضع وستون أو بضع  وسبعون  شعبة  فأعلاها قول : لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى من الطريق والحياء  شعبة من الإيمان  )) أخرجه  البخاري  ومسلم .

وقوله  : (( بضع وستون  أو بضع سبعون  )) فالعدد  لا  مفهوم   له   وإنما  يقصد  به  التكثير  والتمثيل ؛ لأن  جميع  الأقوال  والأفعال  الصالحة  الباطنة   والظاهرة   تدخل  في  شعب  الإيمان وتحقيق هذه الأركان   والشعب   هو معنى لا إله إلا الله ومقتضاها ولازمها  قال النبي r لوفد عبد القيس : (( آمركم بالإيمان بالله ، أتدرون ما الإيمان بالله ؟ )) قالوا : الله ورسوله أعلم قال  : (( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله )) الحديث .

 

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –  في العقيدة الواسطية  : ( ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه و بما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل  بل يؤمنون بأن الله سبحانه : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[31] فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ولا يلحدون في أسمائه وآياته ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه ؛ لأنه سبحانه لاسمي له ولا كفؤ له ولا ند له ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً من خلقه ) انتهى

وسئل أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ حمد بن ناصر – رحمهم الله – عن آيات الصفات الواردة في كتاب  الله :

كقوله تعالى  : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [32]

وكذلك قوله تعالى  : {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [33]

وقوله  : {بِأَعْيُنِنَا}[34]

وقوله  :{أَسْمَعُ وَأَرَى}[35]

وقوله  :{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [36]

وقوله  :{ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[37]

وقوله   :{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[38]

وقوله  :{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[39]  وغير ذلك في القرآن .

ومن السنة  : قوله r  : (( قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن )) وكذلك النفس .

وقوله r : ((  إن ربكم ليضحك ))

وقوله r  : (( حتى يضع رجله فيها فتقول قط قط )) وغير ذلك ما لا يحصره هذا القرطاس على ما تحملون هذه الآيات  وهذه الأحاديث في الصفات ؟

فأجابوا – رحمهم الله – بما نصه  :

الحمد لله رب العالمين ، قولنا فيها ما قال الله ورسوله وما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها من أصحاب رسول الله r  ومن اتبعهم بإحسان وهو الإقرار بذلك والإيمان من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل كما قال الإمام مالك  – رحمه الله – عن قوله تعالى  : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}  كيف استوى ؟

فأطرق مالك وعلته الرحضاء يعني العرق وانتظر القوم ما يجيء منه فرفع رأسه إليه وقال : ( الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ) وأحسبك رجل سوء وأمر به فأخرج .

 

ومن أوّل الاستواء بالاستيلاء فقد أجاب بغير ما أجاب به مالك وسلك غير سبيله وهذا الجواب من مالك في الاستواء شاف في جميع الصفات مثل  :  النزول والمجيء ، واليد ، والوجه ، وغيرها فيقال في النزول  : النزول معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ، وهذا يقال في سائر الصفات الواردة في الكتاب والسنة … الخ  ما قالوه  – رحمهم الله –  في الدرر السنية .

 

بمعنى أن  ذات  الله   محجوبة عن الخلق  جميعا  ولا يعلمون   عنها  إلا  ما  علمهم

وصفاته   تعالى  وتقدس   متعلقة  بذاته  المقدسة   فلا  يمكن  للخلق   أن  يعلموا   منها إلا  ما علمهم  فيقف الموفق  من الخلق  عند  العلم  بما  في  كتاب  الله  وسنة  رسوله r ولا يتجاوز  ذلك فإن تجاوز  ذلك ضل وهلك  نعوذ  بوجه  الله  الكريم  من  الضلال  والهلاك .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وثاني أقسام التوحيد [  توحيد الله في ربوبيته ] :

وذلك بأن يعتقد العبد أن الله هو الرب المتفرد بالخلق والرزق والتدبير وأنه ربى جميع الخلق بالنعم وربى خواص خلقه وهم الأنبياء وأتباعهم بالعقائد الصحيحة والأخلاق الجميلة والعلوم النافعة والأعمال الصالحة وهذه التربية النافعة للقلوب والأرواح المثمرة لسعادة الدارين ويدخل في ضمن هذا التوحيد : الإيمان بالقدر وأنه لا يحصل شيء في ملك الله إلا بإرادة الله وتحت مشيئته وأنه خلق الضر والنفع وأنه من شاء أسعده ومن شاء أشقاه وأنه من شاء رحمه ومن شاء في العذاب أصلاه ومع هذا فالله جل جلاله ليس بظلام للعبيد وليس لأحد من خلقه حجة عليه وليس لأحد حجة في القدر وهذا يدعونا إلى معرفة أقسام القدر أنه قسمان  :

– قدر كوني  : به يخلق ويرزق  ويرفع  ويخفض ويعز ويذل  ويحيي  ويميت …

– وقدر شرعي :  وهو  أمره  ونهيه .

 فالكوني  : ليس للإنسان دخل فيه  إلا  اليقين  الجازم   بكمال  علم  الله  وحكمته   وقدرته وما عليه إلا أن يؤمن به إيماناً جازماً وذلك كالخلق والإيجاد وتصريف الأمور وفق علم الله وحكمته .

وأما الشرعي : فهو  الأوامر والنواهي الشرعية وهذه لابد للإنسان أن يلزم نفسه فيها بطاعة الله ورسوله بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فإذا أحسن شكر الله على توفيقه وإذا أساء ندم وأناب إلى ربه واستغفره فإذا فعل العبد ذلك كان آدمياً كأبيه آدم الذي وصفه الله ومدحه بأنه لما أذنب ندم وأناب إلى ربه واستغفره .

 

فأما إذا احتج المذنب بالقدر وقال : قد قُدِّر عليّ المعصية فهو شيطان كإبليس الرجيم الذي قال محتجاً على معصيته بالقدر :{ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ}[40]

وتوحيد الربوبية لا يكفي العبد في حصول الإسلام بل لابد أن يأتي مع ذلك بلازمه وهو توحيد العبادة والتأله إلى جانب تحقيق الأصل وهو إثبات أسماء الله وصفاته على ما يليق بجلال الله واستحقاقه لكل كمال .

وعدم دخول العبد إلى الإسلام بهذا  النوع من التوحيد وهو توحيد الربوبية  فقط دليله من كتاب الله تعالى كما في سورة يونس : {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}[41]

قال السعدي في قوله :  {فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} : لأنهم يعترفون بجميع ذلك وأن الله لا شريك له في شيء من المذكورات ومع  اعترافهم  هذا   بنص  الآية   قرعهم  الله  بقوله  في  الآية  نفسها   فقل   أفلا  تتقون  فعلم  أن  إقرارهم  بأن  الله  هو  الذي  يرزقهم من  السماء  والأرض   وأنه  يملك  السمع  والبصر   وأنه  يخرج  الحي  من  الميت ويخرج  الميت  من  الحي   وأنه  يدبر  الأمر لم  ينفعهم   لكونهم   لم  يحققوا   التقوى وهي  فعل  الأوامر  واجتناب  النواهي .

