ج/ الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وبعد
فقد بوب شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – في كتاب التوحيد باب : التسمي بقاضي القضاة ونحوه ثم أورد حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين : (( إن أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكِ الأَمْلاَكِ لا مَالِكَ إِلاّ الله )) قَالَ سُفْيَانُ : مِثْلُ شَاهَانْ شَاهْ
وفي المسائل قال : أن ما في معناه مثله كما قال سفيان
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن – رحمه الله – في فتح المجيد : ذكر المصنف –رحمه الله – هذه الترجمة إشارة إلى النهي عن التسمي بقاضي القضاة قياساً على ما في حديث الباب لكونه شبهة في المعنى فينهى عنه
وقال سماحة شيخنا العلامة الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – في تعليقه المفيد على كتاب التوحيد : أراد المؤلف بهذه الترجمة بيان النهي عن الأسماء التي يكون بها تعلق بمشابهة أسماء الله تعالى … إلى أن قال – رحمه الله – وكذلك قاضي القضاة وهذا يقع في بعض الدول وإن كانوا يريدون به قاضي قضاة البلد لكن إطلاقه غير مناسب ولا ينبغي
أما إذا قيد : قاضي قضاة مصر أو مكة وغير ذلك فهذا أسهل وتركه أولى .. انتهى
وقال والدنا العلامة وشيخنا الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله – في شرحه لكتاب التوحيد : قوله باب : التسمي بقاضي القضاة : أي وضع الشخص نفسه هذا الاسم أو رضاه به من غيره
وعندما سئل الإمام العلامة شيخ مشايخنا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ – تغمده الله برحمته ورضوانه – : هل يجوز أن يقال لأحد من العلماء : [ المفتي الأكبر ] ؟ قال – رحمه الله : تلقيب الشخص بالمفتي الأكبر له اعتباران :
– الاعتبار الأول : أن يكون هذا الشخص هو الذي يسمي نفسه بهذا الاسم ويحبه ويطلب من الناس أن يسموه به
– والاعتبار الثاني : كون الناس يسمونه بهذا الاسم بدون تشوف منه ولا طلب ولا رغبه فيه
فأما بالنسبة للاعتبار الأول فأنا شخصياً لا أسمي نفـسي بهذا الاسم لا شفهياً ولا كتابياً ولا أرغب أن يسميني به أحد بل أكرهه وقد نبهت على هذا مراراً في عدة مناسبات
وأما بالنسبة للاعتبار الثاني وهو كون الناس يسمون الشخص بهذا الاسم فلا يظهر لي أن في هذا مانعاً شرعياً لأنه وإن كان بلفظ أفعل التفضيل فليس القصد منه التفضيل المطلق ومنازعة الرب في الأكبرية وإنما القصد أنه أكبر الموجودين من المفتين ومرجع لهم . انتهى المقصود منه
قلت : فتبين من كلام أهل العلم أن هذا القول فيه تفصيل فيمنع ويحرم إذا كان الشخص هو الذي يسمي نفسه بذلك ويتشوف له ويحب أن يسمى به
فأما إذا كان يكره ذلك ولا يرغبه ولكن الناس يقولونه ويسمونه به فهذا إذا كان مقيداً بمكان أو زمان وكان المسمى بذلك أهلاً وتؤمن عليه الفتنة فلا بأس ، وأما إذا كان مطلقاً فإنه يمنع بكل حال
وكذلك إذا لم يكن الشخص أهلاً لذلك أو خُشيت عليه الفتنة بأن يصيبه الغرور فيهلك بذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن مدح صاحبه : (( وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبكَ )) [1] وصلى الله وبارك على عبده ورسوله محمد [2]
1- أخرجه البخاري برقم (2662) طبعة بيت الأفكار الدولية ومسلم برقم (3000) طبعة دار المغني