ج/ هذه المسألة حذر وخاف منها أئمة السلف وكبار التابعين ومن بعدهم
أئمة السنة الذين كان علمهم ويقينهم راسخ أرسخ من الجبال الراسية خافوا على أنفسهم من الشبهات
ولذلك لما دخل رجل من المبتدعة على ابن سيرين في بيته وابن سيرين هو الإمام المقدم الإمام الكبير والعالم الرباني وهو من تلاميذ أبي هريرة رضي الله عنه مباشرة من تلاميذ الصحابة رضي الله عنهم لما دخل عليه هذا المبتدع قال : يا إمام اسمع مني آية
قال : ولا آية . قال : اسمع مني حديث . قال : ولا حديث . قال : أسمعني آية من القرآن . قال : ولا آية . قال : أسمعني حديث . قال : ولا حديث ، وإن لم تخرج خرجت . فقالوا : للرجل تخرج الرجل من بيته ؟ فلما خرج سأله أحد الحاضرين وقال : يا إمام رجل يطلب منك أن تسمعه آية أو تسمع منه آية أو تسمعه حديث أو تسمع منه حديث فترفض ؟ قال : خشيت أن يلقي شبهة فتقع في قلبي فأهلك
فالغرور مصيبة وهذا الإمام عرف قدر نفسه وأنه إنسان ضعيف مهما بلغ من العلم وأنه إن تعرض للبلاء قد يكله الله إلى نفسه فيهلك
هذا عالم بالله لا يختبر الله ولا يعجب بنفسه ولا بما عنده من العلم متواضع لله يعرف الله عز وجل حق المعرفة
فخشي أن يعتمد على علمه وأنه عالم بالشبهة وعالم بكشفها ولكنه خشي أن يتخلى الله عنه فيقع الزيغ في قلبه لما يسمع الشبهة فيهلك
والمصيبة في أهل هذا الزمان أنهم جمعوا بين الجهل وبين الغرور ، ولذلك تجد إنسان جاهل وعنده عجب في نفسه أنه لا يخشى عليه من كلام الرافضة ولا غيرهم
فالسلف جمعوا بين العلم والتواضع لله والخوف من الله ، وكثير من أهل هذا الزمان جمعوا بين الجهل والغرور ، والله لا يعرفون شبهة ولا عندهم الإيمان الراسخ الذي يجعلهم يسلمون لله عز وجل فيما يتعلق بالإيمان وحقائق الإيمان
وفي نفس الوقت معجبين بأنفسهم وهذا مصيبة آخر الزمان ، وهذا كله أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان يجمعون بين الجهل والغرور خداع النفس تخدعهم نفوسهم حتى يهلكون
فالواجب على المسلم أن يتأسى بأولئك الصالحين أهل العلم حقا وأهل الإيمان حقا
والذين زكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( خَيْرُكُمْ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ))[1] ثلاثة قرون فقط زكاها النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ وَيَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ ))
فالذي نوصي به كل من يقبل النصيحة ألا يعرض نفسه للفتن فإن الفتن كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من استشرف لها تستشرفه من تعرض لها خطفته هكذا حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا قال : (( … مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ ))[2]
ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان بلزوم البيوت والصمت وعدم الكلام إلا فيما هو ضروري وما هو متيقن من أنه حق وصدق يقرب إلى الله مثل أن يتيقن أن الشمس قد وصلت وسط السماء ، فأما دون هذا فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( الْزَمْ بَيْتَكَ وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَخُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ … ))[3]
فأما أن يتعرض الإنسان للبلاء والشبهات فهو والله كمن رمى نفسه بين الوحوش الكاسرة من غير سلاح ولا وقاية ويظن أنه يسلم أو أنه لا خطر عليه ولا ضرر ، هذا أخطر لأن غاية ما تفعله الوحوش أن تأكله إذا كانت جياع وينتهي الأمر
وأما الشبهات فإنها تلقي به في جهنم التي لا يبرد حرها ولا يخف لهيبها ولا تزداد إلا تسعيرا ونارا تلظى
فعلى المسلم أن يكون حذر على نفسه وأن يترك الغرور ويرجع إلى الله عز وجل ويلزم طريق النبي صلى الله عليه وسلموأصحابه النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة عديدة يُسأل فيقول : (( … حَتّى أَسْأَلَ جِبْرِيل ))[4] هذا وهو رسول الله وأنزل الله عليه القرآن ومثله معه ووضع الله يديه بين كتفيه حتى وجد بردهما على صدره وعلم ما في السماوات وما في الأرض ومع ذلك كان يسأل عن المسألة فيقول : (( … حَتّى أَسْأَلَ جِبْرِيل ))
نحن نسأل من ؟ هل نسأل جبريل ؟ وهل يتنزل علينا جبريل ؟ لا إله إلا الله
فعلى المسلم أن يحذر غاية الحذر على نفسه والله الحافظ وطالما الإنسان في هذه الدنيا فهو مبتلى وإذا ما أخذ الحيطة والحذر أكثر ممن يهرب من النار المضطرمة ومن السباع الكاسرة فليحذر من الشبهات حفظنا الله وإياكم والمسلمين
1- أخرجه البخاري برقم (2651) طبعة دار السلام
2- أخرجه البخاري برقم (7081) طبعة دار السلام