 

 

 

وفي قوله تعالى من سورة العنكبوت : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }[42]

وقال تعالى في سورة الزخرف : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[43]

ومن سورة النمل يقول الله تعالى : {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[44] إلى غير ذلك من الآيات التي يخبر الله تعالى عنهم أنهم مقرون فيها أن ذلك جميعه لله وحده ومع ذلك لم يدخلوا إلى الإسلام بهذا التوحيد بل استباح الرسول  r  دماءهم وأموالهم وسبى نساءهم وأطفالهم فهم مع إقرارهم بربوبيته تعالى جعلوا له شركاء في الرغبة والرهبة والدعاء والعون في الأمر والنهي فقال تعالى واصفاً حالهم في سورة يوسف : {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[45] قال مجاهد بن جبر المكي وهو أحد أئمة التفسير تلقى تفسيره عن ابن عباس وروى عن عدد كبير من الصحابة منهم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقد وقع تصريحه بالسماع منها في صحيح البخاري قال مجاهد في تفسير الآية من سورة يوسف  : ( إيمانهم بالله هو قولهم  : أن الله خلقنا ويرزقنا ويميتنا فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره ) نقله عنه ابن جرير وابن أبي حاتم .

 

وروي نحو ذلك عن ابن عباس وعطاء وهو ابن أبي رباح المكي مولاهم وهو أحد الثقات الأثبات وأحد أوعية العلم بالحجاز حتى أنه كان يعلن في الحج أن لا يفتي في الحج إلا عطاء : وهم كانوا يخلصون بعض العبادات لله كالحج والصدقة والذبح والنذر والدعاء وقت الاضطرار ويدّعون أنهم على ملة إبراهيم فرد الله عليهم قولهم بقوله تعالى من سورة آل عمران : {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[46]

وبعضهم كان يؤمن بالبعث والحساب كما في شعر أمية بن أبي الصلت في قوله :

باتت همومي تسري طوارقها       أكف عيني والدمع سابـقها

مـما أتـاني من اليقـــــين ولم        أوت براءة  يقـص ناطقهــا

أم من تلــــظى عليـه واقدة       الـنار محـيط بـهم سـرادقهـا

إلى أن قال :

هما فريقان فرقة تدخل الجنة حفت بهم حدائقها

وفرقة منهم قــد أدخلت النار فساءتهم مرافقهـا

وهذا الرجل آمن شعره ولم يؤمن قلبه فقد كان كغيره ممن أحس وتيقن خروج نبي آخر الزمان فكان يمني نفسه بأن يكون ذلك النبي وعندما خرج نبي الله r أنكر ما آمن به شعره فكان من الهالكين عياذاً بالله .

 

 

 

وكان بعضهم يؤمن بالقدر كما قال زهير بن أبي سلمى وهو أحد شعراء الجاهلية النابغين وكانت له معلقة من المعلقات السبع المشهورة في تاريخ شعر الجاهلية وهو والد الصحابي الشاعر الذي أسلم وأنشد قصيدته المشهورة في التاريخ الإسلامي بقصيدة البردة والتي مطلعها  :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول             متـيم إثرها  لم يفـد مـكبول

فزهير آمن بالقدر كما في هذا البيت   :

يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر           ليوم الحساب أو يعجل فينتقم

 

وكذلك عنترة الشاعر المشهور يقول  :

يا عبل أين من المنية مهرب            إن كان ربي في السماء قضاها

ومع كل هذا فلم يكونوا بكل ذلك  مسلمين بل كانوا  من  أهل  النار   الخالدين  فيها  أبدا ومن  أدرك  الإسلام  منهم   فلم  يسلم   سفكت  دماؤهم  وسبيت   نساؤهم  واستحلت  أموالهم .

قال الشيخ الإمام سليمان بن عبدالله بن الإمام محمد بن عبدالوهاب في تيسير العزيز الحميد  : ( ومثل هذا في أشعارهم فوجب على كل من عقل عن الله تعالى أن ينظر ويبحث عن السبب الذي أوجب سفك دمائهم وسبي نسائهم وإباحة أموالهم مع هذا الإقرار والمعرفة وما ذاك إلا لإشراكهم في توحيد العبادة الذي هو تحقيق معنى لا إله إلا الله ) .

 

 

الثالث  من  أنواع   التوحيد  :

توحيد الإلهية

ويقال له : توحيد العبادة : وهو العلم والإقرار بأن الله ذو الإلهية والعبودية على خلقه أجمعين .

وهو مبني على إخلاص التأله لله تعالى وإفراده بالعبادة كلها ؛ لأن الألوهية التي هي صفة لله تعالى تعم جميع أوصاف الكمال وجميع أوصاف الربوبية والعظمة فهو سبحانه المألوه المعبود لما له من أوصاف العظمة والجلال ولما أسداه إلى خلقه من الفواضل والأفضال فتَوَحُّده تعالى بصفات الكمال وتفرده بالربوبية يلزم منه أن لا يستحق العبادة أحد سواه ودعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم الدعوة إلى هذا التوحيد .

وهذا التوحيد هو أول الدين وآخره ، وباطنه وظاهره وهو معنى قول : [ لا إله إلا الله ] فإن الإله هو : المألوه المعبود بالمحبة والخشية والإجلال والتعظيم والذل   والخضوع  .

ولأجل هذا التوحيد خلق الله الخلق وأرسل الرسل وأنزل الكتب وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار وسعداء أهل الجنة وأشقياء أهل النار فقال الله تعالى من سورة الذاريات  :{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[47]

وأول أمر في القرآن في سورة البقرة يقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[48]

وأصل العبادة غاية التذلل وهو أقصى غايات الخضوع مع غاية الحب وسمي العبد عبداً لذلته وانقياده وحبه لمعبوده ولا تستعمل العبودية إلا في الخضوع لله تعالى مع كمال حبه  وتعظيمه .

وهذه هي دعوة الرسل من أولهم  إلى خاتمهم  عليهم الصلاة والسلام قال الله تعالى في سورة المؤمنون  :{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[49] فهذه دعوة أول رسول بعد حدوث الشرك .

