ج/لقد أرسل الله رسوله وأنزل عليه كلامه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وذلك بعد أن أظلمت الدنيا على أهلها وسُدت عليهم أبواب الهدى واجتالتهم الشياطين عن الصراط المستقيم وحرفت الكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله عليهم الصلاة والسلام .
ولم تهتدي البشرية جمعاء بعقولها إلى سبيل نجاتها بل تردت في مهاوي الردى مع أنه كان فيهم الفلاسفة والحكماء وأهل الدهاء وساسة البشر في أمور الملك والرياسة ، فَعُلم أن الهداية إلى سبيل الفلاح والسعادة الحقيقة لا يوصل إليه بالعقول إذا ابتعدت عن الوحي المنزل من عند ربها العالم بما يصلحها ويصلح لها في دنياها وأخراها ولذلك كانت الهداية إلى الصراط المستقيم صراط الله محصورة في التسليم والإتباع للوحي وعدم التقدم عليه فتيقن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك حق اليقين فعلموا وعملوا على نور وصراط مستقيم فعاش المسلمون في القرن الأول والثاني والثالث في الحياة الحقيقية التي لا تنال إلا بالاستجابة لله والرسول صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم لما يحييهم ونالوا عز الدنيا وشرف الآخرة وأعظم ذلك رضوان الله ومعيته الخاصة لمن آمن واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فلم تنكسر لهم قناة ولم تخفض لهم راية ولم يُفل لهم حد حتى بلغ الإسلام مشارق الأرض ومغاربها
فلما مضت القرون التي التزمت بذلك المنهج ودخل في الإسلام أهل الثقافات المختلفة والتي عاشت في ظلام تلك الثقافات وظلمها ونشرت تلك الثقافات التي انتجتها العقول الكليلة القاصرة ونشرتها بقوة السلطان القاهر الجاهل حصل الخلل في حياة المسلمين وضعف النور واليقين وفشت الشكوك والشبهات ولبس على الناس دينهم وعاد كثير منهم إلى جاهلية جهلاء أنكد في بعض جوانبها من الجاهلية الأولى .
وهذا كله حصل بسبب تقديم ما أنتجته وانتهجته العقول القاصرة على الوحي المعصوم المنزل من عند الحكيم الخبير فمن هنا قيل : [ من قدم العقل على النقل ضل ] فنسأل الله أن لا يضلنا بعد الهدى