وفي سورة الأعراف قال هود لقومه  : {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } [50]

وقال صالح لقومه في سورة هود  : {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }[51]

وقال شعيب لقومه في سورة الأعراف  : {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }[52]

وقال إبراهيم u في سورة الأنعام  : {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [53]

وقال الله تعالى في سورة الأنبياء  : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[54]

 

وقال الله تعالى من سورة الزخرف  : {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}[55]

وفي صحيح البخاري في سؤال هرقل لأبي سفيان وكان في ذلك الوقت لا يزال على الشرك  فقد سأله  هرقل   عن النبي r  : ما يقول لكم ؟ قال   : يقول اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم

وفي حديث معاذ الذي أخرجه البخاري ومسلم لما أرسله  النبي  r  إلى اليمن قال له : (( إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ))

وفي رواية للبخاري : (( إلى أن يوحدوا الله ))

وهذا التوحيد هو أول واجب على المكلف وهو أيضاً آخر واجب وأول ما يدخل به الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا كما في حديث معاذ الذي أخرجه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد حسن : قال r : (( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل  الجنة ))

وكما قال رسول الله r في حديث أبي هريرة المتفق عليه : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله )) وهذا المعنى متواتر عن النبي r كما في نظم المتواتر (ص 9)

 

ويسمى هذا التوحيد توحيد الإلهية لأنه مبني على إخلاص التأله وهو أشد المحبة لله وحده  مع  غاية   التعظيم والذل  وذلك يستلزم إخلاص العبادة

والعبادة   : 

كل ما أحبه الله وافترضه على خلقه من اعتقادات وأقوال وأعمال ظاهرة أو باطنة وقد  جعل  الله   تحقيق العبودية وصفاً لازماً لرسوله  إلى الموت قال تعالى في سورة الحجر  : {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[56] وبذلك وصف الله  ملائكته وأنبياءه .

فقال تعالى من سورة الأنبياء : {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (109) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}[57]

وقال تعالى مقرراً العبودية لكل خلقه : {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [58] من سورة مريم .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ولما ادعت النصارى أن المسيح عيسى بن مريم إله وأنه ابن الله قال الله تعالى مكذباً دعواهم ومقرراً عبودية المسيح u لربه : {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}[59] من سورة الزخرف

وحتى لا يغالى فيه كما غالى النصارى في عيسى u قال نبينا محمد r مقرراً عبوديته لله : (( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبدٌ فقولوا عبدالله ورسوله ))[60]

وفي مواطن التكريم لهذا النبي الكريم r وصفه الله بالعبودية فقال في الإسراء وهو موطن تكريم لم يبلغه ملك ولا نبي قبله : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [61]

وقال في الإيحاء وهو منزلة تكريم أيضاً  :{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}[62]

وقال في مجال الدعوة إلى الله  وهي  تكريم  واختصاص  : {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}[63]

وقال في التنزيل للكتاب عليه وهو تكريم  واختصاص  : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}[64]

 

وتوحيد العبادة  مبني على الإخلاص لله في التأله والإرادة والقصد والعمل بأن يكون كل ذلك خالصاً لوجه الله تعالى قال تعالى : {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[65]

وقال :{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}[66]

وقال : {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ}[67]

ثم ضرب الله الأمثال لعدم الإخلاص في هذا فقال : {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[68]

 

وكل آية من القرآن الكريم داعية إلى هذا التوحيد شاهدة به متضمنة له لأن القرآن إما خبر عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله وهذا هو توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات

وإما دعاء إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه أو أمر بأنواع العبادات ونهي عن المخالفات فهذا هو توحيد الإلهية والعبادة

وهذا النوع من التوحيد مستلزم للنوعين الأوليين متضمن لهما ، وإما أن يكون ما في القرآن خبر عن إكرامه لأهل طاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة  ، فهذا جزاء توحيده

 

وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من الوبال ، فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد .

 

وهذا التوحيد هو حقيقة دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد سواه كما قال الله تعالى  : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ }[69]

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم قال r : (( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة  وإيتاء الزكاة  وصوم رمضان  وحج البيت ))

 

قال شيخ الإسلام  رحمه الله تعالى   : [ والعبد يراد به المعبد الذي عبده الله  فذلل هذا  العبد   ودبره وصرفه وبهذا الاعتبار فالمخلوقات كلهم عباد الله الأبرار  منهم والفجار والمؤمنون والكفار وأهل الجنة وأهل النار إذ هو ربهم كلهم ومليكهم لا يخرجون عن مشيئته وقدرته وكلماته التامات التي لا يجاوزها برٌ ولا فاجر فما شاء كان وإن لم يشاءوا وما شاءوا إن لم يشأه لم يكن كما قال تعالى  : { أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }[70] فهو سبحانه رب العالمين وخالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم ومقلب قلوبهم ومصرف أمورهم لا رب لهم غيره ولا مالك لهم سواه ولا خالق إلا هو سواء اعترفوا بذلك أو أنكروه وسواء علموا ذلك أو جهلوه لكن أهل الإيمان منهم عرفوا ذلك وآمنوا به وشكروه بعبوديته رغباً ورهباً بخلاف من كان جاهلاً بذلك أو جاحداً له مستكبراً على ربه لا يقر ولا يخضع له مع علمه بأن الله ربه وخالقه فالمعرفة بالحق إذا كانت مع الاستكبار عن قبوله والجحد له كانت عذاباً على صاحبها كما قال الله تعالى في سورة النمل عن قوم فرعون  : { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }

وقال تعالى في سورة البقرة عن أهل الكتاب : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[71]

وقال تعالى في سورة الأنعام : { فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[72] وإذا عرف العبد أن الله ربه وخالقه وأنه مفتقر إليه محتاج إليه عرف العبودية المتعلقة بربوبية الله فهو يسأل ربه ويتضرع إليه خاصة وقت ضره ولكنه مع ذلك قد يطيع أمره وقد يعصيه وقد يعبده وقد يعبد الشيطان والأصنام فالمشركون   قاطبة   إذا  مستهم  الضراء دعوا  الله  مخلصين  فإذا  نجاهم  من  ضرائهم  إذا  هم  يشركون كما  في  سورة  يونس  وغيرها .

 

 

 

 

 

والعبودية المتعلقة بالربوبية فقط لا تفرق بين أهل الجنة وأهل النار ولا يصير بها الرجل مؤمنا كما قال الله تعالى من سورة يوسف : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ }[73]

فإن المشركين كانوا يقرون بالعبودية المتعلقة بالربوبية كما قال تعالى من سورة الزمر  : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }[74]

وهذه هي الحقيقة الكونية التي يشترك في شهودها وفي معرفتها المؤمن والكافر والبر والفاجر بل وإبليس معترف بهذه الحقيقة .

وكذلك أهل النار بل إن إبليس يؤمن بالبعث والنشور كما حكاه الله عنه في سورة ص حيث  قال  : { رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[75]

وقال في سورة الحجر  : { رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }[76]

وقال في سورة ص أيضاً : {  فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }[77]

وقال   في  سورة  الإسراء :{ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا }[78]

وغير ذلك من الخطاب الذي يقر فيه بأن الله ربه وخالقه وخالق غيره

 

وكذلك أهل النار قالوا  : { رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ }[79]

وقال في سورة الأنعام : { ولو ترى إذ وقفوا على  ربهم  قال  أليس  هذا  بالحق   قالوا  بلى  وربنا } [80]

فمن وقف عند هذه الحقيقة وعند شهودها ولم يقم بما أمر الله به من الحقيقة الدينية التي هي عبادته المتعلقة بألوهيته وطاعة أمره وأمر رسوله r كان من جنس إبليس ومن أهل النار .

فإن ظن مع ذلك أنه من خواص أولياء الله وأهل المعرفة والتحقيق الذين سقط عنهم الأمر والنهي الشرعيان كان من شر أهل الكفر والإلحاد .

ومن ظن أن عبداً من عباد الله كائناً من كان سقط عنه الأمر لمشاهدة الإرادة ونحو ذلك كان قوله هذا من شر أقوال الكافرين بالله ورسوله حتى يدخل في النوع الثاني من معنى العبد وهو العبد بمعنى العابد فيكون عابداً لله لا يعبد إلا إياه فيطيع أمره وأمر رسوله ويوالي أولياء الله المؤمنين المتقين ويعادي أعداءه .

وهذه العبادة هي التي يحبها الله ويرضاها وبها وصف المصطفين من عباده وبها بعث رسله ]  انتهى ما أردناه من كلام شيخ الإسلام – رحمه الله .

 

 

 

 

وقال الشيخ حافظ الحكمي – رحمه الله تعالى – : [ والعبد إن أُريد به المعبد أي المذلل المسخر دخل فيه جميع المخلوقات من جميع العالم العلوي والسفلي من عاقل وغيره ، ومن رطب ويابس ، ومتحرك وساكن ، وظاهر وكامن ، ومؤمن وكافر ، وبر فاجر ، وغير ذلك الكل مخلوق لله عز وجل مسخر بتسخيره مدبر بتدبيره ولكل منها رسم يقف عليه وحد ينتهى إليه : {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ}[81] كل يجري لأجل مسمى لا يتجاوز مثقال ذرة ذلك تقدير العزيز العليم وتدبير الحكيم

وإن أريد بالعبد العابد خص ذلك بالمؤمنين وإن كان أكثر المشركين يعبدون الله عز وجل ويتقربون إليه بكثير من العبادات لكن لما أشركوا مع الله غيره في ألوهيته  كانت أعمالهم هباء منثوراً قال تعالى : { كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ }[82] و  : {  كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا }[83]  ]  انتهى كلام الشيخ حافظ  – رحمه الله  .

 

 

 

 

 

والعبادة   : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال  :

كالتلفظ بالشهادتين والأعمال الظاهرة كالصلوات الخمس والصدقة والصيام والحج والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإماطة الأذى عن طريق المسلمين وغير ذلك .

والباطنة : كالإيمان بالله وأسمائه وصفاته وإلهيته وربوبيته والإيمان بالرسل وبالكتب المنزلة من عند الله وبالملائكة وباليوم الآخر وبالإيمان بالقدر خيره وشره

ومن  الأعمال الباطنة الخشية كما في قوله تعالى من سورة المائدة  : { فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ }[84]

ومنها الرجاء  : {  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ  }[85]

ومنها المحبة : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ  }[86]

وفي  الحديث  المتفق  عليه  : (( أن  يكون  الله  ورسوله  أحب  إليه  مما  سواهما ))

ومنها التوكل :  { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }[87]

 

ومن  العبادات  الظاهرة  الدعاء  : { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [88]

قال الله تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ   }[89]

وقال تعالى من سورة يونس : { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ } [90]

ومنها الذبح   قال الله تعالى  : {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }[91]

والنسك  : الذبح

ومنها النذر  قال  تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [92]

ومنها الطواف فلا يطاف إلا ببيت الله قال تعالى من سورة الحج : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [93]

 

ومنها التوبة فلا يتاب إلا لله قال تعالى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[94] { وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ }[95]

ومنها الاستعاذة والاستغاثة قال تعالى : {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}[96]

وإنما ذكرنا هذه الأنواع خاصة ؛ لأن عباد القبور صرفوها للأموات ولمن يزعمون أنهم أولياء وسادة وإلا فكل نوع من أنواع العبادة صرفها لغير الله شرك

والشرك في هذه الأنواع هو الذي كفر الله به المشركين وأباح دماءهم وأموالهم ونساءهم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

والإنسان يمر بخمس مراحل  :

– الأولى : العدم كما قال الله تعالى   : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا }[97]

– الثانية :  مرحلة الحمل كما قال الله تعالى   : { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ }[98]

– الثالثة : مرحلة الدنيا كما قال تعالى   : { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[99]

– الرابعة : مرحلة البرزخ كما قال تعالى  : { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[100]

– الخامسة  : مرحلة البعث كما قال تعالى   :{ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [101]

والمقصود هنا بيان ركن الإيمان   : وهو الإيمان بما أخبر الله وأخبر رسوله محمد r

مما بعد الموت ومن ذلك فتنة القبر ثم عذاب القبر ونعيمه قال تعالى  : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ}[102]

 

 

ويقول النبي r  : ((  إنه أوحي إليَّ انكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريباً من فتنة الدجال ))[103]

وأخبر أن الشهيد يوقى فتنة القبر وقال   r  : (( كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ))[104]

 

وفي حديث البراء بن عازب t أخبر النبي r بتفصيل السؤال في القبر وما يعقبه من نعيم القبر أو عذابه على حسب حال الميت في الدنيا وثباته على الحق أو ميله عنه ، نسأل الله الثبات على الحق حتى نلقى الله تعالى .

فالمؤمن عندما يسأل في قبره من ربك ؟وما دينك ؟  ومن نبيك ؟ أو ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيثبته الله كما كان ثابتاً في الدنيا فيقول : ربي الله وديني الإسلام وهذا  الرجل الذي بعث  فينا  هو  رسول  الله . وعند ذلك ينادي منادي من السماء : أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة ويوسع له في قبره مد البصر .

وأما المرتاب وهو الشاك والمنافق والفاجر فيقول  :  هاه ! هاه ! لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته .

وهذا معناه أن الإيمان لم يخالط قلبه وعند ذلك ينادي منادي من السماء : أن كذب عبدي فافرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار ويضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلان .

ثم يستمر النعيم لأهل النعيم في القبر ، وعذاب الكفار والمنافقين ما شاء الله حتى قيام الساعة ، كما قال الله عن  آل فرعون   : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}[105] وهذا قبل قيام الساعة بدليل قوله تعالى بعدها  : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}

ثم يوم القيامة بعد النفخة الثانية في الصور تعاد الأرواح إلى الأجساد قال تعالى  :

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ  }[106]

فيقوم الناس من قبورهم لرب  العالمين  حفاة  عراة  غرلاً  كما  قال  عز وجل :          { اسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}[107]

وتدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً قال  :  وأشار الرسول r بيده إلى فيه .

 

 

 

وفي هذا الكرب العظيم يظل الله في ظله أقواماً :

منهم الإمام العادل .

والشاب الذي نشأ في طاعة الله .

والرجل المعلق قلبه بالمساجد .

ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله .

ورجل تصدق بصدقة فلم تعلم شماله ما تنفق يمينه .

ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه .

ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه .

كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة t .

ثم تتطاير الصحف فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله ومن وراء ظهره كما قال تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا}[108]

وتنصب الموازين فتوزن بها أعمال العباد كما قال سبحانه وتعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ }[109]

وقـال سبحانـه : {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ}[110]

 

ويقول النبي r  :  (( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم )) أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t .

وهو ميزان حسي له كفتان توزن فيه الأعمال قال تعالى  : {  فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (٧) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره }[111]

ويخلو الله بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه ثم يقول سبحانه : (( سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم )) وفيه : (( وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق  هؤلاء الذي كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ))

 

وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي r ماءه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل ورائحته أطيب من رائحة المسك وآنيته عدد نجوم السماء من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً يصب فيه ميزابان من الكوثر الذي أعطاه الله في الجنة ولكل نبي من الأنبياء حوض كما ورد ذلك في حديث أخرجه الترمذي وغيره .

ومما في يوم القيامة الصراط وهو منصوب على متن جهنم وهو الجسر الذي بين الجنة والنار وقد أخبر النبي r  : (( أنه دحض مزلة )) كما أخرج ذلك البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري t .

 

 

 

وقد ورد أنه أدق من الشعر وأحد من السيف يمر الناس عليه على قدر أعمالهم :

– منهم من يمر كالبرق .

– ومنهم من يمر كالريح .

– ومنهم من يمر كالفرس الجواد .

– ومنهم من يمر كالركاب  وهي  الأبل .

– ومنهم من يمر يعدو عدواً .

– ومنهم من يمشي مشياً .

– ومنهم من يزحف زحفاً .

– ومنهم من يخطف خطفاً ويلقى في جهنم ، فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم ، كما أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري t .

 

فإذا عبروا  الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض حتى يدخلوا الجنة وليس في قلوبهم غل  كما قال الله تعالى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } [112]

 

وأول من يقرع باب الجنة نبينا محمد r كما أخرج ذلك الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك t .

 

 

وهذا من ضمن ما يكرم الله به نبينا محمد r في يوم القيامة .

– وقد تفضل الله عليه بالشفاعة العظمى .

وهي المقام المحمود التي يتراجع عنها أولو العزم من الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام من آدم إلى نوح إلى إبراهيم إلى موسى وعيسى حتى  يصل الأمر إلى  نبينا r فيقول : (( أنا  لها  )) r

فيأتي حتى يسجد تحت العرش ويحمد الله بمحامد يفتحها عليه في حينه ذاك لا يعلمها من قبل فيقال له  : (( سل تعطى واشفع تشفع ))

 

– ومن  الشفاعة  التي  خص  بها  نبينا  r  شفاعته لعمه أبي طالب ليخفف عنه من العذاب ولولا  شفاعته له  لكان  في  الدرك  الأسفل  من  النار  ولكنه  بشفاعة  نبينا r  يخفف عنه فيلبس  نعلين من نار يغلي  منهما  دماغه وفي  رواية : (( شراك  من  نار )) وفي رواية : (( يوضع  في أخمص قدميه  جمرة  يغلي منهما دماغه  )) يضن   أنه  أشد  الناس عذابا وهو أهونهم  .

 

– ومنها شفاعته لأقوام من أمته من أهل المعاصي استحقوا النار فيشفع لهم فلا يدخلوها .

 

– ومنها شفاعته لأقوام دخلوا النار بذنوبهم  فيخرجوا منها .

 

– ومنها شفاعته لأهل الجنة في دخولها ، ويكون هو r أول الداخلين وأمته أول الأمم دخولاً إلى الجنة كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن أبي هريرة t قال : قال رسول  الله  r  :  (( نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من  يدخل الجنة ))

ورواه البخاري ومسلم بلفظ : (( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ))

ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر تفاصيل ما أخبر الله وأخبر الرسول به من ثواب لأهل الطاعة وعقاب لأهل المعاصي .

فأما الأبرار فقال الله تعالى فيهم  : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[113]

وأما الكافرين فقال الله سبحانه  : { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا }[114] نسأل الله من فضله ونعوذ به من عذابه .

 

 

 

 

 

 

 

ومن أصول الإيمان  : الإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره من الله سبحانه قال تعالى   : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[115]

 

والقدر مراتب   :

 – وأولها  : مرتبة العلم  : وهو أن يعلم المؤمن علم اليقين أن الله عز وجل علم الخلق وأعمالهم قبل وجودهم وأن علمه سبحانه أزلي وأبدي لم يسبقه جهل ولا يلحقه نسيان قال عز وجل  : { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[116]

وقوله  : {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }[117]

وقوله  : { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }[118]

 

 

 

 

 

 

 

 والمرتبة الثانية  : هي مرتبة كتابة المقادير في اللوح المحفوظ قال تعالى   : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  }[119]

وقوله تعالى   : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  }[120]

 

وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال  : قال رسول الله r : ((  كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة

قال وكان عرشه على الماء ))

 

وفي السنن : (( أول ما خلق الله القلم قال له : اكتب قال :  ما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ))

 

 

 

 

 

 

 

والمرتبة الثالثة من مراتب القدر :  مشيئة الله النافذة في خلقه وقدرته الشاملة  فما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن وأنه ما في السماوات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه قال عز وجل : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا }[121]

وقال عز وجل  : { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ }[122]

 

 

والمرتبة الرابعة : أن الله خلق الخلق جميعاً وخلق أعمالهم قـال عز وجل  : { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ }[123]

وقال  تعالى  : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[124]

وقال عز وجل  : { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [125]

 

والعباد مأمورون بطاعته سبحانه وطاعة رسوله وليس لأحد من الخلق حجة في القدر على ارتكاب المعاصي وتركه الطاعات بل الحجة قائمة لله على خلقه .

 

 

ومن أصول الإيمان   :

الإيمان بالملائكة : وهم خلق من خلق الله خلقهم من النور كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي r  قال  : (( خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم )) .

وهم موكولون بالسماوات والأرض قال تعالى : { فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا }[126]

فهم رسل الله في خلقه وأمره وسفراؤه بينه وبين عباده .

وهم عاملون بأمر الله :{ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[127]

{  لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ }[128]

وهم مجبولون على الطاعة مشتغلون بعبادة ربهم  : { فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ }[129]

وأعلاهم فضلاً جبريل وميكائيل وإسرافيل وهم الموكلون بالحياة فجبريل موكل بحياة القلوب والأرواح وهو الوحي المنزل على الأنبياء وميكائيل موكل بالقطر وهو حياة النبات والحيوان وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور وبه حياة الخلق بعد مماتهم .

 

 

 

ثم الملائكة أصناف ولكل منهم عمل موكل به كما في الكتاب والسنة ، ومنهم   :

الكرام الكاتبون وهم الحفظة الذين وكلوا بكتابة أعمال المكلفين قال تعالى :{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[130]

وقال سبحانه : { إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }[131]

ومنهم : ملك الموت قال تعالى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }[132]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ومن أصول الإيمان  :

الإيمان بالكتب المنزلة على المرسلين عليهم الصلاة والسلام فنؤمن بما سمى الله تعالى منها في كتابه التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وصحف إبراهيم وصحف  موسى  .

ونؤمن بأن الله تعالى قد أنزل غير ذلك كتباً لا يعرف أسماءها وعددها إلا الله قال تعالى :{ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }[133]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ومن أصول الإيمان   :

 

الإيمان بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام فمن سماه الله في القرآن نؤمن به باسمه .

ثم نؤمن أن لله رسلاً غيرهم كما قال الله تعالى في سورة النساء :{ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[134]

وقال تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}[135]

ونؤمن بأن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم ونصحوا لأممهم وجاهدوا في الله حق جهاده .

ونؤمن أن نبينا محمدا  r هو خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم يوم القيامة .

وهو أكمل الخلق عبودية لله ولذا أثنى عليه بها في مواطن التكريم والتشريف قال تعالى في سورة الإسراء  : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ }  [136]

وقال في الدعوة إلى الله  : { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ } [137]

وقال في الوحي   : { فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [138]

 

وقال في إنزال الكتاب عليه : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}[139]

وكل ذلك مواطن تكريم وتشريف فعلم بذلك أن أعظم خصاله  rكمال عبوديته لله وأن أسمى وأكرم صفات المخلوق على الإطلاق هو وصف العبودية .

 

فحقه r أن نصدقه فيما أخبر قال r : (( ألا تأمنوني  وأنا  أمين  من  في السماء  يأتيني خبر  السماء  صبحة  وعشيا )) أخرجه  البخاري  ومسلم .

وأن نطيعه فيما أمر قال  الله  تعالى  : {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[140]

وفي  آيات  عديدة  يأمر الله بطاعته  وطاعة  رسوله  وأن نجتنب ما عنه نهى وزجر قال r : (( إذا أمرتكم  بأمر  فأتوا منه  ما استطعتم وإذا  نهيتكم  عن  شيء  فاجتنبوه ))  أخرجه  الإمام  مسلم في  صحيحه من  حديث  أبي  هريرة  t

وأن  لا يعبد الله  إلا بما شرع قال r : (( من  عمل  عملا  ليس  عليه  أمرنا  فهو  رد  ))  أخرجه  مسلم  في  صحيحه

وأن نحبه ونجله أعظم من محبة الوالد والولد والناس أجمعين حتى من النفس قال  r : (( والذي  نفسي  بيده  لا  يؤمن  أحدكم  حتى  أكون  أحب  إليه  من  والده   وولده  والناس  أجمعين  )) أخرجه البخاري ومسلم من حديث  أنس t  ونحوه  من حديث  أبي  هريرة t

 

وأن نعتقد أنه مبعوث إلى الناس كافة وإلى الإنس والجن قال  الله  تعالى  : {  قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[141]

وكما قالت الجن : { يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ}[142]

 

وكما في قوله r : ((  أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة )) أخرجاه في  الصحيحين

 

ونؤمن أنه r قد أدى الأمانة وبلغ الرسالة وجاهد في الله حق الجهاد قال  تعالى  :

{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[143]

 

وأنه ما مات إلا بعد أن بين المحجة قال  r في  موعظته : (( تركتكم  على  البيضاء   ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك )) أخرجه أحمد وأصحاب  السنن  بإسناد  صحيح

 

وأقام الحجة وأكمل الله به الدين وأتم النعمة  قال  الله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[144]

فلله الحمد والمنة

 

ولمحبته r علامات ومظاهر إذا تحلى وتخلق به المؤمن كان محباً صادقاً وإذا خالفها كانت محبته دعوى واتباع هوى  :

 *- وأول هذه العلامات : طاعته r واتباعه قال تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[145]

 

قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره  : [ هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية بأنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله كما ثبت في الصحيح عن رسول الله r أنه قال  : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) ولهذا قال  : { إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم وهذا أعظم من الأول كما قال بعض الحكماء  : [ ليس الشأن أن تُحِب إنما الشأن أن تُحَب ] وقال الحسن البصري وغيره من السلف :  زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذا الآية  : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}  ] انتهى

فتبين بهذا أن الاتباع هو أعظم شاهد على صدق المحبة ، بل هو من أجل ثمارها فالصادق في حب النبي r هو من أطاعه واقتدى به ، وآثر ما يحبه الله ورسوله على هوى نفسه وظهرت آثار ذلك عليه من موافقته في حب ما يحبه وبغض ما يبغضه .

يقول القاضي عياض : [ اعلم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقاً في حبه وكان مدعياً فالصادق في حب النبي r من تظهر علامة ذلك عليه وأولها الاقتداء به واستعمال سنته ، واتباع أقواله وأفعاله ، وامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، والتأدب بآدابه في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه وشاهد ذلك قوله تعالى  : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }[146]

وإيثار ما شرعه على هوى نفسه وموافقة شهواته قال الله تعالى : { وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }[147] ]  انتهى

 

 

 

 

 

 

 

 

*- وثانيهما  : تعظيم النبي r وتوقيره والأدب معه .

وقد كان الصحابة y  أكثر الناس حباً وتعظيماً لرسول الله r .

والتعظيم يكون بالقلب واللسان والجوارح .

فالقلب يعتقد كونه رسولاً اصطفاه الله برسالته وخصه بنبوته ، وأعلى قدره ورفع ذكره وفضله على سائر البشر .

وأما اللسان فيكون بالثناء عليه بما هو أهله مما أثنى عليه به ربه عز وجل أو ذكره عن نفسه r من غير غلو ولا تقصير ويدخل في ذلك   كثرة الصلاة عليه والأدب في الحديث عنه وعدم  رفع  الصوت  عند  قراءة  حديثه أو  استماعه وعدم  التقدم  بين  يدي الله ورسوله بقول  أو فعل  أو  رأي أو هوى  .

وأما الجوارح فبمتابعته وطاعته والسعي في إظهار دينه والدعوة إلى سنته وشريعته والذب عنه وصون حرمته قال الله تعالى  : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا }[148]

فالتسبيح لله عز وجل والتوقير للنبي r .

وقال تعالى : { فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[149]

والتعزير بمعنى التعظيم قال ابن جرير في تفسير  آية سورة الفتح :  [ معنى التعزير في هذا الموضع التقوية بالنصرة والمعونة ، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال ] انتهى

وقد أبان الله في كتابه عن وجوه الأدب مع النبي r وتعظيمه وما ينبغي على المسلم أن يتأدب به مع رسول الله r وذلك في آيات شتى .

كما في أوائل سورة الحجرات فقد اشتملت على النهي عن   :

١-   التقدم بين يديه في قول أو فعل .

٢-  عدم رفع الصوت فوق صوته r .

٣- عدم الجهر له بالقول .

 

ومن ذلك قوله تعالى : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}[150]

 

وهذا يشمل  أن لا يدعى باسمه المجرد بل يقول [ يا نبي الله ] أو [ يا رسول الله ] مع خفض الصوت .

 

ويشمل أن من دعاه الرسول فلا بد من الإجابة والسمع والطاعة كما  في  حديث  أبي  سعيد بن  المعلا  t لما  ناداه  النبي  r  وهو  يصلي  فلم  يجبه  إلا  بعد  انتهائه  من  صلاته  وهو  في  الصحيحين  ، إلى غير ذلك مما ذكره الله  من  هذه  الحقوق  في كتابه وذكره رسوله من وجوه الأدب والتعظيم لرسول الله r .

 

 

ومع  ذلك  فعلى المؤمن أن يفرق بين ما هو من حقوق الربوبية أو الألوهية التي لا يجوز صرفها لغير الله تعالى وبين حقوق النبي r  ليضع كل شيء في موضعه .

وقد ربى النبي r أمته على الهدي القويم في ذلك فقال  r   : ((  لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله )) أخرجه الإمام البخاري في الصحيح .

وفي مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم عن أنس بن مالك t أن رجلاً قال  : يا  محمد  يا  سيدنا  وابن  سيدنا  وخيرنا  وابن  خيرنا  فقال  رسول الله r  : ((  يا أيها  الناس قولوا  بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان  أنا  محمد  بن عبدالله ، عبدالله ورسوله والله ما أحب أن  ترفعوني  فوق منزلتي التي أنزلني  الله عز وجل  ))

وعندما قال له رجل : ما شاء الله وشئت فقال النبي  r  : ((  أجعلتني والله عدلاً ، بل ما شاء الله وحده )) أخرجه الإمام أحمد عن ابن عباس بإسناد حسن

 

 

 

 

 

 

 

 

ومن مظاهر محبة النبي r محبة قرابته وآل بيته وأزواجه وصحابته قال الله تعالى   : { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }[151]

وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم t  قال : قام رسول الله r  يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خُمّ بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ  وذكر ، ثم  قال   :  (( أما بعد : ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به )) فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال : (( وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي )) فقال له حصين بن سبرة راوي الحديث عن زيد بن أرقم ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس .

وأخرج البخاري عن أبي بكر الصديق t قال : (( راقبوا محمد r في أهل بيته))

 

 

 

 

 

 

ومن مظاهر محبته r حب أصحابه ومعرفة فضلهم وقدرهم والثناء عليهم بما هم أهله والانتصار لهم ممن يؤذيهم وبغير الخير يذكرهم فهم خير هذه الأمة بعد نبيها فهم أبر الناس قلوباً وأصدقهم لهجة وأعمقهم إيماناً وأرسخهم علماً وأصحّهم فهماً اختارهم الله لصحبة نبيه r وهذه المنزلة لا يعادلها منزلة سواها في هذه الأمة وقد أثنى الله عليهم في كتابه في مواضع كثيرة منها :

قوله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[152]

وقال تعالى :{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ }[153] وغيرها

والنبي r يقول : (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) متفق عليه .

وفي الصحيحين يقول النبي r : (( لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ))

 

 

 

 

 

ومن مظاهر محبة النبي r محبة سنته ومحبة الداعين إليها والمتمسكين بها قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[154]

 

قال ابن أبي العز الحنفي – رحمه الله – في شرح الطحاوية :  [ فيجب على كل مسلم بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن خصوصاً العلماء الذين هم ورثة الأنبياء الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم إذ كل أمة قبل مبعث الرسول r علماؤها شرارها إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم فإنهم خلفاء رسول r في أمته والمحيون لما مات من سنته فبهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا وكلهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب ابتاع الرسول r ] انتهى

 

والمقصود بهذا علماء السنة الداعين إليها المتمسكين بها الذابين عنها ، وأما أعداء السنة ومبغضوها ومبغضوا أهلها فيجب بغضهم في الله ومن أجله كما ينبغي التحرز والتيقظ للمارقين والمنافقين والمنهزمين من حملة الأقلام المسمومة من الكتاب والأدباء والشعراء والمؤرخين والصحفيين الذين راحوا يشوهون التاريخ ويقلبون الحقائق ويطعنون في خيار هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم من علماء الأمة ويختلقون الأكاذيب أو ينقلونها عن  هوى وعدم بصيرة نسأل الله السلامة والعافية ونسأله العصمة وأن يقي المسلمين شر  دعاة الباطل وأولياء الشيطان .

ولمحبة النبي r آثار ونتائج عظيمة فمنها   :

حلاوة الإيمان كما قال  r : (( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما … )) الحديث متفق عليه

 

ومنها : أن يحشر مع النبي r كما في قوله r  : (( المرء مع من أحب )) متفق عليه

ولما سأله الرجل عن الساعة قال : (( ما أعددت لها ؟ )) قال : لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله r فقال : (( أنت مع من أحببت ))  متفق عليه

 

ولكن لا يكون ذلك مع الإعراض عن هديه r  وإتباع غير سنته والسير في غير سبيله بل يكون مع الاجتهاد على تحصيل السنة وإتباع الهدى والطاعة والتشمير في سلوك سبيله اعتقاداً وقولاً وعملاً

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ومن أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة والسمع والطاعة والنصيحة لكل مسلم قال عز وجل  : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}[155]

وقال عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }[156]

 

وقال r : (( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة )) الحديث

 

وقال r : (( الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة )) قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال  : (( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم  )) أخرجه مسلم

 

فأهل السنة يعبدون الرب وينصحون الخلق

ومن أصول  أهل  السنة عدم الخروج على الأئمة ولو جاروا قال r  : (( إلا أن تروا كفراً بواحاً ))

 

وقال r   : (( من مات وليس في عنقه بيعة فميتته جاهلية ))

 

 

ومن أصولهم عدم الجزم لمعين بجنة أو نار إلا من حكم الله ورسوله له بذلك ولكنهم يرجون للمحسن ويخافون على العاصي المذنب .

 

ومن أصول أهل السنة أنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب سوى من كفره الله ورسوله فالتكفير والتفسيق والتبديع أحكام شرعية لا تنزل على المعين إلا بتحقق شروطها وانتفاء موانعها .

 

وأخيراً أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلنا من أهل سنته والمتمسكين بهديه وأن يرزقنا الصدق في محبته وطاعته وأن يمنّ علينا بالثبات على ذلك حتى يتوفانا وهو راضٍ عنا .

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين .

 

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

1- في عام 1442 هـ أضاف عليها شيخنا رحمه الله تعليقات ميسرة   

1- سورة آل عمران الآية (102)

2- سورة النساء الآية (1)

3- سورة الأحزاب الآيات (70-71)

1- سورة الجن الآيات (26-27)

1- سورة الروم الآية (30)

2- سورة الأعراف الآيات (172-173)

3- رواه مسلم

1- سورة المائدة الآية (1)

1- متفق عليه

2- سورة البقرة الآية (213)

1- سورة المائدة الآية (77)

1- سورة الحجرات الآية (14)

2- سورة الحجرات الآية (7)

3- سورة المجادلة الآية (22)

1- منقولاً عن كتاب الإيمان الأوسط

1- سورة ص الآية (76)

2- سورة ص الآية (82)

3- سورة البقرة الآية (89)

1- سورة البقرة الآية (146)

2- سورة البقرة الآية (146)

3- سورة النمل الآية (14)

4- سورة الأنعام الآية (33)

1- سورة البقرة الآيات (136-137)

2- متفق عليه

1- سورة المنافقون الآية (1)

1- سورة البقرة الآية (143)

2- سورة الأنفال الآيات (2-4)

1- سورة البقرة الآية (177)

2- سورة البقرة الآية (285)

1- سورة الشورى الآية (11)

2- سورة طه الآية (5)

3- سورة طه الآية (39)

4- سورة القمر الآية (14) الطور (48) المؤمنون (27) هود (37)

5- سورة طه الآية (46)

6- سورة المائدة الآية (64)

1- سورة ص الآية (75)

2- سورة الفجر الآية (22)

3- سورة الزمر الآية (67)

1- سورة الحجر الآية (39)

2- سورة يونس الآية (31)

1- سورة العنكبوت الآية (63)

2- سورة الزخرف الآية (87)

3- سورة النمل الآية (62)

4- سورة يوسف الآية (106)

1- سورة آل عمران الآية (67)

1- سورة الذاريات الآية (56)

2- سورة البقرة الآية (21)

1- سورة المؤمنون الآية (23)

2- سورة الأعراف الآية (65)

3- سورة هود الآية (61)

4- سورة الأعراف الآية (85)

5- سورة الأنعام الآية (79)

6- سورة الأنبياء الآية (25)

1- سورة الزخرف الآية (45)

1- سورة الحجر الآية (99)

2- سورة الأنبياء الآيات (19-20)

3- سورة مريم الآية (93)

1- سورة الزخرف الآية (59)

2- أخرجه البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب t .

3- سورة الإسراء الآية (1)

4- سورة النجم الآية (10)

5- سورة الجن الآية (19)

6- سورة الكهف الآية (1)

1- سورة الزمر الآية (2)

2- سورة الزمر الآيات (11-12)

3- سورة الزمر الآيات (14-15)

4- سورة الزمر الآية (29)

1- سورة آل عمران الآية (19)

2- سورة آل عمران الآية (83)

1- سورة البقرة الآية (146)

2- سورة الأنعام الآية (33)

1- سورة يوسف الآية (106)

2- سورة الزمر الآية (38)

3- سورة ص الآية (79)

4- سورة الحجر الآية (39)

5- سورة ص الآية (82)

6- سورة الإسراء الآية (62)

1- سورة المؤمنون الآية (106)

2- سورة الأنعام الآية (30)

1- سورة يس الآية (40)

2- سورة إبراهيم الآية (18)

3- سورة النور الآية (39)

1- سورة المائدة الآية (44)

2- سورة البقرة الآية (218)

3- سورة البقرة الآية (165)

4- سورة المائدة الآية (23)

1- سورة فاطر الآيات (13-14)

2- سورة غافر الآية (60)

3- سورة يونس الآية (106)

4- سورة الأنعام الآيات (162-163)

5- سورة الإنسان الآية (7)

6- سورة الحج الآية (29)

1- سورة النور الآية (31)

2- سورة آل عمران الآية (135)

3- سورة الأعراف الآية (200)

1- سورة الإنسان الآية (1)

2- سورة الزمر الآية (6)

3- سورة النحل الآية (78)

4- سورة المؤمنون الآية (100)

5- سورة المؤمنون الآية (16)

6- سورة إبراهيم الآية (27)

1- أخرجه البخاري ومسلم عن أسماء رضي الله عنها

2- أخرجه النسائي بإسناد صحيح

1- سورة غافر الآية (46)

2- سورة الحج الآيات (1-2)

3- سورة ق الآيات (42-43)

1- سورة الانشقاق الآيات (7-12)

2- سورة الأنبياء الآية (47)

3- سورة الأعراف الآيات (8-9)

1- سورة الزلزلة الآيات (7-8)

1- سورة الحجر الآية (47)

1- سورة السجدة الآية (17)

2- سورة الأحزاب الآيات (64-65)

1- سورة القمر الآية (49)

2- سورة البقرة الآية (282)

3- سورة النساء الآية (32)

4- سورة الطلاق الآية (12)

1- سورة الحج الآية (70)

2- سورة الحديد الآية (22)

1- سورة فاطر الآية (44)

2- سورة الإنسان الآية (30)

3- سورة الزمر الآية (62)

4- سورة الفرقان الآية (2)

5- سورة الصافات الآية (96)

1- سورة النازعات الآية (5) 

2- سورة التحريم الآية (6)

3- سورة الأنبياء الآية (27)

4- سورة فصلت الآية (38)

1- سورة الانفطار الآيات (10-12)

2- سورة ق الآيات (17-18)

3- سورة السجدة الآية (11)

1- سورة البقرة الآية (136)

1- سورة النساء الآية (164)

2- سورة غافر الآية (78)

3- سورة الإسراء الآية (1)

4- سورة الجن الآية (19)

5- سورة النجم الآية (10)

1- سورة الكهف الآية (1)

2- سورة النساء الآية (80)

1- سورة الأعراف الآية (158)

2- سورة الأحقاف الآية (31)

3- سورة المائدة الآية (67)

1- سورة المائدة الآية (3)

2- سورة آل عمران الآية (31)

1- سورة آل عمران الآية (31)

2- سورة الحشر الآية (9)

1- سورة الفتح الآية (8-9)

2- سورة الأعراف الآية (157)

1- سورة النور الآية (63)

1- سورة الشورى الآية (23)

1- سورة التوبة الآية (100)

2- سورة الفتح الآية (18)

1- سورة الحشر الآية (10)

1- سورة آل عمران الآية (103)

2- سورة النساء الآية (59)